في ذكرى النكبة الفلسطينية ..تتغير الرواية وتسقط الاقنعة ويكتب التاريخ من جديد.

شبان يرفعون علم فلسطين
شبان يرفعون علم فلسطين

(1) نكبة ونكبات

ها قد مرت 75 عانا على نكبة الفلسطينيين وفقداهم أرضهم وبلادهم, كما فقدوا أمنهم وسلامهم واستقرارهم, لكنهم لم يفقدوا الامل في مستقبلهم.

هذه النكبة التي تحمل في طياتها مخزونا كبيرا من الالم والمعاناة التي لا حدود , وطالت كل شيء حتى في أدق تفاصيل حياة الفلسطينيين.

انها نكبة حملت في داخلها مئات النكبات, والالاف من المحطات الوحشية والدموية التي عكست همجية الاحتلال ورغبته الجامحة في محو كل شيء له علاقة بفلسطين, التاريخ والهوية والحضارة.

النكبة شكلت أكبر عملية تطهير عرقي شهدها القرن العشرين, اذ انها تسببت في تهجير وتشريد قسري لنحو 800 ألف فلسطيني، من أصل نحو مليون و400 ألف، إلى الضفة الغربية وقطاع غزة والدول العربية المجاورة".

ونتيجة ذلك الحدث المروع أقيمت "إسرائيل" على أكثر من 85 % من مساحة فلسطين التاريخية البالغة قرابة 27 ألف كيلومتر مربع، وجرى تدمير 531 من أصل 774 قرية ومدينة فلسطينية.

اقرأ أيضاً: "وحدة الساحات" شعارات وحسابات سياسية فاقت الأمنيات

هذه النكبة ملخص لتاريخ طويل وصعب وشائك ومطعم بكل انواع العذاب والهجرة واللجوء والحرمان والاضطهاد , لشعب لم يذق من حينها طعم الراحة ولا الامن , وما عرف خلال هذه السبعة العقود سوى الالم والقتل والاغتيال وهدم البيوت ومصادرة الاراضي , الى قاموس طويل ممتد مع امتداد الزمان.

مما يحزن ان العالم الذي بنى قواعده الجديدة على الحرية والديمقراطية واحترام حقوق الانسان لم يبال بمعاناة الفلسطينيين ولم يمنحهم سوى البيانات الفارغة والوعود الكاذبة , بل ذهب الى ابعد من ذلك حين أغمض عيونه عن جرائم الاحتلال وبشاعته وألزم نفسه بتوفير الامن له والحفاظ عليه من كابوس "الارهاب".!!

في المقابل تحمل النكبة سيرة عظيمة ونبيلة من تاريخ الشعب الفلسطيني وتسجيله اسطورة الصمود والكفاح والمقاومة والفداء... سيرة حملت في ثناياها عشرات الالاف من الشهداء والجرحى والاسرى, فضلا عما فقده من ديار وممتلكات وأموال.

هذه النكبة لا تزال تعكس الى يومنا هذا الصراع المحتدم والشرس بين شعب يؤمن بحقه ويتشبث به ويدافع عنه بلحمه واسنانه وبين محتل عات طاغ, لا يعرف للانسانية معنى ولا للحضارة مفهوما.

(2) النكبة في ارقام

كثيرة هي الارقام التي ترسم النكبة على جدار بيت في مخيم او شارع في جنين ونابلس وخانيونس , أو في مواطن الشتات واللجوء .

وفق الكثير من مراكز الدراسات والاحصاءات فإن "النكبة شردت قسرا وبالقوة" نحو 800 ألف فلسطيني، من أصل نحو مليون و400 ألف، إلى الضفة الغربية وقطاع غزة والدول العربية المجاورة. ونفذت العصابات الصهيونية أكثر من 70 مجزرة بحق الفلسطينيين، ليقدر عدد ضحاياها من الفلسطينيين بنحو 15 ألفا، وقرابة 3500 ألف عربي، إضافة إلى تشريد قرابة 200 ألف فلسطيني. وعلى هذا الاساس أقيمت الدولة العبرية على أكثر من 85 % من مساحة فلسطين التاريخية البالغة قرابة 27 ألف كيلومتر مربع، وجرى تدمير 531 من أصل 774 قرية ومدينة فلسطينية.

لهذا فان أسباب قيام هذه الدولة هو قيام مناقض لكل قواعد واسس قيام الدول التي تسعى الى تحقيق هويتها وبناء حضارتها وتعزيز وأن تكون جزءا من هذا العالم لتشكل اضافة الى حضارته وقيمه.

اسرائيل قامت على جماجم ودماء ومجازر, وأنشأت اعمدتها من دموع والالام الفلسطينيين , وبنيت أسواها مبانيها من لحوم الضحايا, وقامت مدنها على تلال من اراضي مغتصبة وبيوت مسلوبة.

ان دولة الاحتلال لم تضف الى هذا العالم سوى الكراهية والعدوان والتوتر والحروب, بل وغرست فيه الكثير من الروايات المضللة والكاذبة بأنه ضحية وانهم يعيشون وسط شعوب عدائية تهدد بإلقائها في البحر .

خلال مسيرتها الطويلة لم تنحرف عن نهجها وطريقها الملوث بالخطايا والاثام.

اقرأ أيضاً: "معركة غزة": ما حقيقة "محور المقاومة" ووحدة الساحات؟

فقد تعرض قرابة مليون فلسطيني للاعتقال، يضاف إليهم نحو 500 أسير عربي.

خلال النكبة وفي الصراع المستمر منذ عام 1948 فقد ما يزيد عن مائة ألف فلسطيني حياتهم، بينهم 11 ألفا و358 منذ انطلاق انتفاضة الأقصى (سبتمبر 2000) وحتى 30 أبريل/نيسان 2022.

ومع كل هذه الهجمات والمجازر والاهوال التي ذاقها الفلسطينيون على ايدي المحتلين , الا انهم واصلوا تكاثرهم ونثر نسلهم في الوطن وخارجه , وبلغ عدد الفلسطينيين في أنحاء العالم 14 مليونا نهاية 2021، وهو ما يعني تضاعف عدد الفلسطينيين نحو 10 مرات منذ 1948.

(3) سقوط الاوهام والخرافات

اليوم, وبعد 75 عاما , بدت الصورة واضحة لا لبس فيها وسقطت فيها الكثير من الاقنعة واندثرت فيها الكثير من المسميات الكاذبة والشعارات الجوفاء والاماني المضللة.

سقطت خرافة ان هذا الكيان الاحتلال الاستعماري جاء لينقذ اليهود من الكارثة التي حلت بهم وليبني لهم وطن الحليب والعسل , ينعمون فيه بكل انواع الرفاهية والسعادة, واذا بهم أمام واقع مختلف تماما, من حيث استمرار الصراع وغياب السلام والاستقرار وسقوط الاف الضحايا وتجذر مفاهيم الكراهية والعداء...

وكشف مركز "إسرائيلي" متخصص باستطلاعات الرأي أن ثلث الإسرائيليين يفكرون بالهجرة وترك دولة الاحتلال وأنه ليس لديهم انتماء قوي لها وأنهم يعانون مشكلة بالشعور بالهوية ، والاحساس بالخوف من المستقبل, وذكرت مراكز اخرى ان هناك ازديادا كبيرا في الحصول على جنسيات أخرى.

في نفس الوقت تعزز الشرخ الداخلي وتفسخ المجتمع الاسرائيلي ما بين علمانيين ومتدينين , وما بين يسار ويمين , وما بين اعراق مختلفة , ولم تستطع دولة الاحتلال- رغم ما قامت به من جهود ضخمة- أن تصهر اليهود الذي أحضروا من مختلف بقاع وشعوب وقوميات العالم في مجتمع واحد ومتماسك، لدرجة انهم باتوا يصرحون أن الخطر الاعظم الذي يواجهون هو التفسخ الداخلي وغياب الروابط القوية داخل المجتمع.

سقطت خرافة التعايش مع هذا الكيان وأنه يرغب في العيش بسلام مع جيرانه, لانه بحقيقته العدوانية المجرمة سجل تاريخا مشينا من ارتكاب المجازر والقتل في مصر وسوريا ولبنان وقصف العراق وايران والسودان , ونفذ عمليات اغتيال واسعة في كل من تونس والامارات وماليزيا وعدد من الدول العربية والاوربية...

سقطت مقولة السلام مع الفلسطينيين والتي حاول بها أن يخدع العالم ويضلله بأكاذيب وروايات مفبركة , وبعد مسيرة سلام امتدت ربع قرن من الزمان ظهر ان النتيجة ما هي الا وهم كبير وسراب يحسبه الظمآن ماء, وبانت حقيقة اسرائيل انها دولة احتلال وعنصرية ومتنكبة لكل القوانين والاعراف الدولية ومعادية لكل مفاهيم الانسانية وحقوق الانسان..وأنها استغلت مسيرة السلام كي تضلل العالم عن خططها واجراءاتها اليومية في تعزيز حقائق الاحتلال على الارض.

سقطت خرافة أن وجود هذا الكيان سيضفي على منطقة الشرق الاوسط نكهة من الديمقراطية الغربية وسيزرع واحة من واحات الازدهار والتطور والتقدم الحضاري والتكنلوجي, لانه اراد الديمقراطية لليهود فقط , ولغيرهم العذاب والاضطهاد والعنصرية وسلب الحقوق, واستخدم كل معداته التكنلوجية في الشر وفي صناعة الخراب والدمار والقتل والتغول على حقوق الاخرين..

سقطت خرافة ان الشعب الفلسطيني لم يعد له مكان وان عليه ان يسلم بحقيقة ان الاحتلال قائم له مكان في التاريخ وفي حضارة الامم, اذ اثبت الشعب الفلسطيني انه عصي على الكسر وعصي على التطويع وعصي على الاحتواء, وقدم نموذجا غير مسبوق في التمسك بهويته وتاريخه ووطنه, ولم يسلم يوم بوجود الاحتلال ولم يقر بشرعيته...

الذين ارادوا لهذا الاحتلال ان ينمو ويكبر ويترعرع على حساب الفلسطينيين, وارادوا له غطاء من الشرعية لجرائمه وموبقاته, ووفروا له كل انواع الحماية والدعم , باتوا يشعرون اليوم أنه عبء وان وجوده يشكل خطرا جسيما بسبب مغامراته وسفالته وعدوانه اللامحدود ..

(4) المستقبل لمن؟

رغم ان دولة الاحتلال تتمتع بالكثير من ميزات القوة والموارد البشرية والمادية, واستطاعت أن تتوسع في علاقات مع دول عربية وان تحقق نموا اقتصاديا , الا أن تفتقد الكثير من مقومات الاستمرار والحفاظ على موارد القوة, وتفتقد القدرة على ضمان مستقبل اكيد.

هي دولة (ملغومة) بداخلها, فهناك من لا يقبل بها او يرغب ببقائها ويتمنى زوالها, وهم ليسوا فقط مجموعة عرقية او اقلية هامشية بل هم شعب له الكثير من أوراق القوة والحضور والتأثير.

وجود أكثر من 5 ملايين فلسطيني على ارض فلسطين التاريخية يمثل القنبلة النووية التي لا تستطيع دولة الاحتلال بكل امكانياتها ان تسيطر عليها او تقيد رغباتها في التحرر والاستقلال.

هؤلاء يمتدون على طول فلسطين وعرضها وينبتون في كل مكان , وينشئون جيلا فريدا من نوعه غير قابل للحياة تحت الاحتلال او الرضى بسياساته او التسليم بجرائمه.

هذه ستكون معضلة الاحتلال الكبرى التي لن يجد لها حلا , مهما استخدم من قوة غاشمة او اغراءات ليس لها مثيل.

دولة الاحتلال باتت تفقد الكثير من الميزات التي تسلحت بها طوال سبعين عاما , من مجتمع يحتضنها ومن قوة تحصنها, ومن جيران يسلمون بوجودها, ومن مجتمع دولي يمثل لها كل انواع الحماية والدعم. اليوم تتعرض لاهتزازات عنيفة من حيث هويتها وتماسك مجتمعها والقبول بها وكذا في قدرتها على تسويق نفسها انها القوة القاهرة التي لا يردعها أحد.

المستقبل لن يكون الا لمن اراد الصلاح والخير في الارض. المستقبل لفلسطين واهلها لانهم اصحاب قضية عادلة, لانهم اصحاب حق , لانهم اصحاب رسالة سماوية وانسانية.

أما دولة الاحتلال وان طال عمرها.. فلن يكون مستقبلها الا الزوال.

المصدر : خاص-زوايا

مواضيع ذات صلة

atyaf logo