بينَ زقاقِ مخيم جباليا الواقع شمال غزة المكتظ بالسكّان، يقف المسنُّ محمد العمري (67 عامًا) على بابِ بيته متحسرًا على ضياعِ فرصة "الحج" بعد عجزِه عن إكمال مصاريف الحج كحال الكثيرين من المسجلين للحجِ في قطاع غزة.

ويقول الحاج "العمري" لـ "زوايا" إنه قد تمكن قبل عدة أعوامٍ من تسديد مبلغ 1500 دينار أردني (2113 دولارًا أمريكيًا) لدخول اسمه في قرعةِ الحج ، ليضطر لسحب المبلغ في وقت سابقٍ بعدما لم يحالفه الحظ في القرعة، وعند إجراء القرعة هذا العام لم يتمكن من إيداع المبلغ ذاته لتضيع عليه فرصة الحج.

ويعزي "العمري" السبب إلى أنه صرفَ المبلغَ في الأمور الحياتية نظرًا للظروف الصعبة التي تعيشها العائلة وللتراكمات والاستحقاقات المالية لحياته وعائلته.

أمّا المواطنة آمنة حجازي (73 عامًا) فتقولُ إنها سجّلت للحج في العام الماضي، لكنّها عجزت عن دفع مبلغ الـ1500 دينار أردني وبالتالي لم تدخل القرعة هذا العام.

وأرجعتْ "حجازي" السبب بقولها "أمنيتي أن أحج هذا العام بعدما كبرتُ في العمر، كنت آمل أن أستطيع أن أوفر مصاريف الحج، ولكن نظرًا للظروف الصعبة وتكاليف زواج ابني عجزت عن ذلك".

حال "العمري" و"حجازي" كحال المئات بل الآلاف من أبناء الشعب الفلسطيني في غزة الذي سجلّوا في الحج ولم يستطيعوا دخول القرعة أو دخلوا القرعة ولم يحالفهم الحظ ليسحبوا المبلغ ولم يستطيعوا الدفع مجددًا.

وهذا ما أكّده رئيس جمعية شركات الحج والعمرة في قطاع غزة عوض أبو مذكور لـ "زوايا" أن عدد المسجلين للحج هذا العام والعام المنصرم قد بلغ 41 ألف مواطن في حين أن الذين استطاعوا دفع مبلغ 1500 دينار أردني هم 19 ألف مواطن فقط وهم الذين دخلوا قرعة الحج.

سخط عبر منصات التواصل

حالة من السخط شهدتها "منصات التواصل الاجتماعي" حولَ ارتفاع تكاليف الحج والعمرة، وسط توقعاتٍ بأن أسعار الحج هذا العالم التي لم تقر بعد، أنها لن تختلفَ كثيرًا عن الأسعار في العام الماضي.

وبشأن أسعار العمرة فقد تراوحت بحسبِ بيانٍ من أصحاب شركات الحج والعمرة في غزة بين 1250-1550 دينارً أردني خلال شهري مارس وأبريل 2023.

جاءت حالة السخط تحديدًا من قطاع غزة نظرًا لسوء الأوضاع الاقتصادية وتدنّي الأجور واستفحال البطالة ولا سيما بين فئة الشباب.

وقال الإعلامي "أحمد سعيد": "إن تسعيرة الحج قد بلغت 2700 دينارًا أردنيًا في الضفة في حين قد بلغت في قطاع غزة 3470 دينارًا أردنيا".

وتابع "سعيد" بسخرية "ما القصة هل ذنوبنا في غزة أكثر؟!"

"رسوم الحج في غزة ضخمة جدًا.. أين المسؤولون في أوقاف غزة والضفة، أين التشريعي، أين الحكومات في دولتي فلسطين الشمالية والجنوبية.. " يقول الناشط مازن النخالة.

وتساءل الناشط محمد قاسم "لماذا أسعار الحج والعمرة في قطاع غزة مرتفعة عن باقي الدول؟"

واكتفى الناشط إياد حسن أبو ريدة مشيرًا لأسعار الحج في غزة والتي بلغت 3470 دينارًا أردني بقوله "لا حول ولا قوة إلا بالله".

"صلوا في مساجدكم الفجر واجلسوا واذكروا الله ثم صلوا ركعتين بعد الشروق، فذلك يعدل حجة وعمرة تامة.. العمرة لأهل غزة أسعارها لا تطاق اتقوا الله".

أسعار مرتفعة

وقال رئيس جمعية شركات الحج والعمرة في قطاع غزة عوض أبو مذكور إن أسعار الحج هذا العام ستكون قريبةً جدًا من أسعار العام الماضي، وسيتم تحديدها عند ترسو الخدماتِ على الشركاتِ.

وأرجع "أبو مذكور" خلال حديثه لـ "زوايا": "ارتفاع أسعار الحج والعمرة إلى ارتفاع أسعار الفنادق في مكة المكرمة والمدينة المنورة، إضافة إلى ارتفاع تكاليف النقل الجوي والبري".

اقرأ أيضاً: عمال غزة بين فكي القلة وسماسرة التصاريح

وبحسب أبو مذكور، حتى اللحظة لم ترسُ مناقصات سكن الحجاج والخطوط الناقلة الجوي إضافةً إلى عقود النقل البري من مطار رفح إلى القاهرة واستئجار العقود المتعلقة بالمشاعر على الشركاتِ.

وبشأن الدور المصري، ثمن "أبو مذكور" دور مصر في إتاحة الفرصة للحجاج والمعتمرين الفلسطينيين من قطاع غزة للعبور عبر الأراضي المصرية، مشيرًا إلى أن العبور البري يكلّف الشخص الواحد قرابة 600 دولارٍ أمريكيٍ، في حين كان العام الماضي قرابة 553 دولارًا أمريكيًا.

ارتفاعٌ كبير في الخدمات السعودية

الزيادةُ في أسعار الحج والعمرة لم تقف عند النقل البري وحجوزات الفنادق في السعودية فقط، بل نظرًا لارتقاء مستوى الخدمات في السعودية ارتفعت من 500 دينار أردني قبل سنواتٍ قليلةٍ إلى 1200، منوهًا "أبو مذكور" بأن المملكة العربية السعودية نقلت الخدمة لشركات خاصةٍ لتنظيم العملية في كل من عرفة ومزدلفة ومنى.

ويقول أبو مذكور: "الزيادةُ في أسعار الحج والعمرة معضلة عالمية وليست داخل الأراضي الفلسطينية فقط بل زادت على المقيمين داخل السعودية، وعلى سبيل المثال فلقد وصلت أسعار الحج في مصر الشقيقة إلى 3700 دينار أردني في حج القرعة".

وسجّل في قطاع غزة لوحده 41 ألف مواطن للحجِ في حين أن الذين دفعوا مبلغ 1500 دينار للدخول إلى القرعةِ كانوا 20 ألفًا وتم إجراء القرعة عليهم خلال مارس 2023، وتم اختيار 1900 حاج لهذا العام، و2500 حاج للعام المقبل 2024، كما يقول "أبو مذكور"

سبب التباين بين غزة والضفة

من جانبه قال مدير الحج والعمرة في وزارة الأوقاف عادل صوالحة أن التسعيرة الحج العام الماضي قد بلغت 3470 دينارًا أردنيًا في حين بلغت أسعار العمرة للشخص الواحد 1150 دينارًا أردنيًا.

وتُحصل وزارة الأوقاف في غزة 80 دينارًا عن كل معتمرٍ وحاجٍ، يبينُ "صوالحة" لـ "زوايا" أنها تنفق في الإعداد الإداري والوفد الطبي المرافق للحجيج والمعتمرين.

وحول تباين الأسعار بين قطاع غزة والضفة الغربية، أوضح "الصوالحة" أن الحجاج والمعتمرين في الضفة يتنقلون إلى السعودية بحافلاتٍ بريةٍ والتي تصحبهم أيضًا للتنقل داخل السعودية مما يخفض التكلفة، في حين أن حجاج ومعتمري قطاع غزة يصلون السعودية من مطار القاهرة جوًا، وسيتم استئجار حافلات خاصة داخل السعودية لهم، مما يوسع الفرق بين أسعار الحج والعمرة بين قطاع غزة والضفة.

اقرأ أيضاً: "نتنياهو" يتلقى عدة صفعات خلال زيارته الأخيرة لروما

وأشار "صوالحة" أن التنقل الجوي والبري لحجاج قطاع غزة ذهابًا وإيابًا يقفزُ عن حاجز الألف دينار أردني، أما بخصوص التنقل البري من وإلى مطار القاهرة ذهابًا وإيابًا شاملةً سيارات عفش الحجاج والرسوم الداخلية للمعبر تبلغ 525 دولارًا.

وحول الدّور السعودي، أشاد "صوالحة" بدور وزير الأوقاف الفلسطيني "حاتم البكري" لافتًا أنه كان في السعودية قبل فترةٍ وجيزةٍ وتقدّم بطلبٍ لزيادة أعداد الحجاج الفلسطينيين.

أسعار عالمية

واتفق المختص الاقتصادي محمد أبو جياب مع دكتور الاقتصاد محمد نصار أن ارتفاع أسعار الحج والعمرة عالمية وليست مختصة بقطاع غزة لوحدِه.

وأرجع المختصان الاقتصاديان خلال حديثهما لـ "زوايا" ارتفاع أسعار الحج والعمرة إلى تكاليف السفر التي ارتفعت برًا وجوًا، واستئجار الفنادق في المملكة العربية السعودية وغيرها.

وأوضحا أنه في حالة الحج يكون الطلب كثيرا مقابل عرض قليل وبالتالي ترتفعُ الأسعارُ عالميًا، موضحا أن ذلك يفسر ارتفاع أسعار العمرة في رمضان والتي تصادف طلبًا أكثر، وهو ما يؤثر على أسعار الشركات وخدماتها.

وحول إمكانية تخفيض أسعار الحج والعمرة لقطاع غزة نظرًا لسوء الأوضاع الاقتصادية، بين "نصار" أن الجهات الحكومية في غزة أو في الضفة ليست لديهما القدرة المالية في هذا الشأن.

وثمن "نصار" دور المملكة العربية السعودية بشأن مكرمة ذوي الشهداء والتي منحتها السعودية لألفِ فلسطيني مناصفةً بين الضفة وغزة.

ووسط هذه الأسعار النارية مقارنةً بالوضع الاقتصادي في قطاع غزة، تبقى الآمال ضعيفةً للكثيرين من الأهالي الفلسطينيين في غزة في تحقيق آمالهم في أداء مناسك الحج والعمرة، وسط غلاء عالمي في أسعارها.