أسر بغزة تبيع مقتنيات منازلها لتوفر مصاريف رمضان

شراء الاحتياجات من اسواق قطاع غزة
شراء الاحتياجات من اسواق قطاع غزة

بعد تفكير طويل في مصاريف شهر رمضان، لم يجد المواطن ماجد الجدي حلاً سوى بيع جزء من أثاث منزله، لعله يراوغ مصاريف 30 يوماً من شهر رمضان. يقول إنه "بمرارة اتخذ القرار وهمّ على تنفيذه".

جال ماجد الذي يسكن في حي الشجاعية داخل بيته أكثر من مرة يتفقد مقتنياته التي باتت غير ضرورية لعرضها للبيع، وبدأ يعدد "التلفاز والخلاط الكهربائي وبطارية بحجم 100 أمبير والكنب وسرير والدي ومكتب صغير وغاز فرش من أربع عيون وثلاث سجادات، جميعها لم أعد بحاجة لها، وأضف على ذلك، فرشة طبية وإسطوانة غاز، وسخان الماء الكهربائي وطاولة السفرة وهاتف طفلي الذكي".

بيع الأثاث لعدم الاستجداء أو انتظار فاعلي الخير

أحصى ماجد أثاث منزله بسرعة، وقرر أن يبدأ في عرضه على أجزاء في سوق الجمعة الشعبي شرق مدينة غزة، وعلى عجالة فتح تطبيق الآلة الحاسبة على هاتفه وأخذ يتوقع الأسعار ويجمعها، في المحصلة كان تقديره بأن 2000 شيكل بالحد الأدنى سيكون ثمن جميع الأثاث الذي قرر الاستغناء عنه.

بحسب حديث ماجد لـ"زوايا"، فإن الظروف المعيشية الصعبة هي التي دفعته لذلك، أملاً في الحصول على النقود التي يسد بها احتياجاته المنزلية خلال شهر رمضان، بدلاً من الاستجداء والتوسل أو انتظار فاعلي الخير.

لم يكن أمام ماجد إلا هذا القرار، فهو يعمل حارساً لعمارة سكنية براتب شهري قدره 600 شيكل، ومنه يعيل أسرته المكونة من سبعة أفراد بينهم طفلين، يقول الرجل: "إن مصاريف شهر رمضان طائلة وعليه ديون متراكمة، ولم يعد يستطيع الاستدانة أكثر من ذلك، وفي نفس الوقت يحتاج بيته إلى طعام لوجبة السحور والفطور، لن أتمكن براتبي من توفير ذلك بتاتاً".

ويضيف "نعيش في غلاء أسعار فاحش طال جميع السلع الغذائية، وإذا اعتقدنا أن اليوم الواحد خلال رمضان يحتاج إلى 30 شيكل فأنا بحاجة إلى 900 شيكل خلال هذا الشهر الكريم، لا يتوفر منها سوى 600، وماذا أفعل بعد ذلك هل أشحد من المارة، طبعاً لا، سأبيع أثاث منزلي وهذا أفضل الحلول".

يعد الراتب الذي يتلقاه ماجد، وأمثاله من العمال المستخدمين بأجر خارج السلك الحكومي، أقل من الحد الأدنى للأجور الذي يقدر في غزة بحوالي 710 شيكل، ولا يخضع عمله إلى أي رقابة لتطبيق هذا الحد، في حين أن الجهات الحكومية في غزة لم تتدخل في حل هذه المشكلة التي يعاني منها العمال، لكن مؤخراً قررت وزارة العمل تشكيل لجنة لدراسة إمكانية فرض حد أدنى للأجور.

يضيف ماجد "لم أتخيل بأن الوضع المعيشي المتدهور، سيدفعني يوماً ما لعرض مقتنيات منزلي للبيع، سأضطر لبيع سرير والدي الذي توفي قبل فترة، الظروف القاسية التي ستمر في شهر رمضان تجبرك على فعل المزيد، حينما ترى أبناءك يتقطعون جوعاً ولم يتوفر بيدك مالاً لشتري لهم طعاماً".

تضخم الأسعار دفع المواطنين للتفكير في تدبير مصاريف رمضان

يشهد قطاع غزة تضخما في الأسعار، ومن الصعب على محدودي الدخل الوفاء بمصاريف رمضان الكثيرة، ورصدت "زوايا" في تقرير سابق غلاء المعيشة وأثره على الموظفين، وفي إطار عمل المؤسسات الحكومية لضبط ثمن السلع الغذائية في شهر رمضان، نشرت وزارة الاقتصاد قائمة أسعار استرشادية للمواطنين، لكن هذه الخطوة لم تعجب بعض التجار واعتبروها تسبب لهم خسارة فعلية.

اقرأ أيضاً: خفايا الإصلاح القضائي... التغييرات القضائية من سيء إلى أسوأ

قصة ماجد، ليست الوحيدة في غزة، بل مثله مئات المواطنين الذين قرروا الاستغناء عن أثاثهم المنزلي من أجل الحصول على أموال لتغطية مصاريف شهر رمضان الطائلة، وتنشط هذه الظاهرة بصورة واضحة في الأسواق الشعبية المنتشرة في جميع محافظات غزة، بالإضافة إلى عرض المقتنيات على وسائل التواصل الاجتماعي.

زيادة بائعو أثاث منازلهم

وفي شارع الصحابة بالتحديد، أو كما يسميه سكان غزة بشارع الغلابة، تنتشر محلات شراء وبيع الأثاث المنزلي، الذي اضطر أصحابه لبيعه للتغلب على الأزمات المعيشية، ومن هناك يقول إيهاب الدهشان صاحب أحد المحلات إن حركة بيع المقتنيات المنزلية نشطت قبل عشرين يوماً من شهر رمضان وبشكل ملحوظ.

ويضيف لـ"زوايا" "لاحظنا أن جميع البائعين لأثاث منزلهم جاؤوا بسبب الضائقة المالية التي يعيشونها، ومن خلال سؤالنا لهم كان واضحاً أنهم يحاولون تدبير مصاريف شهر رمضان، وبحسب خبرتي في السوق هذا العام قد يكون الأسوأ على الفقراء منذ 2015".

الفقر وعدم توفر فرص عمل أحد الأسباب

وفي مشهد مشابه، وصلت الستينية سعده سكر إلى شارع الصحابة للاتفاق مع أحد التجار لشراء طقم النوم الخاص بها، بعد أن كان قد عاينه سابقاً في منزلها، وبعد مجادلة طويلة اتفقوا على سعر 300 دينار أردني، على مضض وافقت سعده.

تقول لـ"زوايا" إن الفقر الذي دفعها لذلك، ومن أجل تعيش رمضان كما باقي الناس قامت ببيع طقم النوم الخاص بها بعد مرور أكثر من 40 سنة على اقتنائه، مؤكدة أنها لم تعد بحاجة له بعد وفاة زوجها.

وتضيف سعده "متعودة أعزم بناتي وأولادي في رمضان ولا أملك المال الكافي لذلك، من المفروض أن أستلم دفعة مالية من الشؤون الاجتماعية، لكن لم يحصل هذا، ولذلك قررت بيع غرفة النوم حتى أصرف في الشهر الفضيل".

بحسب حديث سعده فإن جميع أبنائها فقراء، ولا يستطيعون تحمل نفقات منازلهم، وفي خطوتها هذه قررت مساعدتهم في مصاريف شهر رمضان، علها تخفف عنهم جزء من احتياجاتهم الأساسية.

مصاريف عالية وسط ظروف صعبة

ويشتكي معظم سكان غزة من مصاريف شهر رمضان هذا العام، خاصة وأنهم يعيشون ظروفاً صعبة للغاية وفق تقديرات الأمم المتحدة، إذ وصلت نسبة انعدم الأمن الغذائي نحو 65% فيما بلغ معدل الفقر نفس الرقم حسب بيانات مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا)، بينما بات يعتمد 80% من السكان على المساعدات الإنسانية التي تقدمها الأونروا وبرنامج الأغذية العالمي، أما البطالة بلغت مؤشراتها حسب بيانات وزارة العمل لعام 2022، بين العمال نحو 47%، وفي صفوف الشباب بلغت 74%.

وما أثر على المواطنين أن وزارة التنمية الاجتماعية لم تصرف الدفعات النقدية للمستفيدين والتي تسمى محلياً (شيك الشؤون)، بالإضافة إلى أن السلطة الفلسطينية دفعت رواتب شهر رمضان قبل نحو 13 يوماً من بدء الشهر الذي يحتاج إلى تكاليف عالية، وكانت بنسبة 80%، وكذلك الأمر بالنسبة إلى حكومة غزة التي صرفت 60% من رواتب موظفيها.

وبحسب تقديرات الخبراء الاقتصاديين فإن بيع الأثاث المنزلي بات ظاهرة منتشرة وتتوسع في غزة، وانتشارها قبل شهر رمضان له بعدان: الأول اقتصادي، والثاني اجتماعي، ولمعرفة الآثار المترتبة على المجتمع بالإضافة إلى نتائجها على بائعي أثاثهم المنزلي تحدثت "زوايا" مع مختصين للاطلاع على تفاصيل.

بيع الأثاث المنزلي للتكيف مع الفقر

يقول الباحث في الشؤون الاقتصادية مازن العجلة إن قضية بيع الأثاث المنزلي تأتي في سياق التكيف مع الفقر، وانعدام الدخل النقدي للأسر، ولمواجهة ذلك تنتهج الأسر في غزة استراتيجيات متعددة منها التكيف في موضوع الأكل والشرب ومستلزمات الأطفال والتوجه إلى الاحتياجات الأدنى سعراً، بالإضافة إلى بيع المصاغ من الذهب إذا كان موجودا، بالإضافة إلى بيع الأثاث المنزلي لمواجهة التزامات حادة ومفروضة على الأسرة، وبالتالي نجد أنها تقوم ببيع قطعة تلو الأخرى.

ويضيف العجلة في حديث لـ"زوايا" "في رمضان ترتفع مصاريف الأسر الفلسطينية لنحو 150% عن الوضع الطبيعي، ولهذا لاحظنا أن حركة بيع الأثاث المنزلي نشطت خلال الفترة الماضية، بهدف تأمين أموال نقدية لاستخدامها خلال (شهر المصاريف)، كما أفضل تسميته".

ويؤكد العجلة أن أغلب الأموال التي حصلها بائعو المقتنيات المنزلية سوف تستخدم هذه المرة في توفير الطعام والشراب خلال شهر رمضان، ولن تذهب لسداد ديون أو دفعة قرض أو ما شابه، وهذا ما يعكس بشكل واضح عمق الفقر وتوطنه في غزة نتيجة شح فرص العمل، مضيفا "تلجأ الأسر لهذه الاستراتيجية نتيجة فقدان النقد بين أيديهم، ولهذه الظاهرة نتائج سلبية خطيرة على حياة الأسرة وتسبب أمراض نفسية حادة".

اقرأ أيضاً: آمال فقراء غزة بالحج يحطمها غلاء الأسعار.. ما الأسباب؟

ويشير العجلة إلى أن الموضوع لم يعد يقتصر على العاطلين عن العمل بل بات يشمل أيضاً عاملين في السلك الحكومي، وذلك نتيجة عدم كفاية الراتب لنفقاتهم الشهرية، بسبب غلاء الأسعار الضخم في غزة، لافتاً إلى أن القدرة الشرائية في قطاع غزة تراجعت بشكل كبير وهو ما عزز تفشي ظاهرة بيع الأثاث لدى الأسر الفلسطينية.

وبحسب المختص في الشؤون الاقتصادية، فإن تغييرات كبيرة حصلت على المجتمع في غزة، من بينها انخفاض حجم الطبقة المتوسطة إلى 20%، بعدما كانت تشكل نحو 40% من المجتمع، ويبين أن هذه الطبقة انضمت إلى الفقراء معدومي الدخل.

انعكاسات نفسية تصل إلى تفكك الأسرة

ومن جانب الأثر النفسي المترتب على هذه الظاهرة، يرى أستاذ علم النفس والاجتماع يوسف عوض الله أن لظاهرة بيع الأثاث المنزلي أثر كبير على الصحة النفسية وانعكاسات تصل إلى حد التوتر والصدمة واضطرابات أخرى، بالإضافة إلى أنها تتسبب في تفكك الأسرة الصغيرة والممتدة.

ويقول عوض الله لـ"زوايا" إن الغذاء بات يعتلي سلم أولويات الأسر في غزة، وفي حال لم يتوفر فإنه من السهل أن يتخلى صاحب البيت عن جميع الدرجات الأخرى، ومنها المقتنيات المنزلية، لأنها لم تعد بالنسبة له من الأولوية، وذلك بهدف تأمين الغذاء لأطفاله وأسرته.

ويضيف عوض الله "لذلك فإن هذه الحالة طبيعية عندما يعاني المجتمع من تدني مستويات الحياة وعدم توفر فرص العمل وارتفاع في مستويات البطالة والفقر، فما بالك إذا كان هذا الفقر في شهر رمضان، حينها من المؤكد أن نجد رب الأسرة يتخذ قرارات صعبة أكثر من بيع الأثاث المنزلي".

ويبين عوض الله أن لهذه الظاهرة انعكاسات اجتماعية سلبية كالانعزال، وقد نلاحظ أنه خلال شهر رمضان تتضاءل للعلاقات الاجتماعية المتمثلة في زيارات الأقارب، وهذا ما يسمى في علم النفس الاجتماعي بتكيف المجتمع الانعزالي.

المصدر : خاص-زوايا
atyaf logo