الدور المصري وأسئلة الحرب على غزة

أثار العدوان على غزة
أثار العدوان على غزة

ما يجري في غزة يقرأ في مصر .. هكذا كانت دوما العلاقة التي تتخطى الجغرافيا السياسية الى اعتبارها جزء من الامن القومي المصري، وهي علاقة تتشابك فيها العديد من الابعاد السياسية والتاريخية التي أكسبت القضية الفلسطينية أهمية قصوى بالنسبة لمصر، ولطاما اتجهت الأنظار صوب الدور المصري باعتباره صمام امان عربي وقومي، ومع انطلاق معركة طوفان الاقصي تجلى هذا الدور من خلال الحراك السياسي والإنساني الذى قادته القاهرة مع الأطراف الدولية والعربية والذى شكل ضامنة لجهة عدم تنفيذ الاحتلال مخططاته في التهجير القسري ورفض كل محاولات تصفية القضة الفلسطينية الى الانخراط في المفاوضات المتعلقة بالافراج عن الاسرى، لكن هذا الدور ظل مكبلا سياسيا في ظل التوازنات والالتزامات الدولية والإقليمية

مصر تقوض مخطط التهجير .

منذ اليوم الاول لهذا العدوان وضعت إسرائيل مصر في دائرة الحرب، عندما طرحت مسألة التهجير القسري او النقل المؤقت للسكان الى سيناء في المقابل أبدت مصر مقاومة وموقفا صلبا وربما تصريحات الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي الشهير انه اذا كان لابد من التهجير فيجب ان يكون باتجاه صحراء النقب، دليل دامغ على هذا الموقف، ونجحت مصر الى جانب الأردن في الإطاحة بفكرة التهجير القسري والنزوح وهو الموقف الذى لاقى دعما عربيا الى جانب مشاركة العديد من القوى الغربية في هذا الرفض .

لكن هذه المخاطر السياسية ظلت حاضرة بوضوح في تصريحات القيادة المصرية حيث أكد رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، أن تهديد بلاده ومحاولة النيل منها عبر التاريخ أتى من هذه المنطقة، مضيفا أن مصر مستعدة لبذل ملايين الأرواح كي لا يقترب أحد من أي ذرة رمل في سيناء، موضحا أن بلاده لن تسمح أبدا أن يُفرض عليها أي وضع ولن تسمح بحل أو تصفية قضايا إقليمية على حسابها.

لكن هذه الضغوط ظلت قائمة ووصلت الى حد الابتزاز او كما وصفتها تقارير أمريكية حوافز اقتصادية قدمتها الى مصر لاستقبال 100 الف نازج فلسطيني، رغم نفي القاهرة لذلك، لكن هذا النفي قابلة تأكيد إسرائيلي كشفت عنه صحيفة "يديعوت أحرونوت" العبرية، التي قالت أن إسرائيل لا تزال تمارس على القاهرة ضغوطا كبيرة للغاية بشأن مقترح استيعاب الفلسطينيين من قطاع غزة إلى شمال سيناء.

في السياق كشفت مصادر إعلامية أوروبية لصحيفة "فاينانشيال تايمز" البريطانية التي اكدت ان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يسعى إلى إقناع قادة أوروبا بالضغط على مصر، حتى تستقبل اللاجئين الفارين من غزة، لكن دولاً أوروبية كبرى، بينها فرنسا وألمانيا وبريطانيا، رفضت هذا المقترح باعتباره "غير واقعي"، وأشارت إلى رفض المسؤولين المصريين الدائم لفكرة استقبال اللاجئين من غزة، ولو مؤقتاً.

الانخراط الأمريكي في هذا المخطط كان اكثر وضوحا من خلال تصريحات وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن التي قال فيها أن الولايات المتحدة تعمل مع مصر وإسرائيل لإنشاء "ممر إنساني" في سيناء للمدنيين الفلسطينيين الفارين من غزة. ثم في 20 أكتوبر/تشرين الأول، أرسل البيت الأبيض إلى الكونجرس طلبًا رسميًا للتمويل "لتلبية الاحتياجات المحتملة لسكان غزة الفارين إلى البلدان المجاورة" وهو بمثابة إشارة واضحة إلى أن إدارة بايدن كانت تعطي إسرائيل "الضوء الأخضر" لتنفيذ التطهير العرقي.

ورغم التطيمنات الامريكية المتواصلة إزاء رفض مخطط التهجير القسري لسكان القطاع التي نقلها وزير الخارجية انطوني بلينكن خلال لقاءاته مع المسئولين المصريين الا ان ذلك لم يبدد الشكوك حيال إمكانية الذهاب باتجاه هذه المخطط الذي لا يزال مطروحا على الطاولة إسرائيليا وفي ظل التساوق الأمريكي الكامل مع الفكرة .

في ذات السياق قال مدير منتدي الشرق الأوسط للدراسات الاستراتيجية سمير غطاس ان كل ما اطلق من تصريحات على لسان الرئيس الأمريكي ووزير خارجيته وما تلقته مصر من تطمينات حول رفض مخطط التهجير القسري لا يشكل تعهدات رسمية فإسرائيل مستمرة في مخطط دفع الناس الى الجنوب باتجاه الحدود المصرية تحت وطأة الجوع ومطرقة الآلة العسكرية بهدف الضغط على مصر ووضعها تحت الامر الواقع .

"الآن فهمنا ما حدث فى سيناء" تحت هذا العنوان كتب محمد أبو الفضل الآن فهمنا الدواعى الخفية التى حتمت على النظام المصرى ربط شمال سيناء بجنوبها، وربط البحرين المتوسط بالأحمر، عبر خط سكك حديدية وطرق برية ممهدة، فالفراغ السكانى الذى عاشته سيناء أغرى إسرائيل بالتفكير فى وطن بديل للفلسطينيين، والعودة لمخططات سابقة وضعت سيناء ضمن بنك أهداف من رسموا خطوطها.

حرب غزة ... ودبلوماسية الوساطة

امتلكت مصر ثقلا وحضورا كبيرين في ملف الوساطة، ونجحت خلال المواجهات التي اندلعت بين فصائل المقاومة والاحتلال من احداث اختراقات على صعيد عملية التهدئة، لكن هذا لم يبدو هذه المرة على صورته الإقليمية من حيث القوة والتأثير، بعدما تراجع لصالح الدور القطري والذى بدا اكثر نشاطا على خط هذه الحرب، رغم الحديث عن دور مصري قطري مشترك لاطلاق مسار تفاوضي بشان صفقة تبادل.

جهود الوساطة، التي تقودها القاهرة بين حكومة الاحتلال الإسرائيلي وفصائل المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة، كشفت عنها مصادر مطلعة على فحوى الاتصالات المتواصلة منذ اندلاع عملية "طوفان الأقصى"، مؤكدة إنه جرت اتصالات طالب المسؤولون في حكومة الاحتلال الإسرائيلي بتدخل مصري لإطلاق عملية تفاوض تمهيدية وسريعة، لإطلاق سراح الأسرى المصابين وكبار السن.

إلى ذلك يشير تقرير صادر عن منتدي العاصمة للدراسات السياسية والمجتمعية أن مصر تستفيد من دور الوساطة الذي تقوم به في الملف الفلسطيني، حيث يمنحها حضورًا سياسيًّا وأهمية في المنطقة، فاستمرار العدوان على قطاع غزة يمثل فرصة للنظام المصري لتعزيز مكانته على الساحة الإقليمية والدولية، خاصةً وأنَّ الساحة الآن لم تعد حِكرًا على مصر وحدها وهناك عدد من الدول الإقليمية تتسارع لتولي هذا الدور وعلى رأس هذه الدول قطر، في الوقت نفسه تمثل هذه الأحداث فرصة كبيرة للسيسي للظهور بمظهر البطل القومي الذي رفض علانية مطالب القوى الغربية المتكررة بإجبار الفلسطينيين على التوطين في سيناء

لكن لماذا لم يبلغ هذا الدور مداه خلال هذه الحرب، تفيد تقرير إعلامية ان مصر في المعتاد، تستطيع الضغط على إسرائيل ومختلف الأطراف الدولية لمنع تدهور الأوضاع في غزة إلى هذه الدرجة. لكن ليس هذه المرة، حيث تتعرض مصر إلى ضغوط شديدة من إسرائيل وحلفائها في أمريكا وأوروبا، الذين وجهوا اللوم إلى مصر لعدم استخدام نفوذها لمنع حماس من التصعيد.

الى ذلك يرى الكاتب المصري اشرف أبو الهول أن القاهرة كانت تلجأ لواشنطن للضغط على إسرائيل في جولات التصعيد السابقة، ولكن هذه المرة تدعم الولايات المتحدة إسرائيل بشكل كامل وأرسلت أسلحة ومسؤولين إليها، وهددت دولا أخرى في المنطقة، كي لا تتدخل. وهنا وجدت القاهرة نفسها تحت ضغط من دول مختلفة ومنظمات دولية للسماح للفلسطينيين بالدخول وتخفيف معاناتهم الإنسانية، وذلك مع استمرار رفضها للتجاوب مع مثل هذه الضغوط.

من جهته يقول الكاتب عمر سمير هل تستفيق مصر، وتكون على قدر الدور الذي ينتظرها وتوسّعه إنسانياً وسياسياً، أم تظلّ أسيرة لتخوّفات تفقدها هذا الدور على أهميته وقدره وقدريّته؟ قد يقول قائل إن اتخاذ موقف الحياد رسميا مفيد سياسيا، لكي تكون وسيطا مقبولا، وهذا مردود عليه، فيدرك الجميع في مصر أن هذا دور قدري بالنسبة لها بحكم الجغرافيا والتاريخ، قبل السياسة والمصلحة واعتبارات الأمن القومي، وحتى إذا أرادت التخلّي عنه لا يتخلّى عنها

الانتداب المصري

اليوم التالي للحرب او مستقبل غزة كان هو السؤال المعضلة والذي بحثت تل ابيب ومعها العديد من القوي المؤيدة لها عن إجابة له، لتعود الكرة مرة اخرى الى الملعب المصري باعتبار أن القطاع خضع سابقا للإدارة المصرية بعد اخفاق مساعي إسرائيل في اقناع القاهرة بمخططات التوطين والتهجير الى المطالبة بتولي المسؤلية عن القطاع بعد الانتهاء من العملية العسكرية في اطار سيناريوهات ما بعد حماس

القاهرة قوضت مجددا هذه الفكرة حيث جددت رفضها لما يجري تداوله في الأوساط الإسرائيلية، بشأن دور مصري لإدارة قطاع غزة في مرحلة ما بعد الحرب التي يشنها الجيش الإسرائيلي على حركة حماس، مشددة على أن "الشعب الفلسطيني هو من يقرر مصيره".

رد القاهرة هذا جاء رفضا لدعوة اطلقها السفير الإسرائيلي السابق لدى القاهرة، يتسحاق ليفانون، في مقال نشرته صحيفة "معاريف" العبرية، دعا فيه مصر "إلى تحمل المسؤولية في قطاع غزة بعد الانتهاء من الحرب مؤقتا"، على غرار "الانتداب البريطاني والفرنسي" في القرن الماضي.

الى ذلك اعتبر الكاتب المصري مأمون فندي ان أول المتضررين من هذه العجلة هي دول الجوار المباشر لفلسطين، وهنا أعني مصر والأردن، وربما سوريا بدرجة أقل. ولا بد لصناع القرارات في العالم الغربي أن ينصتوا إلى التصورات المكتوبة في الغرف المغلقة في هذه الدول، دول الجوار الفلسطيني، فأهل الإقليم أكثر إلماماً بتبعات هذه الكارثة الإنسانية. المحترفون في هذه الغرف المغلقة في الإقليم قادرون على تقديم تصورات أفضل من تلك التي أتى بها الوزير بلينكن، أو رسمها أهل الغرف المغلقة «المهلوسة» في تل أبيب.

المصدر : خاص-زوايا
atyaf logo