بيع غزة..

حزب الله من الاشتباك الى التضامن

حسن نصر الله
حسن نصر الله

بعد مضى شهر على حرب الابادة بلا هوادة التي تشنها دولة الاحتلال الاسرائيلي، انتهت مبكرا سردية المفاهيم والمعاني التي ساقتها الكثير من القوي مع بداية طوفان الأقصى في 7 أكتوبر/ تشرين الأول، حول محور المقاومة وتشبيك الجبهات ووحدة الساحات، وبدت تتضاءل فرص التحرك والاسناد وعاد الجميع الى التقوقع حول خيارات وقواعد الاشتباك والاعتبارات البراغماتية والإقليمية وهو ما تجلي في خطاب الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله الفاتر في 3 تشرين الثاني/نوفمبر، الذى ضيق نطاق المواجهة وأعاد التأكيد على ان هذه الجبهة هي للتضامن فقط وان معركة غزة فلسطينية خالصة حتى وان ابقي الخطاب الباب مفتوحا على الخيارات لكنه يبقي بحسب وصف الكثيرين مخيب للآمال الى حد دفع المتحدث باسم حكومة الاحتلال إيلون ليفي الى السخرية: "هل قُتل كاتب خطاباته في الغارات الأخيرة على حزب الله؟".

حزب الله 1701

ما قاله عضو المكتب السياسي لحركة حماس موسى أبو مرزوق ، إنهم كانوا ينتظرون الكثير من حزب الله ربما اختصر واقع الحال قبل الوصول الى نقطة قريبة من اننا بتنا وحدنا في هذه المعركة، فسلوك الحزب العسكري على طول الحدود الشمالية كان يجيب كل يوم عن سؤال الانخراط في الحرب من خلال الحفاظ على قواعد الاشتباك المعمول بها منذ نحو 16 عاما.

حزب الله الذى خرج من حرب تموز عام 2006 على مدار 33 يوما بقرار من مجلس الأمن رقم 1701 وضعه على الحياد لم يعد بوارد تكرار السيناريو لاعتبارات حاكمة يري فيها مدير المنتدى الإقليمي للدراسات والاستشارات في بيروت خالد حمادة، ان إمكانية فتح حزب الله جبهة الجنوب، مستبعدا بل وغير وارد نهائياً، فالعمل العسكري عادة يجري لتحقيق هدف سياسي تعذر تحقيقه بوسائل أخرى، متسائلا: "فإذا كان الهدف السياسي محقق بالسيطرة الإيرانية على لبنان، فلماذا العمل العسكري".

القراءة الإعلامية التي تقدمها الأطراف المقربة من حزب الله تعتقد ان نهاية الحرب في غزة ستؤول الى ما انتهت اليه حرب 2006 في لبنان. عندما هاجمت اسرائيل لبنان بقرار تصفية حزب الله، وانتصر حزب الله دونما ان يربح الحرب لمجرد انه حال دون القضاء عليه، أما ما يراهن الحزب عليه فعلياً، فهو ان النتائج السياسية لحرب غزة لن تكون اقل اهمية من تلك التي افضت اليها حرب لبنان بالإضافة ان ثمة اشارت غربية وصلت تمهد لإعادة النظر في كل ما رافق الايام الاولى عندما مُنحت اسرائيل تفويضاً مطلقاً للقضاء على حماس.

في السياق قال رئيس مركز الشرق الأوسط للدراسات، هشام جابر، إن حزب الله في مسار القصف، يرغب بعدم توسيع الاشتباك، ما دام يحقق الأهداف التي يريدها، وتركه ضمن إطاره المحدود، وهو إشغال 3 فِرق عسكرية يتخطى عددها الـ30 ألف عسكري إسرائيلي، ووضعها في استعداد على الحدود مع لبنان، دون الانخراط في معركة غزة، كما أنه "لن يبادر لافتتاح معركة، لأسباب متصلة بجبهته الداخلية".

بدورها اعتبرت حنين غدار زميلة فريدمان في "برنامج السياسة العربية التابع لمعهد واشنطن ان "حزب الله" يحاول تحقيق توازن هش بين الردود المحدودة والانخراط الكامل ويبدو الهدف من الاستراتيجية الحالية لـ "حزب الله" واضحاً، وهو قطف ثمار الحرب بين حركة "حماس" وإسرائيل من دون خسارة الوجود العسكري الذي نجح في بنائه بشكل مطرد في لبنان منذ عام 2006. إلّا أن الحزب يدرك أيضاً على ما يبدو أن هذا النهج لن ينجح في هزيمة إسرائيل وعلى الأرجح سينتهي ذلك بتدمير ترسانة "حزب الله" وإضعاف قواته.

من جهته اعتبر الكاتب انيس محسن ان الظروف المحلية المتصلة بالبيئة اللبنانية غير المحبذة لدخول الحزب في عملية هجومية، وتفضيل البقاء على الجهوزية الدفاعية، ناهيك بالحشد العسكري الدولي في البحر المتوسط الداعم لإسرائيل والوجود القديم الأميركي في منطقة الخليج اللذين يهددان إيران ولبنان بتدخل مباشر، بالإضافة إلى الرد العنيف الإسرائيلي، كلها أمور ستعني تدمير لبنان وإلحاق ضرر كبير بإيران، وبالتالي فإن حزب الله مضطر إلى أن ينحني قليلاً أمام العاصفة.

بدورها قالت رابحة سيف علام الخبيرة في مركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية انه من المستبعد حتى اللحظة أن يُقبِل حزب الله على فتح جبهة قتال جديدة وممتدة مع إسرائيل، فالحزب نفسه يدعم المقاومة الفلسطينية ولكن هذا لا يعني أنه على أتم الاستعداد للقتال معها. فالظروف الداخلية التي دفعت حماس لشن عملية طوفان الأقصى ضد إسرائيل لا تتوفر اليوم لحزب الله.

التلاقي الأمريكي الإيراني لا حروب اقليمية

حال الوصول الى هذه النقطة من توسعة دائرة الحرب رغم المناوشات التي شهدتها العديد من الجبهات في لبنان والعراق واليمن وسوريا هو الرغبة الايرانية التي ظلت محكومة بقواعد إدارة المواجهة التي ارساها الأمريكي على ضفاف المتوسط بتحركاته العسكرية واستجابت لها طهران بحكم التقارب في السياسات "كعدو عاقل" لجهة عدم توسعة كرة اللهب الى حرب إقليمية وعدم رغبة طهران في خسارة هذا البيدق باعتباره احد أدوات الردع امام اسرائيل .

هذا التوجه أكده تصريح وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان عندما كشف عن تلقي طهران رسالتين من واشنطن بأنها لا تنوي توسيع دائرة الحرب، وتطالب طهران بضبط النفس. فيما ردت طهران انها لا تسعى هي الأخرى لتوسيع نطاق الحرب في المنطقة، ودعمته صحيفة كيهان المقربة من المرشد إن إيران لن تخوض حربا بدلا عن أي شعب آخر.

هذه الرسائل الضمنية شكلت تطمينات للحكومة الاسرائيلية المنغمسة في المحرقة وتلقفها بوضوح على وقع خطاب نصر الله الذي وصفه الرئيس السابق لجهاز الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية، عاموس يادلين، أنه مراوغ ويعتمد نهج التضليل والضبابية بشأن موقف حزب الله وإيران، مما حدث في السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وبشأن سير المعركة وتطورات الحرب على الجبهة مع لبنان. مشيرا إلى أن حزب الله يتجنب المخاطرة بحرب شاملة.

دوافع عدم دخول الحرب تتعلق بالحالة اللبنانية وليس الايديولوجية للحزب او تلاقي الأهداف لمحور المقاومة فثمة ظروف اكثر تعقيدا كما يقول الكاتب عمار ديوب انه رغم قول نصر الله إنهّم في حزب الله دخلوا الحرب في اليوم التالي لعملية طوفان الأقصى، الا انه ليس بوارد الانتقال من حرب المناوشات على الحدود اللبنانية إلى حرب وحدة الساحات، حيث أوضح نصر الله أن الانتصار على الكيان يتم بالنقاط وليس دفعة واحدة، وهذا تأكيدٌ إضافي على أن استراتيجية وحدة الساحات لن تتفعّل، ما يتلاقى مع رغبة أغلبية اللبنانيين في عدم دخول الحرب، ومع الموقف الإيراني بعدم دفع الحرب لتصبح إقليمية

من جهته قال اللواء احتياط في جيش الاحتلال، يسرائيل زيف، إن نصر الله "أوضح انه لا ينوي التضحية ببيروت، بل الاستمرار في المراوغة والتضليل بكل ما يتعلق بسير الحرب والاحتمالات المستقبلية".

ونبّه زيف إلى أن خطاب نصر الله حمل رسالة مفادها أن حزب الله سيبقي على التصعيد والتوتر باستخدام "فتيل هادئ" يتحكم به.

الطريق الى غزة لا تمر من مزارع شبعا

الحزب الذي انخرط في الازمة السورية الداخلية بذات الشعارات والتي كان أبرزها ان طريق القدس يمر بالقلمون والزبداني والسويداء والحسكة، قطعته المخاوف الإقليمية والحسابات الداخلية والصراعات السياسية والازمات التي يعيشها الحزب منذ ذلك الوقت حيث كانت هذا التورط خسارة نحو 2000 مقاتل ناهيك عن تضرر صورته فالحزب الذى لم يجد حرجا في معركة سوريا امام الامبريالية الامريكية وقف امام معركة غزة مسجلا حضوره بما يحول بينه وبين الحرج السياسي.

تقول الكاتبة والباحثة اللبنانية دلال البزري ما زال شعار "وحدة الساحات!" يطنّ في الأذن. قبل أن ننساه، قسَّمَ نصر الله هذه الساحات. هل كان مضطرّاً ليناقض نفسه إلى هذه الدرجة؟ وبهذه السرعة؟ والمهم أنه خسر بذلك إحدى أهم ركائز عقيدته. أنه يحمل سلاحه، يدمّر الدولة اللبنانية ومؤسّساتها، يقتُل السوريين، ويتشارك مع نظرائه العراقيين واليمنيين... من أجل فلسطين. اليوم، أعطى الجنسية للفلسطينيين، وفصلهم عن اللبنانيين.

بدوره قال اللواء دكتور سمير فرج، المفكر الإستراتيجي، أن حسن نصر الله تحدث ساعة أو يزيد وكان يعبر عن صوت إيران في المنطقة، وخلاصة الخطاب أن حزب الله وإيران باعا غزة في حربها ضد الكيان الصهيوني. مشيرا إلى أن هناك 3 أطراف فرحوا بخطاب حسن نصر الله هما الشعب اللبناني لأنه لن يخوض غمار الحرب، وأمريكا التي هدفت من الأول عدم تدخل حزب الله في الحرب والثالث معلوم للجميع.

المصدر : خاص-زوايا

مواضيع ذات صلة

atyaf logo