توهمت الانتصار.. فغاصت في وحل الهزيمة

اجتياح جنين
اجتياح جنين

ها هى إسرائيل تتخبط وتفقد السيطرة، حبل الغرور ووهم القوة يلتف حول عنقها ليخنقها، من جهة تحاول تحقيق استقرار زائف تخدع به الداخل الإسرائيلى، ومن جهة أخرى الحرب على المقاومة الفلسطينية لإخماد جذوتها وقوتها، فلم تستطع النجاح على أيهما، وما زالت تتأرجح بينهما، معتقدة أنها تحقق التوازن بين النقيضين، فلا هى حققت الانتصار المنشود، ولا هى استطاعت تدمير روح المقاومة فى الجسد الفلسطينى، فغاصت فى وحل الهزيمة، أخطأت قيادات إسرائيل، وعلى رأسها رئيس حكومتها بنيامين نتنياهو، حين اعتقد أن دوامة العنف التى ينتهجها ضد الفلسطينيين ستقضى على طموحهم فى تحقيق ما يرنو إليه بإقامة دولتهم المستقلة، وإنهاء احتلال غاشم، ورفع راية الحرية. فى كل عملية تشنها إسرائيل على الأراضى الفلسطينية سواء فى قطاع غزة أو الضفة الغربية تصدر الوهم للجمهور الإسرائيلى بأنها تحقق الانتصار تلو الآخر، وأنها تحقق بنك الأهداف المستهدفة من خلال عملياتها، وتكرر هذه الادعاءات فى كل عملية اجتياح تخوضها قوات الاحتلال ضد المدن والقرى والمخيمات الفلسطينية، غير أن الواقع له رأى آخر، فإسرائيل لم تستطع حتى اللحظة القضاء على فكرة المقاومة الفلسطينية، وفى كل مرة تشن حرباً على مدينة فلسطينية أو مخيم بهدف القضاء على المسلحين الفلسطينيين تفاجئها المقاومة الفلسطينية العنيدة بعملية عسكرية نوعية تهز استقرارها وأمنها، فلا هى جلبت الأمن للإسرائيليين، ولا هى حققت الانتصار على المقاومة، وكانت النتيجة سنوات طويلة من الكر والفر، حتى وصل الحال إلى تجييش الحكومة نفسها بوزراء أشد تطرفاً من رئيسها، أملاً فى القضاء على المقاومة الفلسطينية وإنهاء وجودها.

عندما تقلد إيتمار بن جفير منصب وزير الأمن القومى، بات يشكل تهديداً على السلم المجتمعى الإسرائيلى نفسه، فهو اليمينى العنصرى المستوطن الأكثر تطرفاً، ومنذ توليه حقيبة الداخلية، وهو يمارس الإرهاب الحقيقى ضد كل ما هو فلسطينى، فأطلق العنان لعنف المستوطنين ضد الفلسطينيين، وسمح للإسرائيليين بحمل السلاح دون قيود، ليهاجموا الخطر الفلسطينى أينما وجد! يبارك أى عملية اعتداء يقوم بها المستوطنون أو عناصر الشرطة الإسرائيلية ضد الفلسطينيين، اقتحم المسجد الأقصى أكثر من مرة يتوسطه غلاة المتطرفين فى مشاهد استفزازية لمشاعر المصلين، دائم التصريح بكل ما هو عدائى للفلسطينيين، ويدعو للعنف العلنى ضدهم، وهو جزء من واقع مؤلم يجعل توقف عمليات المقاومة أمراً مستحيلاً. تعتبر إسرائيل معقل المقاومة وتمركزها يكمن فى جنين شمال الضفة الغربية وجنوباً فى قطاع غزة، جبهتان طالما حاولت قوات الاحتلال الإسرائيلى جاهدة القضاء عليهما، مارست أقصى درجات العنف والاعتداء على كل المكون الفلسطينى، لكنها لم تفلح فى القضاء عليه، بينما تشتعل نيران المقاومة على جميع جبهات الوطن المحتل فى الضفة الغربية وقطاع غزة.

لن تهنأ إسرائيل بالأمن المنشود مهما حصنت نفسها وأقامت جدار العزل العنصرى، وحاصرت القرى والمدن الفلسطينية، وهاجمت المخيمات واعتقلت الشبان، وقتلت الشيوخ والنساء والأطفال، كل هذا لم ولن يردع المقاومة عن مواصلة طريق النضال ضد محتل همجى، يقلب الحقائق ويزور الوقائع، فالإرهاب الحقيقى نابع من إسرائيل الخارجة عن القانون والتى لا تعير له اهتماماً، فى كل مرة تكثف فيها إسرائيل هجماتها على الفلسطينيين، بهدف القضاء على مقاومتهم، يولد من رحم الدمار جيل أكثر عنفواناً وزخماً وإصراراً على الاستمرارية وحمل راية المقاومة، واستكمال الطريق الذى بدأ منذ احتلال فلسطين عام 1948. ففى خضم ما تعيشه الأراضى الفلسطينية من عدوان مستمر، وما ترتكبه قوات الاحتلال الإسرائيلى من اعتداءات وجرائم ضد الإنسانية على مر الأزمان، يسطر الفلسطينيون أروع قصص البطولة، ويجترحون سمت المآثر فى الدفاع عن بلادهم، يقارعون المحتل بالإرادة الصلبة والإيمان الراسخ، واليقين بأن أيام الاحتلال إلى زوال عاجلاً أم آجلاً، وأن إسرائيل تتآكل رغم الدعم الأمريكى والغربى الأعمى لها.

ها هى «جنين» نموذجاً للتحدى والإرادة الفولاذية التى لا تلين، لا القتل ولا الدمار ولا الاجتياح المتواصل عليها منذ أكثر من عامين هزَّ عزيمتها، أو قلل من روح المقاومة فيها، وها هى «غزة» مرت عليها 4 حروب قاسية منذ عام 2008، فقد كشفت الحروب الأربع التى شنتها إسرائيل على قطاع غزة طوال نحو عقد ونصف، ثبات إسرائيل على سياساتها الخاضعة لمنطق الاعتداء والتدمير والقتل واستهداف المدنيين وتدمير المبانى. لكن فى كل حرب تخوضها إسرائيل على غزة المحاصرة، كانت تجابَه بصمود أهلها رغم الكلفة الإنسانية والبشرية العالية. اجتياحات متكررة من حين لآخر بحجة استهداف عناصر المقاومة وقادتها، وفى كل اعتداء يخلف الخسائر المادية والبشرية الجسيمة، والأوجاع والأحزان المزمنة، لكن المقاومة ما زالت صامدة، ولم يتخلَّ الفلسطينيون عن المقاومة أو التصدى للاحتلال. لقد أثبتت التجربة أن العنف والاعتداءات الوحشية الإسرائيلية ضد الفلسطينيين لن يكون الحل، ولن تهدأ جذوة المقاومة مهما كان حجم العنف والاعتداءات الوحشية الممنهجة، فالحل الوحيد يكمن فى دحر الاحتلال، وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة، وعاصمتها القدس الشرقية.

المصدر : الوطن المصرية

مواضيع ذات صلة

atyaf logo