اشتعلت في طوفان الأقصى

حرب المفردات والرموز في مواجهة العدوان الدموي والقمع الرقمي

توغل جيش الاحتلال الإسرائيلي في غزة
توغل جيش الاحتلال الإسرائيلي في غزة

منذ انطلاق معركة طوفان الاقصي 7 أكتوبر اشتعلت حرب المفردات والرموز بين المقاومة وكيان الاحتلال، التي كما يبدو كان بعضها يحمل رسائل بصرية وأخرى تفاعل معها الجمهور بشكل واسع على مواقع التواصل الاجتماعي على اعتبارها أحد ملامح هذه المواجهة.

من ابرز الرموز كان "المثلت الأحمر المقلوب" والذى استخدمه الاعلام الحربي لحركة حماس في اشارة الى أهداف عسكرية لجيش الاحتلال واكتسب شهرة كبيرة في أوساط المتابعين وانخرط العديد في البحث عن تفسيراته ودلالاته،

فيما ذهب بعض النشطاء الى استخدامه على صفحاتهم للاشارة على التـأييد والنضال والدعم للمقاومة الفلسطينية ليس المثلت وحدة كذلك ايموجي البطيخ والذي يتداوله النشطاء بشكل واسع على مواقع التواصل بالإضافة الى العديد من الكلمات التي اكتسبت دلالة واسعة.

لغة الرمز "المثلث الأحمر"

رغم ان حرب الرموز ليست جديدة طوال تاريخ هذا الصراع، لكنها تحولت في هذه المعركة الى إشارة يلجئ لها الكثير خاصة رواد مواقع التواصل كلغة بديلة للتحايل على خوارزميات هذه الشبكات الاجتماعية لتخطي سياسات المنع والحظر او كما يصفها البعض بالقمع الرقمى الذى يمارس على المحتوي الفلسطيني.

مواقع وصحف عديدة سلطت الضوء على رمز المثلت ، الذى لاقى رواجًا كبيرًا على وسائل التواصل، ويمثل دعمًا للفصائل الفلسطينية، في تصديها للعدوان الإسرائيلي المستمر منذ أكثر من شهر على قطاع غزة، كما رأى البعض أنه مستمد من المثلث الذي يتوسط العلم الفلسطيني، فيما أشار اخرون من رواد مواقع التواصل إلى أن هذا المثلث، هو "أجمل مثلث على الإطلاق"، فيما رأى آخر أنه "مثلث العزة والبطولة والكرامة والحرية".

وتداول رواد مواقع التواصل صورة المثلث ضمن علم فلسطين، في إشارة إلى تحديد هدف المقاومة وبعد ذلك القصف ليتحول المثلث الأحمر إلى "مثلث رعب للاحتلال".

Screenshot_٢٠٢٣١٢٠٦_١١٥٤٣٤_Microsoft 365 (Office).jpg

كما اعتبر اخرون ان رمز المثلث الأحمر المقلوب، يشير للأهداف التي تدمرها الفصائل الفلسطينية بالمسافة صفر، وهي استراتيجية تطبق عندما يكون هناك تداخل بين طرفي الحرب، وتكون عملية الحرب داخل بناية واحدة، أو مربع واحد، أو بمعنى آخر يبتعد الطرفان عن بعضهما عدة أمتار فقط، ويتراوح مجال المواجهة بين القوات الإسرائيلية والفصائل الفلسطينية، إلى 50 أو 75 أو 100 متر على الأكثر.

Screenshot_٢٠٢٣١٢٠٦_١١٥٤٤٨_Microsoft 365 (Office).jpg

هناك من ربط المثلث الأحمر المقلوب بمثلث العلم الفلسطيني، إذ تمت الإشارة إلى أن اختياره لم يكن عبثياً من طرف الإعلام العسكري، وإنما كان عبارة عن رسالة مرتبطة بالرسالة التي يحملها العلم، إذ قام عدد كبير من النشطاء، من بينهم صناع محتوى، بنشر المثلث الأحمر المقلوب عبر خاصية "الستوري" على إنستغرام، باعتباره رمزاً للانتصار على المحتل، وشكلاً من أشكال التعبير عن النضال والدعم المستمر للقضية الفلسطينية.

Screenshot_٢٠٢٣١٢٠٦_١١٥٤٥٣_Microsoft 365 (Office).jpg

لم يقتصر استخدام المثلث الأحمر المقلوب عند حدود الفصائل بل عمد جيش الاحتلال الى استخدامه حيث أوضحت المتحدثة باسم الجيش الإسرائيلي أن جيشها يرد على إعلام حماس الذي يستخدم رمز المثلث المقلوب للدلالة على الأهداف التي يريد ضربها، فيما نشر المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي، أفيخاي أدرعي، فيديو على حسابه في منصة أكس،يظهر ضرب قوات إسرائيلية لأهداف داخل قطاع غزة، وعلق عليه بالقول "المثلت الأحمر بانتظار ما اسماهم دواعش حماس".

"لاسمح الله "

اجتاحت مواقع التواصل كذلك كلمة «لا سمح الله» " والتي وردت في احد خطابات الناطق الرسمي لكتائب القسام أبو عبيدة والتي قالها في اليوم 22 من العدوان على غزة، متهكما على حالة العجز والضعف العربي والاحجام عن نصرة فلسطين والتي لم تقدم سوى بيانات كلامية تطالب فيها بوقف العدوان الإسرائيلي

العديد من النشطاء على مواقع الشوشيال ميديا تداولوا مصطلح "لا سمح الله" والذى تحول بحسب المراقبين من مصطلح نسمعه ونستخدمه عشرات المرات يوميًا، الى سياقٌ مختلفٌ منحه الناطق باسم كتائب "القسام" أبو عبيدة معاني متعددة حين استخدمه.

واستخدم "أبو عبيدة" هذا المصطلح في سياق توجيه حديثه للأنظمة العربية، حيث قال: "إننا لا نطالبكم بالتحرك لتدافعوا عن أطفال العروبة والإسلام في غزة من خلال تحريك جيوشكم ودباباتكم، لا سمح الله".

لم يتوقف التفاعل معه هذه العبارة عند حدود النشطاء بل امتد الى العديد من الفنانين الذين سجلوا تضامنهم مع ما يجري في قطاع غزة حيث وظفوا كلمة لا سمح الله في اغانيهم حيث أصدر فنان الراب التونسي الشهير باسم "جنجون"، (اسمه الحقيقي عمر الطويهري) أغنيةً بعنوان "أراضينا"، وبعده بساعات قليلة احتضن اليوتيوب أغنية أخرى لرابور آخر يصنف ضمن خانة المشاغبين وهو "كلاي بي بي جي"، واسمه الحقيقي أحمد بن أحمد، الذي اختار اسماً لافتاً للانتباه لعمله وهو "لا سمح الله".

Screenshot_٢٠٢٣١٢٠٦_١١٥٥١٤_Microsoft 365 (Office).jpg

كما وتفاعل ناشطون مع عبارة "لا سمح الله" على نطاق واسع في مواقع التواصل الاجتماعي، من بينهم رسام الكاريكاتير علاء اللقطة والذى وضع عبارة أبو عبيدة داخل شعار جامعة الدول العربية.

Screenshot_٢٠٢٣١٢٠٦_١١٥٥٣٠_Microsoft 365 (Office).jpg

لعنٍة العقد الثامن

من بين العبارات التي انتشرت واستقطبت اهتمام الكثيرين كلمة "لعنة العقد الثامن" والتي وردت في احد خطابات الناطق باسم القسام أبو عبيدة وهي عبارة عن نبوءة موجودة في العهد القديم وتتمحور حول زوال إسرائيل ويجمع عليها بعض المؤرخين الذين يتناولون تاريخ الوجود اليهودي السياسي في فلسطين، وهي أن اليهود عمومًا أقاموا لأنفسهم في فلسطين على مدار التاريخ القديم كيانين سياسيين مستقلين، وكلا الكيانين تهاوى وآل إلى السقوط في العقد الثامن من عمره.

زوال المملكة

حديث "أبو عبيدة" عن "لعنة العقد الثامن" الى جانب الحرب الإسرائيلية على غزة اعادت الحديث عن نبوءة زوال "مملكة إسرائيل" التي ذكرتها التوراة، وأثارت الكلمة تفاعل واسعا في أوساط الإسرائيليين انفسهم، حيث كتب ناحوم فايس "يبدو أنه لا مفر من لعنة العقد الثامن! رحل الآباء المؤسسون والأبناء الذين يبنون، والآن الأحفاد يهدمون".

لم يكن "أبو عبيدة" أول من تحدث عن "لعنة العقد الثامن"، والمقصود بها مرور 80 عاماً على قيام دولة الاحتلال الإسرائيلي، رئيس وزراء الاحتلال الأسبق إيهود باراك ابدى في مقال له بصحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية، العام الماضي عن مخاوفه من قرب زوال إسرائيل قبل حلول الذكرى الـ80 لتأسيسها، مستشهدا في ذلك بـ"التاريخ اليهودي الذي يفيد بأنه لم تعمّر لليهود دولة أكثر من 80 سنة إلا في فترتين استثنائيتين".

وكان رئيس وزراء إسرائيل الحالي بنيامين نتنياهو قد ادعى قبل 6 سنوات أن بقاءه رئيساً للوزراء هو الضمان الوحيد لاستمرارية إسرائيل بعد عقدها الثامن وما يزيد على قرن، على خلاف الحال مع ممالك إسرائيل التاريخية السابقة

التفكك العنيف

بعض المؤرخين اعتبر ان نظرية العقد الثامن أنها «استراتيجية خبيثة» لبث الخوف بين المستوطنين في دولة الاحتلال إسرائيل، ولمنع تشكيل أي معارضة للسلطة الإسرائيلية، ولتشجيع المستوطنين على الالتفاف حول دولتهم، فعلى سبيل المثال، وردت هذه اللعنة في خطابات العديد من رؤساء الوزراء، بما في ذلك إيهود باراك، ونفتالي بينيت، وبنيامين نتنياهو.

يقول الكاتب عبد الله معروف ان ما يعاظم تخوف الساسة والمفكرين الإسرائيليين من أن تلحق بإسرائيل هذه "اللعنة" مرة أخرى. خاصةً أن شكل السقوط للكيانين اليهوديين في فلسطين في التاريخ القديم كان مرتبطًا بالدرجة الأولى بالتفسخ والانقسام المجتمعي، وهو بالضبط ما تشهده إسرائيل منذ أكثر من ثلاث سنوات. فإسرائيل ما زالت منذ سنوات تمر بانقسام اجتماعي حاد

في الاطار ذاته قال الباحثان مائير بن شاحر وعوزي ديان، عبر مقال في صحيفة هآرتس، عن قلقهما من دخول إسرائيل للعقد الثامن وحذرا في مقالهما من "التفكك العنيف"، مشيرين إلى أن العقد الثامن محفوف بالمخاطر في تاريخ العديد من الدول وليس إسرائيل وحدها، حيث انهار الاتحاد السوفييتي بعد 70 عامًا من قيامه، كما اندلعت الحرب الأهلية الأميركية بعد 85 عامًا من الهجرة إليها والاستيطان بها، وغيرها من الأمثلة.

من جهته يرى الكاتب والمحلل الإسرائيلي روجيل ألفير أن إسرائيل وقعت على شهادة زوالها، عازيا ذلك إلى أسباب عدة، منها حرب متعددة الجبهات، إضافة إلى التفكك الداخلي، والصراعات الداخلية، بين التيارات اليهودية والصراعات الثقافية في المجتمع الإسرائيلي.

المصدر : خاص-زوايا

مواضيع ذات صلة

atyaf logo