"معركة غزة": ما حقيقة "محور المقاومة" ووحدة الساحات؟

العدوان على غزة
العدوان على غزة

جاءت جولة القتال الأخيرة التي خاضتها حركة الجهاد الإسلامي في غزة بشكل أساسي في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي، لتطرح سؤالا متجددا حول حقيقة "محور المقاومة" وتماسكه وما اتصل به من ترويج من قبل إيران وبعض الفصائل الفلسطينية لمصطلح "وحدة الساحات" في السنتين الأخيرتين.

السؤال بدا مُلحا أكثر من أي وقت مضى، خاصة أن القتال الأخير ليس الأول الذي تخوضه "الجهاد" وحيدة، بغض النظر عن مشاركة فصائل أخرى في المعركة من دون حركة "حماس".. فما واقعية هذا المحور ومدى انسجام أجندات الأطراف المنضوية في إطاره؟

"وحدة الساحات" بلا فعل!

الباحث السياسي الأردني د.منذر حوارات رأى في حديث لموقع "زوايا"، أنّ ما يفهمه أي مراقب من "وحدة الساحات" أن تشترك كلّ الساحات عندما ينشب الصراع، خاصة أن المعركة الأخيرة في غزة مُوجهة أساسا نحو عدو مشترك هو الاحتلال الإسرائيلي.

"رأينا انكفاء من حزب الله وحركة حماس عن التدخل، في ظل الاكتفاء بتأييد الجهاد إعلاميا وعبر التصريحات"

ولكن، بحسب حوارات، "رأينا انكفاء من حزب الله وحركة حماس عن التدخل، في ظل الاكتفاء بتأييد الجهاد إعلاميا وعبر التصريحات"، وهو ما عّده حوارات مؤشرا على أن الهدف النهائي للمحور وما أنتج من "اتفاق دفاع مشترك" لم تُثبته جولة القتال الأخيرة في غزة.

اقرأ أيضا: ترجمة خاصة.. جهود الوساطة لوقف إطلاق النار توفر لإسرائيل نقطة انطلاق ملائمة

ويعتقد حوارات أن هذا بمثابة "دليل" على اختلاف الأجندات، وما يحدث من صراع داخلي بين قوى المحور، إذ أنه يبرز في اللحظة التي تسعى إيران إثبات وجودها أمام إسرائيل- وتحديدا في الملعب الفلسطيني- تساؤلات عن أي دلالات لمخاوف غير معلنة لدى حماس من أن يؤدي ذلك إلى تلاشي دورها كحركة فلسطينية بارزة؟!

وبمنظور منذر حوارات، فإن مَوْقِعَة غزة أثبتت شكلا من التناقضات والأهداف المختلفة بين أطراف محور المقاومة، وهو ما يدفع إلى الحديث عن ماهية المحور والغاية منه وما تمخض عنه من اتفاق "وحدة الساحات".

وتساءل: "هل هي هيمنة إيرانية على الساحات ورفض فلسطيني لها؟"، ثم يستدرك قائلا: "ربما تفصح الأيام القادم عن ماهية الأمر".

"حسابات وطنية بلا تأثير لأحد"

وشدد الباحث السياسي الأردني منذر حوارات على أن الشعب الفلسطيني يدفع، بالمحصلة، ثمنا غاليا مقابل طموحه ومستقبله..معتبرا أن معركة غزة الأخيرة وضعت نقطة بالجهد الفلسطيني، لكنّ لحظة انطلاقها بدت وكأنها ليست مُجدولة فلسطينيا، كما أن صعوبة مفاوضات التهدئة وعدم الاستجابة للضغوط المصرية لأيام طويلة قد شكلت مؤشرا على تأثير خارجي على الفصائل الفلسطينية. ودعا حوارات إلى أن تشكل معركة غزة الأخيرة دافعا كي يعيد الفلسطينيون، بمن فيهم فصائلهم، الحسابات الوطنية لتبقى فلسطينية بامتياز من دون تأثير من أحد.

بالرغم من تدخل أمين عام حزب الله حسن نصر الله في محاولة للجم أي نقاش يتحدث عن انقسام في محور المقاومة بقوله "إن التنسيق شامل وتام بين كافة أطراف المحور"، إلا أن مصدرا إعلاميا من حركة "الجهاد الإسلامي" أبدى امتعاضه من حديث نصر الله، وقال ل"زوايا" إنه "كلام غير صحيح، الأمر لم يتجاوز الاتصالات والدعم المعنوي..لا مشاركة من حماس أو طرف آخر".

أولويات ومصالح مختلفة؟

لكل طرف مصالحه وأولوياته

من جانبه، قال أستاذ الفلسفة والباحث الفلسطيني البروفيسور سعيد زيداني إن ما يسمى "محور المقاومة" يتشكل من عدة أطراف، لكن لكل طرف مصالحه وأولوياته من ناحية، وأيضا طبيعة علاقته ومدى قربه أو بعده من مركز المحور المتمثل بإيران من ناحية أخرى.

وشدد زيداني على أن التصعيد الذي جرى في غزة قد دلل مرة أخرى على أن "الجهاد" تخوض المعركة وحيدة، من دون مشاركة حماس وبقية الشركاء في المحور، نظرا لوجود مصالح مختلفة. وتابع: "حماس لها أجنداتها وأولوياتها وحساباتها التي تختلف عن تلك الخاصة بالجهاد وحزب الله وإيران، سواء على مستوى المنطقة برمتها، أو الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي خصوصا".

"وحدة الساحات" لها بُعدان؟

وبشأن "وحدة الساحات" أوضح زيداني أن لها بُعدان: الأول، مالي وتقني وإعلاني، معتبرا أنه بالرغم من الدعم بالأموال والسلاح، إلا أن هذا كله لا يؤدي إلى شراكة حقيقية بالمعركة.

في حين، هناك البعد الثاني "الرغبوي"، إذ أن هناك من يرغب ويريد أن تعمل قوى "المحور" بشكل منسق وشراكة حقيقية، غير أن الرغبة شيء والمصلحة والأجندات المتباينة والمتناقضة شيء آخر، بحسب البروفيسور زيداني.

"حماس" تحاول ترميم "الصورة"

وفي خضم شعور حركة "حماس" بالحرج خلال الجولة الحالية إلا أنها تحاول ترميم صورتها أمام الرأي العام الفلسطيني والعربي عبر القول إنها تنسق مع الجهاد ضمن "الغرفة المشتركة"، وأن "سرايا القدس" تعمل بالنهاية ضمن بيئة المقاومة التي توفرها حماس، ناهيك عن تأكيدها على تقديم خدمات عسكرية لـ "سرايا القدس" من قبل ذراعها العسكرية "كتائب القسام".

بيدَ أنّ الاحتلال الإسرائيلي اعتبر أن عدم إشارة أمين عام حركة "الجهاد الإسلامي" زياد النخالة إلى حركة "حماس" حينما شكر إيران وحزب الله ومصر وقطر بعد الإعلان عن اتفاق التهدئة، بمثابة دليل ضمني على امتعاضه من دور "حماس" وعدم المشاركة بالمعركة.

اتفاق..وتباين!

في المقابل، رأى الكاتب الأردني عريب الرنتاوي في حديث لموقع "زوايا" أن هناك كثيرا من القواسم المشتركة بين الأطراف المنضوية في إطار محور المقاومة، لكن هذا لا يمنع من الناحية الواقعية وجود أولويات وظروف متباينة تفرقها أيضا.

اقرأ أيضا: نكبة 48 حلقة من مسلسل تآمر ما زال متواصلاً

وبين الرنتاوي أن هناك إسنادا سياسية وماليا وعسكريا وعاطفيا فيما بين أطراف ما يسمى "محور المقاومة"، لكن هذا لا يعني أن كل مواجهة ستدخلها الأطراف جميعها؛ لأن قرار "الحرب والسلم" ليس سهلا، كما أنه منذ البداية لم يرغب الطرف الفلسطيني ولا الإسرائيلي بحرب واسعة.

واعتبر الرنتاوي أنه بالرغم من استفراد الاحتلال ب"الجهاد"، إلا أنه في هذه الجولة تحديدا تلقت الحركة "تبنيا سياسيا من حماس" بمستوى أعلى من جولتين سابقتين كانت الجهاد قد دخلتهما وحيدة أيضا. وتابع: "من الناحية الميدانية، كانت الجهاد صاحبة الوكالة الحصرية لمواجهة العدوان وبرزت كعامود فقري للمواجهة، بغض النظر عن مشاركة بعض القوى الفلسطينية، وهي مَن دفعت الثمن، في مقابل دعم رمزي من حماس".

حماس لا تريد معركة واسعة وهو ما منعها من المشاركة

وبحسب الكاتب الصحفي عريب الرنتاوي، حماس لا تريد معركة واسعة وهو ما منعها من المشاركة، خاصة أنها تعلم، وكذلك الجهاد، أن المواجهة عبارة عن عدة أيام لا أكثر ولا أقل، وبالفعل مكثت "5" أيام، ثم انتهت. لكنه، شدد على أن هذا لا يقلل من شأن ما حدث، إذ أن الاحتلال فشل في فرض قواعد اشتباك جديدة، ولم يُحدث الشرخ بين المقاومة، كما أنه لم يرمم صورة الردع أمام صواريخ المقاومة التي تناثرت نحو مناطق متفرقة بمدَيات واسعة.

التنسيق السياسي أكبر

وبالرغم مما يُقال، يعتقد الرنتاوي أنه لأول مرة يكون درجة من التنسيق السياسي بين "حماس" و"الجهاد"، بالرغم من الأخيرة هي مَن أدارت "معركة قوية"، وكان لها الصاروخ الأول الذي استهلّ معركة "الرد"، وأيضا الأخير الذي ختم المعركة، بالرغم مما دفعت من ثمن "باهظ"..غير أنها كسبت تعاطفا واسعا في الشارع الفلسطيني.

إشكالية في وحدة الساحات الفلسطينية..قبل الإقليمية!

هناك إشكالية في وحدة الساحات الفلسطينية

وبخصوص مدى واقعية "وحدة الساحات" الذي روّج له "محور المقاومة"، اعتبر الرنتاوي أن هناك إشكالية في وحدة الساحات الفلسطينية، قبل الحديث عن وحدة الساحات الإقليمية، مشيرا إلى أن تحرك الضفة الغربية وأراضي-48 كان ضعيفا خلال التصعيد في غزة.

علاقة السلطة وفصائل المقاومة هي "علاقة صفرية"

وعزا الرنتاوي عدم تناغم الساحات الفلسطينية خلال العدوان على غزة إلى الانقسام باعتباره أحد الأسباب الرئيسية للمشكلة "العميقة"؛ فعلاقة السلطة وفصائل المقاومة هي "علاقة صفرية"، إذْ تعتبر قيادة السلطة في الضفة أن أي نجاح للمقاومة هو تراجع لقوتها وشرعيتها، وهي حالة تُصعّب إمكانية استثمار أي إنجازات فلسطينية بالمعركة.

المصدر : خاص-زوايا
atyaf logo