مناضلو البيانات والمذكرات والشو الإعلامي

من لقاءات المصالحة الفلسطينية في مدينة العلمين بمصر
من لقاءات المصالحة الفلسطينية في مدينة العلمين بمصر

كثير من السياسيين والمثقفين والأكاديميين في العالم العربي عندما يشعرون تراجع شعبية السلطة والنظام القائم وتعرضه لأزمة وأن هناك مؤشرات على قرب إجراء انتخابات أو مساعي صناعة قيادة جديدة،ينقلبون على النظام و يتجرؤون على قياداته و يركبون موجة المعارضة، ولا يتورع بعضهم من تغيير ولاءاتهم ومعتقداتهم في سعي منهم لتجنب العقاب الشعبي وللبحث عن مواقع في النظام الجديد المرتقب، وإن كان أحيانا تلعب أطراف خارجية، وخصوصا واشنطن والغرب ودول إقليمية، دورا في تحريض هؤلاء لكي ينقلبواعلى النظام من خلال إغراءات مالية أو وعدهم بإقامة مريحة في الخارج أو ليحافظواعلى مناصبهم ووضعهم المريح في بلدان الغرب حيث يعيشون، هذا ما شاهدناه في مصر وسوريا والعراق وليبيا، ففي سوريا مثلا تم دفع ملايين الدولارات لقيادات عسكرية وسياسية انشقوا عن نظام الأسد بعد أن كانوا من رموز النظام وأدواته في قمع الشعب وتضليله، إلا أن أغلبهم يكونوا مدفوعين برغبات ذاتية للوصول للسلطة أو الانتقام ممن في السلطة أو للتغطية على فسادهم وجرائمهم بحق الشعب عندما كانوا يتولون مناصبفي السلطة.

هذه الفئة من السياسيين والمثقفين يراهنون بأن الشعب جاهل ومتخلف وسريع النسيان، وإن تذَكرَ ماضيهم يستطيعون محو ذاكرته أو تضليلها بتغيير خطابهم ومعتقداتهم، مثلا من خطابوطني علماني إلى خطاب ديني أو من خطاب وطني إلى خطاب طائفي وقبلي شعبوي حسب الثقافة السياسية السائدة، وأحيانا ينجحون في تضليل الناس بماكينة إعلامية رهيبة من فضائيات وإذاعات ووسائط تواصل اجتماعي، وبالمال السياسي مستغلين فقر قطاعات واسعة من الشعب وجهلهم.

في الحالة الفلسطينية ليست قيادة حماس في الخارج أول من سار على هذا الدرب وحاولوا تبرئة أنفسهم من المسؤولية عن الانقسام عندما قال خالد مشعل إن سبب الانقسام الفلسطيني يعود للصراع علىالسلطة وتقاسم الكعكة بين تنظيم فتح وحماس الداخل وبذلك يتم تبرئة قيادة حماس في الخارج من المسؤولية. فقد سبقه وتلاه كثيرون من السياسيين والمثقفين في حركة فتح وفصائل منظمة التحرير ومن المستقلين ممن تفرغوا لإصدار بيانات وكتابة مقالات أو مذكرات وسير ذاتية والإدلاء بتصريحات عبر وسائل الإعلام ... ينتقدون فيها المنظمة والقيادة والسلطة وكل التاريخ الوطني، كما يضخمون من ذواتهم ودورهم الوطني عندما كانوا جزءامن النظام السياسي أو يعتبرون أن القابهم الاكاديمية ونشاطهم الإعلامي عمل وطنيبحد ذاته يؤهلهم انتقاد القيادة والتنظير لعهد جديد،  كل ذلك يندرج في سياق تبييض صفحتهم والحفاظ علىحضورهم في المشهد السياسي والإعلامي.

بعض هؤلاء، الذين داهمتهم صحوة ضمير متأخرة، كانوا ممن لعبوا دورا أساسيا لسنوات في مواقع في المنظمة وحركة فتح وفي مفاوضات أوسلو وفي السلطة بل إن بعضهم كانت لهم أدوار قذرة خلال المفاوضات وبعد قيامالسلطة الفلسطينية، وآخرون كانوا على هامش العمل الوطني ولم يسبق لهم أن لوثوا أيديهم بحمل سلاح أو رمي حجر أو التصدي لجيش ومستوطني الاحتلال، بل كثيرون منهم لميساهموا ماليا في دعم الثورة ومساعدة الشعب في الداخل.بعضهم  كانوا يتفاخرون بأنهم من فريق المفاوضات وكانوا يعرضونصورهم مع الإسرائيليين والامريكيين خلال المفاوضات، وبعدما  شاركوا في عشرات اللقاءات مع الإسرائيليين فيأفخر الفنادق والمنتجعات في الغرب وإسرائيل وفي طابا وشرم الشيخ الخ، وبعد أن تولوا مناصب رفيعة في السلطة و وظفوا ابنائهم واقاربهم في السلطة وسفاراتها وما زالوايعيشون على رواتبهم التقاعدية المريحة من (سلطة أوسلو)، بعد كل ذلك اكتشفوا بأناتفاق أوسلو والتنسيق الأمني خيانة وأن الرئيس أبو مازن هو المسؤول عن كل هذاالخراب والدمار، بل ويتبجح بعضهم بالقول إنه قال للقيادة كذا وكذا ولم تسمع كلامه ولو سمعوا كلامه لسارت الأمور على غير مسارها الحالي!، أو أنه تم عزلهم وتهميشهم لأنهم كانوا يعملون بإخلاص أو بسبب مواقفهم المعارضة لنهج السلطة أو بسبب خلافاتهم معقيادات فاسدة وغير وطنية في السلطة.... بينما في حقيقة الأمر تم إبعادهم وتهميشهم لفسادهم و دورهم التأمري على القضية الوطنية أو لفشلهم فيما أُسند إليهم من عمل. بالتأكيد نستثني من معارضي السلطة المخلصين والصادقين من أبناء حركة فتح ومنظمة التحرير الفلسطينية ومثقفين مستقلين ممن كانت لهم مواقف وطنية واضحة معارِضة لمفاوضات أوسلو ومتخوفة مننتائجها ولكن بدون اتهامات بالتخوين لأحد، وحتى بعد قيام السلطة بعضهم فضل عدمالمشاركة واستمر على نهجه المعارض باعتدال وبدون تخوين ولم يغيروا انتمائهم وولائهم لحركة فتح والمنظمة كما فعل كثيرون ممن انتموا للجماعات الإسلامية أوأصبحوا أبواقا وكتبة مأجورين لهذه الدولة أو تلك أو هذه الصحيفة أو الفضائية أوتلك، وبعضهم اكتشف متأخرا أن حاله كحال “المستجير من الرمضاء بالنار” وهناك من قرر اعتزال العمل السياسي وفضلوا العيش على ذكريات جميلة وحنين للوطن وزمن الثورة والعمل الفدائي، أما من انخرط منهم في السلطة، لحاجة مادية ولأنهم مسؤولين عن اسرة أو في مراهنة أن تحقق السلطة والقيادة ما راهنت عليه ووعدت به الشعب، فقد استمروا في مواقفهم الانتقادية دون مبالغة أو تخوين مع تلمس الأعذار أحيانا للقيادة  وفي الختام نقول لهؤلاء مدعي البطولة و الوطنية والجهادية على مستوى العالم العربي، دونوا وسطروا وسجلوا ما شئتم من مؤلفات ومذكرات وفيديوهات واصدروا ما شئتم من بيانات باسم المثقفين، وهو أمر أصبح اليوم في زمن الثورة الرقمية متاحا للجميع حيث لا يكلف كثيرا من الجهد والمال حتى الجهلة ورجال المافيات والمثليين يمكنهم الترويج لأنفسهم إعلاميا، ولكن الشعب لا ينسى، صحيح أن الشعب يجامل وأحيانا الى درجة النفاق، ولكنه لا ينسى ولنينسى وسيأخذ حقه ممن ظلموه وكانوا سببا في نكبته المعاصرة ولو بنظرات احتقار صامتة لهؤلاء وأبنائهم من بعدهم.

المصدر : خاص-زوايا

مواضيع ذات صلة

atyaf logo