كي ينزل الرأس مالي الحاكم عن عرش جماجم الناس

عمال يعملون في البناء
عمال يعملون في البناء

استمدت كلمة "عُمال" زخمها الشعبي من اقترانها بأحداث سياسية واكبت جملة كبيرة من التغييرات المجتمعية التي اجتاحت العالم في القرن التاسع عشر، فكان للعامل بعدها المكانة الاجتماعية المؤثرة في الجوانب السياسية والاقتصادية للدولة من خلال ما عُرف لاحقًا باتحادات نقابات العمال على اختلاف المهن التي يعملون فيها.

حصل ذلك عندما ثار العُمال وأصحاب الحرف على أرباب العمل من الرأسماليين والسلطة الذين لم يكن لديهم أي حاجة أو شعور تجاه العمال الذين يعملون في المصانع والمحاجر والزراعة والأعمال الشاقة لأكثر من خمسة عشر ساعة في اليوم دون تأمين صحي حقيقي أو إجازة أو حقوق، فحصل الاحتجاج الذي أوصل ليكون الأول من أيار هو يوم العمال العالمي الذي ما زال العالم يحتفل به إلى اليوم ولو بشكل إعلامي سياسي أكثر منه حقوقي.

اقرأ أيضاً: دراسة: بطالة الخريجين شكلت حافزا لخروج أطفال فلسطين لسوق العمل

في القرن التاسع عشر وقعت نزاعات عُمالية مع أرباب العمل في مقاطعة "هاملتون" بكندا تطالب بتخفيض ساعات العمل إلى ثماني ساعات في اليوم، ثم تكررت المظاهرات في ذكرى ما عرف بأحدث "هايماركت" في الأول من أيار عام 1886 حيث نظم مجموعة من العمال وأصحاب الحرف في ولاية شيكاغو وتورنتو إضرابًا عن العمل رافعين مطالب بتحديد ساعات العمل تحت شعار "ثماني ساعات عمل، ثماني ساعات نوم، ثماني ساعات فراغ للراحة والاستمتاع" في تلك السنوات كان العُمال عبارة عن آلات لا يحق لها المطالبة بحقوق إلا ما يجود به رب العمل الذي كان يعطيهم أجور تحافظ على مجهودهم كي لا يقل إنتاجه، هذا الاحتجاج دفع الرأس مالية إلى الغضب الشديد من مجموعة عمال وصغار تجار لا حول ولا قوة لهم، مما دفعهم والسلطات الحاكمة المكونة من الموالين لهم لفتح النار على العمال المتظاهرين وقتل عدد منهم، وكعادة الأمن، ألقى أحد المندسين قنبلة بين المتظاهرين فقتل من المتظاهرين وعناصر الشرطة ما قتل، مما دافع بالشرطة وقتها إلى شن حملة اعتقالات واسعة مدعومة من الحركة الرأس مالية، وتنفيذ أحكام الإعدام على عدد من المعتقلين بتهمة قتل رجال الشرطة، توالت بعدها الاضرابات خاصة بعد إعلان أحد أفراد الشرطة أن من ألقى القنبلة هو منهم، فعمل ذلك على إشعال الشارع من جديد في ذكرة المجزرة، وتمت مساندة تلك التظاهرات من قبل الأنظمة الشيوعية التي أعلنت تبنيها للحركة العمالية في الولايات المتحدة الأمريكية، بالمقابل شعرت الولايات المتحدة أن المد الشيوعي بدأ يستغل هذه القضية للتأثير على الواقع الداخلي فأعلنت عن مصالحة كبيرة مع العمال وقصر العمل على ثماني ساعات وإعلان ذكرى يوم المجزرة يومًا للوفاء لتخليد ذكرى العمال الضحايا الذين سقطوا في أحداث 1886، حيث جاء هذا الاعلان استجابة لحركة الشارع التي تضامنت مع إعلان الشيوعية العالمية للأول من أيار عيدًا للعمال، والذي لاقى الصدى الكبير في معظم أنحاء دول العالم وما زال يُحتفل به حتى اليوم وسط نداءات وشعارات تأخذك إلى سنوات قد خلت كان فيها العامل هو الميزان لمزاج الشعب والسياسة بل وحركة الحروب.

اقرأ أيضاً: وثائق عسكرية تكشف: نزع بدو النقب من أراضيهم تم بالقوة وبذرائع أمنية كاذبة

كل عيد هو في الحقيقة أقيم على دماء مناضلين سابقين، لا توجد مناسبة عالمية أو حق أُخذ إلا بإراقة دم الأبرياء من قبل حكومات رأس المال، فهذا عيد العمال، وذلك يوم المرأة وهذا يوم الاستقلال وغيرها من الأيام التي ترسخت بفعل نضالات كثيرة، وها هي اليوم تضيع أو تفقد قيمتها بفضل مجموعات من الانتهازيين الذين كانوا عمالَا وخانوا فكرتهم، أو على الأقل لم يدافعوا عنها كما يجب، فتجد اليوم العامل في أحط درجات السلم الاجتماعي لا يتمتع بتأمين صحي ولا يأمن على قوت يومه أو الحق في الحصول على إجازاته المقرة قانونًا، حتى أن الحقيقة الموجعة التي أضحت نكتة هي أن جميع موظفي الدول يأخذون الإجازة في عيد العمال إلا العمال فإنهم يعملون.

هذه حقيقة والحقيقة الأوجع نسمعها من مجموع الجماهير العاطلة عن العمل التي تطالب بتوفير فرصة عمل من مجموعة رأس المال الجديدة دون استجابة، فهل نحن بحاجة إلى هايماركت" جديدة في الوطن العربي بأكمله كي ينزل الرأس مالي الحاكم عن عرش جماجم الناس؟

المصدر : خاص-زوايا

مواضيع ذات صلة

atyaf logo