"السبق الصحفي" فخ إعلامي وعواقب وخيمة.. ما الحلول؟

التصوير بغزة
التصوير بغزة

تبرز من حين لآخر، خاصة في أوقات الأزمات الأمنية والسياسية والاقتصادية التي يعيشها المجتمع الفلسطيني كثيرا، ظاهرة "السبق الصحفي"، التي تسعى من خلالها بعض وسائل الإعلام الفلسطينية والنشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي إلى الانتشار، دون مراعاة ما يترافق معها من شيوع معلومات مضللة وأخبار مفبركة تضر بالمصلحة العامة.

وبينما كانتْ وفود الفصائل الفلسطينية في القاهرة في يونيو الماضي تناقلت العديد من وسائل الإعلام أخبارًا تتعلقُ بهدنةٍ طويلةِ الأمدِ، الأمر الذي نفته حركة حماس فيما بعد.

وفي الوقتِ الذي تحدث فيه المصادر عن هدنة طويلةٍ الأمد وتسهيلات اقتصادية في ظل الأوضاع المأساوية التي يعيشها الشعب الفلسطيني غزة، فلقد كان يمنّي الغزّيون أنفسهم بصدقِ تلك المصادرِ كي تنفرجَ أحوالهم الصعبة.

01.png

 

02.png

03.png

وفي الشأن الاجتماعي والاقتصادي، لم تهدأ وسائل الإعلام ومنصات التواصل عن الحديث عن دفعات ماليةٍ للفقراء فيما يعرف بـ "الشؤون الاجتماعية" قبل عيد الأضحى، الأمر الذي نفته وزارة التنمية الاجتماعية في رام الله آسفةً لتأخر الدفعة المالية.

04.png

وأصاب الإعلان عن التأخير في صرف مستحقات الشؤون الاجتماعية حالةً من الإحباط وسط الأسر الفقيرة في قطاع غزة والضفة الغربية.

05.png

هذه الأخبار والمصادر الخاصة التي تبثها وسائل الإعلام ومنصات التواصل، غيض من فيضٍ من جملةٍ من الأخبار التي تم نفيها لاحقًا، ولا سيما في القضايا الاقتصادية والعسكرية.

وتستضيفُ "زوايا" عددًا من خبراء الدعاية والإعلام للاطلاع على مفاهيم السبق الصحفي، وكيفية ممارسته من وسائل الإعلام والنشطاء الصحفيين، وما آثاره وتداعياته على الوسيلة الإعلامية من جانبٍ، وعلى الجمهور الفلسطيني من جانبٍ آخر، وكيف يمكن للاحتلال وقنواته الإعلامية استغلال هذه الظاهرة الإعلامية لخدمة أهدافه الخاصة.

منصّات التواصل وانتشار "السبق الصحفي"

من ناحيته، عرج الخبير في الدعاية حيدر المصدر على وجود مفهومين للسبق الصحفي، مفهوم يتعلق بسرعة الحصول على المعلومة ونشرها، والآخر يتعلّق بالمصادر الخاصة التي ضجّت بها المواقع الإلكترونية ومنصات التواصل في الآونة الأخيرة، وتتعلّق بأمور سياسيةٍ وأمنية واجتماعية وغيرها.

اقرأ/ي أيضا: خبير عسكري يكشف لـ "زوايا": التفاصيل العسكرية لمعركة جنين

وجاء انتشار "السبق الصحفي" على نحو كبير نتيجة لولادة "مواقع التواصل الاجتماعي"، كما بين المصدر أن العديد من تلك المعلومات تُنشر بعيدًا عن المهنية والتأني والتأكد.

وتسارعُ المواقع الإلكترونية الإعلامية الفلسطينية إلى جلبِ التكهّنات والمعلومات المتداولة وإعادة بثها عبر مواقعها الرسمية، من باب الحصول على عددٍ أكبر من القراء، ونتيجة لذلك تقع في المحظور وتنشر معلوماتٍ غير دقيقة أو مضللة، كما قال "المصدر" لـ "زوايا".

وبين أن المعضلة الكبرى تتمثّلُ في انتشار معلومات من وحي الخيال عبر منصات التواصل الاجتماعي ويتم إعادة تداولها عبر المواقع الرسمية، مؤكدًا أن ذلك يؤدي لتدمير مصداقية المواقع الإخبارية.

معلوماتٌ مبنية على الأهواء

ويسعى النّشطاءُ أحيانًا لممارسة سلوكيات إعلامية مبنية عل أهوائهم وأمانيهم تتعلّق بالحالة الاقتصادية والعسكرية والاجتماعية مثل التهدئة والجرائم والمساعدات، كما أوضح "المصدر" في شرح الحالة المحيطة بهذه الظاهرة.

وتتحوّل عملية النشر لـ "السبق الصحفي" من عمليةٍ غير مقصودة إلى عمليةٍ دعائية مقصودة، بحسب "المصدر" الذي أكد أن نفي تلك الأخبار لاحقًا ولا سيما المتعلقة بالمساعدات والمنح تسبب إحباطًا وخيبة أمل لدى الجمهور الفلسطيني، الذي كان يمنّي النفس بمصداقية المعلومات وينتظرها بشغف، في ظل الظروف المعيشية الصعبة التي يعيشها.

وأكّد أن المعلومات المضللة نتيجة لـ "السبق الصحفي" تفقد الوسيلة الإعلامية مصداقيتها بعد فترةٍ من الزمنِ.

انعدام الضبط الإعلامي

وحول الضبط الإعلامي، أرجع "المصدر" حالة العشوائية في نشر المعلومات دون تحقق إلى "عدم وجود مستوى مركزي وأو جهة داخل الأراضي الفلسطيني تراقبُ الإعلام وتأثيراته على المواطن الفلسطيني، وبالتالي تستطيع أن تحكم حالة المراهقة الإعلامية والعمل الإعلامي غير الاحترافي".

وأما بشأن المصادر الخاصة التي تنشرها المواقع والمنصات الإخبارية، بينّ أن هناك مواقع إخبارية تملك بالفعل مصادر خاصة ونقلت عنها، في المقابل هناك حالة واسعة من تداول المعلومات وإعادة صياغتها تحت بند "مصادر خاصة" دون وجودها فعليا.

تضليل ودعاية سلبية

وأشار أن تكرار "المصادر الخاصة" حول الموضوع ذاته يفقد المعلومات أهميتها، وأن عدم وجود مصدر فعلي لدى المواقع الإلكترونية جزءٌ من الدعاية والتضليل السلبي على الجمهور، مبينًا أنها بحاجةٍ لمتابعة قضائيةٍ لمنع الفوضى والتلاعب بالجمهور لما له من تداعيات سلبية.

ويكمل الخبير في الدعاية بالقول: "عجزت المواقع الإخبارية المهنية عن حجز مكان لها وسط المراهقة الإعلامية التي تمارسها المواقع الأخرى"، لافتًا إلى أن بعض المواقع المهنية اتجهت لـ "المصادر الخاصة" دون وجود مصدر فعلي من أجل الحصول على عددٍ أكبر من القراء والقدرة على المنافسة.

استغلال الاحتلال لـ "السبق الصحفي"

ونوّه أن العديد من الإعلاميين والقائمين بالاتصال ينظرون إلى عدد القراءات كمعيار لنجاح مواقعهم ومنصاتهم، في حين يبين أن المعلومات الحقيقية وصناعة رأي عام والتأثير في الجمهور هو المعيار والمقياس الحقيقي للمهنية والنّجاح في الإعلام.

وحول خطورة تداعيات "السبق الصحفي" غير المسؤول، شدّد المصدر على أن الاحتلال لم يكن في حالةٍ إعلامية مريحة مثل السنوات الثلاث الماضية، فهو لا يحتاج لماكينة إعلامية سوى أن ينشر معلومات مشكوك فيها، ثم يتناقلها الإعلاميون الفلسطينيون ويمررونها للجمهور الفلسطيني عبر وسائل إعلامية فلسطينية بحتة.

بلبلة إعلامية وعدم اكتراث بالأخطاءِ

من جانبه، قال أستاذ الصحافة المكتوبة والإلكترونية في جامعة النّجاح فريد أبو ضهير، إن السبق الصحفي في الوسائل الإعلامية الفلسطينية لم يهدأ منذ سنواتٍ طويلةٍ، وهناك حالة من عدم الاكتراث بالأخطاء التي تقع نتيجة السرعة في نشر المعلومات.

وأشار خلال حديثه لـ "زوايا" إلى أنّ العديد من الأخطاء وقعت في حوادث مهمة كاستشهاد شهداء أو تتعلق بالاقتحامات الإسرائيلية، ما يحدث بلبلة وإرباكاً لدى الأهالي والجمهور، ويبث حالةً من الخوفِ والتلاعب بمشاعرهم نتيجة لـ "السبق الصحفي"

ورأى أن أهمية المعلومات تكمنُ فيما "وراء الخبر" وليس الخبر نفسه، وأن تصبح المعلومات أكثر عمقًا وتحليلًا وتفسيرًا، وأن تقدّم معلومات شافية وكافية للجمهور بكل مصداقية ومهنية.

وفي السياقِ ذاته، دعا أستاذ الإعلام في الجامعة الإسلامية طلعت عيسى الصحفيين الفلسطينيين لاستقاء المعلومات من المصادر الرسمية، وعدم الانسياق خلف "السبق الصحفي" دون التأكد من المعلوماتِ.

ورأى خلال حديثه لـ "زوايا" أنه من الأفضل أن يخسر الصحفي والوسيلة الإعلامية "السبق الصحفي"، على أن يخسر المهنية والدقة والمصداقية، داعيًا إلى الالتزام بمواثق الشرف والقسم الصحفي.

وأوصى الصحفيين الفلسطينيين بضرورة التأكد من الأخبار من المصادر الصحفية ومن أكثر من مصدر قبل عملية النشر، وإن كانت المعلومات مثلًا تعودُ لتصريحات عبر فيديو مصور العودة إلى الفيديو ونقل المعلومات كاملة دون اجتزاء حسب الأهواء.

المراقبة والرصد والإجراءات القانونية حولَ "السبق الصحفي"

من جانبه أكّد رئيس المكتب الإعلامي الحكومي بغزة سلامة معروف، أنّ السبق الصحفي وما يتبعه من عدم موثوقية الأخبار يشغل بالهم منذ سنواتٍ عديدةٍ.

وحول الإجراءات المتبعة لكبح جماحه، أشار أنّ أولى مراتب الحد من "السبق الصحفي" وتبعاته، هي التوعية والتثقيف من خلال حملاتٍ تغريدٍ عبر منصات الاجتماعي حملت اسم "انشرها صح"، تهدفُ لنشر محددات العمل الصحفي ولا سيما خلال الأزمات والحروب.

ونشرت المنصات التابعة للإعلام الحكومي في غزة كيفية التعامل ونشر الأخبار وحول أخلاقيات المهنة الصحفية ومجموعة من القواعد التي يجب أن تلتزم بها وسائل الإعلام ونشطاء التواصل الاجتماعي، بحسب ما يقول "معروف" لـ "زوايا".

اقرأ/ي أيضا: "سعدات" يتوقع تفاقم الأزمة الإسرائيلية ويدعو الفلسطينيين للتحرك

وبشأن ثاني الخطوات الحكومية للحدّ من عشوائية النشر تحت ما يسمى "السبق الصحفي" فيبين "معروف" بأن المكتب الإعلامي الحكومي يرصدُ ويتابع كل ما ينشر عبر منصات الاجتماعي بشكلٍ خاطئٍ وعلى نحوٍ يخالف معايير النشر الصحيح، معتبرًا أن الشخص أو الوسيلة الناشرة هم الذين يتحملون المسؤولية عما ينشروه.

ونوّه بناءً على الخطوة الثانية، فإن المكتب يطالبُ الناشر بحذف "السبق الصحفي" حال مخالفته للمعايير الصحفية الصحيح، إلا أنه في حال عدم الانصياع فيتم التحول للخطوة الثالثة وهي المتابعة القانونية من خلال النيابة العامة وفق الأصول القانونية الصحيحة.

وأوضح أن اللجوء للإجراءات القانونية يأتي عقب استيفاء التوعية والتنبيه بشكل واضحٍ إلى خطوةِ السبق الصحفي في قضية ما، حيث تُحال القضية من خلال الرصد للنيابة العامة لاستكمال الإجراءات حسب القوانين الفلسطينية التي تنظم عملية النشر.

ولفت أنّ عمليات التوعية الإعلامية تتم بالشراكة مع مؤسسات أخرى، داعيًا النشطاء ووسائل الإعلام إلى الالتزام بقوانين النشر الصحيحة وتغليب المصداقية على أي اعتبار آخر مثل "السبق الصحفي".

وفي ظلِّ انتشار "السبق الصحفي" بطريقةٍ كثيفةٍ عبر وسائل الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي، تتعالى الأصوات المختصة للتأني في النشرِ وتغليب المصداقية والمهنية على السرعةِ من أجل حصد القراءات العالية، ولا سيما أوقات الأزمات والحروب التي لا يكاد يوم وإلا وتشهد الأراضي الفلسطينية أحداثًا بفعل الاحتلال والانقسام والأزمات الاقتصادية.

المصدر : خاص-زوايا

مواضيع ذات صلة

atyaf logo