بالفيديو "زوايا" تكشف واقعاً مأساوياً بمراكز اللجوء في بلجيكا

تقديم طلبات اللجوء في بلجيكا
تقديم طلبات اللجوء في بلجيكا

سلط قرار المحكمة الأوروبية في بروكسل الضوء على سوء إدارة ملف اللجوء من قبل السلطات البلجيكية وإدارة "Fedasil" الوكالة الفيدرالية المسؤولة عن استقبال وتوزيع اللاجئين، وكان بمثابة إشارة صارخة على الواقع الذي يعيشونه من ظروف إنسانية صعبة داخل مراكز الاستقبال، والتي يجري توزيع طالبي اللجوء عليها لاحتواء التدفق الكبير في الأعداد، والتي وصلت وفق الاحصاءات الرسمية العام الماضي إلى أكثر من 100 ألف مهاجر من مختلف الجنسيات.

مشهد اللاجئين أمام مكاتب ودوائر الهجرة في بروكسل حينها فجر حالة من الغضب والسخط في الأوساط الحقوقية نتيجة الاوضاع المزرية التي يكابدها طالبو اللجوء بعدما تُركوا في الشوارع دون حماية خلال فصل الشتاء وفي البرد القارس لمدة تصل إلى ثمانية أشهر دون أن تحرك السلطات البلجيكية ساكن، لتضطر في نهاية المطاف إلى الخضوع أمام ضغط المنظمات غير الحكومية وتحت الضغط الإعلامي المحلي والدولي للاستجابة واحتواء الأعداد الكبيرة من طالبي اللجوء من مختلف الجنسيات وإجراء اصلاحات جوهرية على قوانين الهجرة.

كما واجهت إدارة هذه العملية برمتها اخفاقات ومصاعب كبيرة رغم افتتاح مراكز لجوء جديدة كونها جاءت متأخرة، بالإضافة إلى عدم كفاءة الإجراءات في معالجة هذا التحدي الكبير، وهو ما ترك علامات استفهام حيال ما يجري من ممارسات غير قانونية تجاه اللاجئين على صعيد معالجة طلبات اللجوء المتراكمة، أو التقدم في عملية استيعاب هذه الأعداد والتي استمرت حتى بعد محاولات إنهاء الأزمة، حيث يسود الاعتقاد لدي أوساط حقوقية أن ثمة من يحاول عرقلة وتأزيم وضع اللاجئين.

مراكز اللجوء في بلجيكا

ويوجد العشرات من مراكز اللجوء التي تشرف عليها مباشرة دائرة "Fedasil" والتي تقع على عاتقها مسئولية توفير المتطلبات الإنسانية اللائقة باللاجئين من إسكان وإعاشة حتى يتم البت في طلبات اللجوء.

ويقع بعض هذه المراكز تحت إشراف المنظمة الدولية للصليب الأحمر ومؤسسات إنسانية أخرى، مثل "samoosial"، بتوجيه مباشر من دائرة "Fedasil"، وهي مؤسسات وضعت إمكاناتها تحت تصرف دائرة الهجرة للمساعدة في تخطي الأزمة، لكنها سرعان ما تورطت هي الأخرى في تعميق المشكلة، بسبب العديد من القرارات التي وصمتها المحكمة الأوروبية بالفشل لدوائر الهجرة البلجيكي في معالجة هذا الملف.

بلجيكا 1.jpeg


موقع "زوايا" حاول استطلاع الأزمة للتعرف على حيثياتها من خلال لقاء العديد من اللاجئين، والاستماع لرواياتهم داخل بعض مراكز الاستقبال والفرز التابعة لـ "Fedasil"، والظروف المحيطة بهم ومدى ملاءمتها لأوضاعهم الإنسانية وأوجه القصور الذي يعاني منه نظام اللجوء في بلجيكا.

تأخر معالجة طلبات اللجوء

في داخل أحد مراكز اللجوء الذي يقع تحت إشراف الصليب الاحمر في منطقة "Sint-Lambrechts-Wolue" بالعاصمة بروكسل، يتواجد أكثر من 380 شخصاً بالحد الأدنى داخل هذا المكان المعد للاستقبال من مختلف الجنسيات، وهو مركز مؤقت كان مخصص فيما مضي فقط لاستقبال اللاجئين الأوكرانيين قبل أن يفتح على مصراعيه أمام جميع اللاجئين لكن بظروف مغايرة هذه المرة تحت ضغط التدفق الكبير للاجئين.

الأوضاع داخل Opvangentrum Ariane"" كما نقلها اللاجئون لموقع "زوايا" صعبة ومعقدة للغاية نظراً للمدة الكبيرة التي يقضونها قبل الحصول على قرار الفرز أو الترانسفير، ونقلهم إلى مراكز إقامة دائمة ريثما يتم الانتهاء من معالجة طلباتهم، حيث أمضى البعض أكثر من سبعة أشهر في الانتظار داخل هذا المركز، دون الحصول على أية حقوق تمكنهم من استئناف حياتهم جزئيا حتى الانتهاء من اجراءات اللجوء.

وأوضح اللاجئون أن معظم هذه الأماكن غير معترف بها قانونيًا أمام بلديات العديد من المناطق في بروكسل، بسبب وجودها بالقرب من الأحياء السكنية ووجود اعتراضات على إقامتها.

الشاب "شيار عاصي" أحد اللاجئين السوريين الأكراد وصل إلى بلجيكا قبل خمسة أشهر طلبا للجوء، وهو يقيم طوال هذه المدة داخل مركز "Opvangentrum Ariane" دون أي تقدم على صعيد ملف اللجوء، رغم استقرار أوضاعه القانونية بعد موافقة السلطات البلجيكية على معالجة طلب لجوئه هو وزوجته، كما أكد لـ"زوايا".

ولا يخفي "شيار" قلقه حيال هذا التأخير طويل الأمد دون أسباب واضحة والذي يعني إضاعة المزيد من الوقت وعدم الاستفادة من أية فرص متاحة على صعيد الاستقرار أو الحصول على عمل، بسبب ظروف المكان غير المعترف به أمام السلطات البلجيكية كمركز إقامة دائم.

وأوضح أن ذلك سيحرمه من الحصول على بطاقة العمل والمعروفة في أوساط اللاجئين "بالأورانج"، حيث يعد الحصول على عنوان قانوني شرطاً إلزاميًا بعد أربعة أشهر للحصول على هذه البطاقة للانخراط في سوق العمل، مشيرًا إلى أن هذا التأخير انعكس سلبًا على أوضاعه الحياتية والنفسية -وفق تقارير طبية تثبت ذلك- وهو يجاهد اليوم بكل الوسائل للخروج من هذا المكان والحصول على الاستقرار.

عدم وضوح آليات اللجوء

وأعرب الكثيرون من طالبي اللجوء في بلجيكا لـ"زوايا" عن استيائهم من طريقة معالجة ملفاتهم داخل أروقة المفوضية العامة لشئون اللاجئين "CGRA"، وأكدوا أنها غير واضحة في معاييرها، حيث يوجد أشخاص مضى على وجودهم في بلجيكا عامان، ولم يحصلوا على الإقامة، رغم انتهاء الإجراءات القانونية من حيث المدة، والتي تخولهم الحصول على الأوراق اللازمة للبدء في عملية لم الشمل لأسرهم.

ويفيد "أبو علاء الغلبان" فلسطيني متزوج ولديه أطفال تركهم خلفه في قطاع غزة أنه مضى على وجوده في بلجيكا أكثر من عام ونصف ولم يتمكن حتى اليوم من الحصول على الإقامة، وما زال يعيش حتى لحظة إعداد هذا التقرير في مركز دائم لاستقبال اللاجئين.

وتساءل "الغلبان" كغيره عن المدة التي يجب أن يقضيها، حتى يتم تسوية أوضاعه بما يسمح له بالاستقرار؟، مشيرًا إلى أن الآلية التي يجري من خلالها التعامل مع ملفات اللجوء غير واضحة.

مراكز مكتظة وغير آمنة

وفي السياق كشف العديد من اللاجئين عن مشكلات أخرى تواجههم داخل مراكز اللجوء، ومنها أنها لا تصلح لإقامة العوائل، وتفتقد لعنصر الأمان حيث تنتشر ظواهر تشكل خطرًا على أطفالهم وهو ما تبين من أحد المقاطع المصورة التي حصل موقع "زوايا" عليها من أحد اللاجئين الذي طلب عدم ذكر اسمه.

وتظهر المقاطع شخصًا في حالة عدم وعي واتزان بسبب شرب الخمور، وحوله أطفال ونساء مما يشكل خطر عليهم، بالإضافة إلى انتشار العديد من الظواهر السلبية داخل هذه المراكز، التي تحولت إلى أماكن لترويج الممنوعات في أوساط اللاجئين ناهيك عن ظواهر أخرى تتمثل في الشجارات والمشاكل شبه اليومية بين النزلاء داخل هذه المراكز، بسبب الضغوط النفسية واختلاف الثقافات مما يخلق حالة من الصدام.

اللاجئ "أبو يوسف" أخبرنا أن معظم هذه المشاكل تعود إلى وجود تكتلات في أوساط اللاجئين أو أشخاص غير مسئولين، يحاولون فرض سيطرتهم على المكان، بالإضافة إلى آخرين استغلوا وجودهم لممارسة أعمالهم غير المشروعة، حيث تنتشر تجارة وبيع الحشيش الى جانب السجائر الرديئة.

سجون وليست مراكز إقامة

كما يؤكد اللاجئون أنهم يعانون داخل مراكز اللجوء من أوضاع نفسية متردية، بسبب ما أسموه التهديدات المتواصلة والمتكررة بالطرد من قبل القائمين على إدارة هذه المراكز، بسبب ما يصفونه عدم الامتثال لقوانين المكان، والتي تتعلق بحسب اللاجئين بالقصور وعدم الفهم لثقافة الآخرين وليس مخالفة القوانين رغم وجود العديد من الموظفين العرب داخل هذه المراكز.

وتقول السيدة "منال س" وهي لاجئة فلسطينية من الأردن تتواجد داخل مركز اقامة دائم يتبع لمؤسسة "samusocial" برفقة طفليها، إن هناك عملية تقييد وتحكم مفرطة تصل إلى حد الترصد لسلوكياتنا وتحركاتنا، وهم يفسرونها هنا بأنها تأتي في إطار المتابعة والحرص، وكأننا نفتقد للأهلية، أو غير قادرين على تربية أطفالنا وهي مقدمة تنذر بالقلق"، كما تقول.

وتابعت: "هناك تجاهل لمطالبنا وشكوانا المتعلقة بالخصوصية حيث الأبواب داخل هذا المركز مفتوحة ولا يسمح بإغلاقها، ومطالب أخرى بتحسين الظروف الحياتية المحيطة بنا وبأطفالنا داخل هذا المركز والذى افتتح حديثا وسط العاصمة بروكسل، فهو غير مؤهل بشكل كامل خاصة أن هناك أطفال من ذوي الاحتياجات الخاصة بحاجة إلى رعاية لا تتوفر داخل المكان مما يخلق العديد من المشاكل التي يجري حلها من قبل إدارة "samusocial" بلغة التهديد"، مبينةً أن الحصول على 3 إنذارات أو مخالفات، يعني الطرد والالقاء بك في الشارع كما يخبروننا، وهو ما خلق شعورا متزايدا بأنهم يعيشون داخل سجن وليس مركز للجوء، كما يدعون.

9 يورو أسبوعيا

9 يورو أسبوعيًا هذا الرقم هو المبلغ الذي يتقاضاه اللاجئ بمفرده داخل مراكز التوزيع والاستقبال والتي تختلف من مكان إلى آخر، فإذا كنت داخل مركز يقدم لك كافة الخدمات من طعام وشراب ومكان للنوم فأنت ستحصل أسبوعيا على هذا المبلغ في الغالب، فيما توجد مراكز أخرى مجهزة تعطي اللاجئ مبلغ 50 يورو، مقابل أن يوفر هو لنفسه الطعام والشراب، هذه المبالغ بالكاد تسد الرمق بالنسبة للاجئين، ولا توفر كافة احتياجاتهم في ظل ارتفاع الأسعار الكبير داخل بلجيكا مقارنة بالدول الأوروبية الأخرى.

ويشير تقرير "زوايا" إلى أن هذا الواقع يضع اللاجئ أمام خيارات صعبة لتوفير متطلبات الحياة، فإما العمل بشكل غير قانوني، ما يعرف في أوساط اللاجئين العمل "بالأسود"، وهو ما يعني إهدار كافة حقوقه القانونية واستغلاله من قبل أرباب العمل مقابل مبالغ مالية زهيدة، أو ممارسة أعمال غير مشروعة في سبيل ذلك.

وهنا يؤكد الشاب "حسن . ه " سوري الجنسية أنه لجأ إلى "العمل الأسود" في محل للحلويات، فما يمنحونه من مبالغ مالية داخل "السنتر" لا تكفي للحصول على "علبة سجائر" أو وجبة جيدة للطعام، كما أن وجودهم لفترة طويلة دون معرفة مصيرهم يدفع الجميع إلى البحث عن أي فرصة للعمل، ويضيف "رغم إدراكنا عدم قانونية ذلك، وأنه قد يضر بملف لجوئنا، لكن لا خيارات أخرى سوى العمل في مجالات غير مشروعة".

ورغم اعتراف السلطات البلجيكية على لسان "مسئولة دائرة الهجرة" بوجود أزمة في استقبال اللاجئين، لكنها لم تحرز أي تقدم حتى الآن، ما يبقي المشكلة قائمة إلى اليوم، وهي مرشحة إلى التصاعد خلال هذا العام 2023، بعدما انتقلت من خارج مراكز الاستقبال واللجوء إلى داخلها، بسبب اكتظاظ مراكز اللجوء بمزيد من اللاجئين.

المصدر : خاص-زوايا

مواضيع ذات صلة

atyaf logo