في زيارة لقصر العدل وسنتر المؤن

قصر العدل بغزة
قصر العدل بغزة

كنت قبل أيام في زيادة لمجمع المحاكم في قطاع غزة وصعقت من العدد المهول المتواجد داخل حرم المكان، مئات الأشخاص الذين جاؤوا لمراجعة قضاياهم والبث فيها، حتى إنني اضطررت لأن أقف في طابور طويل من أمام أحد المكاتب التي تنجز الأوراق المكتوبة لتقديمها إلى القاضي، هذا المنظر ذكرني بالعدد الكبير الذي ما زال يواظب على الحضور في مستودعات وكالة لغوث التي تصرف المساعدات الغذائية (المؤن) كما نسميه نحن معشر اللاجئين.

لا يمكنني أن أعطي نسبة عن حجم الجرائم في قطاع غزة، خاصة الجرائم الاجتماعية التي تمس الواقع اليومي للناس بسبب عدم وجود إحصائيات رسمية وربما غير رسمية عنها، لكنني أستطيع أن أعطي نسبة عن معدل الفقر في قطاع غزة والتي تعدت 81% حسب وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين، هذه النسبة المخيفة تضع الإجابات على كل التساؤلات التي قد نثيرها حول الجريمة في القطاع. فالفقر هو السبب الأساسي لتصاعد نسبة العنف في أي مجتمع فما بالك بمجتمع محاصر اقتصاديًا وثقافيًا، فتصبح المشكلة أكثر تعقيدًا من ناحية الحلول ووضع الخطط التي تسعى للمعاجلة الآنية.

اقرأ أيضاً: هذا ما يحصل مع عمال غزة في المعبر وداخل إسرائيل

حركة حماس بحكومتها التي تدير وتسيطر على شؤون القطاع من جميع النواحي تعلم حجم الجريمة، وتعرف من التفاصيل ما قد يدفعها لعدم البوح بها كي لا تحدث الصدمة في الشارع الغزة، لكنها في المقابل لا تعرف كيف يمكن أن تساعد في حلها، أقول لا تعرف لأنها في الحقيقة في ورطة كبيرة على الصعيد السياسي والاقتصادي وحتى الفكري، فحالة السيطرة تستدعي القدرة على توفير العمل ومتطلبات الحياة اليومية، وهنا لا يمكن لنا الحديث عن رفاهية الحكم بدون التكفل بالمحكومين، وهذا حدث لسنوات عديدة سابقة لكنه اليوم لا يمكن الاستمرار فيه، وأظن أن حركة حماس قد وصلت إلى نتيجة مفادها أن استمرار هذا الوضع الترقيعي لم يعد ناجح بل سوف ينقلب إلى عكسه تمامًا، فالفوضى الاجتماعية تبدأ من تدهور الوضع الاقتصادي وازدياد نسبة الفقر إلى أن نصل إلى الجريمة التي لا يمكن للقوة أن تسيطر عليها مهما بلغت ففي النهاية المواطن له مطالب حياتية يومية، وبدونها لا يمكن حكمه، هذه نظرية ألف باء في السياسة ومنطق السلطة، إذا أردت أن تحكم شعب عليك أن تطعمه وهذا أضعف الإيمان.

إن قطاع غزة بخارطته الصغيرة وانعدام الموارد الطبيعية فيه، لا يستطيع أن يعيل نفيه ولا أن يشكل حاضنة اقتصادية حقيقة تعمل على النمو الطبيعي للحالة الوطنية والإنسانية، وهنا لابد من البدء فورًا بخطة حقيقة لخلق فرص عمل لعشرا آلاف الأيدي العالمة المتعطلة عن العمل، سواء في الضفة الغربية أو داخل الأراضي المحتلة، وتشجيع الاقتصادي المحلي ليعمل بشكل متوازي مع الحكومة ليشكل رافعة مهمة للاقتصاد المحلي، أعلم أن هذا الأمر يتطلب تسويات وتفاهمات سياسية مع الاحتلال وربما يدفع بتنازلات على صعيد حركة حماس، لكن السؤال الكبير: ماذا أمام حركة حماس غير هذا الطريق؟!

الجواب هو أن أمامها طريق يحفظ لها ما تبقى من قبول شعبي على الصعيد الكفاحي، فلا أحد ينكر أن حركة حماس فقدت الكثير من شعبيتها ومصداقيتها أمام الجمهور الفلسطيني في قطاع غزة بسبب الأوضاع المعيشية بالإضافة إلى كلفة المواجه غير المدروسة مع الاحتلال التي كلفتنا آلاف الضحايا والخسائر الاقتصادية، أنا هنا لا أناقش مبادئ بقدر ما أتحدث عن نتائج، فكل شيء محكوم بنتائجه لأننا سوف نعيشها أمر واقع.

اقرأ أيضاً: ما حقيقة "صواريخ الضفة" وتأثيرها على الاحتلال؟

الطريق الآمن الذي تحدثت عنه هو أن تقوم حركة حماس بتقديم تلك التنازلات في إطار التفاهم على استراتيجية وطنية جامعة مع السلطة في رام الله، خاصة مع الحديث عن إقامة هدنة طويلة الأمد بين الفصائل وإسرائيل في قطاع غزة، وبهذا قد نستطيع ترميم التصدع الكبير الذي أصاب المجتمع الذي هو أساس أي نظام سياسي يسعى إلى الاستقلال.

قد يرفض البعض هذا المقترح ويعيبون عليه بأن السلطة في رام الله ليست بهذا الحال الأفضل من أجل تقديم التنازلات إليها، وربما في هذا الرفض الكثير من الحقيقة لكن الخطيئة الأكبر هي أن نقدم هذه التنازلات لإسرائيل التي تضغط للحصول عليها من أجل تأبيد حالة الانقسام وتفتيت الحلم والبناء على الوهم والذهاب دون رجعة المجهول بالنسبة لنا والمعلوم بالنسبة للاحتلال، فهو صاحب الخِطة ونحن أصحاب المثل القائل: عيشني اليوم وموتني بُكرة.

المصدر : خاص-زوايا

مواضيع ذات صلة

atyaf logo