تصعيد متزايد.. إسرائيل على حافة حرب متعددة الجبهات

الاحتلال الاسرائيلي
الاحتلال الاسرائيلي

على مدار الأشهر الأخيرة، تزايد الحديث حول المعركة القادمة في إسرائيل وما تشكله من خطر غير مسبوق على مستقبل الدولة، إذ تشير التقديرات الإسرائيلية إلى أن تلك المعركة ستكون على الأرجح متعددة الجبهات وهو ما دفع بجيش الدفاع الإسرائيلي للاستعداد بشكل جدي لتلك الحرب وما قد يتزامن معها من معارك غير تقليدية تختلف كليًا عن الحروب السابقة التي واجهتها إسرائيل. من جانب آخر، فقد عززت التطورات على الحدود الشمالية من إمكانية اندلاع مواجهات محتملة مع حزب الله اللبناني، أو قد يشكل حدث استفزازي شرارة البدء لإشعال حرب قد تشمل عدة جبهات، يتوقع أن تضم لبنان وسوريا وربما دولًا أخرى تقع ضمن النفوذ الإيراني، وربما مع إيران نفسها، كما أنه ليس مستبعدًا انضمام قطاع غزة إلى تلك الحرب، مع تصاعد وتيرة العمليات المسلحة في الضفة الغربية وانضمام المناطق العربية إلى ساحة المواجهة، فضلًا عن انفجار الأوضاع في الداخل الإسرائيلي الذي يشهد اضطرابات غير مسبوقة جراء الأزمة السياسية التي تركت تداعياتها على كافة القطاعات في إسرائيل.

في إطار ذلك، يجدر إلقاء الضوء على المشهد الراهن في الجبهات المرجح أن تشملها ساحة القتال حال اندلاع المعركة متعددة الجبهات التي تتجهز لها إسرائيل، والإجابة على أهم التساؤلات المطروحة الآن، وهي: “هل باتت الحرب متعددة الجبهات وشيكة؟” و”كيف ستبدو تلك الحرب حال تحقق هذا السيناريو؟”

استعداد إسرائيلي للمعركة القادمة

شهدت الفترة الماضية ارتفاعًا في وتيرة تصريحات القادة والمسئولين الإسرائيليين الذين يؤكدون على اقتراب تحقق سيناريو الحرب متعددة الجبهات في إسرائيل، ففي أبريل الماضي، حذر وزير الدفاع يوآف غالانت من أن إسرائيل لن ترى على الأرجح صراعات محدودة على جبهات واحدة، بل سيتعين عليها مواجهة تصعيد متعدد الجبهات في المستقبل القريب، وأكد أن تلك هي نهاية حقبة صراعات محدودة وأن إسرائيل تواجه حقبة أمنية جديدة قد يكون فيها تهديد حقيقي لجميع الساحات في نفس الوقت. وفي مايو، حذر غالانت، من أن الجبهة الداخلية الإسرائيلية ستواجه مخاطر لم تشهد مثلها إسرائيل في تاريخها كله، في حال نشوب حرب.

وفي إطار الاستعدادات الإسرائيلية للمعركة القادمة، أجرت إسرائيل مناورة ” القبضة الساحقة” التي تحاكي سيناريو خوض إسرائيل حربًا متعددة الجبهات تشمل هجوما ضد المنشآت النووية في إيران لتعكس مدى السيناريو المتطرف وغير المعهود الذي تتعامل معه المؤسسة العسكرية، ويتحضر له الجيش الإسرائيلي بشكل جدي.

فضلًا عن ذلك، فإن شعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية “أمان” تتحدث منذ أشهر، عن تصعيد “متعدد الجبهات”، وتحذر من أن احتمالات خوض إسرائيل حرب على عدة جبهات خلال السنة القريبة قد ازدادت، خلال الأشهر الأخيرة. في حين أن المستوى السياسي والأمني في إسرائيل يخشى من استغلال القوى المعادية للوضع في إسرائيل والعمل على جرها لمواجهات في وقت تنشغل فيه بالأزمة الداخلية غير المسبوقة.

ووفقًا لتقرير نشرته صحيفة “يديعوت أحرونوت” في أغسطس الجاري، فإنه في الأشهر الستة الماضية، بلغ متوسط ​​الإنذارات الخاصة بتنفيذ العمليات في إسرائيل نحو 200 إنذار، أي ثلاث أضعاف ما كان عليه في السنوات السابقة، وبلغ عدد الهجمات التي تم إحباطها بمختلف أنواعها (انتحارية، تفجير، إطلاق نار، خطف، دهس) أكثر من 450، بالإضافة إلى إلقاء القبض على أكثر من 1700 مشتبه بتورطهم في العنف. وتشير الصحيفة، إلى أن المنظومة الأمنية لا تتعامل فقط مع إنذارات حول هجمات فلسطينية، بل أيضا مع تزايد الإرهاب اليهودي الذي بدوره يغذي حالة الانتقام من قبل الفلسطينيين.

وفي يونيو الماضي، أعلن نتنياهو خلال اجتماع لجنة الدفاع في الكنيست أن إسرائيل لن ترى نفسها ملزمة بأي اتفاق قد تتوصل إليه واشنطن مع إيران بشأن برنامجها النووي، وأكد على اعتقاد إسرائيل أن الصراع مع إيران بشأن برنامجها النووي يمكن أن يؤدي أيضا إلى حرب متعددة الجبهات مع وكلاء الجمهورية الإسلامية في المنطقة. من جانب آخر، أبلغ نتنياهو نوابًا في الكنيست أن الجيش الإسرائيلي يتدرب على نشر حشود من الجنود لمواجهة طابور خامس محتمل من مواطني إسرائيل العرب في حال دخلت البلاد حربا متعددة الجبهات، على حد وصفه.

إيران.. العدو الأخطر لإسرائيل

تعتبر إسرائيل أن إيران تشكل العدو الأخطر على الإطلاق لإسرائيل، وذلك بسبب ما تمثله من خطر وجودي على الدولة العبرية ومساسها بالتفوق النوعي لإسرائيل في المنطقة من جانب، ولدفعها بحلفائها في المنطقة، من مليشيات عسكرية في سوريا ولبنان والعراق وغزة إلى فتح جبهات عدة ضد إسرائيل استغلالًا منها لحالة الضعف التي أصابت تل أبيب مؤخرًا على المستوى الداخلي والإقليمي من جانب آخر، حيث تركز إيران خلال المرحلة الحالية على توحيد الساحات ودعم حزب الله في لبنان، والمليشيات في سوريا وإثارة الفلسطينيين ومواطني إسرائيل العرب، بشكل متزامن بحيث يصعب على إسرائيل الصمود والانخراط في حرب متعددة الجبهات؛ وهو تكرار الاستفزازات من حزب الله، وهو ما يعزز من احتمالات نشوب الحرب.

في يونيو الماضي، بعد نحو عقد من المواجهة المباشرة بين إسرائيل وإيران في عدة جبهات، بدء الجيش الإسرائيلي بالاستعداد لحرب مباشرة مع الحرس الثوري الإيراني، كما عكفت الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية على استكمال التخطيطات لتلك الحرب؛ فإلى جانب التخطيط لضربة موجهة إلى برنامج إيران النووي، والتي يستعد لها الجيش الإسرائيلي منذ سنوات، فالحديث يدور الآن عن خطة موازية لحرب مع الحرس الثوري الإيراني، أي مع جيش نظامي، وهو أمر لم تخوضه إسرائيل منذ عقود. حيث دفع فشل المحادثات حول البرنامج النووي الإيراني والتطورات المتسارعة في القدرات النووية لإيران إلى تزايد التقديرات بأن مواجهة مستقبلية مع إيران ستكون في الأغلب على أكثر من جبهة وحال اندلاعها ستكون حرب استنزاف تستمر لأيام طويلة وتمس بالبنى التحتية الطرفين.

وقد مثل ذلك دافعًا لإسرائيل نحو إنشاء وحدة جديدة في الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية “وحدة 54” التي أنشئت حديثا ضمن قسم الأبحاث في الاستخبارات العسكرية، الذي يتشكل من ثلاثين فردا بين ضباط وجنود،يتابعون آلاف الطائرات بدون طيار والصواريخ، ويركز الفرع الجديد على التعلم الاستخباراتي ‏للحرس الثوري والتدريب بناءً على أحدث المعلومات الاستخباراتية لمحاربة حزب الله ‏وحماس، ويجمع الأهداف للجيش النظامي للحرس الثوري، كما تم وضع خطة لرفع جاهزية الجيش الإسرائيلي ‏لمواجهة التهديد المتزايد من الشرق استعدادًا لخوض حرب استنزاف حديثة قد تكون ثنائية أو متعددة ‏الساحات.‏ ويعد إنشاء هذه الوحدة الجديدة في الجيش الاسرائيلي انعكاساُ لرؤية إسرائيلية جديدة تشير إلى إمكانية حدوث الحرب المباشرة بين البلدين – وليس فقط حرب عبر الوسطاء – بسبب تطوير الوسائل القتالية الإيرانية التي تمكن إيران من محاربة إسرائيل مباشرة ومن الأراضي الإيرانية.

في هذا السياق، صرح رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو في مايو الماضي، بعد إطلاق عملية الدرع والسهم، إن إسرائيل مستعدة لمحاربة إيران على جبهات متعددة إذا احتاجت لذلك. وفي تصريحات منفصلة، قال نتنياهو إن “95٪ من المشاكل الأمنية لإسرائيل تأتي من إيران”، في إشارة إلى محاولة إيران بدء حملة متعددة الجبهات ضد إسرائيل، كما صرح في في منتدى الدفاع والأمن الإسرائيلي، إن إسرائيل ستفعل كل ما في وسعها لمنع إيران من إقامة جبهات إرهابية من حول إسرائيل.

وقد بدا ذلك جليًا باجتماع قادة حماس وحزب الله في بيروت في أبريل الماضي لمناقشة استراتيجيتهم المشتركة ضد إسرائيل، ونشروا صورًا تصور محادثاتهم التي جرت تحت صور المرشد الأعلى الإيراني السابق روح الله الخميني والمرشد الأعلى الحالي علي خامنئي؛ وهو ما حمل رسالة واضحة مفادها أن المحور الذي تقوده إيران يستعد لحرب متعددة الجبهات مع إسرائيل.

لذلك، تعتقد إسرائيل أن هناك ضرورة للعمل على فصل الجبهات والاستعداد الدقيق خلال الفترة الحالية، خاصة مع إصرار إيران على تغذية الاحتكاكات، سواء مع الفلسطينيين أو من خلال حلفائها في الجبهة الداخلية، وبالتالي يدفع ذلك بمزيد من المواجهات مع الفلسطينيين ويضعف قدرة الأجهزة الأمنية للتصدي للواقع، خاصة في ظل حالة الانقسام في الداخل بين الإسرائيليين.

الجبهة الشمالية.. تصعيد متزايد

تشهد الجبهة الشمالية لإسرائيل، وتحديدا على الحدود مع لبنان، تزايدا في وتيرة التصعيد بين حزب الله وإسرائيل منذ عدة أشهر، فقد اندلعت منذ بداية العام الحالي عدة أحداث متسارعة ومتراكمة دفعت بتنامي القلق من احتمالات اشتعال الجبهة الشمالية. وعلى الرغم من استبعاد أغلب التحليلات لانفجار الأوضاع نظرًا لتجنب كلا الطرفين الانخراط في حرب؛ لكن ذلك لا ينفي أن أي خطأ صغير قد يؤدي إلى إشعال حرب تسبب دمارا للبنان وتجر إسرائيل إلى حرب متعددة الجبهات. في الإطار نفسه، فإن حزب الله اللبناني يدرك أن إسرائيل تواجه شرخًا داخليا عميقا، وهو ما يشجعه باعتباره أحد أذرع إيران، لإثارة الاستفزازات المحدودة، والاستمرار في التهديدات وهو ما قد يجر الأطراف إلى الحرب المتوقعة.

على التوازي، فخلال السنوات الأخيرة، لم تخف القيادة السياسية والعسكرية في تل أبيب مخاوفها من التموضع الإيراني في سوريا. ومؤخرًا، ذهبت التحليلات الإسرائيلية إلى ضرورة التراجع عن استخدام استراتيجية “المعركة بين الحربين” التي استندت إليها إسرائيل في سياساتها تجاه سوريا، حيث إن تلك الاستراتيجية لم تحقق أهدافها فحسب إنما أدت إلى نتائج سلبية في كثير من المرات.

في هذا السياق، أصدر معهد أبحاث الأمن القومي دراسة تناولت مختلف الجوانب ذات العلاقة بالتوتر الأمني تجاه سوريا ولبنان، وكذلك دور روسيا والولايات المتحدة في المنطقة، وركزت بشكل خاص على “المعركة بين الحربين” وحذرت الدراسة بشكل واضح من ضعف لدى الجيش الإسرائيلي في مختلف الجوانب، موصية بضرورة إعداد سيناريو حول استعداد الجيش لمواجهات متعددة الجبهات، وفحص قدراته بدقة وتجديد الاهتمام بالجوانب التي تم إهمالها، خصوصًا القوة البرية واللوجيستيات والعمليات بقوات كبيرة وجيش الاحتياط، وشككت الدراسة في قدرة الجيش الإسرائيلي على خلق وضع يتعامل فيه مع سيناريو حقيقي متعدد الجبهات.

في الوقت ذاته، تزايدت حدة التصيحات خلال الفترة الأخيرة من أعضاء الحكومة الإسرائيلية والقادة الأمنيين الذين يروا أن حرب لبنان الثالثة تعد مسألة وقت فحسب، وقد صرح رئيس الوزراء نفتالي بنيت، أن الجيش الإسرائيلي يقف على أهبة الاستعداد لمواجهة التطورات في هذا البلد المنهار، في إشارة إلى لبنان.

الجبهة الجنوبية.. على حافة الانفجار

مع تزايد الانتهاكات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية، تتجه الأنظار إلى قطاع غزة، حيث تتزايد إمكانية نشوب مواجهة عسكرية جديدة، في ظل ما تواجهه حكومة نتنياهو من معضلة تصاعد العمليات الفلسطينية بالضفة الغربية الناتجة عن تزايد عنف المستوطنين.

وبالنظر إلى المشهد الفلسطيني، فإن الأجواء العامة تشجع العنف والتحريض، حيث شهد مطلع العام تصاعد الاقتحامات الإسرائيلية للمدن في شمال الضفة الغربية، وأبرزها مخيم جنين، وما شهده من استخدام أقصى مستويات العنف ضد الفلسطنيين. وحذر القادة الأمنيون نتنياهو بأن عنف المستوطنين الإسرائيليين وإرهابهم سوف يكون له ردود فعل كبيرة بالنسبة للجانب الفلسطيني، كما حذروا من أن هناك ضرورة لإعادة النظر في استراتيجية مكافحة العنف الفلسطيني بالضفة الغربية.

على الصعيد الآخر، فقد أثار تكرار محاولات إرسال مسيرات من قطاع غزة خلال وقت قصير قلقًا كبيرًا في إسرائيل من أن تكون ‏حركة حماس قد نجحت في تطوير قدرات المسيرات لديها ضمن مشروع كانت قد أطلقته قبل سنوات ‏طويلة، قبل أن تعلن كتائب القسام، رسميًا، أنها نجحت في تصنيع طائرات خاصة بها.‏ وارتفعت اصوات في اسرائيل تطالب الجيش بالتعامل، فورا، مع محاولات حماس تطوير قدراتها القتاليه خاصة ‏في مسألة الطائرات المسيرة، بعد ما اعترض نظام القبة الحديدية طائرتين قرب غزة

وعلى الرغم من حالة الهدوء النسبي السائدة في قطاع غزة، فإن التقديرات الأمنية في إسرائيل ترجح أن يكون ذلك نتيجة لاستراتيجية حماس الجديدة التي تسعى إلى تصدير العنف إلى الضفة الغربية، حيث تهدف بالأساس إلى إضعاف السلطة الفلسطينية من جانب، وزعزعة ‏استقرار ‏إسرائيل من جانب آخر. 

وفي كل الأحوال، فإن السياسات الاستيطانية لحكومة نتنياهو ستدفع بالمشهد لا محالة إلى انفجار الأوضاع على الأراضي الفلسطينية، خاصة مع إصرار تلك الحكومة على تبني سياسات استفزازية وفي ظل سياساتها التي قضت على آمال وطموحات الشعب الفلسطيني بإقامة دولتة المستقلة. ولعل من الشاهد على ذلك آخر القرارات التي أصدرتها الحكومة اليمينية، حيث أعلن مجلس مستوطنات شمال الضفة الغربية، في 24 أغسطس، عن خطة لزيادة عدد سكان المستوطنات الإسرائيلية في شمال الضفة الغربية إلى مليون شخص بحلول العام 2050. وتشمل الخطة تحويل بعض المستوطنات إلى مدن، وبناء مدن جديدة ومد خطوط السكك الحديدية إلى وسط وشمال البلاد وتوسيع الطرق وإنشاء مركز طبي في وسط الضفة الغربية وبناء مطار ومناطق الصناعية وبناء المباني الثقافية، وهو ما يعزز من فرص إثارة الفلسطينيين واشتعال الجبهة الفلسطينية بكاملها، سواء الضفة الغربية أو قطاع غزة أو القدس وأيضًا فلسطينيو الداخل.

الجبهة الداخلية.. شرخ عميق وأزمة متعددة الجوانب

إن الأزمة الداخلية الإسرائيلية، التي اندلعت عقب مبادرة حكومة نتنياهو للقيام بتغييرات قضائية، هي الأزمة الأخطر على الإطلاق التي واجهتها إسرائيل منذ تأسيسها، والتي امتدت لتترك تداعياتها الاجتماعية العميقة المستمرة، ولتسفر عن شروخ عدة على مستوى المؤسسات الأمنية والعسكرية في إسرائيل. 

ولعل أخطر من أسفرت عنه الأزمة في إسرائيل، تأثيرها على جيش الدفاع الإسرائيلي، خاصة بعد قيام العديد من ضباط الاحتياط برفض الامتثال للخدمة العسكرية اعتراضًا على خطة الإصلاح القضائي. وفي إطار ذلك، أصدر معهد أبحاث الأمن القومي إنذارًا عاجلًا مفاده أن “جيش الشعب أمام خطر التفكك”، موضحًا أن إسرائيل في الطريق نحو جيش ضعيف، وواقع يعرض معادلة الردع الإقليمي للخطر في ظل تهديدات متزايدة من عدة جبهات.

وأشارت الدراسة إلى أنه على الرغم من أن الشرطة الإسرائيلية تتعامل مع الحوادث حتى الآن بطريقة معقولة، إلا أن احتمال التدهور مطروح وينبغي عدم استبعاد حوادث العنف المحلية أو حتى الواسعة الانتشار، ورجح إمكانية نشوب حرب أهلية، وأكدت على أن الأزمة الداخلية المستمرة في إسرائيل تشكل تحديًا هائلًا للاستقرار وللمكونات الحيوية لإدارة الأمن وصونه، وضربة خطيرة للحصانة الاجتماعية لإسرائيل”، كما لها آثار خطيرة على قدرة إسرائيل على التعامل مع مختلف الاضطرابات، الخارجية أو الداخلية.

وتتزايد التخوفات من أن تتأثر قدرات الوحدات الحيوية بالجيش الإسرائيلي في ظل تزايد خطر المواجهة متعددة الجبهات، وهو ما قد يعزز من ضعف إسرائيل على جميع الجبهات، خاصة مع تزايد التهديدات الأمنية لإسرائيل في الآونة الأخيرة؛ فالتهديد الذي تشكله إيران أصبح أكبر، وهو ما صاحبه التوتر في الشمال، وتكرار استفزازات حزب الله، بالإضافة إلى الضفة الغربية، ووسط إسرائيل، وتأتي هذه التهديدات في ظل عمل القوات بأقصى طاقتها، مما يضعف تدريب الوحدات البرية وبالتالي كفاءتها.

ويبدو السيناريو الأكثر ترجيحًا هو استمرار هذه الأزمة الاجتماعية السياسية في إسرائيل، بدرجات قوة متغيرة. خاصة في ظل عدم قيام الحكومة الإسرائيلية باتخاذ أية خطوات من شأنها في تهدئة الأوضاع أو التوصل إلى حلول وسط. والأخطر من ذلك، أن الأزمة الحالية في إسرائيل لم تعد أزمة سياسية بل أصبحت أزمة هوية متعددة الأبعاد تجسد صراعًا أيديولوجيًا بين اليمين واليسار أو بين التيار الديني والعلماني. وبالتالي، تلقي الأزمة بتداعياتها على الأمن القومي الإسرائيلي وتضرب مكانة إسرائيل الإقليمية وتمس بالردع الإسرائيلي.

وتدرك شعبة الاستخبارات الإسرائيلية أن إيران وحزب الله والفلسطينيين كذلك يراقبون من كثب الأزمة الإسرائيلية بشكل عام وأزمة الجيش بشكل خاص بعد تمرد ضباط وجنود في قوات الاحتياط الجوية والبرية. وتشير التقديرات أن الجميع لا يريدون التدخل الآن بانتظار أن تأكل إسرائيل نفسها من الداخل، خاصة مع اقتراب انخراطها في مواجهة متعددة الجبهات.

كيف تبدو الحرب القادمة حال اندلاعها؟

بحسب التوقعات الإسرائيلية، فإن إسرائيل ستواجه في اليوم الأول للحرب إطلاق 6 آلاف قذيفة صاروخية باتجاه جبهتها الداخلية، وسيتراجع هذا العدد إلى 1500 إلى 2000 قذيفة صاروخية يوميا في الأيام التالية. ويرجح الخبراء الأمنيون إصابة نحو 1500 موقع في إسرائيل يوميا، إضافة إلى قذائف صاروخية ستسقط في مناطق مفتوحة، وهو ما سيؤثر على الحياة في إسرائيل، ولن تتمكن منظومة القبة الحديدية من تسجيل اعتراضات قذائف صاروخية بأعداد كبيرة، بسبب كثافة إطلاقها. 

فضلًا عن ذلك، فإنه يتوقع أن يقتل نحو 500 شخص في إسرائيل خلال الحرب المقبلة، ولا تستبعد المؤسسات الأمنية الإسرائيلية أن يتمكن حزب الله أو إيران أو مليشيات إيرانية من استهداف منشآت إستراتيجية إسرائيلية، مثل محطات توليد كهرباء، بشكل يغرق إسرائيل في الظلام لفترات تتراوح بين 24 – 72 ساعة، وفي حال استهداف محطات توليد كهرباء إسرائيلية بشكل يلحق ضررًا شديدا بالقدرة على إنتاج كهرباء، فإنه ‏ستتعطل الاتصالات والقدرة على التحذير من إطلاق صواريخ ومقذوفات، وفي حال تحقق هذا السيناريو فقد يتوقف دخول السفن إلى الموانئ، ويتم شل حركة الطيران، ووقف سير العمل داخل إسرائيل. ‏

بالإضافة إلى ذلك، تتخوف الأجهزة الأمنية من عدم انتظام سائقي الشاحنات في عملهم، وغالبيتهم من المواطنين الفلسطينين، الأمر ‏الذي سيؤدي إلى قطع سلسلة الإمدادات داخل إسرائيل وأن يؤدي ذلك إلى أضرار دراماتيكية.‏ وتشير التقديرات أيضا إلى أن 50% من المواطنين سيتغيبون عن العمل. ‏كذلك يسود تخوف من نزوح عشرات آلاف المواطنين في إسرائيل نحو جنوبها أو اللجوء إلى مواقع تحت ‏الأرض، مثل أنفاق الكرمل. ولا يستبعد هذا السيناريو اشتعال حرائق، وهجمات سيبرانية.

ووفقًا للتقديرات الإسرائيلية،‎ ‎ستتكبد تل أبيب خسائر بشرية وأضرارا بالممتلكات وبمشاريع البنى التحتية، ‏وستعيش مشاهد دمار وخراب لم تعهدها منذ النكبة 1948، وذلك بسبب الهجمات الصاروخية المكثفة التي ‏ستطال مئات المواقع والمنشآت، من قبل فصائل مسلحة حليفة لإيران في العراق، وسوريا، ولبنان، فضلا عن ‏قطاع غزة‎.‎ ولا تتوفر لدى إسرائيل قدرة على الرد على وضع كهذا أو التعامل معه حتى الآن، وفقًا للصحيفة، باستثناء ‏نصب بطاريات “القبة الحديدية” إلى جانب المنشآت الإستراتيجية.‏

وقد تناول موقع “والاه” الإسرائيلي سيناريو فرضية الحرب على الجبهة الداخلية الإسرائيلية متعددة الجبهات، مشيرًا إلى أن هذا السيناريو سيؤدي إلى وقوع نحو 100 قتيل وألف جريح إسرائيلي، إضافة إلى تدمير ألف موقع. وقال الموقع إن هذا السيناريو حاكته قيادة الجبهة الداخلية الإسرائيلية خلال مناورة “القبضة الساحقة” وجرى التدرب عليه، وهو يشمل إصابة البنى التحتية للكهرباء والمياه، وهروب آلاف العمال من منشآت حيوية كالمستشفيات، وإنشاء قيادات في كل أنحاء إسرائيل، إضافةً إلى استخدام تكنولوجيا إنذار مبكر جديدة.

وأضاف الموقع أن قيادة الجبهة الداخلية بدأت مناورة تحاكي سيناريو حرب متعددة الجبهات تدربوا خلالها على شن سلاح الجو هجمات. ووفق السيناريو المفترض، يبدأ إطلاق الصواريخ على إسرائيل من قبل القوات الموالية لإيران في العراق وسوريا ولبنان، في حين أنّ معظم الإصابات ستكون في مناطق الشمال وحيفا، كل ذلك مع اضطرابات عنيفة داخل إسرائيل. وسيقتل في هذه الحرب بسبب القذائف الصاروخية والصواريخ والرؤوس الحربية الثقيلة نحو 100 مستوطن في الجبهة الداخلية، وسيجرح نحو ألف آخرين، وفق السيناريو.

ونقل الموقع الإسرائيلي نفسه عن مصدر أمني قوله إن حجم الدمار الذي ستشهده إسرائيل لم تختبره من قبل، مردفًا: “سنواجه تحديات مختلفة، كعدم وضع قوة بشرية في مواقع حيوية، كالعاملين في المستشفيات والصيدليات والسائقين والعاملين في شركات البنية التحتية، بسبب الخشية من سقوط صواريخ والدمار، لافتًا إلى أن هذا سيضر بالاستمرارية الوظيفية للاقتصاد. كما تخشى إسرائيل الساحة الداخلية، واضطرارها للتعامل مع احتجاجات وأحداث محتملة في المناطق العربية.

ووفقًا لموقع القناة 7 العبرية، فقد حذر اللواء الاحتياط يتسحاق بريك، القائد السابق للكليات العسكرية ‏ومفوض قبول الجنود، من كارثة مُحتملة في الحرب متعددة الجبهات القادمة بسبب عدم استعداد الجيش ‏الإسرائيلي والمؤسسة الأمنية في مواجهة سيناريوهات التهديد للجبهة الداخلية‎.‎ وتوقع بريك أن تغرق إسرائيل في فوضى ولفت إلى أنه في الحرب متعددة الجبهات المقبلة ستكون حربًا شاملة، وسيتم إطلاق 3500 صاروخًا على ‏إسرائيل يوميًا‎.‎ وأفاد بريك، أن فلسطينيي الداخل يمتلكون 400 ألف قطعة سلاح، ولديهم مخابئ للذخيرة، وتوقع أن يدخلوا إلى المدن مثل الناصرة وحيفا وعكا واللد، وكذلك مدن الأخرى، ويطلقون ‏النار على كل ما يقف أمامهم‎.

ختامًا، فإن كل المؤشرات ترجح أن خطر انخراط إسرائيل في حرب متعددة الجبهات بات احتمالًا مطروحًا، وأنه حال تحقق هذا السيناريو ستكون تلك الحرب من أصعب ما تواجهه إسرائيل، لذلك تحاول حكومة نتنياهو تجنبها بشتى الطرق، وتحرص على احتواء أي تصعيد حتى لا تتطور الأمور لتصل إلى مرحلة المواجهة المباشرة ومن ثم الانخراط في معركة متعددة الجبهات تكلف إسرائيل الكثير من الخسائر.

المصدر : المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية
atyaf logo