الهدنة الإنسانية بغزة من الرابح ومن الخاسر؟

نزوح السكان من شمال غزة أثناء الهدنة الانسانية
نزوح السكان من شمال غزة أثناء الهدنة الانسانية

التصورات الدراماتيكية التي وضعتها إسرائيل للحرب على حماس، والمسار الميداني للمواجهة البرية، أكسب تهدئة الأيام الأربع كل هذا الزخم باعتبارها نقطة مفصلية في سياق الحرب تمثل انكفاء إسرائيليا بالنظر الى الأهداف المعلنة، رغم تباين المواقف حيالها من حيث المكاسب والخسائر ومآلاتها ان كانت ستفضي الى التمديد الذي يمثل رغبة لدى الجميع او وقف دائم لاطلاق النار لا تفضله تل ابيب ام هي مجرد محطة لالتقاط الانفاس.

الهدنة تبدو فلسطينيا اقرب منها اسرائيليا الى المكاسب من حيث كسر تعنت تل ابيب تجاه الملف، ونجاح المقاومة في فرض شروطها من خلال الاتفاق فيما يتعلق بالافراج عن الاسرى لكنها تبقي كذلك بحسب الكثير من المحللين أيضا حاجة إسرائيلية في ظل الضغوط التي يتعرض لها نتنياهو وغياب اى انجاز فعلي خلال هذه المعركة

استراحة مقاتل

سواء كانت استراحة محارب او فرصة لالتقاط الانفاس الا ان التوصل للتهدئه برعاية قطرية مصرية ودعم امريكي بعد قتال استمر 47 يوما اختراقا في الجدار الحديدي للمواقف خاصة الإسرائيلية وهو ما ذهب اليه الكاتب عماد الدين حسين الذي اعتبر أن أحد أهم معايير الحكم هى السؤال عن الأهداف التى أعلنها كل طرف عند بدء الحرب، وإذا احتكمنا إلى هذا المعيار فإن إسرائيل تكون خسرت بصورة واضحة، وهي من أعلنت انها ستدمر حماس وستحرر الاسرى بالقوة وستقتل كل قادة حماس.

لكن ثمة من يرى ان الهدنة تصب في المقام الاول في مصلحة الواقع الإنساني الذى تدهور على وقع الإبادة التي تشنها دولة الاحتلال ومن ثم في مصلحة حماس كما يراها السفير الفلسطيني، السابق لدى مصر، بركات الفرا، الذى اعتبر ان سكان قطاع غزة "الكاسب الأول من اتفاق الهدنة"، بعد هذا القصف «الوحشي وغير المسبوق» اما المكاسب السياسية فتميل لصالح حماس التي نجحت في الاحتفاظ بالأسرى كل هذا الوقت وإجبار حكومة الحرب في تل أبيب على قبول الهدنة .

اما الحسابات الميدانية للهدنة تبقي هي الأخرى لصالح حماس كما اعتبرها أستاذ الأمن الإقليمي بجامعة دورهام في بريطانيا كلايف جونز فمن الناحية العسكرية، تعتبر هذه الهدنة بالنسبة إلى حماس بمثابة استراحة المحارب، حيث ستمنحها فرصة لإعادة تجميع صفوفها وإعادة التمركز وإعادة دراسة استراتيجيتها، لكن في الجهة الأخرى، فإن وقف إطلاق النار لن ينفع بالضرورة القوات الإسرائيلية بنفس الطريقة التي ستستفيد بها حماس. ويبقى من الصعب على حماس استهداف القوات الإسرائيلية بسبب كون الأخيرة لا تزال لم تفقد زخمها من المنظور العسكري.

اتقاق التهدئة ليس مجرد حاجة ذهبت لها تل ابيب بل هو انتكاسة لإسرائيل ولمشروع تهجير سكان القطاع ويصب في صالح حماس بحسب الأكاديمي والباحث في العلوم السياسية الدكتور إبراهيم ربايعة حيث تمكنت حماس من كسر خطاب ربطها بالإرهاب والقضاء عليها، وكذلك تثبيت قاعدة أسرى مقابل أسرى، فضلا عن الجانب الإنساني المتصل بتمكين صمود الفلسطينيين وهو ما يجعل حماس صاحبة اليد العليا، إلى جانب غياب أي إنجاز عملياتي على الأرض يعطي جيش الاحتلال دفعة للذهاب في المخطط بعيدا.

بعيدا عن هذا المنحي يرى المحلل السياسي حميد قرمان ان حماس لم تنجح في تحقيق هدف تبييض السجون الى رفعته منذ 7 أكتوبر وذهبت الى هذه الصفقة هي الأخرى مرغمة لاعتبارات سياسية بالنظر الى حجم الضغوط التي مورست عليها من قبل قطر ومصر لأن قطر تريد إنجاح صفقة البتادل لعكس صورته الدولية كونها وسيطا يمكن الوثوق به وهو ما ينعكس على علاقتها بالولابات المتحدة والدول الأوروبية.

الهدنة مدخل اسرائيل لشرعنة القتال

عن حسابات الربح والخسارة التي صبغت المواقف حيال هذه التهدئة يبدو ان حكومة الاحتلال ارادت شيئا اخر غير تظهير هذه الصورة التي انشغل بها الجميع رغم انها تبقي قائمة لكن حديث نتنياهو مع الرئيس الأمريكيٍ والذى قال فيه اننا عائدون للقتال حتى تحقيق الأهداف يفسر مرامي تل ابيب الحقيقة التى ارادت ان تمد في عمر الحرب عبر التهدئة.

استمرار تجاهل إسرائيل للضغوط الدولية بشأن التوصل الى تهدئة شكل خطرا على مسار الحرب التي تريد ان تطيل في امدها مما دفعها الى استثمار التهدئة وهو ما أكده رئيس الاستخبارات العسكرية الأسبق، مدير معهد دراسات الأمن القومي في جامعة تل أبيب تامير هايمن، الذى اعتبر إن منع الهدنة الإنسانية مضرّ لإسرائيل وصورتها، ومن شأنه أن ينهي شرعية مواصلة حربها داخل القطاع. ها الموقف شاركه المحلل السياسي في صحيفة “يديعوت أحرونوت” بن درور يميني، الذي يحذّر من أنَّ رفضَ إسرائيل المعلن لهدنة إنسانية يصب الماء على الطاحونة الدعائية الفلسطينية في العالم.

المتغير الإسرائيلي الأمني تجاه التهدئة ليس مرتطبا بشروطها بحسب المحلل السياسي الإسرائيلي إيلي نيسان وإنما بإدراك جهاز الامن، أّن تظاهرات عائلات المخطوفين باتت تستقطب تأييًدا جماهيرًيا هائًلا، وعلى الارجح سيكون من الصعب مواصلة الحملة البرية على غزة مع تصاعد الغضب في الرأي العام الإسرائيلي، الذي يطالب بإبرام الصفقة لاستعادة النساء والأطفال وكل الأسرى".

من ناحيته اعتبر الاكاديمي والباحث السياسي محمد هلسة ان التهدئة تتويج للفشل الإسرائيلي منذ 7 من أكتوبر وان حكومة الاحتلال ذهبت اليها مكرهة ومجبرة للتخفيف من أعباء واوزار الاتهامات لها داخل المجتمع الإسرائيلي وان نتنياهو استثمر التحول في الراي العام الإسرائيلي للمطالبة بعقد صفة ليعطيها الشرعية ويطوع من حوله.

وضمن التحذيرات من رفض الهدنة الإنسانية، يؤكد المحلل العسكري في صحيفة “هآرتس” عاموس هارئيل أن إسرائيل تبحث الآن عن الشرعية لمواصلة الحرب، بدعوى أنها محقّة، وعن الضغط من أجل تسريع الإفراج عن المخطوفين، لكنه يحذّر من نفاد الوقت، ومن صعوبة المرحلة التالية من القتال، مع تعمّق التوغّل البري، المنوط بخسائر موجعة، وبتصاعد الانتقادات الدولية وتفاقم اللاسامية.

في السياق قال الكاتب احمد التايب أن هذه الهدنة ستخفف من الضغوط الداخلية على حكومة نتنياهو بشأن الأسرى والرهائن، وأيضا ستخفف من حدة الضغوط الخارجية عليها، خلاف الانصياع إلى الإدارة الأمريكية التى ترى أنها أصبحت فى وضع محرج أمام الضغوط الممارسة عليها من قبل العرب ومن قبل دول كثيرة ضاغطة من أجل وقف إطلاق النار بالإضافة أن هناك أمرا يعد مكسبا من وجهة نظر إسرائيل ومكسبا أيضا من وجهة نظر المقاومة الفلسطينية فى ذات الوقت، وهو أن إسرائيل هل تتمكن من إنقاذ قواتها البرية بعدما حققت المقاومة انتصارات كبيرة

لا غالب ولا مغلوب

الرابحون في التهدئة خاسرون في الحرب هكذا ذهب الباحث اللبناني في الشؤون الدولية علوان أمين الدين، في تفسيره لما يجري حيث ان الطرفين مستفيدان من الهدنة وخاسران في نفس الوقت من الحرب لكن تبقى هناك خسائر فادحة لإسرائيل على المستويين العسكري والسياسي والاقتصادي كما أنها تريد أن تفرمل حرب المدن والشوارع، أما بالنسبة لحركة حماس الهدنة انتصار عسكري وسياسي بنجاحها في التصدي القتالي على الأرض، وفرض شروطها في الهدنة المؤقتة.

في السياق يرى أستاذ العلوم السياسية، أحمد عوض، أن "إسرائيل وحماس في صفقة التبادل الجارية حاليًّا وضعا نفسيهما في المنطقة الرمادية"، قائلًا: "بمعنى أنه لا يوجد رابح أو خاسر حتى اللحظة في جولة القتال الحالية بينهما".مشيرا الى أن الطرفين يريان نفسيهما رابحين؛ فحماس تروّج لانتصارها على إسرائيل بكسر جميع الأهداف التي وضعت قبل الحرب، كما أن "إسرائيل بدورها تروّج لتحقيقها مكاسب كبيرة على حساب حماس، أبرزها عدم الامتثال للشروط والمتطلبات التي وضعتها الحركة مع بداية الحرب لتنفيذ صفقة تبادل علاوة على تحكّمها بالمساعدات التي تدخل لغزة وشمالها".

من جهته قال الأستاذ في دراسات الدفاع في جامعة كينغز كوليدج لندن أندرياس كريغ لا حلّ عسكريا لهذا النزاع، لا يمكن الانتصار فيه، مضيفا ان ما دفع الى التوصل الى هذا الاتفاق هو أن واشنطن غير مستعدة لعملية مكثفة "تستمر أشهرا بلا انقطاع"، خصوصًا مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية الأميركية العام المقبل. موضحا لذلك تحتاج إدارة بايدن إلى إيجاد مخرج أيضًا".

المصدر : خاص-زوايا

مواضيع ذات صلة

atyaf logo