زوايا تكشف.. لا إجماع وطني على إعادة مسيرات العودة

مسيرات العودة
مسيرات العودة

بعد انقطاع لنحو ثلاثة أعوام، عادت مسيرات العودة في قطاع غزة إلى الواجهة، ذلك بإعلان "الهيئة الوطنية العليا لمسيرات العودة وكسر الحصار" إعادة تجهيز وتأهيل مخيمات العودة على حدود قطاع غزة مع الاحتلال الإسرائيلي، مؤكدة في بيان لها، أنه "سيتم بدء العمل الفعلي في مخيمات العودة على حدود غزة".

وكانت الحدود الفاصلة بين قطاع غزة والأراضي المحتلة عام المحتلة 1949، قد شهدت بين عامي 2018 و2019، مسيرات وحشودات ليلية لإرباك جيش الاحتلال الإسرائيلي المتواجد عند الحدود، تخللها مواجهات عنيفة وإطلاق رصاص وقنابل الغاز المسيل للدموع.

وعمل الفلسطينيون المشاركون في مَسيرات العودة، على إطلاق البالونات الحارقة من القطاع باتجاه الأراضي المحتلة، ووصلت بعض البالونات إلى العمق الإسرائيلي بسبب الرياح محدثة عدة حرائق في الأراضي الزراعية، واستشهد خلال المَسيرات السابقة 217 فلسطينياً وأصيب 19,109 آخرون، وانتهت بتقديم الاحتلال تسهيلات لسكان غزة دون إنهاء الحصار.

ومع عودة مسيرات العودة بداية سبتمبر الجاري، أصيب 9 مواطنين بجراح مختلفة، وآخرون بالاختناق بقنابل الغاز خلال مواجهات اندلعت مع قوات الاحتلال الإسرائيلي قرب السياج الأمني شرقي مدينة غزة.

انتقادات شديدة

وطغى موقف المعارضين بالرجوع إلى مسيرات العودة على المؤيدين، وقد بدا ذلك من خلال حالة الانتقاد الشديد التي رصدتها "زوايا" للنشطاء على منصات التواصل الاجتماعي، أو من خلال بعض الساسة والمحللين الذين تم استقراء مواقفهم وآرائهم، حول الأسباب الآليات والجدوى المتوقعة من وراء قرار إعادة المسيرات على حدود غزة.

اقرأ/ي أيضاً: ماذا تجني حكومة غزة من ملف تصاريح العمال؟

ومن جملة المنتقدين، قال الناشط سعدو سامي خلف: "كنت من أوائل المشاركين في مسيرات العودة، وأحياناً كثيرة أخذتنا حماوة الدم وتقدمنا لمناطق الاشتباك، وكان ممكن أكون شهيداً أو مصاباً (..) حقيقة كانت في بدايتها تجربة رائعة وفريدة وجمعت الكل الفلسطيني في ميدان واحد، لكن الثمن كان غالياً وغالياً جداً، ولا يزال الكثير ممن أصيبوا يدفعون الثمن ويتلقون العلاج التأهيلي والتعويضي حتى الآن". وأضاف "هذا المشهد، مشهد الشباب الأعزل أمام عبث الرصاصات الغادرة لا يجب أبداً أن يتكرر تحت أي ظرف أو مبرر".
IMG-20230907-WA0012.jpg
أما الناشط فادي محمد، فقد عبر عن أسفه قائلاً "قرار تفعيل مسيرات العودة مرة أخرى هو استنزاف لدماء الشباب العاجز الذي سيواجه ترسانة سلاح وأكوام من الأسمنت وهو أعزل لا يمتلك سوى حجر، وكان المفروض تفعيل حياة كريمة للشباب والشابات، وتفعيل حياة كريمة لأسر الشؤون الاجتماعية، وإيجاد حلول للمرضى الذين يعانون المر".

وأضاف: "لا ننس شهداء وجرحى مسيرات العودة، منهم من رحل وترك وجعاً وقهراً، ومنهم الجريح المبتور القدم أو اليد أو من فقد عينه، ولا رقيب لهم بل كانوا مجرد ذكرى".

ووجه نداء إلى من بيده القرار مناشدا "تراجعوا عن قرار مسيرات العودة ليس جبناً أو خوفاً من عدو، بل حفاظاً على دماء أبناء شعبي التي ستذهب هدرا أمام شريط حدودي مكون من حجارة وسلاح لا يفرق من هذا ومن ذاك".

IMG-20230907-WA0003.jpg
IMG-20230907-WA0005.jpg
IMG-20230907-WA0008.jpg
IMG-20230907-WA0007.jpg
IMG-20230907-WA0004.jpg
IMG-20230907-WA0006.jpg
IMG-20230907-WA0011.jpg
IMG-20230907-WA0009.jpg
IMG-20230907-WA0010.jpg

الهيئة: القرار منفرد

من ناحيته، كشف صلاح عبد العاطي رئيس الهيئة الوطنية لمسيرات العودة وكسر الحصار لـ"زوايا"، أن هيئته ليس لها علاقة باستئناف مسيرات العودة مجدداً، مؤكداً أنه لم يصدر عن الهيئة بيان رسمي بالخصوص، وأن البيان الذي صدر في الإعلام "نزل باسم الهيئة دون علم الهيئة".

وأشار عبد العاطي في حديث خاص لـ"زوايا" إلى أن أعضاء الهيئة وقواها الوطنية باستثناء حركة حماس، لم يتفقوا على بيان استئناف مسيرات العودة، عاداً أن "الرجوع لمسيرات العودة تُسأل عنه حركة حماس فقط".

وأكد عبد العاطي بوضوح "قرار العودة لمسيرات العودة الحالية، لم يتم وفق إجماع وطني والتزام ومشاركة كل مكونات الشعب الفلسطيني".

وحول نجاعة هذا الاستئناف لمسيرات العودة في الوقت الحالي، فقد عبر عبد العاطي بأن غزة رافعة دائماً للنهوض الوطني، وغزة عليها أن تتفق وطنياً على الشكل الأمثل لمساهمتها الدائمة في مجرى النضال الوطني، فضلاً عن الإعلام والدعم الشعبي والوطني بمختلف الأشكال.

وأردف عبد العاطي "لذلك إذا كان هناك ضرورة لتكيتك أو شكل جديد لمساهمة قطاع غزة، فيجب إعادة النظر في مسيرات العودة مستفيدين من إيجابياتها وتجاوز أي سلبيات، وفي النهاية المقاومة الشعبية إبداع لا ينتهي، والأهم هو أن أي مقاومة عليها أن تُمسك بقانون واضح في هذا المجال، ورفع كلفة الاحتلال ليرحل وتقليل كلفة الشعب ليصبر ويثبت".

وبسؤال عبد العاطي، ما هي إيجابيات وسلبيات المسيرات؟ فأجاب بانتقاد عودتها في الوقت الحالي دون إجماع وطني، وقد كان انطلاقها سابقا بإجماع من كل القوى والمكونات الفلسطينية، عاداً أنه في السابق قدمت المسيرات مساهمة وطنية مهمة بعرقلة صفقة القرن وعرقلة الهرولة باتجاه التطبيع، كما قدمت مقاربة للحفاظ على حق العودة، وساهمت في مشاركة كل الفلسطينيين والزج بكل طاقاتهم الوطنية لرفع كلفة الاحتلال.

وذكر عبد العاطي أن المسيرات عززت المشاركة الوطنية والوحدة الميدانية تحت لواء علم فلسطين، وقدمت نموذجاً في إطار تكتيكات وإبداعات نضالية مختلفة وغير منتهية، إضافة إلى أنها قدمت مقاربة أفضل من أي مقاربة سابقة، باتجاه تخفيف الحصار عن قطاع غزة، وذلك رغم استمرار حالة الانقسام.

وتطرق عبد العاطي إلى أن مسيرات العودة، استطاعت أن تفرمل وتوقف العقوبات المفروضة على قطاع غزة من طرف السلطة الفلسطينية برام الله من ناحية، وقدمت إسهاما في تعزيز صمود المواطنين في القطاع من ناحية أخرى، عاداً ذلك غير كافِ في هذا المجال.

ويرى أن المقاربة الأساسية مرتبطة باستعادة الوحدة على أساس الشراكة السياسية، حيث أن هذا الأمر لم يتم "وفي اللحظة التي كانت غزة تدفع باتجاه رفع الحصار والحفاظ على الحقوق الوطنية، كانت السلطة في أوقات محددة تضغط باتجاه استمرار هذا الحصار ومنع قطاع غزة من التمتع بالحد الأدنى من حقوقه"، حسب تعبيره.

ورغم كل ما سبق، يرى عبد العاطي أن الاحتلال يتحمل المسؤولية الأولى والأخيرة باستهدافه للمدنيين ويمثل ذلك "جريمة حرب" حتى بحق من اقترب من السياج ومن استطاع أن يعبر السياج، حيث لا يجوز الاستهداف بهذا الشكل المفرط من القوة، مشددا أنه لا يوجد مبرر للاحتلال للاستمرار في حصاره أو استهدافه المدنيين، سواء المشاركين من الشباب أو النساء والأطفال أو المسعفين أو الصحفيين وغيرهم، ولذلك الاحتلال أجرم ورفع كلفة المسيرات من خلال تعمد استهداف المدنيين حتى على مسافات بعيدة من السياج الفاصل مع قطاع غزة.

من جانب آخر، أوضح عبد العاطي أنه كان هناك مسؤولية على الأطراف الفلسطينية بأن تحاول ما أمكن إبعاد المتظاهرين السلميين عن السياج الفاصل حتى لا يوغل الاحتلال في دمهم، فالأخير من مصلحته رفع كلفة النضال الوطني الفلسطيني وتعمد إلحاق أذى بليغ بالمتظاهرين عبر إصابتهم بالرصاص المتفجر والاستخدام المفرط للقوة، وذلك لإحداث جدل في المجتمع الفلسطيني حول كلفة المسيرات وطرق المقاومة المختلفة.

وذكر عبد العاطي" هناك تخوف حقيقي من زيادة عدد المصابين في قطاع غزة، وخاصة أن الآلية الحالية وسط موازين القوى لا تحدث مقاربة جديدة، وسنخلص إلى ذات النتائج، عدا عن نقص الاهتمام بالجرحى من مسيرات العودة، ما يجعل الاهتمام بالمصابين والأشخاص ذوي الإعاقة الذين تتسبب هذه المسيرات في إصاباتهم البليغة هو من الأولويات".

إفراغ من المحتوى

وكمن سبقه، فقد أكد عضو مكتب سياسي لإحدى الفصائل المنضوية في إطار منظمة التحرير الفلسطينية، والتي هي جزء من الهيئة الوطنية لمسيرات العودة وكسر الحصار، أنه بصراحة لم يُطرح قرار استئناف مسيرات العودة عليهم، عاداً أن من اتخذ القرار بعودتها هو من يجب سؤاله عنها، في إشارة إلى حركة حماس.

القيادي الذي طلب عدم ذكر اسمه خلال اتصال "زوايا" عليه، رفض بالمطلق الولوج في أي أسئلة أو تفاصيل حول العودة للمسيرات الحالية، معتبرا أن مجرد استرساله في إبداء رأيه ورأي فصيله في هذا الموضوع الحساس جداً يعتبر "مشاركة لفصيله في المسيرات الحالية، في ظل الرفض الحالي الذي نشهده لدى الرأي العام الفلسطيني جملة وتفصيلا ".

ولم يصدر أي تصريح من قيادة حركة حماس أو ناطقيها الرسميين بخصوص استئناف مسيرات العودة، كما لم يشأ أيٍ ممن سبقوا الحديث لـ"زوايا" بالخصوص، على اعتبار أن حركة حماس فصيل رئيسي في الهيئة الوطنية لمسيرات العودة وكسر الحصار.

لكن أحمد يوسف المستشار السابق لرئيس الوزراء الأسبق في الحكومة العاشرة المقالة إسماعيل هنية، ذكر أن مسيرات العودة كانت في السابق ذات زخم كبير جداً، ولكن للأسف استطاعت (إسرائيل) أن تفرغ هذه المسيرات من محتواها، وذلك عندما ربطتها بالإرهاب والتطرف".

اقرأ/ي أيضاً: ما مدى تطور وفاعلية "مُسيرات المقاومة" في معاركها مع الاحتلال؟

وأشار يوسف في حديث لـ"زوايا" إلى أن حجم ما ترتب على هذه المسيرات من تضحيات كبيرة جعل العودة لديها محل انتقاد من قبل الكثيرين، فضلاً عن تراجع التغطية الإعلامية وتراجع التعاطف الدولي معها، منوها إلى أن دور مسيرات العودة في الضفة الغربية الآن سيكون أكثر فاعلية منه في قطاع غزة.

ويرى يوسف أن استئناف مسيرات العودة يجب أن يكون ضمن إدارة سلمية بشكل لا يترتب عليه خسائر وإصابات في صفوف المتظاهرين الذين يرغبون في إيصال رسالتهم للعالم بأن بلادنا ما زالت محتلة وشعبنا يتطلع للعودة، معتبرا أن انفلات الأمور في هذه المسيرات ومراكمة الإصابات في ظل تراجع مستويات العلاج وعدم تكفل ذوي الاعاقات وعدم تعويضهم، يضع تساؤلات كثيرة حول الفائدة والنتيجة والانجاز من وراء هذه المسيرات؟.

رسائل و"مماحكة"

ومن الناحية التحليلية، قال الكاتب والمحلل السياسي طلال عوكل، إن استئناف مسيرات العودة هذه الأيام "من الواضح أنه استكمال رسالة ثقة من قبل المقاومة بإمكانياتها وقدرتها على مواجهة أي عدوان إسرائيلي"، وذلك في ظل تبجح الاحتلال الإسرائيلي باستعداده للمواجهة مع جبهات متعددة، منبها أن التهديدات الإسرائيلية بالخصوص، لاسيما المتعلقة باغتيال القيادي الحمساوي صالح العاروري، "هي رسائل فارغة تدلل على الضعف الإسرائيلي".

وأشار عوكل إلى أن جبهات المقاومة المختلفة هي الأخرى ترد برسائل قوة وذات معاني من حين لآخر مفادها أنها جاهزة للمواجهة، سواء من خلال ما أسماها "المماحكة" من حزب الله على الحدود اللبنانية، أو من خلال خروج العاروري بالبزة العسكرية رداً على التهديدات الإسرائيلية باغتياله، فضلاً عن مضاعفة عدد العمليات في الضفة الغربية، والمناورة باستئناف مسيرات العودة في قطاع غزة.

وأضاف: "الجوهر في الموضوع أن غزة ومقاومتها لا تسمح بالابتعاد وتحييد قطاع غزة كما يريد الطرف الإسرائيلي".

وتطرق عوكل إلى أن مسيرات العودة تخضع لظروفها في كل الحالات، فقد بدأت في مناسبة وطنية وفي ظرف حساس من فصول الحصار الإسرائيلي لغزة، ثم توقفت هذه المسيرات في ظرف رفع فيه الاحتلال الإسرائيلي الكلفة من خسائر الفلسطينيين، وها هي تعود في ظروف شبيهة لما بدأت عليه.

ولم يخفِ عوكل أن هناك خشية من استمرار الاحتلال الإسرائيلي بذات النهج في رفع كلفة العودة للمسيرات، لافتاً إلى أنه الواضح منذ اليوم الأول لعودة المسيرات، هناك استهداف مباشر وتعمد بزيادة عدد الإصابات في صفوف المتظاهرين.

ومن وجهة نظر عوكل، يجب أن يكون هناك حرص على أن تكون مسيرات العودة بعيدة عن السياج الحدودي وذات طابع سلمي بحيث تكون الخسائر محدودة للغاية، مشيرا إلى أنه يمكن بالمقابل تفعيل الوسائل الأخرى منها الإرباك الليلي وإشعال الإطارات وإطلاق البالونات الحارقة وخلافه.

أما الكاتب والمحلل إبراهيم أبراش، فقد ذكر في مقال له: "يبدو أن مسيرات العودة على حدود قطاع غزة خرجت عن أهدافها ومطلقاتها الوطنية كما تم تحديدها عندما تم الإعلان عنها لأول مرة عام 2018 كتحرك شعبي فلسطيني على كافة المناطق الحدودية في كافة الأراضي الفلسطينية التاريخية وفي بعض المناطق الأخرى في العالم والمخيمات الفلسطينية".

المصدر : خاص-زوايا
atyaf logo