رؤية الأمير تركي الفيصل

تصورات سعودية صارمة للحل ووقف العدوان على غزة

تركي الفيصل
تركي الفيصل

الانشغال الدولي باليوم التالي للحرب وتحدياته الإنسانية والسياسية ، ظل طوال الاشهر الحرجة يراوح مربع اخراج الإسرائيلي من مأزق أهدافه المعلنة، ومحاولة تبرير العدوان تحت عنوان الدفاع عن النفس، وتمكين الاحتلال من الوقت الكافي لانجاز بعض منها، فيما ظلت في المقابل التصورات العربية لوقف المحرقة، رهينة العجز التاريخي، و الضغوط الامريكية، وضعف الرؤي السياسية، التي اكتفت بتقييم المخاطر الإقليمية وتقديم المبادئ الدبلوماسية الرئيسية للصراع، دون ان تلامس متغيرات وواقعية ما يجري على الأرض من إبادة، واستمر هذا الحال ، الى ان قفزت الى الواجهة الرؤية التي قدمها الأمير تركي الفيصل والتي تشكل بحسب البعض تصور سعوديا لنهاية هذه المذبحة وان لم يكن هذا الطرح حتي اللحظة رسميا لكنها الرؤية الأكثر قابلية للتحقيق من بين ما قدم من تصورات لوقف العدوان .

مقدمات التصور ... لا ينطق عن الهوى

رغم ان الطرح الذى قدمه الأمير تركي الفيصل لوقف العدوان جاء في مقال نشره بصحيفة الشرق الأوسط الا انه اكتسب اهتماما مغايرا، وان رأى فيه البعض اجتهادا شخصيا للرجل الذى يتمتع بمكانة سياسية، لكن ما قدمه يؤسس للحل المفقود ويعيد تأصيل المواقف العربية تجاه هذا الصراع خاصة الموقف السعودي والذى شهد التباسا على وقع التطبيع .

الى ان يزول هذا الالتباس بين الشخصي والرسمي في المواقف، عالج تركي الفيصل الازمة الراهنة مقدما العديد من المقترحات لكنه قبل ذلك وصف الاحداث بلغة كادت ان تندثر سياسيا في المنطقة على وقع الاتفاقات الابراهيمية، عندما اعتبر رد فعل إسرائيل على ما حدث في 7 أكتوبر الماضي بالمدمر والهمجي، وكل غرائز الشر التي استبطنتها عقيدتها الصهيونية القائمة على الاحتلال والقتل والتدمير والتهجير لشعب أصيل في أرضه.

وواصل الأمير تركي تقديم مبادئ رؤيته بالتأكيد ان العرب لم ينفضوا أيديهم من القضية الفلسطينية كما توهم قادة الاحتلال الذين اعتقدوا ان فكرة السلام تعني انتهاء الاهتمام بالقضية الرئيسية في المنطقة، واصفا ما حدث في السابع من أكتوبر انه لم يكن مجرد فشل أمني واستخباراتي إسرائيلي بل هو فشل سياسي بالدرجة الأولى، وان غطرسة القوة والأوهام غير المبررة قادتهم إلى تجاهل معاناة غزة، وحصارها، ورأت في الهدوء النسبي في الضفة الغربية، وضعف السلطة الفلسطينية، الفرصة لاستكمال تهويد فلسطين ومقدساتها. 

كما اعتبرت الرؤية، أن الفشل داخل هذا الصراع كان كذلك عربيا وفلسطينيا على وجه الخصوص وهو من أوصل الى هذه النتيجة ووفر الذرائع لإسرائيل للمضي في مخططاتها والاستفراد بهم بعدما اخفق الفرقاء الفلسطينين في السلطة وحماس في انهاء حالة الانقسام والتي أودت بعدالة ومستقبل قضيتهم ، أما على الصعيد العربي تمثل الفشل في ترك غزة تحت الحصار وعدم دفع القوى الفلسطينية للتوحد بالإضافة الي انعدام الرغبة في السلام .  

ازدواجية المعايير، والنفاق الغربي خلال هذا العدوان على غزة، كانت إشارة واضحة ولغة لم يجري الاعتياد عليها سياسيا ودبلوماسيا من وقت طويل في انتقاد المواقف الغربية والهيمنة الامريكية والتي حملها الفيصل المسئولية عن هذا الفشل على مدار أربعين عاما في مساعي الأخيرة لايجاد تسوية لهذا الصراع والذي يكفل حلاً عادلاً ومقبولاً يحقق قيام دولة فلسطينية أو حق تقرير المصير بالإضافة الى الدعم والانقياد الاعمي للسياسات الاسرائبلية التي رفضت كل  الحلول السياسية .

النقاط العشر .. المبادئ الأساسية للحل 

اعتبر الأمير تركي الفيصل ان كل ما قدم من مبادارت للخروج من ما اسماه مأزق غزة لم تراعي واقع الضحية ومتطلباتها بل راعت احتياجات الاحتلال واوصلت الغزيين الى حافة اليأس من إمكانية إيجاد حل مقدما تصوره الذي يقوم على عدة خطوات:

اولاً، سعي عربي لاستصدار قرار أممي جديد يفرض وقف إطلاق النار الفوري.

ثانياً، فرض هدنة طويلة لمدة 5 سنوات أو أكثر على الطرفين بضمانة عربية للطرف الفلسطيني وضمانة دولية للطرف الإسرائيلي.

ثالثاً، تتوج نهاية هذه الهدنة بقيام دولة فلسطينية بناء على القرارات الدولية (القرار 1948 والقراران 242 و338).

رابعاً، يلي ذلك مفاوضات جدية لحل نهائي للقضية الفلسطينية مبنية على مبادرة اللجنة الرباعية والمبادرة العربية للسلام.

خامساً، إعلان "حماس" التزامها بميثاق م. ت. ف. وخياراتها السياسية.

سادساً، توافق فلسطيني على قيادة سياسية فلسطينية للقطاع تتولى إدارة شؤونه حتى إجراء انتخابات فلسطينية عامة.

سابعاً، انسحاب القوات الإسرائيلية بشكل كامل من القطاع وتبادل الأسرى.

ثامناً، رفع الحصار عن غزة.

تاسعاً، صندوق دولي لإعادة إعمار القطاع تحت إشراف دولي يموَّل من إسرائيل وداعميها الغربيين وأطراف عربية.

عاشراً، منع القيادات الحالية في "حماس" والسلطة الفلسطينية وإسرائيل من أن تتبوأ منصباً سياسياً إلى الأبد.
في الاطار ذاته قال الكاتب وليد الخالدي ان ما صدر عن شخصية بوزن الأمير تركي الفيصل من مواقف لا يمكنها ان تكون مجرد تصورات ذاتية بل هي انعكاس لما اسماه  تغيرا في اراء أولى الامر في المملكة، وان هذا الموقف جاء بضوء اخضر ملكي بالنظر الى مركزية القرار السياسي في السعودية بعد انكشاف أنياب البيت الأبيض في واشنطن تجاه مجزرة غزة هاشم والفلسطينيين والعرب والمسلمين بصورة عامة، وانفضاح حقيقة نوايا الصهيونية تجاه الشعب الفلسطيني والمقدسات الإسلامية في عهدته.

لكن هذه التصورات التي اطلقها الفيصل جاءت متزامنة هي الأخرى مع مواقف اطلقها السفير السعودي في بريطانيا خالد بن بندر الذي ربط فيها التقدم بملف التطبيع  مع الاحتلال بوقف الحرب على غزة  وبضرورة إقامة دولة فلسطينية، مضيفا ان مصلحة الشعب الفلسطيني هي الأهم، لأنه بدون دولة ذات سيادة مستقلة للفلسطينيين لن يكون هناك شيء مهم، لأنه لن يكون هناك حل طويل الأجل للصراع".

بدوره قال الكاتب ناحوم برنياع في صحيفة يدعوت احرونوت العبرية ان الجدل الحقيقي مع بايدن ليس على مدة الحرب، فالسعودية في مركزه: هي تشترط تقربها من أمريكا، بما في ذلك التطبيع مع إسرائيل، واستئناف حل الدولتين، والإمارات تسير في أعقابها. بالنسبة لبايدن هذه استراتيجية؛ بالنسبة لنتنياهو هي سياسة؛ ولهذا يطالبه بايدن بتغيير تركيبة حكومته. أحداث السبت الأسود قربت دول النفط بايدن من رؤية دولة فلسطينية. الأحداث إياها أبعدت عن الرؤية إياها معظم الإسرائيليين.

في تل ابيب سلط الاعلام العبري الضوء على تصريحات صادرة عن وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان والتي وصفها بالحازمة عندما اكد على ضرورة ان تتولي السلطة الفلسطينية السيطرة المستقبلية على قطاع غزة وانه لا يوجد مبرر حتى الان لعدم الدعوة الى وقف اطلاق النار في غزة، فيما كشفت مصادر مطلعة ان السعودية منفتحة على الحوار لكنها متمسكة بحل الدولتين مضيفتا نقلا عن أوساط دبلوماسية سعودية انه لن يكون هناك حل امني بدون حل سياسي. 

ما بين الرسمي والشخصي

ربما كان السجال الحاد بين تركي الفيصل ووزير الخارجية الإسرائيلي وقتها جابي اشنكازي خلال مشاركتهم في منتدي المنامة بالبحرين عام 2020 والذى هاجم فيه السياسات الإسرائيلية العدوانية تجاه الفلسطينين دليل دامغ على مواقفه وادراكه السياسي المبكر لتطورات الصراع وهو كان من ابرز منتقدي اتفاقات السلام الأخيرة للإمارات والبحرين مع الاحتلال في ظل غياب الحل الفلسطيني.

لكن ما طرحه الفيصل من تصوات في الواقع لم تكن هى الأولى من نوعها، لرئيس الاستخبارات السعودية الأسبق وسفير المملكة الأسبق في أمريكا،  بل استبقها دوما عبر العديد من مشاركاته ولقاءاته السياسية بالتاكيد على أهمية القضية الفلسطيينة والتي كان اخرها في المنتدى الاستراتيجي العربي في دبي عندما رفض اى مقاربة بين حماس والاحتلال فيما جري  في 7 أكتوبر ، فالهمجية الإسرائيلية فاقت بأعداد فلكية ما يمكن أن تُدان به حماس، داعيا العالم بصفة عامة أن يتخلى عن المعايير المزدوجة التي يتبناها متهما العالم بالفشل خاصة العالم العربي في إمكانية درء هذه الاخطار والقى باللوم على الفلسطيينن في ظل استمرار الانقسام

وفي كلمة ألقاها الفيصل في معهد بيكر للسياسات العامة، أكد ان من حق كل الشعوب المحتلة مقاومة احتلالها حتى عسكريا، وفي حوار المنامة في البحرين قال الفيصل أن الصراع لم يبدأ في 7 أكتوبر 2023 بل ان "هناك تاريخ طويل أدى إلى احداث اليوم، مضيفا ان العالم يشهد الفشل في وقف الهجوم الإسرائيلي على غزة الذي يرقى إلى إبادة جماعية.

المصدر : خاص-زوايا
atyaf logo