جنين.. سقوط الأقنعة

اقتحام جنين
اقتحام جنين

(1) الاقنعة التي سقطت في طريق الحرية

على الطريق الفلسطيني الطويل سقطت- وتسقط- الكثير من الاقنعة المزيفة, وتتهاوى الكثير من المسميات المضللة تحت وطأة الحقيقة. هذا, لان الطرق الفلسطيني هو طريق حق وعدالة وغير قابل للتزييف والتحريف, ومن ثم من يصطدم به فان اقنعته سرعان ما تزول.

منذ بداية احتلال فلسطين عام 1948 غزت بلادنا مجلدات من المسميات والشعارات الكبيرة , وطغت في كثير من الاحيان تسويات وحلول ومحاولات مستميتة لتغيير الواقع او ترويضه, غير أنها باءت بالفشل.

الفلسطينيون دفعوا من لحمهم ودمهم واموالهم وبيوتهم وممتلكاتهم, ومن راحتهم, كي لا يسمحوا لهذه المسميات الكاذبة المضللة أن تمر.

في حرب فلسطين 1948 سقطت أقنعة الدول العربية التي رفعت شعار التحرير تحت لافتات غريبة وشاذة..

وفي حرب 1967 سقطت أقنعة كثيرة عن وجوه زعماء وقادة عرب أتخمونا بالكاريزما وشعارات الوحدة والوصول الى تل ابيب خلال ساعات..

وفي حرب بيروت 1982 سقطت اقنعة الذين راهنوا على السقوط الفلسطيني واندحاره أمام الدبابات الاسرائيلية وأنه جيش غير قابل للهزيمة..

وفي انتفاضة 1987 سقطت أقنعة الذين كان يرغبون في تطويع الشعب الفلسطيني وقبوله بالأمر الواقع وتسليمه بمرارة الاحتلال..

في انتفاضة عام 2000 سقط قناع الذين راهنوا على سلام كاذب وموهوم مع دولة وحشية لا تعرف سوى القتل والعدوان سبيلا..

اقرأ أيضاً: كاتب بريطاني: الهجوم على جنين سيؤدي إلى كارثة أوسع

ثم تهاوت أقنعة كثيرة , لا تعد ولا تحصى , وعلى رأسها ما يسمى بالمجتمع الدولي الذي نادى بالسلام والمساواة وحرية الشعوب ومناهضة العنصرية , وكشف عن تغليبه مصالحه على المبادئ والاخلاق وتخليه عن نصرة المظلومين..

وسقطت أقنعة الامم المتحدة , واقنعة مجلس الامن.. وأقنعة البيت الابيض ..

من كثرتها, لم نعد قادرين على احصائها , لان هذه الطريق شاقة ووعرة وممتحنة للمبادئ والمواقف ويذهب الزبد جفاء , أما ما يحمي الارض والكرامة فيمكث في الارض.

(2) جنين.. مثال آخر

الملاحم الاسطورية الفلسطينية كثيرة وتمتد بلا نهاية!

والتاريخ الفلسطيني متخم بسير البطولات والتضحيات والقتال غير المحدود.

والشعب الفلسطيني اثبت على مدى مائة عام او يزيد انه ليس قابلا للكسر او التطويع او الاحتواء.

والذين حاولوا بكل السبل ان يغيروا هذه المعادلات وصلوا الى طريق بائس مسدود.

اليوم جنين تضرب مثلا اخر, كما ضربت قبلها غزة ونابلس وكل القرى والمخيمات الفلسطينية التي تعرضت الى هجمة وحشية بربرية غير متوقفة.

تحولت جنين، الى ايقونة جديدة للصورة المشرقة للنضال الفلسطيني, ولا يعيبها ان الظلاميين يعتبرونها "أكبر مركز "للإرهاب"، تُشكِّل تهديدا خطيرا لدولة الاحتلال،

اذا كنا ارهابيين ضد الاحتلال فهذا شرف كبير لنا ووسام فخر لنا لن ننزعه عن اكتافنا.

هذه الدولة المدججة بالغباء وتكرار تجارب الفشل تستمرئ حلاوة الفشل تحت المسميات الكبيرة لمعاركها الخاسرة, وذلك من اجل تزييف الحقائق واقناع شعبها انها حققت اهدافها.

في جنين كان " البيت والحديقة" , وسبق ان كانت معركة "جز العشب" وقبلها كانت " كاسر الامواج" , وقبلها كان "السور الواقي" , وفي غزة كان لها مسميات مثل "الجرف الصامد" و " الرصاص المصبوب" وغيرها. وكلها اسماء توحي بأنها تحمل في مضمونها الخلاص من "الارهاب" الفلسطيني واستعادة صورة الردع والامن المفقود, لكن عند انقشاع غبار المعركة يصدق عليهم قول الله تعالى ( كلما أوقدوا نارا للحرب أطفأها الله)

وهكذا تنتقل دولة الاحتلال من فشل لفشل ومن تخبط لاخر.

صحيح ان جنين دفعت ثمنا كبيرا من دمائها وشهدائها وبيوتها وطرقها ومساجدها, غير أنها أبقت على صورة الشعب الفلسطيني كما هي , صورة العزة والكرامة التي لا تضاهيها أي صورة.

دولة الاحتلال التي جرت دباباتها وكتائبها وطائراتها وسيجت المخيم الصغير بكل اشكال الحصار , وحاصرت المخيم بالخوف والارهاب والرصاص والقذائف, لم تخرج الا بعدد من جثث الشهداء والجرحى, غير أنها خرجت متخمة بكل اشكال الذل والهوان والخسارة رغم المحاولات المستميتة لوضع مكياج النصر عليها!!

هذه الصورة تتكرر دوما في الصراع . لا يتغير عليها سوى رتوش بسيطة في الارقام والاعداد.

(3) جنين ليست للفرجة !!

الذين جاءوا الى جنين بعد ان ارتوت ارضها بدماء الشهداء والجرحى, وبعد ان تغيرت خارطة المخيم الجغرافية وتبدلت الكثير من المعالم, جاءوا ليتفرجوا ويلتقطوا صورا للجريمة المكررة وكي يرفعوا تقارير لحكوماتهم ثم يعودون الى بيوتهم سالمين غانمين !!

المجتمع الدولي جاء (ليتفرج) على جنين بعد أن نفذ الدم من شرايينها وارتوت الارض منه, وجالوا في المخيم يتفرجون على اثار الدمار ويلتقطون الصور.

جاءوا بعد أن نفذت الجريمة واستكمل اركانها , وبعد ان تركوا دولة الاحتلال تستبيح كل شيء دون ان يرمش لهم عين.

الغرب الذي مات ضميره منذ زمن بعيد واغلق عيونه وصم اذانه عن جرائم الاحتلال ومأساة الشعب الفلسطيني , ولم يعد يملك سوى الخطابات والتصريحات الجوفاء والتعبير عن (قلقه) من (العنف) في المنطقة !!

اما السلطة (الوطنية) التي وقفت صامتة عاجزة أمام هذه الاجتياح البربري لم تملك سوى عقد اجتماع (طارئ) دعت فيه الى نسخة مكررة من طلبات أقل ما يقال فيها انها لا تساوي الحبر الذي كتبت به.

اقرأ أيضاً: "حصري" حماس توافق على إجراء الانتخابات المحلية في غزة

ثم كانت زيارة الرئيس ابو مازن لجنين والتي جاءت بعد زمن طويل من الجرح والالم والمعاناة والاهمال كي تختصر في وضع اكليل زهور على قبور الشهداء, ثم الانصراف في الموكب الطويل الذي امتد أكثر من طول المخيم!!

معركة جنين قالت بوضوح بأن السلطة الفلسطينية لم تعد تمثل بيتا ولا حصنا ولا امانا, وما جرى فيها بعد انقشاع غبار المعركة ترجم عملا لا قولا.

أيضا , معركة جنين قالت بوضوح ان المقاومة في الضفة الغربية –عموما- تحتاج الى مزيد من الترتيب والتنظيم واتخاذ الكثير من الاجراءات الامنية والميدانية كي تكون أكثر قوة وتأثير, وأكثر حفاظا على أبطال ورموز المقاومة.

كما قالت معركة جنين ان الضفة الغربية تحتاج الى كثير من الاسناد السياسي والمعنوي كي تصمد في وجه البربرية والوحشية الاسرائيلية , وهذا يعني أن الذين يراهنون على السلام مع هذا المحتل المجرم عليهم أن يتراجعوا ويقروا بخطأهم وخطيئتهم ويحولوا دفة المواجهة مع الاحتلال باتجاه مختلف تماما.

معركة جنين ستتكرر في زمان اخر ومكان اخر, وستعود نفس الصور والمسميات والشعارات ونفس الوجوه..لكن ستضيف وردا وعطرا للذين يحملون بنادقهم ويحملون كرامتهم وشرفهم ورغبتهم الجامحة في تحرير اوطانهم, وستضيف وصمة عار للذين صمتوا وراهنوا على سقوط الابطال تحت جنازير الدبابات.

سنظل نذكر جنين ومعركتها الخالدة, كما نذكر أسماءنا.

المصدر : خاص-زوايا

مواضيع ذات صلة

atyaf logo