حماس وحكومتها في أزمة مالية… التفاصيل الموسعة

ازمة موظفي غزة
ازمة موظفي غزة

تواجه حركة حماس أزمة مالية كبيرة، أثرت بشكل واضح على مستوى الفصيل تنظيمياً، وألقت بتبعيتها على الحكومة التي تديرها في قطاع غزة، وبات من الصعب على الفصيل السياسي تدبر أموره المالية كما في العامين الماضيين.

وتعتبر حركة حماس التي لا تزال تدير غزة، أنها تختلف كلياً عن لجنة متابعة العمل الحكومي التي يرأسها عصام الدعاليس بعد أن كلفه المجلس التشريعي بذلك عام 2021، وأن أموال الفصيل لا علاقة لها بموازنة الهيئات الحكومية، والعكس صحيح.

وبحسب معلومات "زوايا" التي حصلت عليها مصادرها في حركة حماس، فإنه بدت تظهر ملامح الأزمة المالية لحركة "حماس" بشكل واضح في أبريل (نيسان) الماضي، وأثرت على هذه الأوضاع الاقتصادية على كتائب القسام الجناح العسكري للحركة بشكل سلبي.

ملامح الأزمة المالية لحركة حماس

وهناك العديد من الملامح التي تشير للأزمة المالية لحركة حماس، إذ أوقف الجناح العسكري في أبريل (نيسان) الماضي، استقبال تبرعات بالعملات الرقمية عبر المحفظة الالكترونية بعد أسبوعين من تجديد دعوته لمحبي المقاومة بالتبرع لصالح كتائب القسام بعملة البتكوين.

وفي 10 يوليو (تموز) الجاري طلب رئيس مكتب حركة حماس في الخارج خالد مشعل دعماً عربياً للمقاومة بالمال ومدها في السلاح، وجاء حديثه هذا من دولة الجزائر أثناء قيامه بجولة على مدن عربية وأجنبية قريبة من الحركة، بهدف حشد التمويل اللازم لحركته وجناحها العسكري.

صعوبة في جمع الأموال

حول أزمة حركة حماس، يقول عضو المكتب السياسي فيها محمود الزهار إن المشكلة المالية ليست جديدة، ونحن نعاني منذ فرض الحصار على غزة من نقص في مصادر التمويل، لكن الأزمة المالية ازدادت مؤخراً بسبب قيود جديدة باتت الحركة تواجهها.

ويضيف الزهار في حديث لـ "زوايا": "لقد انخفضت مصادر تمويل حركة حماس، وبات هناك إعاقات كبيرة في جمع الأموال، وأيضاً توقفت دول كانت تدعم حماس عن ذلك، ومنعت جمع الأموال في أراضيها، وقد تغير تعاملها معنا".

ويتابع الزهار "أزمة حماس الحالية بسبب ضغوطات إسرائيلية، وحجم المعاناة ليس فقط من جانب الاحتلال بل أيضاً هناك ضغوط من السلطة الفلسطينية لتضييق الخناق علينا، وهذا شكل عبئا جديدا على الحركة".

أزمة مركبة بعد العمل في الضفة

ويوضح الزهار أن أزمة حركة حماس المالية باتت مركبة، بعد أن وسعت دائرة عملها في الضفة الغربية والداخل والقدس، وهذا يستدعي من مكتب الخارج زيادة حشد التمويل المالي للحركة، لافتاً إلى أن هذا السبب الرئيس وراء طلب خالد مشعل الدعم المالي بشكل صريح.

ويشير الزهار إلى أن توسيع حماس عملها العسكري في الضفة الغربية دفع الاحتلال الإسرائيلي إلى توسيع ملاحقتها اقتصاديا، وهو أيضاً ما تسبب في زيادة متطلبات الحركة المالية، لكنها في ظل أزمتها الحالية غير قادرة على الوفاء بهذه المتطلبات.

ومؤخرا، شن الاحتلال الإسرائيلي حملة كبيرة على أموال الفصيل، صادر خلالها عملات رقمية ونقدية داخل فلسطين وخارجها، وفي التفاصيل، فإن إسرائيل لاحقت أموالاً لحماس كانت في طريقها لغزة وتمكنت من الاستيلاء عليها، إذ صادق وزير جيش الاحتلال يوآف غالانت على مذكرات قرصنة 80 محفظة الكترونية تابعة لشركات تعمل في غسيل الأموال وتحويلها لصالح حركة حماس بغزة.

وبعد ذلك، لاحق الاحتلال الإسرائيلي أمولاً لحركة حماس في أوروبا واستولت على نقود كانت قيادات الحركة تعمل على جمعها، وجرى ذلك ضمن حملة اقتصادية مستمرة يقودها وزير الجيش والشاباك على أموال الفصائل الفلسطينية، بهدف تجفيف منابع التمويل، وعرقلة وصولها إلى غزة أو الضفة الغربية.

الخطوات الإسرائيلية المتلاحقة في الاستيلاء على أموال حركة حماس، ليست السبب الوحيد في الأزمة المالية للفصيل السياسي، فهناك العديد من المؤشرات الأخرى التي تؤكد أن حماس تعاني من ملاحقة أموالها بشكل شرس.

أسباب الأزمة المالية

ويؤكد الزهار أن الأزمة المالية عند حماس مقتصرة على مكاتب غزة والضفة الغربية، ولا يعاني مكتب الحركة في الخارج من أي مشاكل اقتصادية، لكنه في نفس الوقت يقع على عاتق الإدارة الخارجية القيام بحشد التمويل وجمع التبرعات وخلق فرص جديدة لمراوغة الأزمة المالية.

وعن تفاصيل وأسباب الأزمة المالية، يشرح الزهار قائلاً "التجارة التي تجريها حركة حماس فيها الكثير من المعيقات وبات من الصعب وصولها إلى غزة، لقد فرضت علينا بعض الأقطار قيوداً بعد تحسن علاقتها مع إسرائيل".

في الواقع، كانت تجري حركة حماس أنشطة تجارية واقتصادية في تركيا، وبحسب حديث الباحث في العلاقات بين حماس وأنقرة ثابت العمور مع "زوايا"، فإنه يوضح بعد تحسن علاقة الرئيس رجب طيب أردوغان مع تل أبيب فرضت سلطته قيودا كبيرة على نشاط أعضاء حماس في تركيا، وعملت أيضاً على وضع قيود وصلت إلى حد وقف وتخفيض الأنشطة التجارية والمعاملات الاقتصادية.

ومن بين الأسباب، يشير الزهار إلى أن حماس تواجه صعوبة في معطي الأموال، خاصة بعد تحسن علاقة بعض الدول مع الاحتلال الإسرائيلي، إذ كان هناك قادة من حماس يعملون في بلدان خليجية على جمع الأموال من الشارع الخليجي، كما كانوا يجرون ذلك بعض الأحيان عن طريق جمعيات خيرية تدعم المقاومة وفلسطين، إلا أن هذه الأقطار منعت ذلك وفرضت قيوداً مشددة بعد تحسن علاقتها مع الاحتلال.

ويلفت الزهار إلى أن الفترة الحالية صعبة على حماس في جمع الأموال ونقلها، ونتيجة لهذه الضغوطات أوقفت قيادة حركة حماس بشكل مؤقت عملية جمع النقد لحين حل الإشكاليات.

في الواقع، يتعارض حديث الزهار بأن حماس أوقفت جمع الأموال، مع طلب خالد مشعل الواضح من المجتمع العربي بحشد المزيد من الدعم المالي لحركته، وحول تفسير ذلك رفض عضو مكتب حماس محمود الزهار توضيح هذا التناقض.

حكومة غزة مأزومة ماليا رغم نمو الإيرادات

وليست حماس لوحدها التي تعاني أزمة مالية، بل أيضاً لجنة متابعة العمل الحكومي التابعة لها في غزة هي الأخرى تواجه ظروفاً اقتصادية صعبة، ومن أبرز ملامحها تأخير صرف رواتب موظفيها لأكثر من 14 يوماً هذا الشهر، وهو التأخير الثاني إذ أجلت وزارة المالية بغزة دفع رواتب موظفيها الشهر الماضي أسبوعين.

وبحسب تصريح لوكيل وزارة المالية عوني الباشا فإن حسابات الحكومة في البنوك العاملة في غزة صفر حقيقي، وتضطر إلى الاستدانة بشكل شهري لتسديد رواتب الموظفين في غزة.

ولدراسة إذا ما كانت فعلاً هناك أزمة مالية تعاني منها لجنة متابعة العمل الحكومي، فحصت زوايا إذا كان هناك انخفاضا في إيرادات لجنة متابعة العمل الحكومي، وتحدثت مع نائب مدير هيئة المعابر في وزارة الداخلية أحمد الكرد الذي نفى لـ "زوايا" أن يكون هناك أي تغيير طرأ في حركة التبادل التجاري بين غزة والجانب الإسرائيلي عبر معبر كرم أبو سالم أو مع مصر عبر بوابة صلاح الدين.

وقال الكرد "في أيام عمل معبر كرم أبو سالم يدخل 400 شاحنة تقريباً، وتحصل عليها وزارة الاقتصاد أربع ضرائب التعلية الجمركية وضريبة الدخل ورسوم الاستيراد والمكوس، وبالنسبة لبوابة صلاح الدين فهي تعمل لمدة ثلاث أيام ويدخل منها بحدود 320 شاحنة وتحصل منها وزارة الاقتصاد نفس الضرائب، ولم يطرأ منذ بداية العام أي تغيير في الزيادة أو النقصان على الحركة التجارية".

لكن في المقابل، يقول محمود الزهار بصفته عضواً في المجلس التشريعي الفلسطيني إن حركة التجارة بين مصر وغزة انخفضت في هذا العام وباتت البضائع تمر بصعوبة وتمضي أوقات طويلة لتصل للقطاع، والسبب أن هناك اشكالية في المواد الأساسية داخل مصر التي باتت تعتبر أن تروجها في بلادها أفضل من تصديرها لغزة.

أما في نطاق إيرادات لجنة متابعة العمل الحكومي من الضرائب في غزة وآليات صرفها، رفضت وزارتي المالية والاقتصاد الحديث مع "زوايا" حول ذلك، كما رفض المجلس التشريعي الإفصاح عن هذه المعلومات، وقال مسؤول اللجنة الاقتصادية في المجلس التشريعي يحيى العبادسة لزوايا جميع ما يتم تحصيله يجري صرفه على الرواتب وبعض الموازنات التشغيلية، ولا يتبقى شيء في الحسابات البنكية.

وسألت "زوايا" الباحث الاقتصادي مازن العجلة عن إيرادات لجنة متابعة العمل الحكومي، وقال "من الواضح أنها في زيادة بعد تعلية الكثير من الضرائب، لكن لا نستطيع معرفة الرقم الحقيقي لها، لأن حكومة غزة لا تفصح عن البيانات المالية، وترفض الكشف عن الموازنة العامة".

في الواقع، طلب ائتلاف أمان من المجلس التشريعي الإفصاح عن الموازنة العامة، ونشر بيانا حول ذلك، لكن الأخير رفض نشرها، وقال النائب يحيى العبادسة في تصريح صحفي أنهم لا يعتمدون أي موازنات لأنهم سلطة غير ممكنة، فضلاً عن أن كل البيانات والإيرادات معلنة.

تقليص المنحة القطرية ودعم الغاز والسلع الأساسية

توجهت زوايا إلى وزارة الاقتصاد باعتبار أنها من أكبر المؤسسات الحكومية التي تعمل على إدخال إيرادات للجنة العمل الحكومي، وتحدثت مع مدير عام السياسات والتخطيط أسامة نوفل، وسألت عن أسباب وتفاصيل الأزمة المالية والحلول للخروج من الضائقة الاقتصادية.

يقول نوفل "في العادة تعتمد لجنة متابعة العمل الحكومي على مصادر تمويل محدودة، والمصدر الأول المنحة القطرية المخصصة لرواتب الموظفين والبالغ قدرها 3 ملايين دولار، بعد أن كانت 10 ملايين العام الماضي، فيما المصدر الثاني إيرادات المعابر وأبرز ما يوفر دخل جيد السجائر والوقود، أما المصدر الثالث الإيرادات الداخلية التي يتم جبايتها على شكل ضرائب ومخالفات السائقين".

ويضيف نوفل في حديثه مع زوايا "طرأ تغييرات إيجابية على إيرادات الجباية من المعابر، وفي العام الماضي كنا نتحدث عن 70 مليون شيكل، واليوم باتت 100 مليون شيكل، أما الإيرادات الداخلية فهي بسيطة ولا تشكل مصدراً مالياً جيداً، لكن هذا النمو في الدخل يقابله الكثير من الصعوبات في الإنفاق العام".

ويوضح نوفل، لم تكن تعلم لجنة متابعة العمل الحكومي أن قطر ستخفض المنحة الخاصة بالموظفين، وفي هذا الإطار عملت العام على دعم السلع الأساسية وانبوبة الغاز، وتوسعت في شراء مستلزمات وزارة التعليم، كما شرت أدوية لوزارة الصحة، وعندما خفضت قطر المنحة باتت الأرصدة في البنوك صفر، لأنه تم سحب القيم الموجودة لصرف رواتب شهور من يناير حتى أبريل الماضي.

ويلفت نوفل إلى أن هناك مشكلة ثانية واجهتها الحكومة، وهي المتقاعدين وفتح باب التقاعد الاختياري المبكر، وهذا تطلب منها صرف جميع مستحقات المتقاعدين مع رواتبهم التقاعدية، وخلق مشكلة أشباه الرواتب التي تدفع كاملة وليس بنسبة 60%، وقيمتها مرتفعة ويجب الوفاء فيها.

وبحسب نوفل، فإنه ونتيجة لانخفاض المنحة القطرية أوقفت لجنة متابعة العمل الحكومي الموازنات التشغيلية للوزارات ما عدا الأمن والصحة والتعليم، وحولتها لفاتورة الرواتب البالغة 132 مليون شيكل، وللوفاء بها تضطر لاستدانة 45 مليون شيكل، وللأسف التسديد صفر وترحل كل شهر ديون باتت متراكمة.

ومن بين المشاكل التي تسبب أزمة مالية هناك فرص توظيف في التعليم والصحة لضمان استدامة العملية التعليمية بينما أوقفنا التوظيف في باقي الوزارات بما فيها الأمن، كما انخفضت عملية تصدير منتجات من غزة إلى العالم وباتت بقيمة 60 مليون شيكل بعدما كانت 600 مليون.

ولحل مشكلة الرواتب اقترحت متابعة العمل الحكومي فرض ضرائب جديدة على العاملين في المجال الحر، يوضح نوفل أمثلة على ذلك "بعض المعلمين يعملون في دروس خصوصية، وآخرون لديهم ًمشاريع خاصة والمحامون الذين يعملون لحسابهم الخاص، وأيضاً تقليص المنحة القطرية بالشكل المعلن عنه".

المصدر : خاص-زوايا
atyaf logo