حالة رثة تصيب منشآت الترفيه بغزة.. من يتحمل المسؤولية؟

المنشات الترفيهية بغزة
المنشات الترفيهية بغزة

عوامل عِدة أدت إلى تراجع الإقبال على الأماكن الترفيهية في قطاع غزة، منها الحصار والإغلاق الإسرائيلي المستمر على القطاع منذ نحو 17 عام، والذي أثر في جوانب إدخال آليات جديدة مطورة أو معدات للتصنيع أو الصيانة فيما يخص ألعاب الملاهي تحديداً.

كما أدت الحالة الاقتصادية الصعبة التي يعيشها الغزيون إلى ضعف القدرة الشرائية لديهم وعدم اكتراثهم بجوانب الترفيه. أما العامل الآخر فيتمثل في ضعف المتابعة والرقابة على المنتجعات الترفيهية، وعدم توفر شروط الأمان والسلامة في الكثير منها.

"زوايا" يسلط الضوء على المنشآت الترفيهية في قطاع غزة بشكل عام و"الملاهي" و"حدائق الحيوان" بشكل خاص، فبعضها يعمل بلا تراخيص، مسلطاً الضوء على إجراءات الجهات المختصة في ترخيص هذه المرافق والمنشآت والرقابة عليها، في ظل تكرار وقوع حوادث مؤسفة في بعضها، جراء عدم اتباعها إجراءات الأمان والوقاية والسلامة؟

حادثة أصداء المؤلمة

مطلع مايو الماضي، فجرت حادثة افتراس لبؤة للطفل "حمادة اقطيط" ووفاته في حديقة الحيوان التابعة لمدينة أصداء الترفيهية في مدينة خان يونس جنوب قطاع غزة، استياء وغضبا شعبيا كبيرا، خاصة على مواقع التواصل، وعزا النشطاء السبب إلى افتقار هذه المدينة وغيرها من الأماكن الترفيهية إلى معايير الأمن والسلامة، وضعف الجهات المختصة في المتابعة والرقابة عليها.

وأعادت هذه الحادثة المؤلمة، إلى الأذهان مجدداً حادثة منتج سياحي في خريف العام 2015، عندما سقطت رافعة هيدروليكية عملاقة في قسم الألعاب الميكانيكية، مخلفةً 18 جريحاً، وفق وزارة الصحة آنذاك.

ومما ضاعف الاستياء في حادثة أصداء تحديداً، هو إعادة فتحها بعد اغلاق مؤقت من قبل الشرطة الفلسطينية بغزة لم يدم طويلاً "أقل من شهر"، علماً أن النيابة العامة بغزة باشرت على الفور تحقيقاتها، ولاحقاً جرى صلح عشائري بالخصوص. وقالت حينها إدارة مدينة أصداء في بيان لها "إن إعادة فتح الأبواب أمام الزوار تم بعد إتمام الترتيبات اللازمة كما جرت العادة سنوياً لاستقبال الزوار هذا الموسم".

4ffc8dd3-b4fa-4d97-b337-acdf6270591d.jpeg

 

bdfd4b90-cf97-4dad-80d8-a30d4c437b02.jpeg

 

a308d74e-3404-4b55-b53b-4ec7d2dc40de.jpeg


إقبال في المواسم فقط!

وتعتبر الأعياد والصيف، موسماً سنوياً لعمل المرافق والمنتجعات الترفيهية ومنها ملاهي الأطفال، التي تبقى آلياتها راكدة غالبية أيام السنة، عدا عن بعض المناسبات والإجازات والرحلات المدرسية. ونتيجة لذلك، تتكبد هذه المرافق خسائر كبيرة، بسبب العزوف الناجم عن الوضع الاقتصادي السيء وانعدام فرص العمل وارتفاع معدل الفقر والبطالة في صفوف المواطنين.

وحسب الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، لا يزال التفاوت كبيراً في معدل البطالة بين الضفة الغربية وقطاع غزة، حيث بلغ هذا المعدل 46٪ في قطاع غزة مقارنة بـ 14٪ في الضفة الغربية، أما على مستوى الجنس فقد بلغ معدل البطالة للذكور في فلسطين 21٪ مقابل 40٪ للإناث.

اقرأ أيضاً: "إسرائيل" تتحضر لسيناريوهات ما بعد الرئيس "عباس"

وتعد مدينة البشير الترفيهية، من أول الملاهي التي أنشئت في غزة عام 2005، وتضم أكثر من 12 لعبة كبيرة تم صناعتها محلياً على يدي الراحل حديثاً محمد عقل. يقول الابن ناصر عقل إن منشأتهم الموروثة عن والدهم، مهددة بالإغلاق لسببين: الأول الركود الاقتصادي، والثاني بسبب مطالبة سلطة الأراضي لهم بدفع ديون متراكمة نظير استئجار الأرض المقامة عليها الملاهي جنوب مدينة غزة.

ويؤكد عقل لـ"زوايا" أن العائد المادي للملاهي تناقص خلال السنوات الأخيرة شيئاً فشيئاً بشكل كبير، بحيث أصبحت الملاهي تغطي قيمة المبالغ المطلوب تسديدها لسلطة الأراضي وغيرها من التكاليف، الأمر الذي وضعهم أمام تحد كبير وخيار صعب وهو نقل الألعاب الترفيهية إلى مكان آخر أقل كُلفة، معبراً عن أسفه بأن المنشآت الترفيهية لم تعد ضمن اهتمامات وحسابات القائمين على البلد للمحافظة عليها، في إشارة إلى حكومة غزة.

ولفت عقل في السياق، إلى أن تذكرة اللعبة لديهم لا تزيد عن شيكل واحد في أغلب المناسبات والرحلات المدرسية، وذلك مراعاة لظروف الناس، ولإدخال السرور على قلوب الأطفال المحرومين من أدنى مقومات الترفيه، ولكن الحكومة لم تراعينا بشيكل واحد من المديونيات المتراكمة، على حد تعبيره.

أما معين أبو الخير متعهد متنزه بلدية غزة وسط شارع عمر المختار بغزة، يتحدث عن تجربته في القطاع السياحي، بدءاً من إنشائه مطعم السماك عام 2000 حتى تم إزالته بقرار من بلدية غزة في العام 2010 لصالح مشروع توسعة وتطوير شارع الرشيد غرب مدينة غزة، وذلك دون تعويض يذكر.

أبو الخير الذي يشغل الآن عضو مجلس إدارة الهيئة الفلسطينية للمطاعم والفنادق والخدمات السياحية، ذكر لـ"زوايا" أنه اتجه للاستثمار في المكان الترفيهي الأول والرئيسي في مدينة غزة، مشيراً إلى أنه يمارس الإشراف بنفسه على كل صغيرة وكبيرة في المتنزه البلدي، ليبقى محافظاً على صورته وسمعته التاريخية، فضلاً عن تركيزه على تقديم أفضل خدمة للمتنزهين.

ويرى أبو الخير أن المرافق الترفيهية والمتنزهات في غزة، حالها حال الفنادق والمطاعم تشهد ركوداً واضحاً بسبب الأوضاع الاقتصادية التي يعانيها القطاع، حيث أن معظم العائلات الغزية لديها أولويات معيشية أخرى أكثر أهمية، وتعتبر الترفيه شيئاً ثانوياً في حياتها يمكن الاستغناء عنه في سبيل توفير الضروريات والأساسيات من طعام وشراب وملبس وخلافه.

لكن بالمقابل، أكد أبو الخير أنه في عصر السوشال ميديا، تكونت ثقافة لدى المواطن في البحث عن الأماكن الترفيهية التي لا ترهق جيبه وتتوفر فيها شروط السلامة لأسرته، لافتاً إلى أن مواقع التواصل الاجتماعي تحديداً تجلد أصحاب المنشآت السياحية والمستثمرين المقصرين في هذا الجانب الهام، قاصداً بالتحديد شروط السلامة والأمان.

وانعكس ذلك -حسب أبو الخير- على أداء الجهات الحكومية المختصة في متابعة ومراقبة عمل المنشآت السياحية وعدم التهاون في استصدار التراخيص المرهونة بتوفير شروط السلامة والأمان، منوهاً إلى أن الجهود المبذولة في هذا المضمار ملحوظة في الآونة الأخيرة، وخاصة بعد الحوادث المتكررة في بعض الأماكن الترفيهية بغزة.

المتابعة والرقابة

وفي ضوء ما سبق، استعرض زكريا الهور مدير عام الادارة العامة للسياحة، إحصائية مختصرة لدى وزارة السياحة بغزة، مبيناً أنه يوجد في القطاع 7 مدن ترفيهية ما بين ملاهي أطفال، بعضها تضم حديقة حيوانات.

ولفت إلى أن المرافق السياحية الأخرى منها نحو 20 فندقا سياحيا في غزة، بينما هناك 120 مطعماً منها 12 مطعماً تم إنشاؤه حديثاً، مؤكداً أن ما مجموعه 600-700 مرفق سياحي بجميع التخصصات في قطاع غزة، مرخص ومستوفي لشروط العمل وفق القانون والنظام.

وذكر الهور لـ"زوايا" أن وزارته تعمل على تنظيم الحالة منذ أكثر من خمس سنوات، حسب قانون السياحة الفلسطيني لعام 1956، ووفق الأنظمة المعمول المستقاة من هذا القانون بما يخص التصنيفات المتعلقة بالسياحة.

وأشار إلى أن تنظيم هذا القطاع، بدأ بالمطاعم ثم مكاتب السياحة والسفر، وكذلك مدن الملاهي وحدائق الحيوان، مبيناً أن وزارته عملت على تصويب أوضاعها القانونية بنسبة كبيرة.

وحول الإجراءات المتبعة، أوضح الهور أنه في عام 2021 تم تشكيل دائرة الرقابة والتفتيش في وزارة السياحة والآثار بغزة، تختص بالمراقبة على المنشآت السياحية، حيث تقوم بين الفينة والأخرى بمتابعة هذه المنشآت ميدانياً.

وأقر الهور بأن بعض المنشآت السياحية غير مرخصة وتعمل بشكل عشوائي، ولكنها خاضعة للمتابعة من أجل تصويب أوضاعها من جانب الوزارة، مؤكدا أن كل منشأة لا تقوم بتصويب أوضاعها يتم اتخاذ المقتضى القانوني بحقها.

وأوضح أنه بداية كل عام يتم منح كل المنشآت السياحية فترة يناير حتى مارس لتصويب أوضاعها، حيث يتم إرسال دعوة لها بضرورة الترخيص، ومن يتخلف يتم إخطاره، ثم القيام باتخاذ الإجراء اللازم عبر الضبطية القضائية بإغلاق هذه المنشأة أو تمديد مدة الحصول على الترخيص، وإذا لم تتم الاستجابة تقوم الوزارة برفع شكوى للنائب العام، لاتخاذ المقتضى القانوني وإلزامها عبر المحكمة بالتصويب.

ولم يخفِ الهور أن يكون هناك عديد من المخالفات التي تحدث في الأماكن الترفيهية بشتى أنواعها، حيث يقومون بدورهم باتخاذ إجراءات قانونية عاجلة بحقهم، مشيراً إلى أنه حدثت في مدينة أصداء قضية محددة وتم معالجتها حسب النظام والقانون، حيث تم إغلاقها إلى حين البدء في تنفيذ شروط السلامة للمواطنين، حتى لا تتكرر المأساة.

اقرأ أيضاً: الفقر بغزة يلقي ظلاله الثقيلة على المخيمات الصيفية

ويدافع الهور عن الاتهامات الموجهة لوزارته بالقصور، بأن وزارته ليست الجهة الوحيدة المخولة بمنح تراخيص العمل للمنشآت السياحية، حيث يتم منح التراخيص للمرافق ذات الطابع الشعبي من البلديات وجهات حكومية عدة.

وبحسب مادة (2) في قانون السياحة المؤقت، تؤول لوزارة السياحة والآثار الصلاحيات والاختصاصات الواردة في قانون السياحة رقم 45 لسنة 1965 والتي كانت تمارسها سلطة السياحة ومجلس إدارتها والهيئة الاستشارية. وجاء في المادة (8) بند (أ) من القانون، نصاً: "لا يجوز لأية صناعة سياحية أن تمارس أعمالها، إلا بعد الحصول على ترخيص من السلطة، حسب الأنظمة الصادرة بموجب هذا القانون"، والمادة (ب) تنص على أنه "للسلطة أن ترفض الترخيص لأي طلب دون بيان الأسباب".

الحق في الترفية

من جهته، ذكر أحمد أبو قمر المختص في الشأن الاقتصادي، أنه ليس مقبولاً تحت أي نوع من الذرائع والمبررات التهاون أو التغاضي من قبل الجهات الحكومية المختصة والهيئات المعنية في مسألة السماح للمنشآت والمرافق السياحية بالعمل دون الحصول على التراخيص اللازمة، مطالبا بالتشديد على تلك المنشآت التي لم تستوفِ شروط الأمان والسلامة كافة، لكنه طالب - في نفس الوقت- بتخفيض الرسوم المستحقة على هذه المرافق، مراعاةً لما يتكبده أصحاب الأماكن السياحية من خسائر نتيجة ضعف الإقبال في ظل الوضع الاقتصادي الراهن.

وأشار أبو قمر في حديثه لـ "زوايا" إلى أن أصحاب المنشآت السياحية وخاصة الشعبية والمحدودة أصلاً مثل الملاهي وحدائق والحيوانات، يقتصر عملهم على مواسم العيد والرحلات المدرسية، الأمر الذي يحول دون قدرتهم على دفع تكاليف الاستئجار أو التطوير والصيانة وخلافه، بسبب سوء الأوضاع الاقتصادية للمواطنين، الذين بالكاد يوفرون قوت يومهم، ما اضطرهم للتخلي عن الجانب الترفيهي لأسرهم.

ولفت أبو قمر إلى ضرورة اهتمام الجهات الحكومية والأهلية في دعم الجانب الترفيهي للمواطنين، ذلك من خلال توفير متنزهات مجانية أو رمزية الدفع، معتبراً أن الحصار والاعتداءات الاسرائيلية المتكررة وانعدام فرص العمل في قطاع غزة، خلف آثارا نفسية كارثية وكبيرة على الكثير من العائلات الفلسطينية، ما يستدعي توفير الحق في الترفيه والتفريغ النفسي وارتياد الأماكن الترفيهية، خاصة الأطفال الذين لا يستطيعون الالتحاق بالمخيمات الصيفية.

المصدر : خاص-زوايا

مواضيع ذات صلة

atyaf logo