غير مسبوق..

"إسرائيل" تشهد صراعا بين "تراخي المؤسسين و صهيونية المستجدين"

المستوطنين الصهاينة
المستوطنين الصهاينة

أكدت "هنيدة غانم" الباحثة الفلسطينية ومدير المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية "مدار" أن "إسرائيل" تشهد حالة صراع داخلي غير مسبوقة، تشرخ المجتمع الإسرائيلي اليهودي وتقسمه إلى فئتين متصارعتين.

وخلال مقال نشره مركز "مدار" أوضحت الكتابة أن هاتين الفئتين تتمثلان في معسكرين متنازعين هما: معسكر اليمين الجديد، الذي يتبوأ الحكومة، ويضم في صفوفه تنويعات من أقصى اليمين الشعبوي واليمين الكهاني والصهيونية والحريدية، في مقابل المعارضة التي تَجمَع أحزاب الوسط واليسار واليمين الدولاني، وتقود الاحتجاجات على خطة الانقلاب القضائي.

وأشارت "غانم" أن المعسكرين يتوافقان على يهودية الدولة، وعلى الصهيونية، ولكن لكل منهما سماته الطبقية والاجتماعية والأثنية ورؤيته لطابع الدولة.

وبحسب الكاتبة، فإن المعارضة ترى أن اليمين يدّمر الصهيونية، ويأخذ الدولة التي حققتها إلى الهاوية، من خلال تحويلها من يهودية ديمقراطية إلى دكتاتورية، فيما يعتبر اليمين أن المعارضة تراخت في تحقيق الصهيونية الحقّة، واستفردت بالحكم من خلال توظيف النخب.

اقرأ أيضاً: "المعشر" ينتقد سياسة الأردن تجاه تصريحات وزراء حكومة "نتنياهو"

وكشفت أن أقصى اليمين الجديد يسير باتجاه إعادة بناء المشروع الصهيوني على أسس جديدة تستبدل الصهيونية العلمانية الإسرائيلية الرخوة، وتقوم على القومية اليهودية وقيم المحافظة والتفوق اليهودي وحصرية الحقوق الجماعية بين النهر والبحر باليهود واستكمال تحقيق كامل السيادة اليهودية على أرض إسرائيل.

قراءة الصراع كصراع متعدد الطبقات، تاريخي واجتماعي وسيكولوجي، بين "المستعمرين المؤسّسين" و"المستعمرين المستجدين".

وربطت "غانم" هذا الصراع بعلاقة المعسكرين مع المشروع الاستعماري الصهيوني، والصراع على رأس المال الرمزي الاستعماري، ووفق ذلك قراءة الصراع كصراع متعدد الطبقات، تاريخي واجتماعي وسيكولوجي، بين "المستعمرين المؤسّسين" و"المستعمرين المستجدين".

أقاموا البنية التحتية القانونية للدولة اليهودية على أساس نتائج النكبة ومنع عودة اللاجئين".

وتابعت:" أنشأ المستعمرون المؤسسون المشروع الصهيوني ووضعوا لبناته وقادوا عملية الاستعمار في فلسطين، وصولًا إلى إقامة الدولة اليهودية في 1948، وقيادتها في عقودها الأولى، كما قادوا عملية التطهير الاثني والتدمير المنظم للوجود الفلسطيني، وأقاموا البنية التحتية القانونية للدولة اليهودية على أساس نتائج النكبة ومنع عودة اللاجئين".

وقالت الباحثة إن "البارفينو" كلمة فرنسية تستخدم لوصف "القادمين الجدد للطبقة"، الذين ما زالوا غير قادرين على التخلص تمامًا من خلفيتهم الاجتماعية، ويمكن استخدامها لوصف القادمين الجدد للصهيونية بفعل انضمامهم المتأخر للمشروع الصهيوني.

وتضم هذه الجماعة بشكل أساسي جماعات واسعة من الشرقيين، خاصة من أبناء الطبقات الاقتصادية الأقل حظًا والمحافِظة، والحريدين و يشكّل هؤلاء اليوم المخزون الانتخابي الأساسي لمعسكر أقصى اليمين الجديد الحالي، والجزء الأساسي من النخبة السياسية الحاكمة.

وكشفت مدير مركز "مدار" أن المستعمرين الجدد تمكّنَوا من مراكمة رأس مال "سياسي"، من دون أن يراكموا، بموازاته، رأس مال رمزياً واقتصادياً وثقافياً، الذي ظل محفوظًا للنخب المؤسسة، وانعكس في السردية القومية، وفي بنية النخب الثقافية والقضائية والاقتصادية.

وبينت أن هذا الواقع أنتج هوة بين قوة رأس المال السياسي للمستجدين وبين ضعف رأس مالهم الثقافي والاقتصادي والرمزي ككل، بسبب علاقات القوة التي أفرزها تشكل المشروع الصهيوني تاريخيًا.

الصهيونية الدينية كانت مجرد تيار قطاعي هامشي في الصهيونية

وقالت إن الصهيونية الدينية كانت مجرد تيار قطاعي هامشي في الصهيونية، وتذنبت بشكل عام لحكم حزب "مباي"، قبل أن تتحول إلى رأس حربة بعد الاحتلال في 1967، كما تسبّبَ انضمام "الشرقيين" للمشروع الصهيوني بعد إقامة الدولة بتغيير البنية الديموغرافية للمجتمع المؤسس، وبعد أن كان الأشكناز العلمانيون أكثر من 85% أصبح مجتمع المهاجرين اليهودي مقسومًا مناصفة بين أشكناز وشرقيين.

اقرأ أيضاً: ورقة: البحث عن مصادر بديلة للطاقة ينزع عن الأزمة بُعدها السياسي

وبحسب "غانم" فإن هذه التغيرات توازت مع تحول الحريديم وبشكل تدريجيّ من جماعات خارجية للصهيونية تتصرف على أساس قطاعي مصالحي غير محسوب لا على يمين ولا على يسار، إلى جزء نشط وفاعل في المشهد السياسي.

يمكن فهم الصراع الحالي بأنه صراع مركب ومتعدد الطبقات في واقع استعماري متغير ودينامي

وأضافت أنه يمكن فهم الصراع الحالي بأنه صراع مركب ومتعدد الطبقات في واقع استعماري متغير ودينامي يصارع فيه المستعمر المستجد المستعمر المؤسس من أجل استبداله وتبوؤ مكانته التاريخية عبر إقامة هيمنة جديدة نشطة قوية تستبدل هيمنة القدماء، الذين ارتخت، بحسبه، قيمهم القومية وتعولمت هويتهم وابتعدوا عن المعنى الحقيقي للصهيونية.

المستوى الاستعماري يتحقق عبر المواجهة مع الفلسطيني والسعي إلى سحقه

ورأت الباحثة الفلسطينية أن المستوى الاستعماري يتحقق عبر المواجهة مع الفلسطيني والسعي إلى سحقه، حيث يصبح هزم الفلسطيني والسيادة على كل البلاد هو الطقس الذي سيعمد مكانة الصهاينة المستجدين في المشروع القومي الاستعماري العام كـ "أسياد البلاد وأصحاب المكان".

إعادة تهويد “الصهاينة الأوائل” الذين تراخت يهوديتهم وهويتهم

وختمت أن الصهيونية المستجدة، بقيادة أقصى اليمين الجديد، تأخذ من قاموس الصهيونية المؤسسة قيمها المركزية، وتعيد تدويرها وتوظيفها لاستكمال المشروع الصهيوني والدفع لتحققه الكامل، بعد أن تراخى الأبناء المؤسسون عن استكماله، والقائم على: تحقيق السيادة الكاملة على أرض إسرائيل عبر الاستيطان بكل أشكاله وأدواته، والتهويد المثابر وترسيخ التفوق اليهودي بين النهر والبحر وسحق الفلسطينيين وأيضًا إعادة تهويد “الصهاينة الأوائل” الذين تراخت يهوديتهم وهويتهم.

المصدر : متابعة-زوايا
atyaf logo