إنتا لو كنت بتهتم!

طالبة في الفصل الدراسي
طالبة في الفصل الدراسي

كنت في أحد التدريبات التي تعمل على تحسين جودة الكتابة فلفتتني فتاة في العاشرة من عمرها وقد كتبت قصة "بحرفية عالية" تذم فيها أصحاب البشرة الشقراء، حيث استخدمت الفتاة أمثلة من الألوان والجمادات والقصص الشعبوية التي تدعم موقفها، لدرجة أثارت الإعجاب- السلبي طبعًا- من حجم الاجتهاد الذي بذلته لتذم لون بشرة تخالف لون بشرتها القمحية.

ناقشت قصة الفتاة مع المجموعة وبينت أن هذا السلوك وهذه الطريقة ما هي إلا خطأ مُركب ولا فرق بين ألوان الناس وأشكالهم وقلت أن هذه الأمور خَلقية لا دخل فيها لصاحبها والكثير من الكلام الذي نحفظه جيدًا، ثم انفردت بالفتاة لأستوضح منها سبب هذه القصة التي أثارت العديد من التساؤلات عندي، فأخبرتني بمشكلة قد حدثت بينها وبين فتى (أشقر) في المدرسة قبل عامين حيث اختلفا على إجابة سؤال فرجح المدرس جواب الفتى على جوابها وأرجعت هي السبب إلى اللون المشترك للمدرس والفتى بلمز واضح أن المدرس رفض جوابها وخطّاه بسبب لون بشرتها الشقراء وليس بسبب خطأ الإجابة.

اقرأ أيضاً: خصومات دفعات الشؤون.. غضب شعبي بغزة وفجوة الفقر تتسع

تبدأ هذه الأيام السنة المدرسية الجديدة، سنة ترفع فيها الأطفال إلى مراحل جديدة من التعليم، مما يفتح أمامهم آفاق جديدة ومساحات مختلفة من العمل المشترك داخل الفصل مما يخلق حالة من المنافسة التي يجتهد فيها كل طالب للفوز بالعلامات ورضى الأساتذة رغبًا بالتفوق وهذا قد يدفع العديد من الطلاب-عن جهل- باستخدام أساليب التنمر والاعتداءات اللفظية واستخدام الألقاب المشينة من أجل الانتصار لمطالبه ورأيه ما يجعل من الجو الدراسي حلبة مصارعة مبنية على تناقضات قد تزرع في أطفالنا مفاهيم خاطئة حول التمييز السلبي المبني على اللون والنسب والفقر والغنى ويمتد هذا الأمر إلى خارج ساحة المدرسة والحي وإلى المجتمع بصورة عامة.

لهذا يمكن لنا (لو كنا بنهتم) أن نجالس أطفالنا ونراجع معهم أيامهم الدراسية بطريقة مختلفة نخبرهم فيها بأن أشكال زملائهم ليست من ضمن المسوح به في المزاح وأن الطالب الذي يأتي بحقيبة مستعملة ليس فقيرًا وليس غنيًا بل هو طالب عادي يشبهنا جميعًا بل ربما يكون قدوة لأنه أنفق ماله في أمر أكثر منفعة، وأن الأنساب والعوائل ما هي إلا أسماء ملحقة بأسمائنا فضلها بقدر ما نحفظها من الإساءة وأن الشخص هو من يُكرم عائلته بحسن خلقه.

أخبروا الأطفال أن المدرسة مكان للتعلم وممارسة الأنشطة المختلفة وتكوين الصداقات التي سوف تمتد معهم لسنوات طويلة، وليست ساحة تنافسية أبدًا، علموهم احترام المدرس واحترام الوقت والقرطاسية وحرم المدرسة، وأن الصدق هو مفتاح الفرج والكذب منقصة لا مثيل لها.

اقرأ أيضاً: صناعات من عبق التاريخ مهددة بالاندثار من غزة

اجلسوا معهم في الأيام من الآن وأخبروهم أن الفصل الدراسي هو المجتمع الذي سوف نعيش به في المستقبل، لهذا يجب ألا نغيظ بعضنا البعض بأي لمز أو تمييز أو تنمر لأن هذه الأمور تستقر في الخاطر وتدفع صاحبها للاكتئاب أو الاعتداء مما سوف يخلق حالة تهديد مجتمعة سوف نعاني منها جميعًا.

هذه فرصة كي نعد جيلًا أكثر سوية في ظل المهددات العظيمة التي تحيط بنا وتسرق الوقت والمفهوم والعمر منا، فلا يوجد أي استثمار حقيقي ممتد أكثر من تعليم الأبناء مكارم الأخلاق والنظافة واحترام الوقت والصدق، وإن المدرسة لا يمكن لها في ظل هذه الأوضاع أن تعلم أبناءنا كل هذه الأشياء المهمة، لذا وجب علينا كآباء وأمهات وأولياء أمور أن نعيد ترتيب الأولويات لنضع أبناءنا وأخلاقهم فوق كل فوق ولنعلم أن الأبناء هم مرآتنا في عيون الأخرين ومن منا لا يحب أن يظهر جميل في كل المرايا.

المصدر : خاص-زوايا

مواضيع ذات صلة

atyaf logo