لو أن يوم الجمعة يختفي من رزنامة سكان قطاع غزة

الكثافة لاسكانية في قطاع غزة.jpg
الكثافة لاسكانية في قطاع غزة.jpg

جلستُ مثل آلاف الشباب الذي يبيعون وقتهم لأصحاب المقاهي البسيطة من أجل سرد حكايات مكررة لأصحاب يتشابهون معهم في المصير والألم والأمنيات والبطالة.

هذه الجلسات المسائية أصبحت هي العنوان الأشهر لقطاع غزة الذي تنتشر فيه البطالة بنسب غير معهودة، هناك في تلك الجلسات يلوك الفتيان والشباب والكهول قصصهم التي تنضح بالمعاناة واللوم والسُّباب الذي يصل في أغلبه إلى مسامع الحاكمين الذي "كبروا روسهم" وما عادوا يلتفتون إليها، ربما لأنهم باتوا لا يستشعرون الخطر ممن يتلفظ بها من فرط الضرائب التي يفرضونها على الناس، والغلاء غير المبرر لأغلب السلع والحاجات الأساسية.

أحد هؤلاء الجالسين قال لي وأنا على غير انتباه مع حديثه؛ لانشغالي في الاستماع لشخص آخر كان يشتم في الحكومة لأنها فرضت ضريبة جديدة على السجائر، الشخص الأول قال أنه أصبح يكره مجيئ يوم الجمعة، فسألته عن السبب وليتني لم أفعل، فقد أخذ الرجل في البوح عما يخبئه في صدره من لعنات وخجل: "يوم الجمعة أصبح يوم مُتعب بالنسبة لي، هذا اليوم الذي من المفترض أن يكون يوم إجازة نجتمع فيه على مائدة الغداء مع العائلة أصبح يوم مرهق ومكلف جدًا، فيجب أن يتوفر فيه اللحم على أي صنف كان، لحوم حمراء، أو بيضاء، أو أسماك، فهو اليوم اليتيم الذي نأكل فيه تلك الأطعمة على مدار الأسبوع لكننا الآن لم نعد في تلك السعة التي تمكننا من فعل هذا لأنني ببساطة لا أعمل، وإن عملت لأيام قليلة فلا تكفي كي أوفر طعام الأسبوع، فكيف لي أن أجلب اللحم في نهاية أسبوع أنا لا أستطيع الوصول إلى نهايته وفي جيبي ما يكفي لاختتامه."

لم يشكل كلام الرجل صدمة بالنسبة لي فأنا أعرف حجم المأساة، وواقع حالة الفقر التي يعاني منها الناس بشكلٍ بات هو المشترك الوحيد بين أطياف المجتمع بالإضافة إلى الأمراض، لكنني لم أتصور المأساة في حديث الرجل أن يتحول يوم الجمعة وهو اليوم الذي كان يمثل يوم عيد واحتفال داخل الأسرة الفلسطينية، إلى مناسبة مؤلمة يتمنى البعض أن لا تأتي كي لا تحمل معها الإحراج والانكشاف أمام الأطفال والأفواه التي تطلب الأكل المعتاد ولا تجده.

لقد حول الفقر الفلسطيني إلى إنسان معبأة بطاقة سلبية تنعكس بالضرورة على صحته النفسية والبدنية فأصبح المجتمع بغالبيته يعاني من مرض الاكتئاب الذي وصل حسب نتائج مسح أجراه البنك الدولي والجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني عام 2022 مفاده أن 71% من سكان قطاع غزة مصابون بالاكتئاب، هذه النسبة التي أظن أنها أكثر من ذلك عامل مهم من عوامل تفشي فقدان الأمل، والعزوف عن مواجهة الحياة بصورة صحيحة وسليمة، واللجوء إلى الانعزالية أو العنف، أو الانتحار، وهو ما حدث بالفعل.

اليوم لا يستطيع غالبية سكان قطاع غزة أن يأكلوا الدجاج يوم الجمعة، وقد تغير مفهوم ذلك اليوم، فماذا سوف يحدث في باقي الأيام والسنوات؟! ولا أظن أنه سؤال بلا إجابة، بل هو تساؤل مفتوح –قد تأخر الحكام في الإجابة عليه- لكن واجبنا أن نضعه فوق جبينهم ليظل بصمة بالأصابع الخمس تذكرهم بتقصيرهم تجاه الناس الذين وصل بهم الحال إلى تمنى اختفاء يوم عيدهم الأسبوعي، إي نعم أن الاحتلال أجرم في حقنا من خلال حصاره، لكن قادتنا أجرموا بحق الشعب عندما حكموه بحكومتين وضريبتين وإعلام لا يكل عن الخداع والكذب.

المصدر : خاص-زوايا
atyaf logo