أصوات إسرائيلية مناهضة للحرب

اجتماع قيادة الجيش
اجتماع قيادة الجيش

"انهم يطلقون النار في زمن الحرب والتهدئة"، هكذا وصف الكاتب الإسرائيلي جدعون ليفي الوضع في اسرائيل مع اندلاع القتال في 7 أكتوبر حيث بدءت حملة تجييش وعسكرة داخل أوساط المجتمع الاسرائيلي رغم حالة الاستقطاب ونجحت في تشكيل اجماع داخل الراي العام باتجاه الحرب، اعتمدت فيه على تأجيج الشعور القومي والوطني واستدعاء تاريخ الهولكوست والعداء للسامية والسردية الدينية واثارة المخاوف الوجودية او كما وصفها نتنياهو بحرب الاستقلال الثانية وجندت في ذلك ادواتها الإعلامية والتي تقودها "الهسبراه" والقوى الفاشية من خلال اطلاق دعوات الثأر والانتقام والمطالبة بشن حرب إبادة وصولا الى دعوات التهجير، وتزامن ذلك مع فرض رقابة صارمة على أى اصوات او توجهات يمكنها ان تخرج عن سياق هذا الخطاب العدائي الملئ بالكراهية والعنف، لكن رغم ذلك ظلت هناك اقلية اسرائيلية رافضة للحرب مثل الأحزاب اليسارية والمعارضة ومنظمات المجتمع المدني .

الحرب تطيح بديمقراطية إسرائيل

تصارع التيارات المدنية في دولة الاحتلال الرافضة للحرب، للحفاظ على ما تبقي من ما تسميه المنظومة الأخلاقية والانسانية التي سقطت على وقع الفاشية التى تقدمها قوى التطرف الحاكم خلال المذبحة التي تديرها ضد قطاع غزة وتعكس في جوهرها تصدعا بنيويا خطير اصاب كيان الاحتلال الذى يسارع خطواته صوب المزيد من العنصرية والتطرف.

مؤسسة “ﭽيشاه–مسلك” الحقوقية الإسرائيلية قالت ان الحكومة الإسرائيلية تشن حربا بلا هوادة على قطاع غزة على نطاق غير مسبوق، مستفيدةً من الصدمة الجماعية للمجتمع الإسرائيلي لدعم انتقام بلا قيود وحدود، مشيرة ان عائلات كاملة قتلت تحت القصف وحارات كاملة لم تعد موجودة، مما يقوض الادعاء أن إسرائيل تستهدف حماس فقط. ان الهجمات العشوائية او غير التناسبية على المدنيين والبنى التحتية المدنية هي جرائم حرب، داعية إلى التدخل العاجل لمنع المزيد من الفظائع في غزة.

بدورها قالت منظمة بتسيلم الحقوقية الإسرائيلية انه لا يمكن لإسرائيل، غسل يديها والتنصل من المسؤولية عمّا حصل: وزراء في الحكومة يدعون الآن إلى القتل، التدمير، القصف، التحطيم، بل وحتى التجويع بحق سكان قطاع غزة وينسون أن هذه هي السياسة الإسرائيلية منذ سنوات، في هذه اللحظات، إسرائيل تشن الغارات على قطاع غزة، بينما من الواضح أن كثيرين من الضحايا هذه المرة أيضاً هم من المدنيين، بينهم النساء، الأطفال والمسنون.

وفي بيان مشترك لمنظمات حقوق الانسان الإسرائيلية اطلقت نداءات لاحتواء هذه الحرب التي اسمتها بالمسعورة التي تشنها تل ابيب على الأبرياء، وأكدت على ضرورة التمسك بالموقف الأخلاقي والإنساني، وألا ننزلق إلى اليأس والرغبة في الانتقام في الوقت الذي تُلقى فيه، في غزة، القذائف من الجو على المساكن، وتمسح عائلات كاملة، الوقت الذي لا مجال فيه حتى الآن لدفن القتلى، حتى في هذا الزمن الفظيع، نرغب بأن نطلق صوتا عاليا وواضحا ضد المساس بالأبرياء.

جديدة.png

لا تقتصر العنصرية المتنامية وخطاب الكراهية على الفلسطيني، بل طالت الوسط العربي في الداخل ووصل الى منظماته ومؤسساته من خلال مصادرة الحريات وقمع الاصوات الداعية لوقف الحرب، وقال «مركز عدالة القانوني» انه تقدم بدعوى إلى المحكمة باسمه وباسم «الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة»، التي تحاول منذ بداية الحرب ، تنظيم مظاهرات سلمية احتجاجاً على الحرب، لكن شرطة الاحتلال منعتها. وفي الأماكن التي جرّبت فيها قوى محلية إقامة مظاهرات، تم قمعها واعتقال عدد من منظميها. فتوجّه «مركز عدالة» إلى المحكمة، مؤكداً أن رفض الشرطة الموافقة على تنظيم المظاهرات ينتهك حرية التعبير السياسي لأسباب أيديولوجية وسياسية.

أحزاب يسارية إسرائيلية ضد الحرب

رغم تراجع أهمية وتاثير القوى التقدمية واليسارية في كيان الاحتلال تحت وطأة الانزياح صوب اليمينية الا انها سجلت موقفا مناهضا للحرب حيث هاجم "الحزب الشيوعي الإسرائيلي" بشدة، الدعوات الإسرائيلية لأكثر من مليون فلسطيني بإخلاء شمالي قطاع غزة والانتقال إلى جنوبه. وقال في بيان مشترك، إن التطهير العرقي الذي تنفّذه إسرائيل في قطاع غزة هو من أبشع جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية. وان ما جري يوم السابع من اكتوبر لا يمكن أن يشرعن بأي شكل من الأشكال، تنفيذ المخطط الخطر الموجه ضد مدنيين أبرياء، والذي أعدّته القوى الأكثر ظلامية في حكومة اليمين الفاشي الإسرائيلي "لحسم الصراع".

وكانت حركة "السلام الآن" اليسارية الإسرائيلية دعت إلى مظاهرة احتجاجية في ساحة رابين "لدعوة الحكومة لتغيير نهجها والتوجه إلى عملية سياسية"، حسب إعلان نشرته الحركة على موقعها الالكتروني.

وأضافت الحركة ان "أحداث الأشهر الأخيرة أثبتت خطأ مسار الحرب، فقط التسوية السياسية يمكنها ضمان المستقبل هنا". ونشر نشطاء سلام إسرائيليين صورة للمظاهرة وقد تم رفع لافتة كبيرة كتب عليها "أوقفوا المجزرة، أنهوا الحصار".

في السياق ذاته قادت جماعات ضغط تمثل عائلات الاسرى الإسرائيليين في غزة الى جانب نشطاء سلام مناهضين للحرب ومعارضين للإصلاحات القضائية مظاهرات امام مقر وزارة الحرب الاسرائيبية وهتفوا بشعارات تدعوا الى وقف هذه المذبحة المسعورة ضد المدنيين الأبرياء في قطاع غزة، وأكد المشاركون انه رغم ما جري يوم 7 اكتوبر الا ان ذلك لا يمنح القتل شرعية، كما طالب المتظاهرين برحيل حكومة بيبي نتياهو والذهاب به الى السجن متهمينه بزرع الفوضى في المجمع الإسرائيلي والجيش على حساب الإدارة الأمنية للكيان .

هذا الحراك الرافض للحرب لم يقتصر على الداخل الإسرائيلي بل تعداه الى الخارج حيث نظمت جماعة "الصوت اليهودي من أجل السلام (JVP) مظاهرات حاشدة امام مبنى الكونغرس الأميركي وداخله للمطالبة بإنهاء القصف الإسرائيلي على غزة، مؤكدين رفضهم لممارسة حكومتهم وحرب الإبادة الجماعية التي تقودها ضد الفلسطينين معتبرين ان "جذر العنف هو القمع.

مواقف فردية

"بعد كل تلك الأعوام الطويلة التي كان فيها عنق المُحتَل مخنوقًا تحت أعقاب نعالك، ومُنح فجأة فرصة أن يرفع عينيه في وجه الضوء، أي نظرة تعتقد أنك كنت ستراها هناك؟"

بهذه الكلمات المقتبسة من مقولة للفيلسوف الفرنسي سارتر، خسرت الاكاديمية الاسرائيلية "نوريت بيلد إلحنان"، وظيفتها بعد ساعات من بثّ رسالة في مجموعة واتساب داخلية تضمّ محاضرين في الكلية، لما اعتبر انه تأييد منها لما قامت به حركة حماس حيث (استبدلت نوريت في النص الأصلي كلمة أسود بكلمة محتل) وأضافت: "هذه النظرة هي بالضبط ما شاهدناه يوم 7 أكتوبر.

وفي تقدير موقف أصدره المركز العربي للدراسات الاجتماعية التطبيقية في الداخل الفلسطيني المحتل اعتبر أنّ تعريفَ الحكومة الإسرائيليّة للحرب على أنّها حرب وجوديّة وحرب على البيت، أو "حرب الاستقلال الثانية" على حدّ تعبير نتنياهو، والأزمةَ الأمنيّة والسياسيّة التي تعيشها إسرائيل منذ السابع من أكتوبر، يوفّران معًا أرضًا خَصبةً لإخراس أيّ صوت مُعارض للحرب وللقتل وللدمار، ولقمع المجتمع الفلسطينيّ والتعامل مع أفراده كأعداء. تستغلّ الحكومة حالة الصدمة والحرب، والأزمات الناجمة عنهما، وحكومة الطوارئ التي شكّلتها، لمحو الهامش السياسيّ الذي استخدمه الفلسطينيّون في إسرائيل لممارسة أبسط حقوقهم، ولفرض حدود جديدة للتعبير والعمل السياسيّ.

المصدر : خاص-زوايا

مواضيع ذات صلة

atyaf logo