من التحييد الى الهجوم.. حماس ودوافع الحرب مع إسرائيل

السيطرة على دبابات الاحتلال من حدود غزة
السيطرة على دبابات الاحتلال من حدود غزة

قرار حماس المباغت بالذهاب الى الحرب مع إسرائيل يوم 7 أكتوبر، وتنفيذ هذا الهجوم الاستباقي كان نتاج العديد من العوامل والدوافع السياسية والأمنية والاجتماعية المتراكمة والكامنة التي تسبق هذا التاريخ، وتظافرت لتفضي الى هذا المواجهة التى توزعت حولها المواقف ما بين البطولة الى الانتحار الى المغامرة، لكن المعلن والمؤكد هو ما قاله نائب رئيس المكتب السياسي لحركة (حماس) صالح العاروري ان الحركة كان لديها معلومات حول نية الاحتلال تنفيذ هجوم على القطاع وهو ما دفعها الى خوض هذه المواجهة لكن هناك ظروف اخرى هيئة لهذه المعركة سنحاول سبر اغوارها وفقا للمواقف والتحليلات.

من التحييد الى التدجين

منذ عام 2007 حاولت إسرائيل ممارسة سياسة الاحتواء والتحييد مع حركة حماس وقطاع غزة عبر سياسة الحصار والتسهيلات والتهدئة بما يفضي الى ترسيخ المعادلة الأمنية القائمة في القطاع، مما عمق من حجم الازمات ودفع نحو العديد من المواجهات العسكرية على مدار السنوات الماضية التي كانت حركة حماس الى حد كبير خارجها وأبدت براغملتية عالية دفعت بنيامين نتنياهو الى الاعتراف أكثر من مرة بأن وجود حماس في السلطة بالقطاع يخدم مصلحة إستراتيجية لإسرائيل.

قبل السابع من أكتوبر كان المشهد يشى ان حركة حماس قد ودعت المسار العسكري لصالح المكاسب السياسية والتسهيلات الاقتصادية وتجلت صورة التحييد الاسرائيلي للحركة بشكل كبير في 12 نوفمبر 2019 ، بعدما استهدفت إسرائيل القيادي في سرايا القدس بهاء أبو العطا واهتزت حينها صورة حماس بشكل كبير في أوساط الفلسطينين، بعدما نأت بنفسها عن المواجهة التى خاضتها شريكتها حركة الجهاد الإسلامي وهو الموقف الذى اثار عاصفة من الغضب والانتقاد بعدما تركت حماس اسرائيل تستفرد بالجهاد وتعزز ذلك بعد الجولة الاخيرة بين حركة الجهاد وإسرائيل وانتهت باتفاق الطرفين على وقف إطلاق النار بوساطة مصرية في 13 أيار/مايو 2023 .

يقول الكاتب والباحث الفلسطيني عزام شعت ان حماس أرادت ضمن أهداف عملية "طوفان الأقصى" الانقلاب على منطق التهدئة الأمنية مع إسرائيل، وذلك بمغادرة سياسة الحلول المرحلية والمؤقتة في التعامل مع قطاع غزة، والقائمة على أساس معادلة "السلام الاقتصادي" والتسهيلات الاقتصادية الجزئية والمرحلية، التي تبنتها الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة كبديل لمسار التسوية السياسية مع الفلسطينيين، فرغم الفوائد التي جنتها حماس من التسهيلات الممنوحة لقطاع غزة، إلا أنها لم تكن بمستوى تخفيف أزمات القطاع .

بدوره اعتبر زميل معهد لوي في الدبلوماسية الأمريكية الشرق أوسطية في مجلس العلاقات الخارجية مارتن إنديك، ان الإسرائيليين اعتقدوا ان حركة حماس أصبحت في وضع مختلف الآن: فهي تركز على وقف إطلاق النار طويل الأمد، حيث يستفيد كل جانب من ترتيبات "عش ودع غيرك يعيش"، ويذهب نحو 000. 19 عامل فلسطيني إلى إسرائيل كل يوم من غزة، وهذا يعود بالنفع على الاقتصاد، ويدر إيرادات ضريبية. لكن اتضح أن ذلك كله كان خداعا كبيرا .

في هذا السياق، يرى الدكتور يوخن هيبلر المحلل السياسي الألماني والخبير في شؤون الشرق الأوسط أن "الوضع على الأرض خلال الأعوام السابقة كان يستقر ببطء لصالح إسرائيل والتي زادت من وتيرة بناء المستوطنات وضم المزيد من الأراضي في الضفة الغربية، فيما تحولت غزة إلى نوع من السجن في الهواء الطلق لأكثر من 2 مليون شخص."

الدعم القطري

لقد لعبت قطر دورا محوريا عبر علاقتها مع حركة حماس في استقرار الواقع الإنساني والسياسي للحركة في قطاع غزة الى حد كبير من خلال الدعم والاسناد الذى قدمته لتعزيز الصمود في كل مراحل المواجهة مع الاحتلال الذى سعي الى افشال هذا الدور والرغم أنه يشكل ضمانة لتجنب انفجار الأوضاع التي دفعت باتجاهها دولة الاحتلال دوما .

فقطر تقدم دعم الى حركة حماس يصل الى 30 مليون دولار شهريا على شكل منح للعائلات ولتوفير الوقود لمحطات الكهرباء وللمساعدة في دفع أجور موظفي القطاع العام البالغ عددهم 50 الف موظف، حيث تصل فاتورة رواتب الجهاز الاداري لحكومة غزة 125 مليون شيقل (34.5 مليون دولار) شهريا ناهيك عن مشاريع إعادة الاعمار التي تولتها قطر .

ونجح الدعم القطري في كثير من الأحيان في إطفاء حرائق المواجهات التي كانت تندلع من وقت الى اخر وربما جملة وزير الخارجية القطري محمد العمادي بعد نهاية حرب 2014 "نبغى هدوء" ظلت عالقة في اذهان الكثير من الغزيين ناهيك عن تقديم 500 مليون دولار عام 2021 لاعادة الاعمار، بالإضافة الى جهود قطر في تعليق مسيرات العودة التى انطلقت في 30 من مارس 2018 حيث اتهمت وقتها بالتدخل لوقف هذه المسيرات.

اقرأ أيضاً: روسيا وحرب غزة.. بين الانتهازية و الاستثمار السياسي

إسرائيل نفسها انغمست في اليات تسهيلات الدعم القطري الى قطاع غزة بل واسهمت في وضع الشروط لكيفية توزيع هذه الأموال وأوجه صرفها على القطاعات الإنسانية والخدماتية واعتبرت تل ابيب حينها ان هذا المال المقدم لحركة حماس التي تسعي الى ضمان استمرار سلطتها كفيلا بتسكين المعادلة والوصول الى تهدئة مع الحركة دون دفع اثمان سياسية او عسكرية كبيرة .

المسجد الاقصي

الاقتحامات والانتهاكات الإسرائيلية تجاه المسجد الاقصي والمقدسات من قبل اقطاب التطرف الإسرائيلي والانزياح الإسرائيلي الداخلي صوب اليمينة والتصعيد في الضقة الغربية كانت هذه الممارسات وراء تفجر المعركة عام 2021 والتي اطلقت عليها الحركة سيف القدس 2021 واستمرت لمدة 11 يوما.

حركة حماس أعلنت ان إرهاب المستوطنين والانتهاكات في المسجد الاقصي هي من توقف وراء دوافع معركة "طوفان الاقصي" وهو ما عكسته خطابات القائد العسكري للحركة محمد الضيف في رسالة صوتية اعلن خلالها اطلاق معركة طوفان الاقصي ، ورئيس المكتب السياسي إسماعيل هنية ابان هذه المواجهة .

وكانت الحركة حذرت قبل هذه المواجهة بوقت قريب من ما اسمته البلطجة والعربدة الإسرائيلية في المسجد الاقصي المبارك ودعت الى الالتفاف حول الاقصي والتصدي لكافة المخططات التي تهدف الى تقسيم المسجد في ظل تصاعد الهجمة والتي ازدادت وتيرتها مع صعود جكومة اليمين المتطرف الدعوات التي كانت تطلقها جماعات ما يسمي جبل الهيكل لاقتحام المسجد

التطبيع الابراهيمي .. تحولات إقليمية

التحولات الإقليمية لصالح الاحتلال افضت الى توقيع العديد من الدول العربية اتفاقات تطبيع عرفت بالاتفاقات الابراهيميىة والتقارب مع إسرائيل، والذي كاد أن يتوج بالاتفاقية الأهم بين السعودية وإسرائيل، خاصة مع الإشارات الإيجابية التي صدرت من الجانبين مؤخراً ، وتراجع الاهتمام بالقصية الفلسطينية .

حيث قال مدير برنامج فلسطين والشؤون الإسرائيلية الفلسطينية، في معهد الشرق الأوسط ، خالد الجندي، إن أحد الأهداف لمعركة طوفان الاقصي هو إعادة القضية الفلسطينية إلى جدول الأعمال الإقليمي والدولي. معتبرا أن "حماس نجحت إلى حد ما في تحقيق هدفها المتمثل في إعادة الاهتمام إلى القضية الفلسطينية".

الكاتب في صحيفة "نيويورك تايمز" توماس فريدمان تحدث حول الأثر الذي قد يُحدثه الهجوم على عملية التطبيع بين إسرائيل والسعودية، فقال فريدمان إن "مصلحتهم (السعودية) على المدى الطويل تتمثل في التطبيع مع إسرائيل، وهذه المصالح سوف تسود على المدى الطويل. ولكن على المدى القصير، فإن هذه الحرب بين حماس وإسرائيل تجعل هذا الأمر مستحيلًا".

بدوره قال المحاضر بجامعة كينغز كوليدج في لندن ميشيل غروبي إن أحد أهداف حماس هو وقف الاحتمال المتزايد للتوصل إلى اتفاق بين إسرائيل والسعودية. فالتطبيع مع السعودية برمزيتها في العالم السني، إن تم، سيشكل ضربة هائلة لحماس داخل العالم الإسلامي، لأنه سيتناقض بشكل مباشر مع موقفها المناهض لإسرائيل.

وكان وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن اعتبر ان دوافع هجوم حماس تتعلق بعرقلة التطبيع المحتمل للعلاقات بين إسرائيل والسعودية

المصدر : خاص-زوايا
atyaf logo