بعض بلدياتها تقاطع الاحتلال

حركة التضامن الدولية تعزل "إسرائيل" في بروكسل

حركة التضامن مع الشعب الفلسطيني في بروكسل
حركة التضامن مع الشعب الفلسطيني في بروكسل

اتساع نطاق حركة التضامن الدولي مع القضية الفلسطينية في الأوساط الأوروبية والمتمثل بحراك مقاطعة الاحتلال خلال السنوات الاخيرة، شكل مؤشراً نوعياً، بحسب المراقبين للشأن الأوروبي، على تطور منسوب الوعي الغربي بحقوق ومظلومية الشعب الفلسطيني، وإن بقي إلى الآن خارج إطار كلية السياسات التي تحكم المواقف الغربية تجاه الصراع.

هذا تطور جاء نتاج جهد حثيث انخرطت فيه قوى وتيارات من منظمات المجتمع المدني ومؤسسات حقوقية ومناصرين للشعب الفلسطيني، سعوا من خلاله للتعريف بطبيعة الصراع الممتد على مدار أكثر من سبعين عاما بسبب احتلال كولونيالي يمارس أبشع الجرائم وصور الإحلال والتمييز ونظام الفصل العنصري "الأبارتهايد" بحق الفلسطينيين,

إلى جانب ذلك عملت هذه المؤسسات على محاصرة وعزل الاحتلال الإسرائيلي شعبيا وسياسيا داخل وخارج أوروبا، بالإضافة إلى وضع المجتمع الإنساني والعدالة الدولية أمام مسؤولياته القانونية.

ونجحت هذه المنظمات الفاعلة أوروبياً في التأثير على سياسات هذه الدول على صعيد القرارات والقوانين المناصرة للحق الفلسطيني، والتي كان أبرزها مقاطعة منتجات المستوطنات الإسرائيلية والشركات الأوروبية الضالعة في تمويل المخططات والمشاريع الاستيطانية على الأرض الفلسطينية، والتي قادتها حركة التضامن وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات "BDS".

اقرأ/ي أيضاً: ترجمة خاصة في قلب غرفة الانقلاب يوجد فيل الاحتلال

حالة الوعي التي تجسدت في الأوساط الأوروبية، تحولت مع مرور الوقت الى حالة رفض متنامية للسياسات الاسرائيلية، هيمنت طويلاً على المشهد الغربي الذى بدأ يتحرر تدريجيا من هذه الضغوط، وبدا ذلك واضحا من خلال التظاهرات والأنشطة التضامنية، التي قادتها العديد من الجماعات والأحزاب الأوروبية الناشطة خاصة في بلجيكا، والتي قطعت فيها حركة المقاطعة شوطا كبير على صعيد التاثير.

بلديات Liege Verviers تقاطع اسرائيل

لقد شكلت بلجيكا حاضنة للعديد من هذه المبادرات على صعيد دعوات المقاطعة وفرض العقوبات، والتي قادتها أقطاب وأحزاب سياسية مؤثرة داخل المجتمع بشقيه الولوني - الفلاماني وصلت الى حد إعلان بعض المدن والبلديات في بروكسل مقاطعتها للاحتلال مثل بلدية مدينة " لياج Liege"، بسبب الانتهاكات الاسرائيلية بحق الفلسطينيين، وهو الاقتراح الذى قادة حزب العمال البلجيكي وحزب الخضر بمشاركة العديد من الأحزاب اليسارية، ووافق عليه مجلس مدينة لياج التى كانت قد أعلنت سابقا التوأمة والشراكة مع بلدية رام الله في نوفمبر عام 2014.

كما أعلنت بلدية مدينة "فيرفييتوا Verviers" تجميد وقطع علاقتها مع الاحتلال، بسبب ما وصفته الجرائم والانتهاكات لحقوق الشعب الفلسطيني وارتكاب الاحتلال جرائم الفصل العنصري "الأبارتهايد" بحق الفلسطينيين .

مشاهد التضامن مع القضية الفلسطينية أصبحت مألوفة في العديد من الشوارع والمدن البلجيكية بالتزامن مع الأحداث والمناسبات الوطنية مثل ذكرى النكبة الفلسطينية أو في سياق التظاهرات والمواقف الرافضة للحروب الإسرائيلية على قطاع غزة، وهي المواقف التي أسس لها الوجود الفلسطيني والعربي الذي تمكن من تحريض الشارع الغربي والإضرار بصورة "إسرائيل".

هذه التطورات اللافتة وإن لم ترق إلى مستوي التأثير الحقيقي على مجمل السياسات الأوروبية بحسب المراقبين، لكنها دفعت العديد من النخب والسياسيين إلى المطالبة باستثمار ذلك، لمحاصرة الاحتلال وكشف جرائمه وفرض التوجهات التي تخدم القضية الفلسطينية على حكومات هذه البلدان.

المقاطعة تهديد وجودي لاسرائيل

المتغيرات والتأثيرات التي أحدثتها حركة المقاطعة أوروبيا، باتت جدياً تؤرق الاحتلال، الذي وصفها بـ(الخطر الاستراتيجي والتهديد الوجودي)، وذهب باتجاه تجنيد أدواته التقليدية المضادة لمجابهة حركة المقاطعة الدولية عبر اللوبي الإعلامي والزج برواية "معاداة السامية" في وصم حركة المقاطعة، لكن هذه الرواية لم تعد تلقى رواجاً في الأوساط الأوروبية بعد نجاح "BDS" في تثبيت الموقف الدولي باعتبار دولة الاحتلال الإسرائيلي دولة فصل عنصري، وهو ما أكدته العديد من المنظمات الحقوقية الدولية مثل هيومن رايس ووتش.

ممثل حملة المقاطعة الدولية حيدر عيد، أكد في حديث لـ"زوايا" وجود العديد من المدن البلجيكية والأوروبية التي أعلنت أنها مناطق خالية من المنتجات الإسرائيلية، كما أن العديد من البلديات فسخت اتفاقيات التوأمة والشراكة مع الاحتلال.

وأضاف عيد: "إن نجاح حركة المقاطعة اليوم واتساع نطاقها أوروبياً وحتى أمريكياً ، يقربنا كفلسطينيين من اللحظة الجنوب أفريقية في إدانة الاحتلال، بوصفه نظام فصل عنصري، بعدما خسرت إسرائيل حرب سرد الرواية".

وأوضح عيد أن تأثيرات حركة المقاطعة لم تتوقف عند حدود أوروبا، بل وصلت إلى الأحزاب الأمريكية وبدأت في التأثير على برامج الناخبين، مشيرا إلى أن هناك أكثر من خمسين بالمائة من أعضاء الحزب الديمقراطي في الولايات المتحدة يؤيدون فكرة مقاطعة إسرائيل؟

المقاطعة ردا على صعود اليمين الاسرائيلي

المواقف الأوروبية الضعيفة والخجولة دوما على صعيد السياسات المرتبطة بمجريات الأحداث والتطورات المتعلقة بالصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وضعها دوما في دائرة الشكوك حيال القدرة على التأثير في هذا الصراع، ودفع نحو التساؤل عن أهمية وطبيعة هذا الدور وأهمية التضامن دون فعل ملزم للضغط على الاحتلال، رغم المطالبات الحثيثة للغرب بلعب دور أكثر فعالية وعدم الانقياد للسياسات الدولية.

مدير مركز بروكسل الدولي للبحوث وحقوق الانسان رمضان أبو جزر، أكد في حديث لـ"زوايا" أن الغرب أصبح اليوم أكثر تقبلا لفكرة مقاطعة الاحتلال، خاصة مع صعود الحكومة اليمينة المتطرفة الحالية في تل أبيب، والتي لا تتمتع بالرضا والقبول لدى الحكومات الغربية.

اقرأ أيضاً: خبير سياسي: حماس مستعدة لبلع ما تتلقاه من "إهانات" للعودة إلى دمشق

وقلل أبو جزر من إمكانية إحداث اختراق على صعيد السياسات والمواقف الأوروبية الداعمة للقضية الفلسطينية، رغم أهمية حركة المقاطعة كونها جاءت متأخرة، إلى جانب عدم اكتراث اليمين الإسرائيلي المتشدد بالمواقف الأوروبية.

دعوات لتبني المقاطعة رسميا

من ناحيته، قال مدير الهيئة الدولية لدعم حقوق الشعب الفلسطيني (حشد) صلاح عبد العاطي" لـ"زوايا": "إن حركة المقاطعة فتحت إلى جانب حركة التضامن الدولية فضاء آخر على صعيد دعم حقوق شعبنا الفلسطيني وملاحقة الاحتلال في كافة المحافل الأكاديمية والفنية والرياضية عبر النضال الحقوقي والانتصار لقواعد القانون الدولي والإنساني".

وأضاف عبد العاطي إن حركة المقاطعة نجحت في دفع العديد من المدن الأوروبية إلى إعادة النظر في علاقتها مع الاحتلال خاصة في بلجيكا.

ودعا عبد العاطي إلى ضرورة تبني حركة المقاطعة الدولية رسميا من قبل السلطة الفلسطينية بعد ما حققته من إنجازات في العديد من الميادين، وذلك من أجل المراكمة على هذه الإنجازات وصولا لتشكيل ضغط على الاحتلال الإسرائيلي، وإجباره على التراجع وتحقيق المطالب الفلسطينية العادلة.

 

المصدر : خاص-زوايا
atyaf logo