الغزيون في الضفة الغربية سكان بدون حقوق وهذه القيود عليهم

الضفة الغربية
الضفة الغربية

بينما كان رامي يصعد درج العمارة السكنية التي يعيش فيها، سمع صوت جنود الاحتلال الإسرائيلي يتحدثون العبرية على البوابة، بخفة واصل الصعود هرولة، وبدون إصدار صوت يلفتهم فتح باب شقته وأغلق الباب خلفه، كانت ضربات قلب الشاب سريعة، وقف وراء الباب وتنفس الصعداء.

انتاب رامي شعور بالخوف، وخشي أن يداهم الجنود شقته ويفتشوها أو يتحققوا من شخصيته، فهو يحمل هوية مكتوب فيها أن أصله من قطاع غزة، ويعيش في الضفة الغربية بشكل مخالف كما تنظر له سلطات الاحتلال الإسرائيلي.

بعد حوالي نصف ساعة من هذا الحدث، غادر جنود الاحتلال البناية السكنية التي يعيش فيها رامي، دون أن يطرق أحد بابه، وبعدما تأكد من ذلك بدأ يطمئن، يقول: "أعيش في رعب حقيقي، وهذا هو حال جميع سكان غزة الذين يعيشون في الضفة الغربية، كل يوم أتوقع أن يضبطني الجنود ويرحلوني مباشرة إلى القطاع، باختصار حياتي لا يوجد بها أمان".

تكبيل حرية التنقل

تعود قصة رامي الذي يحمل هوية مطبوع عليها أنه من مواليد غزة، إلى عام 2015، عندما كان يعيش في مدينة خانيونس ويصارع المرض، على إثره حصل على تحويلة طبية للعلاج في مستشفى المطلع في القدس، وبعد أن وصل هناك وتماثل للشفاء، قرر عدم العودة، والذهاب إلى الضفة الغربية من أجل البحث عن عمل.

في ذلك الوقت بقي رامي لشهور يهرب من مكان لآخر في مدن الضفة الغربية، فهو يدرك أن خطوته هذه تخالف القوانين الإسرائيلية، وإذا ضبط فإن الإجراء الوحيد بحقه ترحيله إلى قطاع غزة ومنعه من السفر إلى الشق الفلسطيني الثاني.

اقرأ/ي أيضاً: استطلاع إسرائيلي: تشاؤم كبير حيال مستقبل وديموقراطية دولة الاحتلال

استقر رامي في قرية برقة في محافظة نابلس، واعتقد أنه الآن بعيد عن عيون جنود الاحتلال الإسرائيلي، على اعتبار أنه يعيش في مدينة خاضعة للسلطة الفلسطينية، ولا يحق للطرف الآخر دخولها أو ملاحقته فيها، إلا أنه لا زال يعيش الكثير من الظروف الصعبة.

يضيف الشاب الذي يعمل في مهنة الحدادة لـ"زوايا": "بسبب أن بطاقة الهوية مكتوب عليها كلمة غزة، أضطر أن أذهب يومياً إلى العمل مشياً على الأقدام، وأستغرق نحو ساعتين في طريقي، أفعل ذلك حتى لا أقف على حاجز للجنود الإسرائيليين، وحتى وأنا أمشي كل يوم ينتابني شعور الخوف بأن يوقفني أحدهم ويسألني عن بطاقتي الشخصية".

ويتابع "منذ سنوات وأنا لا أركب السيارات، وإذا قررت الركوب في مركبة فإن احتمالية أن يوقفني الجنود تزداد، وحينها يكون كل مشواري انتهى، ولا يمكن التهرب من إظهار الهوية، وفور أن ينظر لها الجندي سيعمل على ترحيلي إلى غزة".

ويوضح رامي أنه رفض فرص عمل تحقق له مردودا ماليا جيدا، بسبب وجودها في مناطق تكثر فيها الحواجز العسكرية الإسرائيلية، وذلك خشية من ضبطه، مؤكداً أنه سيبقى في الضفة الغربية حتى لو كلفه الأمر حياته، لأن العودة إلى غزة تعني له المزيد من الفقر والانضمام لصفوف البطالة.

أصل المشكلة

تعود مشكلة "تعديل العنوان" إلى عام 1967، إذ عمل الاحتلال الإسرائيلي بعد الحرب بثلاثة شهور على إحصاء السكان الفلسطينيين وفق المناطق، وحينها كان يسمح بالتنقل بين الضفة الغربية وقطاع غزة، إلا أنه عام 1991 أصدر أمراً عسكرياً يفرض على أبناء الضفة والقطاع وجوب الحصول على تصريح مسبق للتنقل بين المناطق الخاضعة للسلطة الفلسطينية، وفي عام 2000 جمد الاحتلال سجل السكان الفلسطينيين، ورفض الاعتراف بأي تغيير عليه يتم دون موافقته، وبعدها في عام 2002 اعتبر أن حاملي هوية قطاع غزة المتواجدين في الضفة، يعيشون بشكل غير قانوني، وسمح الاحتلال في عام 2012 لوحدة "مكافحة الهجرة في إسرائيل" المسمية (وحدة عوز) بالعمل في الضفة لترحيل حملة هوية غزة.

ليس رامي وحده الذي يعيش وضعاً صعباً في قيود على حرية التنقل والحركة، بل أيضاً يعاني هادي من مشكلة أكثر تعقيداً حسب ما يعتقد، فهو الآخر من سكان غزة ويحمل بطاقة هوية تؤكد ذلك، وانتقل إلى الضفة الغربية في إطار حضور مؤتمر هناك، إلا أنه قرر البقاء وعدم العودة إلى القطاع، بسبب ظروفه الصعبة وانعدام فرص الحياة فيه.

لا فرص عمل حكومية

يقول هادي لـ"زوايا": "عندما كنت في غزة، فكرت في الانتحار، لولا أنني حصلت على فرصة عمل مؤقتة أي بطالة مع أحد المؤسسات الدولية، وذهبت معهم لحضور مؤتمر في الضفة الغربية، لكن فكرت إذا عدت مع الوفد إلى القطاع وانتهى عملي، ماذا سأفعل، لا شيء سوى التفكير في الموت، لذلك قررت البقاء هنا".

حالياً يسكن هادي في مدينة رام الله، ويؤكد في حديث خاص لـ"زوايا" أن ظروفه في العيش بالنسبة للأشخاص الذين أصلهم من غزة ومخالفين أو يرفضون الرجوع إلى القطاع، أفضل من باقي المدن، خاصة وأن الجنود الإسرائيليين نادراً ما يدخلون إلى وسط المدينة.

لكن على الرغم من ذلك، يعاني هادي كثيراً لأنه يحمل هوية غزة، يضيف "حصلت على شهادة البكالوريوس في الهندسة المدنية من غزة، وكنت أعتقد أنه فور ترتيب أوضاعي هنا، سأذهب إلى أي وزارة وأحصل على وظيفة حكومية، لكن ذلك في الخيال فقط".

ويوضح هادي أنه تقدم لنحو خمس مؤسسات حكومية من أجل الحصول على فرصة توظيف، لكن جميعهم رفضوه لأن هويته من قطاع غزة، واشترطوا عليه تعديلها إلى الضفة الغربية من أجل التمتع بفرص العمل بطريقة أكثر سهولة.

بحسب هادي، فإنه تقدم لفرصة عمل وعند إجراء المقابلة تبين له أنها عبارة عن باحث ميداني، لكنه رفضها خوفاً، يتابع "هذه الفرصة تحتاج إلى التنقل بين المدن، وهذا يعرضني للخطر، هناك الكثير من الحواجز العسكرية الإسرائيلية، وعند التوقف عليها يطلب جنود الاحتلال بطاقة الهوية وهنا تقع الكارثة".

حاول هادي تغيير عنوانه، وتسجيل رام الله مدينة سكنه في بطاقة الهوية بدل غزة، ليتسنى له العيش بحرية ودون قيود، إلا أنه واجه صعوبات متعددة وفشل في ذلك، لأن السلطة الفلسطينية لا تملك صلاحيات هذا الإجراء.

وفقاً لاتفاقيات أوسلو لعام 1993، فإنه من صلاحيات السلطة الفلسطينية إدارة تعداد السكان بما في ذلك إجراء تعديل العنوان، ولكن بالتنسيق مع منسق الحكومة الإسرائيلية في المناطق، إلا أن الاحتلال الإسرائيلي عارض ذلك في سنة 1996 واشترط موافقته المسبقة على حالات تغيير العنوان من القطاع إلى الضفة، بالإضافة إلى إشعاره المسبق قبل إصدار جواز سفر فلسطيني أو بطاقة هوية أو شهادة ميلاد لتصبح معترف بهذه الوثائق دولياً.

تفريق بين حملة هوية غزة والضفة الغربية

وإلى جانب هادي، يشتكي عمرو من معاملته كمواطن من الدرجة الثانية على حد وصفه لـ"زوايا"، وبالتحديد عند إجراء المعاملات الحكومية، إذ يعاني كثيراً عند زيارة أي مؤسسة رسمية أو تقديمه لأي طلب حكومي.

يعيش عمرو في الخليل، بعد أن كان يسكن غزة، وسافر إلى الضفة الغربية في سياق زيارة أقارب من الدرجة الأولى، لكنه لم يعد إلى القطاع، يقول عن معاناة حمله لهوية إصدارها من غزة "طلبت أجدد جواز السفر، وعندما أبلغت جهات الاختصاص أني من غزة بدأوا يتعاملون معي بطريقة سيئة، وطلبوا مني وثائق لا أهمية لها، وكان هناك تعقيدات شديدة".

وبحسب عمرو، فإن جميع الخدمات المقدمة للجمهور الفلسطيني لا يستطيع الحصول عليها بسهولة بسبب الهوية التي يحملها، مؤكداً أن اسمه كان في كشوفات تغيير العنوان الذين وافق لهم الاحتلال مؤخراً على ذلك، لكن لم يتم تعديل بطاقته الشخصية، ولا زال يعيش الكثير من القيود أثناء التنقل بين المدن الفلسطينية.

بعد سيطرة حركة "حماس" على الحكم في غزة عام 2007 أصبح انتقال الفلسطينيين خارج القطاع أمراً صعباً بسبب قيود الاحتلال الإسرائيلي المشددة، لكن في نفس الفترة الزمنية، استحدثت تصاريح إقامة مؤقتة لحاملي هوية القطاع في الضفة، إلا أنها لم تصدر خلال السنوات الأخيرة أي تصريح لأفراد جدد، بل تجدد جزءاً من التصاريح القديمة وفق أسس وإجراءات غير واضحة.

منع من السفر للضفة الغربية

وهذا رائد، الذي يئس من الحياة في الضفة الغربية وقيود الاحتلال عليه، وتشجع لطلب السفر إلى الأردن هرباً من تشديدات الجنود وملاحقتهم لحملة هوية إصدار غزة في الضفة الغربية، يقول لـ"زوايا": "أثناء تقديم الطلب تبين أنه يحتاج إلى موافقة إسرائيلية، وحينها ذهبت لمقابلة إذ أبلغني أحد مقدمي الخدمة الإسرائيلية أنه سيسمح لي بالسفر، شرط عدم العودة إلى طوباس، وأنه إذا فكرت بالرجوع عليّ التوجه إلى مصر ومنها إلى القطاع".

رفض رائد هذا العرض، وكان يشعر بالخوف من أن تداهم قوة إسرائيلية منزله بعد أن عرف عنوانه، وأن يعملوا على ترحيله إلى غزة، واضطر إلى تغيير سكنه أكثر من مرة خشية ذلك.

اقرأ/ي أيضاً: هذه لحظة بيني غانتس للوقوف كمنقذ وطني

في ليال الشتاء البارد لعام 2023، كان سعود يشتري بعض مستلزماته من البقالة، وعندما عاد لشقته في قرية العوجا في أريحا، وجد جنود الاحتلال الإسرائيلي قد داهموا بيته، يستذكر ذلك في حديث لـ"زوايا": "كاد قلبي أن يتوقف، وحينها طلبوا الهوية، ومباشرة اقتادوني إلى مركز تابع للشرطة، وبعد ساعات حضرت آلية عسكرية ووصلتني إلى معبر إيرز، وها أنا اليوم أعيش في غزة وسط الفقر والبطالة".

اعتصامات ملف "تغيير العنوان"

في ظل هذه المأساة، شكل حملة هوية غزة تحالفاً بينهم، وفي كل أسبوع يتظاهرون أمام مبنى الشؤون المدنية لحل مشكلاتهم، تقول مسؤولة حراك لم الشمل وتغيير العنوان مروة حمادة "ننظم احتجاجات بشكل شبه منتظم ونخرج في اعتصامات كل أسبوعين تقريباً، للمطالبة بتغيير العنوان من قطاع غزة إلى الضفة".

وتضيف حمادة في حديث لـ"زوايا": "تغيير العنوان في الهوايا حق شرعي وإنساني، ولا يتعارض مع الاتفاقيات التي أبرمتها السلطة الفلسطينية مع الجانب الإسرائيلي، ومحمي في القوانين والتشريعات الدولية ومعاهدة الصليب الأحمر".

وتؤكد حماد أن هؤلاء الأشخاص يعانون من صعوبات جثيمة، وتصف وضعهم بالمأساوي والمؤلم، مشيرة إلى أن أبرز العراقيل هي: عدم الحركة وعدم العيش بأمان، وعدم قدرة التنقل عبر الحواجز الإسرائيلية خوفاً من الترحيل.

ولمحاولة حل هذه المشكلة، توصل وزير الشؤون المدنية حسين الشيخ في يناير 2021، إلى اتفاق مع الاحتلال الإسرائيلي، لتسجيل 10 آلاف بشكل قانوني على أساس لم الشمل وتغيير العنوان.

إلا أن المتحدث الرسمي باسم هيئة الشؤون المدنية عماد قراقرة قال في تصريحات صحفية إن ملف تغيير العنوان توقف منذ تشكيل حكومة نتنياهو الجديدة، لافتًا إلى أنّه "حتى الآن لا يوجد أي وعود، أو تواريخ محددة بخصوص الحصول على موافقات لم شمل أو تغيير عنوان.

المصدر : خاص-زوايا

مواضيع ذات صلة

atyaf logo