"شهوة القتل"

اطلاق الاحتلال النار في الضفة الغربية
اطلاق الاحتلال النار في الضفة الغربية

لم تكن جريمة إعدام الصحفية الفلسطينية شيرين أبوعاقلة فريدة من نوعها، رغم الضجة التى أثيرت حول عملية الاغتيال الغادرة، وبشاعة الجريمة التى وثّقتها الكاميرات وكانت شاهدة على تصفية الإعلامية الفلسطينية، ورغم أن الأدلة التى تدين جنود الاحتلال الإسرائيلى بتهمة القتل العمد كانت قاطعة بما لا يدع مجالاً للشك، إلا أن غطرسة الاحتلال وادعاءاته الكاذبة والإصرار على الإنكار، وتزوير الوقائع كانت الكفة الراجحة للنجاة بفعلته كما يحدث دائماً، «فمن أمن العقاب أساء الأدب».

إسرائيل تمارس الإعدامات والقتل الميدانى بحق الفلسطينيين كل يوم، دون أن تخشى المحاسبة أو العقاب، فى قضية اغتيال شيرين أبوعاقلة ورغم ثبوت الأدلة التى أجرتها عدة جهات تحقيق دولية منها فريق التحقيق الفيدرالى الأمريكى، لم تستطع الأدلة أن تأخذ طريقها للمحكمة الجنائية الدولية، لاعتبارات عديدة أولها سياسة الكيل بمكيالين فى التعامل الدولى مع الصراع الفلسطينى- الإسرائيلى، وأهمها وقوف الولايات المتحدة الأمريكية كحجر عثرة لعرقلة الوصول لمحاكمة الجناة، لذا تفلت إسرائيل بأفعالها وتزداد توحشاً، تتعامل كدولة مارقة، لا تخشى القانون ولا تبالى بالشرعية الدولية.

إن أرشيف إسرائيل فى قضايا اغتيال الفلسطينيين والإعدام الميدانى بحقهم متخم بالجرائم الموثقة، وفى أحدث جريمة إسرائيلية لإعدام ميدانى بحق مواطن فلسطينى، قام جندى إسرائيلى أمس ودون مبرر بقتل شاب فلسطينى من بلدة سلفيت فى الضفة الغربية المحتلة، وأظهرت عدة لقطات صورتها هواتف مواطنين كانوا فى المكان، أحد عناصر شرطة الاحتلال، وهو يشير إلى الشاب واسمه «طه» للترجل من مركبته تحت تهديد السلاح، وعندما فعل ذلك أطلق جندى إسرائيلى الرصاص صوبه، فى عملية إعدام واضحة، واستمر بإطلاق النار بعد إصابته وسقوطه أرضاً.

اقرأ أيضاً: "سمن على عسل".. كيف تطورت علاقة مصر بحكومة غزة؟

جريمة الإعدام هذه، ليست الأولى التى ينفذها جنود الاحتلال أمام الكاميرات، مستغلين سياسة الإفلات من العقاب وعدم المساءلة التى يتمتعون بها، والصمت الدولى الذى يعطيهم الضوء الأخضر لمواصلة جرائمهم بحق أبناء الشعب الفلسطينى.

وتعيد تلك الجريمة إلى الأذهان، عدة جرائم مماثلة وثّقت بالفيديو والصور، ففى 16 من شهر مارس الماضى، أظهر مقطع فيديو التقطه مواطنون خلال اقتحام قوات خاصة من جيش الاحتلال الإسرائيلى لمدينة جنين، وإطلاق عنصر من القوات الخاصة الرصاص من نقطة الصفر صوب رأس الشاب نضال أمين خازم (28 عاماً) وهو مصاب ومُلقى على الأرض دون حراك.

وفى 15 من شهر يناير الماضى أطلق جنود الاحتلال النار من مسافة صفر أيضاً باتجاه المواطن «أحمد كحلة» (45 عاماً) أسفل جسر فى مدينة رام الله، رصاصتان فى الرقبة كانتا كفيلتين بوضع حد لحياة كحلة، وأظهر شريط مصور التقطه أحد المواطنين المتوقفين على الحاجز المقام أسفل الجسر، أن عراكاً دار بالأيدى بين الشهيد، وبين عدد من جنود الاحتلال، فقام أحدهم بإطلاق النار عليه من مسافة صفر، دون أن يشكل أى خطورة على الجنود.

وقد اعترف جيش الاحتلال أنه قتل المغدور دون أن يشكل خطراً أو تهديداً؟! كما تم الادعاء سابقاً، وأنه خلص فى تحقيق أجراه أن الشهيد الذى أصيب برصاصة فى عنقه من مسافة الصفر، قُتل دون أن يشكل أى تهديد لجنوده، و«ما كان ينبغى أن ينتهى الحادث بموت».

إنه غيضٌ من فيض مما تشهده الأراضى الفلسطينية، من إعدامات يومية للفلسطينيين موثقة، دون أن تخشى المحاسبة، أو تلتفت للعقاب، فقد تعود جنود الاحتلال على القتل أمام عدسات الكاميرات بلا تردد، من منطلق من يستطيع محاسبة إسرائيل؟ أو يجرؤ على إدانة ممارساتها القمعية التى ترقى لجرائم الحرب؟! وبالنظر إلى أن جنود الاحتلال أصبح جزء من عقيدتهم القتل على الاشتباه، وقبل التحقق من وجود خطر يقترب منهم أم لا؟! وهذا يعيدنا إلى عشرات الفيديوهات التى توثق جرائمهم، ورغم الإدانات والدعوات الأممية والدولية لإجراء تحقيق فى حالات الإعدام التى توثقها العدسات ويراها العالم كله، وإجراء مساءلة كاملة بموجب القانون الدولى، فإن الجنود الذين أطلقوا النار على الفلسطينيين، ما زالوا أحراراً طلقاء دون أى محاسبة.

اقرأ أيضاً: الإعفاء من أجل لا شيء: المشكلة الكبرى في قانون التوظيف الجديد الذي صاغته الحكومة

يتجرد الجيش الإسرائيلى من أى أخلاقيات تتحلى بها الجيوش، والتى تحاول إسرائيل الترويج لها دائماً، ففى 24 مارس عام 2016، استشهد الشاب عبدالفتاح الشريف فى منطقة تل أرميدة بمدينة الخليل على يد جندى فى جيش الاحتلال، ووثّقت جريمة إعدامه بمقطع فيديو التقطه مصوّر مركز المعلومات الإسرائيلى لحقوق الإنسان فى الأراضى المحتلة «بتسيلم»، حيث أثار الفيديو ردود فعل دولية، أجبرت الاحتلال على اعتقال الجندى القاتل «أليئور أزاريا»، ومحاكمته صورياً، قبل الإفراج عنه بعد قضائه تسعة أشهر فى السجن!. وعقب الإفراج عن الجندى القاتل قال فى مقابلة صحفية، إنه «ليس نادماً على ما فعل، وإنه سيعيد الكرّة لو عاد به الزمن إلى الوراء». تلك هى عقيدة جيش الاحتلال الإسرائيلى دون رتوش، فإلى متى سيظل الدم الفلسطينى رخيصاً؟ وإلى متى ستظل جرائم الاحتلال الإسرائيلى دون محاسبة؟

المصدر : الوطن المصرية

مواضيع ذات صلة

atyaf logo