خفايا الإصلاح القضائي... التغييرات القضائية من سيء إلى أسوأ

فلسطينيو الداخل المحتل
فلسطينيو الداخل المحتل

شهدت شوارع المدن الفلسطينية المحتلة عام 1948 حالة من الغليان الشديد، فعلى مدار الأسابيع الماضية تظاهر عشرات الآلاف من المستوطنين الإسرائيليين ضد حكومتهم اليمينية في بداية تشكيلها، احتجاجاً على خطط الحكومة المتطرفة الهادفة إلى توسعة صلاحياتها، وإعطاء السياسيين الإسرائيليين نفوذاً أكبر من خلال سيطرة أعضاء الكنيست على المحكمة العليا.

فقد أعلن وزير العدل الإسرائيلي ياريف ليفين (الليكود) في مطلع يناير من العام الجاري عن "خطة إصلاح" جديدة تخص المنظومة القضائية، شملت تقييد قدرة المحكمة العليا على إلغاء القوانين والقرارات الحكومية، وتغيير عملية اختيار القضاة لمنح الحكومة الحالية سيطرة فعالة على لجنة اختيارهم، بالإضافة لمنع المحكمة من استخدام اختبار المعقولية في إصدار أحكامها على التشريعات والقرارات الحكومية، وأخيراً السماح للوزراء بتعيين مستشاريهم القانونيين بدلاً من تعيينهم تحت إشراف وزارة العدل والمستشار القانوني للحكومة، وذلك بواسطة أغلبية ائتلافية قوامها 61 عضواً من أعضاء الكنيست.

واعتبر المعارضون الإسرائيليون أن الإصلاحات المقترحة "ستدمر استقلال القضاء، وتحد من سلطاته"، فضلا عن دعم الفساد، خاصة في ظل خشيتهم من أن تقود هذه التغييرات الجذرية للنظام القضائي إلى إلغاء المحاكمة الجنائية الجارية لرئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو بتهم الفساد والاحتيال، وحاولت شرطة الاحتلال تفريق المتظاهرين بالقوة، واصفة المظاهرات بأنها "حشود غير مسبوقة"، فهي الأوسع منذ فوز معسكر نتنياهو بالانتخابات مطلع نوفمبر الماضي.

التأثير على فلسطينيي الداخل المحتل

"إن الخطة الجديدة ستلحق ضرراً مباشراً بالمواطنين الفلسطينيين، من خلال تسهيل تنفيذ سياسات الحكومة العنصرية تجاههم، وتشريع تفوق المجتمع اليهودي بالقوانين، التي تم تفصيلها بالفعل في الخطوط العريضة للتحالف الجديد الموجه ضدهم في المجالات المختلفة، بعد ضمان تقليص الاعتراض"، بحسب ما قاله عضو الكنيست السابق ورئيس حزب التجمع الوطني سابقًا إمطانس شحادة لـ"زوايا".

ويعتقد شحادة أن التغييرات الجديدة ستحد من إمكانية المجتمع الفلسطيني في التوجه إلى السلطة القضائية لمواجهة السياسات العنصرية، وقال: "رغم أن الجهاز القضائي لم يشفع سابقاً في الدفاع عن حقوق الفلسطينيين، إلا أن هذه التغييرات ستخنق الإمكانية المحدودة المتاحة أصلاً لهم، وتهدد مكانتهم القانونية والسياسية".

اقرأ أيضاً: مختصون لـ"زوايا": قروض البنوك استهلاكية وإهدار لمدخرات المقترض

وهذا ما أكده الناشط محمد زيادة من الداخل المحتل، حيث قال: "ستتمكن حكومة الاحتلال من تنفيذ خطة الترانسفير والتهجير التعسفي بشكل أوسع ضد الفلسطينيين، فلن يكون هناك جهة قضائية تراجع القرارات، وبالأساس فإن القضاء الإسرائيلي لم يكن عادلاً معنا منذ عام 1948 حتى الآن، وهذه التعديلات ستزيد من بطش الكيان الصهيوني وستجعله دكتاتورياً أكثر من أي وقت سبق ضدنا وضد الإسرائيليين أيضاً، وإن لم نكن بنفس الميزان، فالإسرائيليون يخشون التعديلات، لأنهم يدركون أن التعديلات تشكل خطراً عليهم، وكذلك الأمر فإن أمريكا غير راضية عن الوضع الداخلي الإسرائيلي، لأن ذلك سيضر بمصالحها في المنطقة".

وقالت المحامية والمديرة السابقة لقسم الوظائف الخاصة في النيابة العامة الإسرائيلية "طاليه ساسون" في مقابلة صحفية، إن تشريع "فقرة التغلب" ستمكن نواب الائتلاف الحكومي من إسقاط قرارات المحكمة العليا، والذي من شأنه إلغاء مراجعة المحكمة العليا لإجراءات وعمليات الجيش الاحتلال في المناطق الفلسطينية المحتلة عام 1967.

وأضافت: "ستمكن خطة الحكومة من تشريع قوانين تتعلق بتوسيع المشروع الاستيطاني، وشرعنة البؤر الاستيطانية، وفرض القوانين الإسرائيلية في الضفة الغربية ووضع اليد على مناطق "ج".

وبرأي شحادة فإنه في ظل الوضع الراهن يجب على الفلسطينيين في الداخل المحتل "طرح مواقف واضحة للمطالبة بالديمقراطية، وما يمكن فعله الآن هو تقديم نموذج ديمقراطي جوهري بديل لجميع المواطنين، للوقوف أمام استيلاء اليمين الاستيطاني الديني على جميع مراكز صنع القرار، وربما منع الضرر المستقبلي الذي سيلحق بالفلسطينيين، وما تبقى من هوامش ديمقراطية ضيقة، وحريات فردية".

حدة التظاهرات والتصعيد الأمني

ويتزامن مع هذه المظاهرات التي تؤرق الداخل الإسرائيلي، تصاعد الأحداث في الضفة الغربية، حيث يشن جيش الاحتلال سلسلة اغتيالات وجرائم بحق المقاومين الفلسطينيين، فيما يرد المقاومون بعمليات فدائية ضد الاحتلال ومستوطنيه، فهل سيترك التصعيد الإسرائيلي ضد الفلسطينيين أثراً على حركة الاحتجاج لديه؟

من وجهة نظر زيادة فإن "حدة مظاهرات الإسرائيليين آخذة بالازدياد، وحالة التصعيد بالضفة الغربية ستؤثر على التظاهرات، وإذا تزايدت الأحداث سيتوحد المتظاهرون مع الحكومة، فبالنسبة لهم هناك عدو خارجي يجب أن يقفوا جنباً إلى جنب ضده تاركين الخلافات الداخلية، وليس مستبعدا أن يشن نتنياهو حرباً على قطاع غزة، ليبعد الأنظار عن هذه التغيرات، فهو معني بالتعديلات ليحمي نفسه من المحاكمة في قضايا الفساد، وليبقى على سدة الحكم".

أما إمطانس شحادة فلا يرى تأثيراً جدياً للتصعيد بالضفة، إلا في حالة دخول المقاومة في غزة إلى الصورة فيمكن أن يكون عاملاً لتخفيض حدة الاحتجاج وتوحيد "المجتمع الإسرائيلي"، وعن احتمالية شن حرب على غزة فلا يتصور أن تبادر الحكومة "الإسرائيلية" إلى دخول هذا الباب، لأن شرعية نتنياهو في "إسرائيل" باتت ضعيفة على حد قوله، ناهيك عن خلافات المؤسسة الأمنية والجيش.

وكان "معهد الأمن القومي" التابع للجامعة العبرية قد حذر في دراسة له تحت عنوان "تنبيه استراتيجي في أعقاب الإصلاح القضائي" من أن "الانقسام الداخلي يؤثر على قدرة "إسرائيل" في مواجهة التهديدات التي كثُرت مؤخراً وتواجهها، بما فيها الخلاف مع إيران، والتصعيد في الساحة الفلسطينية، إضافةً لسلوك حزب الله العدواني".

وشبه رئيس المحكمة العليا السابق القاضي المتقاعد "أهارون بارك" الإصلاحات ب"بداية نهاية الهيكل الثالث" أي زوال "إسرائيل"، ويذكر أن "المعهد الإسرائيلي للديمقراطية" أشار إلى أن نحو 58% من "الإسرائيليين" يعارضون التعديلات، يقابلهم 38% من المؤيدين.

اقرأ أيضاً: مخطط إسرائيلي لتصدير الغاز عبر سفينة الغاز الطبيعي المسال

وبرأي شحادة فإن "الحكومة الإسرائيلية ليس أمامها سوى إلغاء الخطة لتخفيف حدة المظاهرات، لأن المتظاهرين أدركوا هدف هيمنة اليمين المتطرف وفرض الهوية الدينية غير الديمقراطية في "إسرائيل"، فالصراع الآن على هوية "إسرائيل" وليس فقط على حماية السلطة القضائية".

وبالفعل أعلن نتنياهو في السابع والعشرين من آذار\مارس عن تأجيل التعديلات بعد مدة من الاصطدام الدامي مع مستوطنيهم, مؤكداً أن التصويتين الثاني والثالث على التشريع المتبقي سيكونان بعد عطلة عيد الفصح اليهودي بالكنيست في أبريل\نيسان, لإفساح فرصة للحوار حول إقرار التعديل.

وقد وافق وزير الأمن القومي "إيتمار بن غفير" على تأجيل التعديلات القضائية مقابل التصديق على إقامة حرس وطني بقيادته، الأمر الذي حذر منه المختص بالشأن العبري سعيد بشارات في مقطع فيديو قائلاً إن مهمة هذا الحرس ستكون سحق الفلسطينيين في وقت الأحداث الساخنة والمواجهات خاصة فلسطينيي الداخل المحتل.

فيقول المتابع للشأن الإسرائيلي عصمت منصور: "التأجيل لا يعني الإلغاء، فمن الواضح أن اليمين بأجندته المتطرفة قومياً والمعادية للعرب يُصِر على هذه الإصلاحات، لكن بعد موجة الاحتجاجات واعتراض بعض الدول مثل الولايات المتحدة الأمريكية شعر نتنياهو بتهديد صريح لحكومته، فأجلها اضطراراً ليعيد حساباته في كيفية جعل الإصلاحات تلاءم الداخل "الإسرائيلي" ".

يتصور منصور أن عودة نتنياهو لإقرار الإصلاحات مرة أخرى ستكون كالقشة التي قصمت ظهر البعير، فالمرة القادمة لن تكون المطالبات بتعديل القانون أو التراجع عنه بل إسقاط حكومة اليمين، وهذا سيدخل "إسرائيل" في أزمة سياسية، وختم: "بذلك سيزداد الوضع سوءاً في الساحة الفلسطينية، لأنه كلما استسلم نتنياهو أمام المتظاهرين...ابتزه اليمين على حسابنا، خير مثال المطالبة بتشكيل حرس وطني بقيادة بن غفير والذي مهمته بالدرجة الأولى قمع الفلسطينيين".

المصدر : خاص-زوايا

مواضيع ذات صلة

atyaf logo