مواقف السلطة "النمطية".. دليل ضعف يقرب انهيارها؟

اجتماعات السلطة الفلسطينية
اجتماعات السلطة الفلسطينية

مع كل حدث ميداني أو سياسي جديد تبدو السلطة الفلسطينية أنها تزداد ضعفا وحرجا على نحو أكبر مما مضى.

"هل ما يجري دليل على تلاشى السلطة تدريجيا؟، أم أنها باقية حتى لو مرت في أضعف مراحلها؟"

ويرى مراقبون أن الاعتداءات الإسرائيلية المتصاعدة في الضفة الغربية والقدس المحتلة وقطاع غزة في السنوات الأخيرة، ظهرت وكأنها معيار لقياس مدى ضعف السلطة وتراجع مكانتها، لدرجة تعاظم التساؤل لدى الشارع الفلسطيني "هل ما يجري دليل على تلاشى السلطة تدريجيا؟، أم أنها باقية حتى لو مرت في أضعف مراحلها؟"

يقرّ قيادي من حركة "فتح" بأن السلطة في "وضع صعب ومُركّب لدرجة الضعف الناتج عن قلة الحيلة"، لكنه اعتبر أنّ هذا ناتج عن ضعف كل مركبات الحالة الفلسطينية، بما فيها حركة "حماس" وبقية الفصائل. فبرأيه، "الكل يعاني من ضعف وليست السلطة أو فتح وحدها".

وأقر المصدر الفتحاوي، الذي فضل عدم ذكر اسمه بدعوى عدم تخويله تنظيميا بالحديث إلى الإعلام، بأن خطاب السلطة ضعيف وتقليدي وغير مقنع للشارع، بل ويزيد الفجوة معه كلما عبرت السلطة عن موقفها إزاء اعتداءات الاحتلال ومستوطنيه تجاه المسجد الأقصى والضفة الغربية، لكنه قال إن السلطة تعمل دائما ضمن مبدأ "تقليل الضرر عليها وعلى الشعب الفلسطيني"، وذلك في ظل فشل المسار السياسي وانعدام الخيارات، بالموازاة مع الاحتقان الشعبي الكبير.

اقرأ أيضاً: خفايا الإصلاح القضائي... التغييرات القضائية من سيء إلى أسوأ

ورفض القيادي بفتح في حديثه لموقع "زوايا" أن يكون هذا الضعف مقدمة لانهيار السلطة وتلاشيها، مشيرا إلى ثلاثة عوامل تضمن بقاء السلطة مهما ضعفت، أولها أن وجودها خيار عربي ودولي وليس فلسطينيا فقط، وثانياً أنّ حالة من المصلحة المتبادلة التي نشأت بين فئات مجتمعية فلسطينية من ناحية والسلطة من ناحية ثانية على مدار ثلاثين عاما، أي منذ تأسيس السلطة الفلسطينية وفق اتفاق أوسلو عام 1993، بحيث أن هذه الفئات حتى لو كانت غاضبة من السلطة وغير راضية عنها فإنها تخشى انهيارها؛ لأن هذا يهدد مصالحها في ظل خوفها من بديل الانهيار.

وأما العامل الثالث، فهو تأكيد المصدر الفتحاوي على أن الأمن هو الذي يدير شؤون السلطة، وهو من سيضبط أي حالة انفلات في حال تغيب رئيس السلطة محمود عباس عن منصبه لأي سبب طارئ.

ويضيف مختصون بالسياسة الإسرائيلية عاملاً رابعاً لبقاء السلطة وهو "عدم رغبة إسرائيل بانهيارها، لخطر ذلك على أمنها".

موقف السلطة جلب نقمة الشارع

من جانبه، قال عضو المجلس الوطني الفلسطيني سمير عويس إنّ خطاب السلطة وسلوكها الباردين تجاه الأحداث الأكثر سخونة في القدس والضفة منذ سنوات طويلة قد دفع إلى نقمة من قبل الناس نحو السلطة، لدرجة "أننا نصغر أمام العرب قبل الغرب"، على حد تعبير عويس.

واعتبر عويس أن سياسات السلطة وأساليبها شكلت دليلا لدى الناس بأن السلطة لا ترغب بالإضرار بمصلحة قياداتها وامتيازاتها في رام الله؛ الأمر الذي خلق مسافة كبيرة بين القيادة والشعب، بل تزداد يوميا لدرجة الإحباط الكبير، متابعا: "العرب باتوا يحرجوننا ويبررون تقاعسهم بسبب مواقف السلطة".

وشدد عويس في حديثه لموقع "زوايا" على أنّ أهم مايبرز أمام الشارع الفلسطيني باستثناء الفئات المستفيدة من السلطة نظرا لتقاطع المصالح، هو أن القيادة ما يهمها الآن هو فتح أي منفذ للتفاوض مع "إسرائيل" إرضاء للولايات المتحدة وأوروبا.

بحث عن ربح "مؤقت"

لذا، تبدو حسابات الربح والخسارة جراء مواقف السلطة وتعاطيها التقليدي والنمطي مع الأحداث، بمنظور سمير عويس، قائمة على البحث عن "ربح مؤقت" لدوائرها الضيقة وتأجيل الأزمات وتخفيف حدة احتقان الشارع، بدلا من الربح الأكبر والمبادرة نحو خيارات جديدة.

ورأى عويس أن السلطة لو رغبت في تحقيق ربح لصالح الشارع لكانت قد نادت بوضوح بتحرك نحو تعزيز المقاومة، فالموضوع ليس فقط المسجد الأقصى، وإنما عمليات قتل وابتلاع أراض وخنق في الضفة الغربية.

ويعتقد عويس أنه بإمكان السلطة ومعها حركة "فتح" التأثير في الشارع لو خرج كل منهما من المواقف النمطية ومراوحة المكان نحو تحرك جديد يتمثل بتعزيز المقاومة، مشيرا لو أن هذا حدث لكان تأثير السلطة يفوق بشكل أكبر بكثير تأثير الصواريخ التي أطلقت مؤخرا من جنوب لبنان أو قطاع غزة نحو العمق الإسرائيلي.

بيدَ أن السلطة ليس لديها هذا النفس الجدي، يقول عويس: "ذلك أنّ رئيس السلطة محمود عباس لديه قناعة برفض المقاومة والمواجهة، في حين يركز فقط على محاولات فتح منافذ للحوار والمفاوضات مع إسرائيل بضغط أميركي ودولي لتحصيل أي شيء، وهو نهج ثبت فشله أمام تطرف الإسرائيليين تجاه الحق الفلسطيني وحتى السلطة نفسها"، بحسب عويس.

بالمحصلة، توظف السلطة أحداث المسجد الأقصى والضفة من أجل "مكاسب آنية"

لها عبر استثمارها علّها تدفع المجتمع الدولي إلى تحريك المسار السياسي. وشدد عويس على أن ذهاب السلطة نحو خيار المواجهة هو الوحيد الذي يشكل ضغطا على أمريكا والعالم، لدفعهم نحو لجم الممارسات الإسرائيلية بحق الفلسطينيين ولو مؤقتا أو لفترة متوسطة، وعندها فقط يمكن للسلطة أن تعيد برمجة وضعها في الشارع.

السلطة على هامش الأحداث

من جانبه، قال أستاذ الفلسفة والخبير بالشؤون الإسرائيلية والفلسطينية البروفيسور سعيد زيداني إن الوقائع المتسارعة في الضفة والقدس وفي أراضي-48 ومرورا بصواريخ غزة ولبنان، تدلل على أن السلطة على هامش الأحداث وليست طرفا فيما يجري.

وتابع زيداني: "لو نظرت إلى تلفزيون فلسطين الرسمي، يبدو وكأنه ليس له علاقة بما يحدث"، وهو ما اعتبره "دليلا على الضعف المفرط للسلطة الفلسطينية في هذا الوقت، سواء على مستوى المواجهة، وكذلك بالنظر إلى مشاكلها الاقتصادية، وكذلك النزاع النقابي معها من قبل اتحاد المعلمين ونقابة المحامين وغيرهما (..)كل هذا يؤشر إلى ضعف السلطة على المستوى الأمني والاقتصادي والشعبي".

اقرأ أيضاً: مختصون لـ"زوايا": قروض البنوك استهلاكية وإهدار لمدخرات المقترض

وشبّه زيداني الخطاب والسلوك الذي تنتهجه السلطة إزاء الأحداث الساخنة، بما "كانت تفعله المنظمات الأهلية والمجتمع المدني قبل نشوء السلطة، بحيث تُقدم الشكوى للأمم المتحدة وتُجري الاتصالات مع دول العالم.. لا أكثر".

وهنا، تحدث البروفيسور زيداني عن إشكالية تحول دون اتخاذ منظمة التحرير قرارا بالمواجهة، ألا وهي اندماج وانصهار السلطة بمنظمة التحرير والخلط بينهما، وهو ما يصعب ذهاب فصائل منظمة التحرير إلى قرار المواجهة والمقاومة(..) فإذا أردتَ مقاومة تتبناها الفصائل، لا بد من الفصل بين السلطة والمنظمة وفصائلها، وعندها فقط تستطيع المنظمة أن تنغمس بالمقاومة، بينما تتولى السلطة مهمة تقديم خدمات للشعب.

ولكن، هل يقود ضعف السلطة إلى انهيارها ولو بعد حين؟

يستبعد زيداني انهيار السلطة بالرغم من توفر عناصر الانهيار، كما يقول. وينوه إلى وجود عوامل تُبقي السلطة بالرغم من ضعفها، أولها الانقسام الفلسطيني الذي يساعد على بقاء السلطة، إلى جانب المصلحة الإسرائيلية والدولية باستمرار السلطة. ويؤكد أن الولايات المتحدة وإسرائيل تريدان بقاء السلطة ولكن ضعيفة لا تشكل تهديدا.

ويعتقد زيداني أنه بدون تمويل السلطة الفلسطينية دوليا وعبر قنوات الضرائب من خلال البوابة الإسرائيلية، فإن السلطة لا تستطيع إكمال المشوار، بالرغم من أن هذه السلطة تبدو وكأنها على وشك الانهيار.

المصدر : خاص-زوايا

مواضيع ذات صلة

atyaf logo