السلام الصيني والمعضلة الفلسطينية 

الرئيس الصيني والرئيس الفلسطيني
الرئيس الصيني والرئيس الفلسطيني

قد يبدو ان الثقل الاقتصادي للصين هو أكبر من وزنها السياسي من حيث التأثير في منطقة الشرق الأوسط، وتحديدا على صعيد الملف الفلسطيني الإسرائيلي، رغم محاولاتها النشطة لفتح مسارات في هذا الاتجاه مستفيدة من تراجع دور الولايات المتحدة على صعيد ملف التسوية.

الإدارة الامريكية الراهنة وعلى خلاف سابقاتها لم تسمي منذ ثلاث سنوات مبعوث لعملية السلام في الشرق الأوسط على عكس الصين، ولم تبدي رغبة في إحداث أي اختراق على هذا الصعيد واكتفت بتقديم العون المالي المحدود لبعض القطاعات الاقتصادية او الانسانية في الأراضي الفلسطينية، وهو ما يفسر حالة الإحباط الفلسطيني والذي عبر عنه وزير الخارجية الفلسطيني رياض المالكي في تصريحاته التي انتقد فيها علانية سياسية واشنطن في عهد جون بایدن ووصفها بانها "مخيبة للآمال" رغم ان هذه الجملة رافقت العلاقة الفلسطينية الامريكية على الدوام ولا تحمل أي جديد سياسي.

اقرأ أيضاً: ما مدى تطور وفاعلية "مُسيرات المقاومة" في معاركها مع الاحتلال؟

لكن اللافت كان اعلان المالكي رغبة القيادة الفلسطينية بالتوجه نحو الصين للعب دور في دفع عجلة التسوية والتي انتهت عمليا وسياسيا على الأرض بفضل الممارسات الإسرائيلية التي قتلت كل امكانية بحل الدولتين وهو ربما ما يفسر الانكفاء الأمريكي الحالي، لكن هذه المواقف التي اطلقها المالكي لم تحظ حتى بالاهتمام لا عربيا ولا أمريكيا رغم مناسبتها للظرف الدولي الراهن من حيث الاستثمار السياسي في ظل اتساع حدة الصراع الصيني الأمريكي وصعود مجموعة بريكس، وما سبقها من مقدمات تمثلت في استقبال الصين للرئيس محمود عباس كأول رئيس عربي بعد انتخابات الحزب الشيوعي الصيني الأخيرة، و الرغبة الصينية العلنية بلعب دور في عملية السلام وهي مؤشرات اعتقد البعض أنها قد تكون مقلقه للسياسة الامريكية وهو الأمر الذي لم يحدث.

لكن ما هي حظوظ الدور الصيني في التأثير في هذا الملف، ونصيب الاستثمار الفلسطيني في هذه العلاقة، والتي اعتقد انها لازالت ابعد من كونها مسرحا للنزال السياسي بين بكين وواشنطن، الا من باب الاستكشاف ومحاولات الفلسطينيين تحريك المياه الامريكية الراكدة في هذا المضمار، والا لماذا لم يقرأ الموقف الفلسطيني في سياق التحول الاستراتيجي في مسار العلاقة الفلسطينية مع واشنطن التي كانت ولا تزال تهيمن بمنطق الفرادة وتحتكر وحدها التأثير في هذا الملف والمنطقة بأسرها، وبعد التحولات الدراماتيكية التي ارستها الاتفاقات الابراهيمية وأضعفت من الموقف السياسي الفلسطيني.

ربما يعود ذلك الى قناعة الجميع اليوم انه لم يعد هناك امكانية بوسع الجميع لا صينيا ولا أمريكيا في احداث اي اختراق او تقدم جدي في هذا الملف خاصة حل الدولتين الذي دخل حالة الموت الاكلينيكي بعدما أصبح متعذرا سياسيا، وهو ما يجعل التصريحات والتلويح الفلسطيني بالعلاقة مع الصين غير ذات مغزى حتى من باب جس النبض أو الضغط على السياسات الامريكية والتي لاتزال وحدها القادرة على التدخل وإعادة الحياة لهذا المسار دون غيرها.

هناك اعتقاد كبير في الأوساط السياسية ان تصريحات المالكي لا تخرج عن كونها تعبيرا عن الاستياء فحسب، فالقيادة الفلسطينية غير قادرة على تجاوز هذا الدور للرباعية الدولية ان استطاعت، كما ان الأمر ليس مرهون برغبتها وحدها في فتح هذا المسار دون القبول الإسرائيلي والذي يشعر بالراحة تجاه موقف واشنطن الحالي مع الصعود اليميني الجارف، كما ان تل ابيب وان امتلكت الرغبة مع الحديث عن فتور العلاقة مع الإدارة الحالية وهو احتمال فقير، لا يمكنها التنازل عن دور حليفها الإستراتيجي في المنطقة والذي يوفر لها الغطاء السياسي والعسكري لصالح تصعيد الدور الصيني مع تشابك المصالح.

من الوجهة البراغماتية لم تتبلور حتى الان رؤية سياسية صينية عملية للحل في المنطقة بديلا عن الحل الأمريكي والذى قطع شوطاً كبيرا وتاريخيا في هذا المضمار منذ أوسلو عام 1993 الى حل الدولتين الى كامب ديفيد 2 الى اتفاق واي ريفر وليس اخرها الضغوط التي مارستها إدارة الرئيس الأمريكي السابق ترامب من خلال صفقة القرن، بمعني أوضح ان الإدارة الامريكية كانت دوما اكثر جهوزية على صعيد امتلاك الطرح السياسي حتى وان كان لا يرضي الفلسطينيين، فكل ما سجلته الصين من تحركات او مبادرات منذ عام 2017 ويوليو 2021 وتركزت على الحل الاقتصادي وليس مجرد السياسي للصراع كان مجرد نوايا لا اكثر رغم اطلاق الأخيرة لمبادرة السلام العالمي والحديث المتواصل عن الحقوق الفلسطينية وضرورة التوصل الى سلام عادل وشامل بين الفلسطينيين والإسرائيليين ودعمها لعضوية فلسطين في الأمم المتحدة الإدارة الامريكية لا تزال هي الأكثر تأثيرا الى اليوم في المنطقة.

اقرأ أيضاً: خصومات دفعات الشؤون.. غضب شعبي بغزة وفجوة الفقر تتسع

رغم محاولات افساح المجال للدور الصيني الذي ينطوي على رغبة العديد من القوى في تجاوز المجال الأمريكي والذى ارتبط في المخيال السياسي بفكرة التحولات في ميزان القوي ، الا ان توقيت الرهان الفلسطيني على دور صيني فاعل وفق هذا المخيال في أحداث اثر على صعيد عملية التسوية في منطقة باتت تدين سياسيا لاتفاقات ابراهام، يبدو الى الان غير واقعي ومحدود بالنظر الى حجم المتغيرات غير الكافية والتي لا تعني ان الانكفاء الأمريكي عن الملف الفلسطيني هو مرادف لغيابها كما ان أي مواقف وأدوار يجري تجنيدها لتحريك ملف التسوية على قاعدة مبادرة السلام العربية لن يسمح للصين بلعب دور فاعل فيها سياسيا.

أخيرا حديث المالكي عن افساح المجال للدور الصيني للدخول على خط التسوية السياسية من بوابة الاقتصاد دون امتلاك الفلسطينيين القدرة او زمام التأثير في هذا الملف ناهيك عن انقسامهم هو تعبير عن الإحباط واليأس من سياسات واشنطن وان محاولات نفي هذا الدور إعلاميا او سياسيا عبر الحديث عن الدور الصيني هو تأكيد إضافي ان واشنطن وحدها القادرة على رسم خريطة ومسار التسوية السياسية بين الفلسطينيين والإسرائيليين القائمة على فكرة اللاحل والانغماس في التفاوض وإدارة الصراع والتي كانت مريحة كما يبدو لجميع الأطراف ، فالفلسطيني الذى لم يعتد على السلوك الأمريكي من الضغط في عهد ترامب الى التجاهل في عهد بايدن يعيش حالة من الرهاب السياسي بعدما هجرت الإدارة الحالية هذا الملف وتركتهم تحت رحمة السياسات الإسرائيلية .

المصدر : خاص-زوايا

مواضيع ذات صلة

atyaf logo