سلوك البلديات بغزة.. كيف أضر بشعبية حماس وخدمات المواطنين؟

حراك بدنا نعيش في غزة
حراك بدنا نعيش في غزة

شكلت حادثة وفاة المواطن شادي عطية أبو قوطة (48 عاماً) تحت لسان جرافة بلدية خان يونس جنوب قطاع غزة، رأياً عاماً غاضباً في الشارع الفلسطيني، وتفاعلت مع هذه الحادثة وما سبقها من إجراءات وممارسات خاطئة لبلديات قطاع غزة، الكثير من الأحزاب والمؤسسات الأهلية ومؤسسات المجتمع المدني، المنتقدة والرافضة لهذا النهج في التعامل مع المواطنين الفلسطينيين، وعدم مراعاة الظروف المعيشية والاقتصادية الصعبة التي يكابدونها منذ سنوات.

وأدت الحادثة المذكورة إلى استقالة رئيس البلدية وأعضاء المجلس البلدي وتشكيل لجنة تحقيق حكومية مختصة، وإلى مسارعة حركة حماس التي تدير حكومة غزة وبلدياتها إلى تحميل بلدية خان يونس المسؤولية والمطالبة بالتحقيق الفوري وضمان تطبيق النتائج وتعويض العائلة المتضررة.

 حراك شعبي

أغلقت حماس هذا الملف في أقل من أسبوع، عبر تحقيق مصالحة بين البلدية والعائلة المتضررة وتعويضها، لكنها لم تغلق الحساب المتراكم عليها والانتقادات الموجهة لها في إدارتها لشؤون الحكم والقطاع الخدمي في قطاع غزة وخاصة البلديات.

فمذ بداية إداراتها لقطاع غزة وحدوث الانقسام الفلسطيني عام 2006 تحظى تجربة حماس في الحكم بتقييم "غير مرضي" لدى شريحة من السكان الذين تحملوا نقص الخدمات المقدمة لهم، وعايشوا مع حكومة غزة الحصار السياسي والاقتصادي والحروب المتوالية طوال 17 عاما مضت.

وفجرت الحادثة المذكورة، غضباً شعبياً في خان يونس، حيث أشعل شبان غاضبون الإطارات وأغلقوا طرقات بمنطقة جورة العقاد وعمارة جاسر وسط المدينة، محملين البلدية المسؤولية عما جرى.

وتبع ذلك حراك شعبي تحت شعار "بدنا نعيش" خرج فيه مواطنون من عدة مناطق بمحافظات قطاع غزة، رفضاً لموجة غلاء الأسعار وعدم توفر الكهرباء وعدم تلبية الحكومة في غزة أدنى متطلبات الحياة.

وإثر ذلك، شنت أجهزة الأمن في غزة حملات اعتقالات موسعة، مسنودة حسب تقارير صحفية وشهود عيان بعناصر مدنية، كما منعت الصحفيين من التغطية، الأمر الذي نددت به فصائل ومؤسسات حقوقية ومجتمع مدني على نطاق واسع.

انتقادات ودفاع

تتعرض بلديات قطاع غزة "المعينة" بين الفينة والأخرى، لانتقادات واسعة على مواقع التواصل وغيرها، بما يخص رداءة خدماتها والتوسع في التحصيل والجباية. فإلى جانب الحادثة الأخيرة في خان يونس سالفة الذكر. على سبيل المثال لا الحصر، بتاريخ 5/3/2020 نشب حريق ضخم في مخبز البنا بمخيم النصيرات في المحافظة الوسطى لقطاع غزة، وانتقل إلى المحال التجارية المجاورة، وطال عدد من المارة والسيارات. خلف الحريق وفاة 25 مواطناً من بينهم أطفال وسيدات، إضافة إلى تضرر محلات ومركبات، حيث قدرت الخسائر بحوالي 4 مليون دولار.

0004.jpeg


 

0003.jpeg

0002.jpeg

 

001 (2).jpeg

بالمقابل، لا يزال قطاع البلديات من أكثر القطاعات تأثراً بفعل الحصار والاعتداءات الإسرائيلية. إذ ظلت البلديات طيلة الأعوام الماضية، تكافح وتحاول الصمود أمام تحديات كبيرة وأهمها: تهالك اسطول الآليات وتفاقم أزمة الكهرباء وشح الوقود.

وتعترف بلديات غزة بتراجع مستوى خدماتها للجمهور وبمحاولاتها ابتداع حلول لضمان توفير الخدمات الأساسية ولو بالحد الأدنى. فقد أطلق اتحاد بلديات قطاع غزة صرخة استغاثة مدوية للمجتمع الدولي بضرورة إغاثة البلديات قبل الانهيار، وتحمل مسؤولياته ورفع الحصار الإسرائيلي المفروض منذ 16 عاماً وتجنيب السكان ويلاته وإدخال المعدات والآليات والبدء الفوري بعملية إعادة إعمار ما دمره الاحتلال.

تعيينات بدل الانتخابات

ولم يشأ طلال أبو ظريفة عضو المكتب السياسي للجبهة الديمقراطية، التوسع في الحديث عن إخفاقات البلديات في خدمة سكان القطاع، ذلك بسبب موقف جبهته الثابت من أهمية إجراء الانتخابات في البلديات بدلاً من التعيينات الحاصلة في الوقت الراهن.

وقال: "لا يجوز بأي شكل من الأشكال تعطيل الانتخابات، خاصة أن البلديات مؤسسات تقدم خدمات للجمهور، وبالتالي يجب أن يختار الجمهور من يتولى مسؤولياته وإدارة شؤونه بكفاءة تنسجم مع تطلعاته، وأن يختار القادر على إيجاد الحلول لكل القضايا التي تخضع لها إدارة البلدية".

وحول رفض الفصائل ومؤسسات المجتمع المدني المشاركة تحمل مسؤوليات البلديات لحين إجراء الانتخابات، عبر أبو ظريفة لـ"زوايا" عن الرفض التام القبول بأي أشكال بعيدة عن الانتخابات، عاداً أن الديمقراطية هي المرتكز والأساس الذي يجب المطالبة به وفق التمثيل النسبي لكل المؤسسات بعيداً عن سياسة التعيين والتشكيل الفصائلي وخلافه في إدارة هذه المؤسسات.

اقرأ أيضاً: باحثون إسرائيليون: "سموتريتش" يفتت سلطة القانون لصالح الاستيطان

وذكر أبو ظريفة، أنه بالمحصلة النهائية لا يجوز مصادرة حق المواطن في أن يقول رأيه فيمن يتولى مسؤوليته في المؤسسات كافة، سواء البلديات أو التشريعية أو الرئاسية أو غيرها.

وحول ما إذا كانت البلديات قد أفقدت حماس شعبيتها في قطاع غزة، فقد أوضح أبو ظريفة أن بلديات غزة إنجازاتها محدودة جداً، بحيث لم ترتقي إلى مستوى تقديم الخدمات المطلوبة للمواطنين، معرباً عن اعتقاده أن العديد من المؤسسات الدولية أوقفت مشاريعها بفعل إدارة هذه البلديات من قبل مجالس معينة في ظل غياب الانتخابات، ونتيجة الوضع السياسي القائم في قطاع غزة.

وكرر أبو ظريفة " إجراء الانتخابات المحلية أسوة بالانتخابات في الضفة الغربية، هو البوابة لتجاوز لهذه المسألة وقطع الطريق على كل المحاولات الرامية لعدم النهوض بالقضايا التي لها علاقة بخدمات المواطنين، ولا يجوز لأحد أن يعطل هذه الانتخابات بما فيها حركة حماس".

يذكر أنه لأكثر من 17 عاماً لم تجرِ الانتخابات للمجالس والهيئات المحلية في قطاع غزة، حالها حال الانتخابات التشريعية والرئاسية المعطلتين في كل المناطق الفلسطينية، وذلك بفعل الانقسام الفلسطيني الممتد حتى اليوم. لكن الانتخابات المحلية أجريت في الضفة الغربية أعوام 2012 و2017 و2021، فيما أجريت آخر انتخابات بلدية في قطاع غزة 2005. وتعتبر الانتخابات التشريعية التي جرت في 2006 المرة الأخيرة التي شارك بها ناخبو القطاع في انتخابات عامة.

وكان رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس قد ألغى انتخابات فلسطينية شاملة كان مقرراً إجراؤها خلال الفترة من مايو إلى أغسطس عام 2021، بحجة عدم سماح الاحتلال إجراء هذه الانتخابات في مدينة القدس المحتلة. وجاء قرار عباس قبل يوم واحد من موعد بدء الدعاية الانتخابية بمشاركة 36 قائمة انتخابية تمثل فصائل وأحزاباً ومستقلين، كانت ستخوض المعركة الانتخابية.

هل تأثر شعبية حماس؟

ومن الناحية التحليلية، يرى الكاتب والمحلل السياسي أيمن الرقب، أن الانقسام الفلسطيني وحصار غزة، أدى إلى محدودية الدعم الذي يصل بلديات القطاع، وبالتالي أصبح الفشل هو الشكل الأقرب لهذه البلديات، مبيناً أن هذا الفشل عززه قطيعة حكومة رام الله لبلديات غزة، كما أن جزءاً من المشاريع التي كانت تقدمها الدول المانحة لهذه البلديات تقلص بشكل كبير.

وأوضح الرقب لـ"زوايا" أنه على الصعيد الاجتماعي، لم تلعب "بلديات حماس" دوراً في معالجة الكثير من المشاكل الاجتماعية أو حتى فتح حوارات مجتمعية لمعالجة الكثير من الخلافات المجتمعية التي نتجت عن سنوات الانقسام، مبيناً أن التمييز واضح في تقديم الخدمات والتسهيلات للمنتمين لحركة حماس دون غيرهم من أبناء الشعب الفلسطيني، مما عمق الهوة بين البلديات والشارع الفلسطيني.

وذكر الرقب أنه بعد أن تعطل الانتخابات في البلديات بعد سيطرة حماس على قطاع غزة وغياب الديمقراطية المحلية ورفض حركة حماس قرار لجنة الانتخابات في إجراء انتخابات في قطاع غزة، أصبح الحل الوحيد أمام حماس التي تسيطر على البلديات وقطاع غزة "التعيين" وخاصة عند إقالة مجلس بلدي أو قروي أو استقالة أحد أعضائه.

وأكد الرقب أن حماس -حسب معلوماته- حاولت تشكيل إدارة لقطاع غزة، ولكن الفصائل رفضت حتى لا يؤدي ذلك إلى انفصال غزة عن الضفة بشكل كامل، حيث تبع ذلك رفض الفصائل لتشكيل مجالس بلدية والإصرار على إجراء الانتخابات تحت رعاية وإشراف لجنة الانتخابات المركزية الفلسطينية، حسب زعمه.

وحول ما إذا كانت إدارة البلديات أثرت في حاضنة وشعبية حماس، فقد أكد الرقب أن إخفاقات المجالس البلدية والتي تسيطر عليها حركة حماس والتي عينت مجالس بلدية بدلاً من المجالس التي كانت تمثل حركة فتح وفصائل أخرى "أثرت بشكل كبير في شعبية حماس".

وذكر أن حماس أصبحت تتحمل وزر سلوك كل البلديات، فضلاً عن أنه نتيجة التمييز في التعيين والتعامل مع كافة المواطنين، فقد أحدث ذلك حالة من السخط على البلديات والذي ينعكس بشكل طبيعي على حركة حماس وحاضنتها الشعبية.

ويرى الرقب بأن مخرج حماس لإعادة الثقة للشارع، هو بالانفتاح على الشارع وإحداث مصالحات مجتمعية تعالج ما نتج عن الانقسام عام 2007 حتى ذلك الحين، فضلاً عن فتح حوارات مجتمعية جادة والعودة لممارسة الديمقراطية، بحيث تكون البداية من البلديات التي تمس خدمات المواطنين.

ويبلغ عدد الهيئات والمجالس البلدية في غزة 25 مجلساً وهيئة تتبع لوزارة الحكم المحلي، وتقدم خدماتها لأكثر من مليوني مواطن، جميعها يعاني من أزمات مالية خانقة تؤثر في خدماتها التي تقدمها للسكان. ولقد عملت "حماس" على تغيير معظمها، من بينها بلدية غزة، وخان يونس، ورفح، أكبر بلديات القطاع.

كما لجأت الجهات الحكومية في غزة، إلى سلسلة من التغييرات في مجالس البلديات بمختلف محافظات القطاع، عن طريق إقالة المجلس البلدي القديم، وبقرار وتكليف من وزارة الحكم المحلي يتم تعيين رئيس ومجلس جديد، بعيداً من إجراء انتخابات محلية، على الرغم من المطالبة الواسعة بذلك.

ووفقاً للقانون الأساسي الفلسطيني لعام 2005، فإنه ينص على أن رؤساء المجلس البلدي، يتم تعيينهم عن طريق الانتخابات المحلية، وبعدها يشكل الرئيس البلدي المنتخب المجلس بعد مشاورات مع وجهاء المنطقة، ثم يمارس المجلس البلدي صلاحيته حتى انتخاب مجلس جديد، ولا يتم اختيار رئيس البلدية عن طريق التعيين، كون ذلك يهدف لتحقيق مصالح فئوية.

تداعيات

وحول التداعيات المترتبة على عدم إجراء الانتخابات المحلية في قطاع غزة، فقد أوضح الكاتب والمحلل السياسي أحمد الكومي، أن ذلك من شأنه منع ضخ دماء جديدة ومنتخبة للعمل في الهيئات والمؤسسات المحلية، الأمر الذي ينعكس على جودة وكفاءة الأداء المؤسسي لهذه الهيئات، وبالتالي على الخدمات المقدمة إلى المواطنين، والمس بحقهم في مساءلة المجالس البلدية.

اقرأ أيضاً: ترجمة خاصة السعودية هي شريان الحياة لنتنياهو من الكارثة التي تسبب فيها بنفسه

وأشار الكومي في حديث لـ"زوايا" أن تعطيل الانتخابات ينعكس على عرقلة أي مساعِ أو توجهات خارجية - عربية أو دولية - للمساعدة في معالجة الأزمات الإنسانية في قطاع غزة، وإهدار فرص الحصول على منح ومساعدات دولية لتطوير البنية التحتية، وبالتالي تفويت فرصة تفكيك بعض حلقات الحصار الإسرائيلي، أو حث المجتمع الدولي والمنظمات الدولية على دعم العملية الديمقراطية في الأراضي الفلسطينية.

كما أن الاستمرار في تعطيل العملية الديمقراطية في قطاع غزة، وحرمان المجتمع الفلسطيني من استعادة حيويته السياسية -حسب الكومي- يزيد من الاستقطاب داخل الحالة الفلسطينية، ويترتب عليه تفاقم الآثار الاقتصادية والاجتماعية السلبية. فضلاً عن أن ذلك يضيع فرصة حقيقية للتغيير بتحويل الانتخابات المحلية إلى بوابة للانتخابات التشريعية والرئاسية، عبر البناء والمراكمة عليها، بما يعيد وضع الأطراف السياسية على الطريق المؤدية إلى إصلاح الوضع الداخلي الفلسطيني. وفق تعبيره.

المصدر : خاص-زوايا

مواضيع ذات صلة

atyaf logo