الخبراء يكشفون

الاحتلال يتوغل في غابة البنادق وسراديب الأشباح

التوغل الإسرائيلي في قطاع غزة
التوغل الإسرائيلي في قطاع غزة

رغم مضي اكثر من 48 يوما على العملية البرية الإسرائيلية على قطاع غزة، والتي اطلقت عليها تل ابيب "السيوف الحديدية" وما تخللها من هدنة مؤقتة، الا ان النقاش حول مستقبلها وسيناريوهاتها وواقعيتها لا يكاد ينتهي عسكريا وعملياتيا، حول مدى وفرص نجاعتها التي تبدو محدودة ومحفوفة بالمخاطر مع تعقيدات الأهداف التي حددتها قيادة الحرب الإسرائيلية، والمتمثلة في تطهير غزة من حماس وتفكيك البنية العسكرية للحركة، ومع إعلان إسرائيل عما أسمته بالمرحلة الثانية، من عملياتها ضد حركة حماس يزداد الغموض اكثر، رغم التقدم البري الذى أحرزته في المحاور الشمالية والمناورة الاستعراضية داخل الاحياء السكنية في عدة مناطق بالقطاع.

القتال في المناطق الحضارية

"الحرب داخل قطاع غزة ستكون صعبة وطويلة" ليس مجرد وصف اطلقة رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتيناهو بل حقيقة ميدانية أكدتها الدوائر العسكرية والأمنية في جيش الاحتلال فيما يتعلق بتعقيدات الحروب غير المتوازية التي تدور رحاها في قلب المدن والازقة ويصعب الحسم العسكري فيها ويكون التفوق لاصحاب المكان كما لاتبدو مقاربة الموصل والفلوجة متطابقة مع واقع قطاع غزة بحسب الكثير من التحليلات.

فالمعارك غير المتناظرة بحسب تحليلات خبراء الحرب أوردتها صحيفة "نيويورك تايمز" ان "معركة الشوارع يمكن أن تلغي تفوق الدبابات والذخائر الإسرائيلية، بالاستعانة بتكتيكات حرب العصابات وسيكون الأمر صعبا، فالمدن هي ملعب الشيطان، فهي تجعل كل شيء أكثر صعوبة وبلا حدود".

وبحسب الخبراء فان ما يجري في غزة لا يشبه ما جري في الفلوجة او مكان اخر حيث يتميز القطاع بازدحام المباني التي تخلق "جبهة ثلاثية الأبعاد"، مما يجعلها أكثر خطورة على القوات المهاجمة.

وحول التحديات التي قد تعصف بالعملية البرية في غزة وضع معهد الحرب الحديثة دراسة أشار فيها أن تضاريس المدينة الكثيفة تفرض قيودًا على استخدام القدرات العسكرية التقليدية التي تنحصر مهمتها في عمليات التدمير دون حصد نتائج ملموسة على الأرض. والأهم من ذلك كله التحديات التي يفرضها الخصم المقابل وما يخبئه للعدو المهاجم، لا سيما وأن المقاومة الفلسطينية كرّست جهودها على مدار أكثر من عقد تحضيرًا لمثل هذا السيناريو.

من جهته يقول الخبير في معهد واشنطن مايكل نايتس، إن كل معركة حضرية هي معركة فريدة بحدّ ذاتها يحددها مخطط المدينة والتضاريس البشرية والقوات فيها وتعتبر غزة أيضا ساحة معركة حضرية معقّدة بشكل غير عادي، فمدينة غزة تضم نحو ستين الف مبنى بارتفاع ستة طوابق أو أكثر، مقارنة بعدم وجود أي من هذه المباني تقريباً في معركة الموصل بين عامي 2016 و2017 ومعركة الرقة في عام 2017.

المفاجاة التي كانت خلال مجريات هذه الحرب لا تقتصر على الابعاد الجغرافية بل نوعية الأسلحة المتطورة التي اعتمدت عليها المقاومة بعضها صُنع محليًا واستُعمل لأول مرة، وبينها تلك القذائف المضادة للدروع وذات قدرة تدميرية عالية. منها قذيفة الياسين 105 وهي محلية الصنع وإحدى القذائف المطوّرة عن قاذفة الـ آر بي جي. تتميز بأنّها مضادة للدروع، وطوّرتها "القسّام" وعبوات العمل الفدائي محلية الصنع يتم لصقها على أشد الأماكن ضعفًا في الآليات وصاروخ الكورنيت هو روسي الصنع يتميّز برؤوس مزدوجة تخترق هياكل المدرعات، مزوّد بنظام تعقّب بالإضافة الى صاروخ "متبّر1" هو صاروخ أرض-جو محلي الصنع بالاضاقة الى منظومة "رجوم"

في السياق قال الباحث في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطية في واشنطن بهنام بن طاليبو إن "هذا المزيج من الأسلحة يمكن أن يعقد مهمة حتى أكثر الجيوش تطورا في العالم عندما تقاتل في المناطق الحضرية".

وتوقع بن طاليبو أن تركز حماس أكثر على استخدام الأسلحة المضادة للدروع مع تقدم الجيش الإسرائيلي داخل غزة".

ومن هذا المنطلق، يعتبر المحلل السياسي إبراهيم ريحان، أنّ الدوائر العسكرية الإسرائيلية تسعى إلى توسيع التوغل البري، وهو جزء من عملية "متدحرجة" تضمن مجالاً من "السهولة أمام إسرائيل"، بمعنى توسيع خياراتها لتصبح ثلاثة خيارات، هي إمكانية توسيع عملياتها والانتقال إلى اجتياح بري أوسع، أو مواصلة عمليات التوغل البري وتوسيعها لعمق ثلاثة كيلومترات بعد السياج "الأمني"، أو الاستجابة لدعوات وقف إطلاق النار بشروطها.

مترو غزة

"الجحيم تحت الأرض"، هكذا وصفت صحيفة «معاريف» العبرية ما ينتظر الجنود الاسرائيلين داخل الانفاق المتشعبة في قطاع غزة والتى سترغم القوات البرية على خوض ما يسميه الخبراء العسكريين حرب "بثلاثة أبعاد" تواجه فيها نيراناً غزيرة تطلق من المباني، ومن مسيّرات في المقابل يطرح الاحتلال سيناريوهات لهذه المواجهة تمتد من استخدام القنابل الاسنفنجة الى المحاكات الافتراضية .

حيث وصف معهد الحرب الحديثة في كلية "وست بوينت" الحربية الأمريكية في دراسة صدرت مؤخراً أنفاق "حماس" بـ«كابوس تحت الأرض»، محذراً من «لعنة يواجهها الجيش الإسرائيلي» بدون أن يكون لها «حلّ مثالي»

وكتب جون سبنسر واضع الدراسة أن "حجم التحدي في غزة، حيث تتشابك مئات الكيلومترات من الأنفاق تحت الأرض في هذا القطاع، فريد تماماً". وتابع: "إنها مدينة حقيقية تحت الأرض"، وتزداد معضلة هذه الشبكة صعوبة في ظل الكثافة السكانية.

في الاطار ذاته تشير العديد من التقارير منذ سنوات إلى الإستعداد المكثف للجيش الإسرائيلي للقيام بهجوم مدروس ومحبوك داخل "مترو أنفاق حماس"، حيث أسس وحدات متخصصة للتعامل مع الأنفاق، من بينها وحدة "ياهلوم" أو "دايموند" التابعة لفيلق الهندسة القتالية، وهي وحدة من النخبة العسكرية، ومن أبرز التقنيات التي تدربت عليه الوحدة تقنية الواقع الإفتراضي عبر أجهزة محاكاة، التي تمكن الجنود من التوغل في الأنفاق حتى عندما لا يكونون في مواقع التدريب الميداني والحصول على رؤية بزاوية 360 درجة

رئيس دراسات الحرب المدنية بمعهد الحرب الحديثة في الأكاديمية العسكرية الأميركية "وست بوينت" جون سبنسر، وهو أيضا ضابط سابق بالجيش الأميركي، اعتبر في مقال نشره مؤخرا أن "حجم التحدي في غزة مع الأنفاق تحت أرضية فريد من نوعه"، قائلا: إن شبكة الأنفاق الكبيرة والمتشعبة تشكل معضلة عصية على الحل، وخطرا يتربص بالقوات البرية الإسرائيلية.

ويذهب مايك مارتين، الخبير بشؤون الحرب في "كينغز كوليج" في لندن، إلى أن أنفاق غزة تحدث توازنا بين المقاومة وإسرائيل، لأنها تحيد مزايا إسرائيل التسليحية والتكتيكية والتكنولوجية والتنظيمية.

صحيفة "ديلي ميل" البريطانية ذكرت أن إسرائيل ستواجه مترو أنفاق في غزة يبلغ طوله حوالي 500 كم بعمق حوالي 13 متر تحت سطح الأرض ومجهز بـ"أفخاخ متفجرة".

وعلى الرغم من أن القوات الإسرائيلية مدربة ومجهزة جيداً، وتتفوق في العدد على خصومها من حماس، فإن ساحة المعركة التي تنتظرها في غزة يمكن أن تتسبب في خسائر فادحة.

استراتيجية "المسافة صفر"

الالتحام المباشر مع جيش الاحتلال في العديد من المناطق هو التكتيك الفريد الذى سجلته المقاومة في هذه الحرب والذى يشكل تحديا امام مسيرة العملية العسكرية البرية وتسعي القوات الإسرائيلية الى تفاديه فمعظم العمليات الناجعة لكتائب القسام كانت من مسافة الصفر كما تثبت المقاطع المصورة التي بثتها حول هذا النوع من القتال هو من رفع من حجم الخسائر والتكلفة البشرية في صفوف جنود الاحتلال .

يؤكد الخبير العسكري والاستراتيجي اللواء المتقاعد صالح المعايطة ان المقاتل الفلسطيني يبحث عن المعركة التصادمية من المسافة صفر وهي تساعد المقاومين على التحكم في الزوايا القتالية وكلما اقتربت إسرائيل من قتال الشوارع والمدن فان خسائرها البشرية سوف تتسع وتزيد وهو ربما من يتحكم في مسار وقف العملية عبر الهدن .

هذا الأسلوب من القتال اعترف جنود الاحتلال بفعاليته خلال شهاداتهم لاحد المواقع العبرية أقرّو فيه الجنود المشاركون في القتال داخل قطاع غزة بأن المقاومة تستخدم في تكتيك "اللدغة" الخروج من بين أعمدة المباني المدمّرة، حيث يطلقون قذائف وصواريخ مضادة للدبابات، ومن ثم يختفون من المكان. ويشير جنود الوحدة الإسرائيلية إلى أن المقاومين استخدموا تكتيكات قتالية تمنع الطائرات الإسرائيلية، وحتى الجنود من رصدهم أو استهدافهم.

المحلل العسكري اللواء ماجد القيسي، مدير برنامج الأمن والدفاع في مركز صنع السياسات الدولية، قال ان استراتيجية "المسافة صفر" تعتبر المستوى الثالث من الحروب أو الاشتباكات داخل المدن، ويتم اللجوء إليه عندما يحدث تداخل بين طرفي الحرب، فيكونان داخل بناية واحدة أو مربع واحد أو يبعد أحدهما عن الآخر عدة أمتار.

القوات الإسرائيلية حاليا في مرحلة التطويق والعزل، حيث يتم التطويق من الشمال الغربي والشمال الشرقي نزولا على طريق الرشيد الساحلي.

يقول الكاتب هشام يونس في العلوم العسكرية وفي تعليمات استخدام الأسلحة، هناك دائما ما يُعرف بالمسافة المثالية لإصابة الهدف، وهي المسافة التي يبلغ فيها المقذوف الناري مداه في قوة الانطلاق، والتي يحقق فيها أكبر قوة نيرانية، وكذلك يسبب أكبر خسارة.

والقتال من "المسافة صفر" تعني أنك تقريبا تقاتل وجها لوجه، لأنه لا مساحة لديك للتتبع والرصد والتدقيق ثم الإطلاق، وإنما أتى العدو إليك أو قمت أنت بمفاجأته، ولم يعد لديك خيار أو وقت للابتعاد لكي يحصل السلاح المستخدم على مسافة مثالية للإصابة بدقة أكبر والتدمير أكثر.

المصدر : خاص-زوايا

مواضيع ذات صلة

atyaf logo