وسط صمت رسمي

تقرير جدل حول سفر الغزيين عبر "رامون "

مطار رامون
مطار رامون

لم تتضح الصورة النهائية حول ما أُثير من أنباء غير مسبوقة عن قرب إطلاق رحلات جوية خاصة بسكان قطاع غزة، عبر مطار "رامون" الإسرائيلي. وبالرغم من ذلك، فقد أصدرت شركات سياحة فلسطينية إعلانات بعزمها إطلاق رحلات جوية من خلال هذا المطار بداية يوليو/تموز القادم 2023.

وتبقى التسريبات والمعلومات المتعلقة بسفر الغزيين عبر مطار رامون "غير دقيقة" ما لم تصدر عن الجهات الرسمية سواء الإسرائيلية أو الفلسطينية"، فحتى كتاب التقرير لم يصدر إعلان رسمي من الجانب الإسرائيلي، كما لم يتضح موقف حركة حماس التي تدير قطاع غزة من هذا الطرح، والتي لا تزال تحجم عن الإدلاء بأي تصريح بالخصوص، ويخيم على موقفها ما يوصف بـ"صمت القبور".

لكن بعض الفصائل الفلسطينية في اليسار مثل الجهتين الديمقراطية والشعبية، عبرتا عن موقفيهما الرافض للفكرة مطلقا، ودعت الأخيرة جماهير الشعب الفلسطيني إلى "رفض السفر عبر مطار رامون الصهيوني، باعتباره تكريساً لوقائع يفرضها الاحتلال ضمن مخططات الضم والإلحاق والتبعية"، مطالبة الأشقاء المصريين والأردنيين "ببذل المزيد من الجهود من أجل تخفيف معاناة الفلسطينيين في السفر عبر معبري رفح والكرامة".

اقرأ/ي أيضاً: صحيفة إماراتية: "نتنياهو" يريد سلطة تعمل وكيلا أمنيا لإسرائيل

ومن الجدير ذكره إلى أن رحلات الطيران بدأت من "رامون" في عام 2019، وهو ثاني أكبر المطارات الإسرائيلية بعد "اللد" (بن غوريون)، وقد بدأ التوجه إلى بنائه بعد عدوان 2014، حينما خلصت لجنة أمنية إلى أن "بن غوريون" ساقط أمنياً بعد توقف عمله عقب قصف المقاومة له، إلا أن المشروع لم يجد إقبالا ما أدى إلى فشله اقتصادياً حتى اللحظة.

 صمت إسرائيلي "رسمي"

"زوايا" تابع ورصد جملة من الأنباء المتداولة والنقاشات المؤيدة والمعارضة لخطوة سفر الفلسطينيين عبر "رامون"، محاولا الوقوف على آراء ومواقف الأطراف المعنية الرسمية منها والشعبية، وكذلك استقراء المردود والمحاذير من وجهة نظر المتابعين والمحللين في حال تمت الخطوة.

تفاعلت قضية مطار" رامون" بعد إعلان وسائل إعلام عبرية عن موافقة (إسرائيل) على تسيير رحلتين تجريبيتين لسكان قطاع غزة عبر مطار "رامون"، وأنه يشترط للأشخاص الراغبين في السفر الحصول على تصريح أمني إسرائيلي، وأنهم سيغادرون غزة عبر معبر بيت حانون (إيرز)، بواسطة سيارة خاصة لن تتوقف إلا في مطار "رامون".

وكما الصمت الفلسطيني، فقد ساد صمت إسرائيلي رسمي، إلا من مهاجمة القرار من قبل النائب في الكنيست عن حزب "قوة يهودية" آلموغ كوهين، قائلاً: "وضع يتمتع فيه سكان غزة برحلات جوية منخفضة التكلفة عبر دولة إسرائيل، بينما لا يزال الأولاد (الأسرى الإسرائيليون المحتجزون في غزة منذ عام 2014) لدى حماس، هو وضع غير منطقي وغير أخلاقي، نحن لا نتخلى عن الجرحى في الميدان".

وكانت سلطات الاحتلال الإسرائيلي، أطلقت برنامجاً تجريبياً لسفر الفلسطينيين من الضفة الغربية عبر مطار رامون إلى أوروبا، إثر ضغوط أميركية بهذا الشأن، وأول رحلة نظمت إلى لارنكا القبرصية في 22 آب/ أغسطس 2022، وقد ساد حينها جدل ونقاشات كما هو الحال الآن فيما يخص غزة.

إقبال على التسجيل

وأعقب إعلان الإعلام العبري عن البدء بسفر الغزيين عبر رامون، إصدار شركات سياحة فلسطينية إعلانات تفيد إطلاق رحلات جوية من خلال هذا المطار بداية يوليو/تموز القادم 2023.

وجاء في إعلان بعض تلك الشركات "بدء الرحلات كل يوم أربعاء ابتداءً من 5 يوليو من مطار رامون الى مطار انطاليا (تركيا)، بحيث يكون السفر لمن تزيد أعمارهم عن 35 سنه ذكور أو إناث، بتكلفة الفرد 600$، ويشمل البرنامج الانتقالات من معبر ايرز الى مطار رامون والعكس، وحجز تذاكر الطيران ذهاب وعودة وإصدار التصريح، ذلك كله بالطبع بعد الحصول على موافقة أمنية إسرائيلية".

001.jpeg

003.jpeg

 

002.jpeg

ردود أفعال رسمية وشعبية

ورغم مسارعة عشرات الغريين للتسجيل لدى الشركات السياحة لاغتنام فرصة السفر عبر مطار رامون، فقد انقسم المزاج الشعبي للمواطنين وتباينت الآراء حوله، خاصة على مواقع التواصل الاجتماعي. فمنهم من يرى أنها فرصة ثمينة للانفتاح على العالم والتنقل بسرعة، وخاصة ممن مُنعوا أو عانوا لسنوات من صعوبة السفر عبر معبر رفح الفاصل بين قطاع غزة ومصر.

وقسم آخر من المواطنين عبر عن المحاذير الأمنية للسفر من خلال الاحتلال الإسرائيلي، وانتقدوا ما اعتبروها "جزءاً من التفاهمات والتنسيق المبطن بين الاحتلال وحماس، بعد أن كانت الأخيرة رفضتها بشدة في الضفة". وعلق أحد المواطنين على إحدى مجموعات الواتس آب قائلاً " رامون حرام على الضفة حلال لغزة!؟".

004.jpeg

 

005.jpeg

 

006.jpeg

007.jpeg


009.jpeg
008.jpeg
وحيال كل ما سبق من تسريبات وردود أفعال شعبية وفصائلية، التزمت حركة حماس ولجنتها الإدارية الحكومية في قطاع غزة الصمت التام، ولم يعقب أي من قياداتها بالسلب أو الإيجاب. في حين لم ينكر مصدر قيادي في حركة حماس خلال حديث مقتضب لـ"زوايا" بأن الوساطة القطرية والمصرية أبلغتهم بوعودات إسرائيلية بإجراء تسهيلات لقطاع غزة، مشيراً إلى أن حركته لم تتلق تفصيلات حول طبيعة هذه التسهيلات، لا سيما فيما يتعلق بسفر سكان القطاع عبر "رامون".

وأضاف المصدر "نحن مع أي خطوة تخفف عن شعبنا الحصار، وعيننا على الشقيقة مصر أكثر من أي مكان آخر"، حسب تعبيره.

وكما رفضته في الضفة، جددت الحكومة الفلسطينية في رام الله رفضها فكرة السفر من غزة عبر مطار رامون. وفي هذا الصدد، قال موسى رحال، الناطق باسم وزارة النقل والمواصلات في الحكومة الفلسطينية، في تصريحات صحفية، إن الوزارة ترفض سفر الفلسطينيين عبر هذا المطار، وتحثهم على عدم استخدامه.

أما طلال أبو ظريفة عضو المكتب السياسي للجبهة الديمقراطية، فقد أكد رفضهم لهذه الخطوة، ودعا الجميع إلى اتخاذ موقف جاد لوقفها وخاصة حركة حماس، مشيراً إلى ما تحمله هذه الخطوة من مخاطر على حقوق الشعب الفلسطيني.

وذكر أبو ظريفة لـ"زوايا" أن السفر عبر رامون ما هي إلا خطوة على طريق تمرير الحل الاقتصادي، استغلالاً للواقع الإنساني والحياتي مع أهميته لأبناء شعبنا الفلسطيني، لكن لا يمكن أن نسمح لأنفسنا بالتعاطي مع هكذا مشاريع تقطع الطريق على إمكانية استقلال شعبنا.

وأشار إلى أن من دمر مطار غزة الدولي لا يملك أدنى مقومات الإنسانية، ويقوم باستغلال حالة المواطنين بمزاعم السماح لهم بالسفر عبر مطار رامون، مكرراً "هذه الخطوة خطرة وندعو إلى عدم التعاطي معها، ونطالب كل المؤسسات سواء الوطنية أو السياحية إلى غلق الطريق أمام مشاريع الاحتلال التصفوية للحقوق الوطنية لشعبنا الفلسطيني".

ويرى أبو ظريفة أن مضاعفة التسهيلات المصرية الحاصلة في الفترة الحالية خطوة ضرورية ومهمة جداً، لقطع الطريق على المزاعم الإسرائيلية بإجراء تسهيلات لغزة، مطالباً بالمزيد من هذه التسهيلات على حركة سفر المواطنين، إضافة إلى التسهيلات الاقتصادية التي من شأنها أن تساهم إلى حد كبير بتحسين الأوضاع المعيشية لسكان القطاع.

بالونات اختبار

ومن الناحية التحليلية، فقد اعتبر الكاتب والمحلل السياسي حسام الدجني، أن الحديث عن السفر عبر "رامون" مجرد بالونات اختبار، حيث لم يصدر مواقف رسمية سواء من (إسرائيل) أو حركة حماس أو السلطة الفلسطينية أو حتى من الأطراف الوسطاء.

اقرأ/ي أيضاً: لماذا وافقت "إسرائيل" على تطوير "غاز غزة"؟

لكن الدجني ذكر لـ"زوايا" إن منطق التفكير في هذه المسألة يجب أن يستند إلى ركائز أساسية على رأسها مصلحة المواطن الفلسطيني، فإن كان في مطار رامون ما يمكن أن يخفف عن كاهل المواطنين الفلسطينيين، فإنه يجب دراسة القرار بما يخدم توجهاتنا الفلسطينية ومصالح شعبنا ويعزز من صمودهم.

وقال الدجني: "ما نؤمن به أن ما يسمى "رامون" هو على أرض فلسطينية، وأن الاحتلال هو الذي استولى عليها وهو المسؤول عن حياة الشعب الفلسطيني الذي يقع تحت الاحتلال، ولا سيما أن هناك انسداد في الأفق السياسي، و(إسرائيل) انقلبت على اتفاق أوسلو وهي أيضاً ترفض بناء أو تشغيل مطار وميناء في قطاع غزة".

وأضاف "الأصل في ترتيب الأولويات الفلسطينية أن ينطلق في أن يكون المطار على الأرض الفلسطينية سواء في الضفة أو غزة، وأن تكون السيادة الفلسطينية كاملة عليه(..) هذا ما يتمناه المواطن الفلسطيني إلى أن يتم مشروع التحرير".

ويرى الدجني أن الأولى من مطار "رامون" أن يكون هناك ممر آمن لكل الفلسطينيين، حيث يمكن لغزة أن ترتبط بمطار العريش المصري بطريقة تتفق عليها السلطة الحاكمة في غزة مع السلطات المصرية، مؤكداً أن هذا الارتباط يمكن أن يحقق مصلحة للطرفين اقتصادية وغيرها.

واستدرك: "إذا كان ذلك متعذراً، فلا بأس أن يتوصلوا عبر الوسطاء إلى أفضل الطرق والوسائل التي بموجبها يتم السماح لأكبر عدد ممكن من الفلسطينيين السفر عبر رامون، دون أن يكون هناك استجوابات واعتقالات وغير ذلك"، حسب تعبيره.

أما الكاتب والمحلل في الشأن الاقتصادي محمد نصار، فقد عبر عن اعتقاده بأن السفر من خلال "رامون" يشبه تماماً عمالة قطاع غزة في الداخل المحتل أو سفر المرضى عبر معبر "ايرز" أو التجارة عبر ومع (إسرائيل)، متوقعاً أن الفصائل ستكون مع أي تسهيلات تقدم لأهل غزة من أي طرف، مع أهمية وضرورة التأكيد على العلاقات الفلسطينية عبر أو باتجاه الدول العربية.

وأوضح نصار في حديث لـ"زوايا" أن مطار رامون يعكس تداعيات سلبية على العلاقات الفلسطينية الأردنية، وكذلك الفلسطينية المصرية من جهة أخرى في حال تم تشغيل المطار لسكان قطاع غزة، كما ستكون الخسائر الاقتصادية الأكبر على جانب قطاع السياحة والنقل الأردني وحركة المسافرين على جسر الملك حسين، ولعل ذلك سيكون بنسبة أقل على الجانب المصري، كما ستعزز هذه الخطوة التبعية الفلسطينية لـ(إسرائيل) على حساب العمق العربي.

ويرى نصار أن ردود الأفعال من السلطة في الضفة وغزة وكذلك الفصائل دون مستوى الحدث حتى الآن، منبهاً إلى أن (إسرائيل) مع الوقت تربط المواطن في قطاع غزة بالمنسق بعيداً عن السلطة الفلسطينية أو الحكومة في غزة، وبالتالي سيشعر المواطن بأن هذه السلطات تمثل عبئاً، لأنه عاجزة عن تقديم شيء له.

واعتبر نصار أن قبول معظم المواطنين الفلسطينيين السفر من خلال مطار رامون يرتبط بسهولة الوصول واستثمار الوقت، إضافة إلى الحديث عن أسعار تذاكر طيران منخفضة، فالوقت المطلوب للوصول بين الضفة أو غزة لرامون يمكن أن يصل لثلاث ساعات دون الحاجة إلى دفع رسوم تنسيق أو رسوم خدمات الـVIP كما هو الحال في السفر عبر مصر والأردن.

وقال نصار: "الفلسطينيون بحاجة إلى العودة للحياة، والحصول على حرية الحركة دون قيد أو شرط، ويفضلون أن تكون مصر والأردن بوابتهم للعالم الخارجي، ولكنهم بحاجة إلى مزيد من التسهيلات في حركتهم وسفرهم"، حسب تعبيره.

المصدر : خاص-زوايا

مواضيع ذات صلة

atyaf logo