تباين حول تراجع حدة تصريحات المقاومة من أحداث القدس

أحداث القدس
أحداث القدس

تراجعٌ ملحوظٌ في حدّة تصريحات قادة المقاومة هذا العام مقارنة بالأعوام السابقةِ، إزاء ما يحدث في القدس والمسجد الأقصى من اعتداءات الاحتلال ومستوطنيه، وسعيهم للتقسيم المكاني والزماني وتغيير الوضع القائم، في ظل الحكومة الأكثر يمينية وتطرفًا في تاريخ الاحتلال.

وفي هذا التقرير تستضيف "زوايا" عددًا من المحللين السياسيين، للتعرّف على أسباب انخفاض تلك التصريحات في الوقت الراهن، وحول إدارة المقاومة للمعركة مع الاحتلال، وماهية سياساتها تجاه القدس والأقصى.

التهديدات لا تعني خوض المواجهة

من جانبه، يرى المحلل السياسي أيمن الرفاتي، أنّ المقاومةَ رفعت من سقف تهديداتِها وحجم ومستوى الرسائل إلى الاحتلال خلال الأعوام الماضية إزاء ما يحدث في الأقصى في ظل تنامي نفوذ التيار اليميني المتطرف في حكومة الاحتلال الإسرائيلي، وسعيه لتغيير الوضع القائم في المسجد الأقصى.

وفي بعض الأحيان رفعت المقاومة سقف تصريحاتها، لكنّ الظروف الميدانية لم تسمح ولم تكن التطورات كافية لأن تذهب نحو ضغط ميدانيٍ أو مواجهةٍ. "بحسب الرفاتي".

اقرأ/ي أيضاً: لأول مرة.. غضب عارم لموظفي غزة على قرار خفض رواتبهم

ورأى "الرفاتي" خلال حديثه لـ "زوايا" أن بعض تصريحات المقاومة التهديدية ما بعد معركة "سيف القدس" دفعت الاحتلال إلى التراجع عن خطواته في القدس، معتقدًا أن التهديدات لا تعني بالضرورة أن تخوض المقاومة معركة مع الاحتلال، بل تستخدمه كنوعٍ من التكتيكِ في مواجهةِ الاحتلال.

جزءٌ من إدارة المعركة

واعتبر أن التصريحات المرتفعة خلال العامين الماضيين تنبع من تفاهم فصائل المقاومة حول أن القدس والمسجد الأقصى خط أحمر، لا يمكن السماح بتجاوزه وهي جزءٌ أيضًا من إدارة المعركة.

وحول معركة سيف القدس، أشار إلى أن المقاومة فاجأت الاحتلال وحققت نتائج لصالحها ولصالح المقاومة والقضية الفلسطينية، غير مستبعدٍ أن تتكرر مواجهة على غرار معركة "سيف القدس" تحت عنوان "القدس"، وفي إطار حربٍ شاملةٍ تخوضها جبهات عدّة، وهو السيناريو الذي يخشاه الاحتلال، حسب قوله.

دلائل خفض حدة التصريحات

وبشأن الانخفاض الملحوظ لتصريحات قادة المقاومة وحدّتها إزاء الاعتداءات على الأقصى، قال: "إنّ المقاومة لا تريد دومًا رفع السقف أمام الجمهور الفلسطيني كي لا يصاب بالإحباط".

ولفت إلى أن الانخفاض الجزئي في حدّة التصريحات لا يعني أن المقاومة قد تخلّت عن القدس، وأنها دائما ما تقدر الظروف الميدانية وقدرتها على المواجهة وترابط الجبهات.

وكثفت المقاومة جهودها هذا العام على تصعيد المقاومة في الضفة وتعزيز جبهتها عسكريا، وهي لا تريد أن تنتقل المعركة من الضفة لغزة، مدركةً أن المعركة في الضفة الغربية معركة استراتيجية تستنزف الاحتلال، حسب ما قاله "الرفاتي" الذي أكد على أن المقاومة على أهبة الاستعداد لأي تغيير للواقع في القدس في الوقت ذاته.

تغيّر أولويات

وعرّج أستاذ العلوم السياسية في جامعة الأزهر ناجي شراب بقوله: "إن المقاومة وعلى رأسها حماس في غزة تغيّرت أولوياتها في ظل الظروف الراهنة".

وتسعى حماس لدورٍ سياسي وانتزاع تمثيلي أكبر، وهي لا تريد الحرب في هذه المرحلة وفي إطار الظروف العربية، بل تريد في الوقتِ ذاته عدم خسارة قوتها العسكرية التي تعتمدُ عليها في قوتها السياسية، كما يقول "شراب".

وعزا انخفاض حدّة التصريحات تجاه ما يحدثُ في القدسِ، إلى الظروف الرّاهنة التي يعيشها قطاع غزة من توجه العمال للداخل المحتل، والدور القطري الداعم، ومشاريع الإعمار المصرية في غزة، متسائلًا "كيف تتوافق تهديدات الحرب مع مشاريع الإعمار والدعم القطري؟".

وبين أن حماس التي تحكم غزة، وهي أكبر فصيل مقاوم حاليًا، تتعرضُ لضغوطات عربية وإقليمية، في الوقت ذاته تسعى لعلاقات واسعة في الخارج ورفع الحصار عن غزة، وهذا ما شكل تراجعًا تجاه قضية القدس.

ومن وجهة نظر شراب، فإن خيار "الحربِ من أجل القدس" قد تراجع كثيرًا في هذه الوقت، بسبب الظروف والأولويات لدى المقاومة، وهذا ما يفسر انخفاض حدّة التصريحات تجاه القدس.

تقدير موقف وظرف مناسب

بدوره قال المحلل السياسي عمر عساف إن المقاومة الفلسطينية بشكل خاص و"محور المقاومة" بشكل متكامل يقدّرون الموقف والظرف المناسب لخوض معركة شاملة تحت عنوان "القدس"، فهي لا تريد معركة يفرضها الاحتلال وفي الوقت الذي يريده، وهي تنسق فيما بينها على الدوام.

وحول انخفاض حدة تصريحات المقاومة وعدم ردّها على اعتداءات الاحتلال على مدينة القدس والأقصى في العام الحالي، بيّن وجهة نظره لـ "زوايا" قائلا: "لا أعتقد أنه عجزٌ لدى المقاومة في الدفاع عن القدس أو التصدي لجرائم الاحتلال، بل لمسألة تتعلق بالاستعداد وإعداد القوة".

اقرأ/ي أيضاً: بأقلام فلسطينية وعربية: اتفاق "أوسلو".. ما له وما عليه

وعوّل "عساف" على مشروع المقاومة وسياساتها الثابتة تجاه القدس، معتقدًا أن الظروف المحلية والإقليمية وحسابات أخرى تشكل عوامل وتلعب دورا تجاه خوض مواجهة تحت عنوان "القدس".

وبيّن أن بعض القضايا استنزفت الشعب الفلسطيني ومقاومته وأدّت إلى تقليل التركيز على قضية القدس، منها الأسرى والاستيطان وهجمات الاحتلال ضد المقاومة، والتطبيع العربي، ومواصلة السلطة اعتقال المقاومين والنشطاء وتعويلها على التطبيع.

ظروفٌ مغايرة

وفي السياق ذاته، رأى المحلل السياسي حسن عبده، أن الظروف التي رافقت معركة "سيف القدس" وما شهدته من توحّد الجبهات الفلسطينية وتوسّع حركة التضامن العربية والعالمية، كانت مهيأة لحربٍ شاملة وقد خاضتها المقاومة باقتدار.

ويرى خلال حديثه لـ "زوايا" أنّ اعتداءات الاحتلال ومستوطنيه في العام 2021 كان تستهدف تغيير الواقع في القدس والمسجد الأقصى، وكانت تستهدفُ ساحة باب العامود، فلذلك اندلعت معركة "سيف القدس".

وأشار إلى أن المعارك في القدس مثل معركة البوابات الإلكترونية (يوليو 2017) ومسجد باب الرحمة (فبراير 2019)، قد أفشلها أهالي القدس وليست المقاومة، مؤكدا أنهم "رأس حربة الدفاع عن القدس".

ورجّح أن تندلع حربٌ شاملة حال تلاعب الاحتلال بالوضع القائم في القدس، متفقًا مع "الرفاتي" بأنّ تهديدات وتصريحات قادة المقاومة هي جزءٌ من المواجهة وإدارة المعركة.

وتتباين وجهات النظر حول أسباب خفض حدة تصريحات المقاومة تجاه ما انتهاكات المتصاعدة في القدس والمسجد الأقصى، بين من يرى أن الظروف الراهنة محليا وعربيا وإقليميا لا تسمح بخوض مواجهة جديدة على غرار "سيف القدس" وأن التصريحات جزء من إدارة المعركة، وبين آخرين يرون أن أولويات المقاومة تغيّرت بسبب الضغوط الاقتصادية التي تمارس على قطاع غزة، ورغبة المقاومة في التخفيف من حدة الأزمة عبر المنحة القطرية وتشغيل العمال في الداخل المحتل، إلى جانب ما تمر به القضية الفلسطينية من أزمات أخرى كالتطبيع.

المصدر : خاص-زوايا

مواضيع ذات صلة

atyaf logo