الضفة والمعركة في غزة

الاحتلال يحاول كي وعي الجبهة الأخطر بالمذبحة

اثار القصف الاسرائيلي على قطاع غزة
اثار القصف الاسرائيلي على قطاع غزة

لم تفقد جبهة الضفة الغربية زخمها خلال معركة طوفان الاقصي رغم تباين وتيرة التفاعل الشعبي والفعل المقاوم على الأرض مع الاحداث، لكنها ظلت تشكل مصدر تهديد وقلق امني كبيرين بالنسبة لإسرائيل خشية الانفجار بالتزامن مع ما يجري في غزة لذلك حولت رسائلها الدامية والانتقامية صوب الضفة من خلال تصعيد وتيرة اعتدائاتها على البلدات والقري الفلسطينية حيث استشهد اكثر من 271 مواطنا منذ بداية معركة طوفان الاقصي كما صعدت من حملات الاعتقال والتي طالت منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي أكثر من 3670 فلسطينيا، هذا التغول يهدف في الأساس بحسب المراقبين للحيلولة دون تحرك هذه الجبهة الأخطر والتي سعت تل ابيب بالقوة الى تحييدها من خلال كي وعي الفلسطينين بالدم

القبضة الحديدية

القلق من ارتدادات معركة طوفان الاقصي ، يفسر السلوك الإسرائيلي في الضفة الغربية الذي كان متوقعا من خلال ارتفاع معدلات القتل والاعتقال منذ اندلاع الحرب الحالية والتي تفوق بكثير ما كان يقوم به الاحتلال في الانتفاضة الثانية منذ نحو عشرين عامًا تخوفات حملها المتحدث العسكري الإسرائيلي جوناثان كونريكوس إن حماس تحاول "إقحام إسرائيل في حرب على جبهتين أو 3 جبهات"، بما في ذلك الضفة الغربية ، عزز هذه المخاوف تصريحات نائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس صالح العاروري عندما قال أن الضفة ستكون هي كلمة الفصل في عملية "طوفان الأقصى"

منذ ذلك الحين اطلقت دولة الاحتلال العنان لكافة اشكال القمع والإرهاب المنظم وفق ما أكد الناشط في هيئة مقاومة الجدار والاستيطان حسن بريجية، إن الضفة الغربية منذ اعلان الحرب تعيش معاناة تتجلي فصولها في سياسيات "خنق" القرى والمدن الفلسطينية، وتحويل المناطق الفلسطينية إلى معازل حيث أغلق الاحتلال 42 شارعا بالبوابات العسكرية، فيما حذر الناشط عبد الله أبو رحمة من تصاعد جرائم المستوطنين الآن، وقال إنها مؤشر على مجازر كبرى تشبه مجازر الاحتلال إبان نكبة الفلسطينيين عام 1948. بعد تسليح 26 ألف مستوطن ببنادق رشاشة حديثة بدعم من بن غفير

اخماد الجبهة الثالثة

يقول رئيس مجموعة الحوار الفلسطيني صادق أبو عامر، ان تل ابيب تسعي الى تثبيت الضفة الغربية حتى لا تنفجر الأوضاع فيها بشكل متزامن مع غزة، وان من أهداف الاحتلال "تصفية بعض الجيوب وإعطاء نفسه إمكانية لتحرك أكثر قوة وعنفاً تجاه بعض المخاطر والتهديدات التي يعتقد أنّه يجب التعامل معها وكانت مؤجلة".

الى ذلك يرى مدير مركز يبوس للدراسات الإستراتيجية سليمان بشارات أن إسرائيل عملت على عسكرة الضفة الغربية، عبر تقطيع أوصالها بالحواجز العسكرية. مشيرا إلى أن حالة العمل النضالي في الضفة الغربية تتحكم فيها مجموعة من المتغيرات، في مقدمتها الإجراءات الإسرائيلية من عمليات عسكرية وإغلاقات واقتحامات وعمليات قتل، وهناك تصاعد كبير -منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي- في هذه الممارسات الإسرائيلية

بدوره اعتبر الكاتب أحمد أبو الهيجاء ان الاحتلال يخشى من انخراط الضَّفة الغربية في المواجهة الحالية؛ لأنَّها في حال ثارت ستكون الأكثر إيلامًا للاحتلال من حيث التداخل بين البلدات الفلسطينية والمستوطَنات، إضافةً إلى الإمكانيّة النسبية للدخول إلى الأراضي المحتلة عام 1948؛ لذلك حسم الاحتلال فور عملية "طوفان الأقصى" طريقه في التعامل مع الضفة الغربية بالقبضة الحديدية، حيث أغلقَ كافة المعابر مع الضفة الغربية، ومنعَ نحو 200 ألف عامل فلسطيني من العمل في أراضي 48؛ ما يعني إدخال الضفة الغربية في أزمة اقتصادية خانقة، فيما قام بعمليات تسليح واسعة لميليشيات المستوطنين.

كي الوعي الوطني

اعلان الاحتلال تغيير قواعد الاشتباك وإطلاق النار في الضفة الغربية وتصعيد وتيرة القمع يهدف الى إعادة انتاج الرعب والخوف، حيث يتعمد الاحتلال ممارسة الضرب المبرح عند الاعتقال، ما جعل سكان الضفة يتذكرون سياسة تكسير العظام التي قام بها إسحاق رابين في الانتفاضة الأولى. وفي سياق متصل، يقوم الاحتلال بعمليات تفتيش واسعة داخل البيوت الفلسطينية، وبث الرعب والخوف لدى الأهالي عند عمليات الاعتقال، وأيضاً يعمل الجنود في "جيش" الاحتلال على تصوير المعتقل أثناء عملية الاعتقال وتوجيه رسائل من خلال مقاطع الفيديو إلى المقاومة في قطاع غزة.

أستاذ العلوم السياسية في جامعة الخليل بلال الشوبكي، قال إن "إسرائيل تعي أنه لا ضمانات لبقاء الضفة خارج المواجهة". مضيفا أن "هناك تفكير عقلاني في مجلس الحرب الإسرائيلي بشأن التعامل مع الضفة عبر بقاء السلطة ودفع أموال الضرائب للحكومة الفلسطينية".

قلق أمريكي

الأهداف الاسرائيلية في الضفة والتي تتمحور حول اضعاف الروح الوطنية عبر القمع والدفع بالمواجهة بعيدا عن هذه الساحة كانت واضحة مما دفع بعضو المكتب السياسي لحركة "حماس" حسام بدران التأكيد ان كل محاولات كي الوعي في الضفة الغربية باءت بالفشل داعيا إلى الوقوف في وجه كل المحاولات لإحباط وإبعاد الفلسطينيين عن الحالة الوطنية.

تطور جبهة الضفة التي تحاول تل ابيب اخمادها بمزيد من القوة يبدو وفق النتائج قادما لا محالة كما يري المحلل السياسي هاني المصري، الذي لفت الى أن "القضية الفلسطينية التي كان أفقها مغلقاً قبل أحداث 7 تشرين الأول، عادت الى الصدارة مجدداً وأصبحت محل اهتمام وإدراك معتبرا ان الضفة الغربية جزء من هذا الحراك، وما يحدث فيها وإن كان محدوداً يجعلها جزءاً جيداً من الإمكانيات، فالحراك الشبابي الذي تشهده الضفة الآن يمكن أن يتطور".

لكن اجراءات الاحتلال في الضفة لم تجب كذلك عن سؤال القلق الأمريكي الذى كشفت عنه صحيفة واشنطن بوست أن بايدن طرحه على رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو وحكومة الحرب خلال اجتماعه بهم عندما زار إسرائيل مفاده ماذا لو أصبحت الضفة الغربية منطقة حرب فكانت الإجابة الإسرائيلية الخاطئة كما يبدو الانغماس في المزيد من القمع ووضع الضفة امام مقاربة التطهير والموت بالنظر الى تجربة غزة خاصة في ظل احاديت التهجير التي تطرحها دوائر الامن والسياسية حول مصير الضفة بعد غزة .

الاستفراد بالضفة

يبدو ان الحرب في غزة التي اخذت الأنظار بعيدا عن الضفة شكلت فرصة للاحتلال لتنفيذ مخططاته الاستيطانية لحسم مستقبل الضفة عبر تكثيف مشاريع الاستيطان واطلاق العنان لقطعان المستوطنين لتنفيذ المزيد من الجرائم والاستفراد بالعديد من المناطق لهدف خلق واقع ديمغرافي جديد اتضحت معالمة مع تقرير صادر عن الأمم المتحدة الشهر الماضي قالت فيه إن 1100 فلسطيني نزحوا بسبب عنف المستوطنين في العام الماضي، وهو رقم غير مسبوق. وقال تحالف حماية الضفة الغربية إنه خلال الأيام القليلة الماضية فقط، تم تهجير حوالي 200 إلى 300 فلسطيني في وادي السيق ومناطق أخرى – غالبا على أيدي مستوطنين مسلحين.

منظمة "بتسيلم" الحقوقية الإسرائيلية سلطت الضوء على طبيعة هذا العنف والعدوان المتواصل في الضفة مؤكدة ان إسرائيل تمارس محاولة رخيصة لاستغلال الحرب كفرصة لمُواصلة تحقيق أهدافها السياسيّة في الضفة الغربيّة والسّعي قدُماً نحو الاستيلاء على المزيد من الأراضي الفلسطينيّة". لافتة إلى أنّ مساعي الحكومة الإسرائيلية تتضح من خلال "ارتفاع حادّ طرأ على وتيرة وشدّة أعمال العُنف التي يمارسها المستوطنون ضدّ الفلسطينيين الذين يتصرفون، تحت غطاء الحرب، بلا أيّ وازع أو رادع .

في دراسة اعدها يوحنان تسوريف من معهد دراسات الأمن القومي إن الروح النابضة في أوساط المتطرفين من بين المستوطنين الذين يرون في حرب قطاع غزة فرصة لخلق واقع جديد، يعيد وجود المستوطنات الإسرائيلية في قطاع غزة، وربما يؤدي إلى "مغادرة "، أو طرد الغزيين من قطاع غزة، كل هذا يدفع بالمستوطنين إلى بث الرعب في سكان الضفة الفلسطينيين، وترسيم وقائع جديدة على الأرض، بحيث يصبح من الصعب تغييرها. يبرز الازدياد الواضح في منسوب الأحداث، منذ نشوب الحرب، في إحراق السيارات، وإطلاق النار، وتكاثر الاحتكاكات العنيفة التي تخلّف الغضب والتوتر والسعي للثأر,

المصدر : خاص-زوايا

مواضيع ذات صلة

atyaf logo