الصين تتمدد بهدوء

اتفاق "السعودية - إيران".. رسالة إلى واشنطن وإنذار لـ"إسرائيل"

الاتفاق السعودي الايراني
الاتفاق السعودي الايراني

عبر مفاوضات سرّية نجحت الصين في تحقيق اختراقٍ سياسيٍّ كبير، عبر التوصل إلى اتفاق سياسي بين إيران والمملكة العربية السعودية، ينهي حالة القطيعة والصدام العسكري غير المباشر بين الطرفين، ويمهّد لعلاقات دبلوماسية ولقاءات بين وزراء الخارجية في محطتها الأولى، قد تصل إلى زيارات على مستوى أعلى رأس الهرم السياسي بين البلدين.

وفي قراءة تحليلية للاتفاق رأى "نبيل فهمى" وزير الخارجية المصري السابق في الاتفاق خطوة مهمة تعكس رغبة بين البلدين للانتقال من القطيعة الرسمية بينهما إلى مسار علاقات طبيعية، بكل ما تحمله من فرص وتحديات.

وأكد "فهمي" أن الاتفاق الموقع بين الجانبين يحمل أهمية خاصة، باعتبار أن أغلب الخلافات بينهما ترتبط بقضايا الأمن القومي، حيث يوفر تفعيل الاتفاق الأمني الموقع منذ عقدين بين البلدين ثقلا سياسيا لإعلان استئناف العلاقات ودعم المؤسسات الوطنية المحافظة والمتحفظة له.

وشدد على أنه لا يمكن المضي نحو الأمن والاستقرار بالشرق الأوسط في ظل غياب استقرار العلاقات السعودية الايرانية، مشيراً إلى أن مسار الحوار الدبلوماسي السياسي ضروري لتخطى كم غير قليل من التراكمات التاريخية السلبية وضمان التعامل الحكيم مع جهود متوقعة من أطراف اقليمية ودولية غير مؤيدة للتهدئة السعودية الايرانية.

كما أشار وزير الخارجية المصري لمؤشر هام في الاتفاق حيث تم خارج المنطقة في بكين، موضحا أن هذه الاستضافة مرتبطة بعدة أمور، من بينها اعتماد الصين على مصادر الطاقة الشرق أوسطية، وخروجها من دائرة الدبلوماسية المحكومة والمحدودة والبدء في ممارسة الدبلوماسية العالمية النشطة.

تضاؤل الوجود الأمريكي

وفي تحليل للكاتب "جون ألترمان" المفكر والباحث الأمريكي المختص في قضايا الشرق الأوسط، رأى أن اتفاق "طهران – الرياض" يضيف إلى المكانة الصينية، ويعني الكثير لوجود الصين في الخليج العربي.

اقرأ أيضاً: ترجمة خاصة تجديد العلاقات الإيرانية السعودية: التداعيات

وأضاف أن الرسالة غير المباشرة التي ترسلها الصين للولايات المتحدة أنها وجودها الدبلوماسي قوي ومتصاعد، وهو ما يضيف إلى تصور القوة والنفوذ الصيني في جميع أنحاء العالم، ويساهم في تضاؤل الوجود العالمي لأمريكا.

وتمثل الصين وحدها نحو 30٪ من إجمالي التجارة الدولية لإيران، كما أن الصين هي أكبر سوق لتصدير النفط السعودي.

وقال "ألترمان" إن السعودية استبعدت تماما الولايات المتحدة من حيثيات المفاوضات مع طهران، في رسالة من الرياض مفادها أن أنها لن تكون سلبية في الدبلوماسية الإقليمية، وستتخذ إجراءاتها الخاصة في كيفية تحقيق التوازن بين مصالحها، وذلك في ظل وجود تسريبات سعودية تؤكد أنها منفتحة على التفاوض بشأن التطبيع الدبلوماسي مع إسرائيل بشروط.

واستبعد الباحث الأمريكي أن يزيل الاتفاق الشكوك السعودية تجاه إيران، والعداء الإيراني تجاه السعودية، ما يدفع الرياض للحفاظ على الضمانات الأمنية الأمريكية، وتعميق التفاهمات الأمنية مع إسرائيل، كجزء من استراتيجية أوسع ضد ما يعتبره السعوديون تهديدا إيرانيا دائما.

هدفًا في المرمى الأمريكي

بدوره وصف "عريب الرنتاوي" الكاتب والمحلل السياسي في الشؤون الشرق أوسطية الاتفاق بالمفاجأة الكبرى والمركبة، بعد أن جاء بأسرع مما كان أغلب المراقبين يظنون، كما حملت "الوساطة" دلالات سياسية في خضم الصراع المحتدم بين واشنطن وبكين.

وقال إن الصين سجلت هدفا في المرمى الأمريكي، وقدمت نفسها كوسيط بين أقوى حليف عربي لواشنطن وأكثر قوة إقليمية مناهضة لها.

وأكد "الرنتاوي" أننا أمام "خليج جديد"، و"سعودية ثانية"، و"نظام عالمي قيد التشكل"، وأن الفرصة باتت متاحة لجلوس قطبين كبيرين حول مائدة حوار للتباحث في سبل اجتراح الحلول، بعيداً عن لعبة "الخيار الصفري"، وربما على قاعدة "رابح – رابح".

وأضاف أن الاتفاق شكل تطورًا نوعيًا لتغيير قواعد العلاقات في الإقليم، ولاقى إجماعا وارتياحا إقليميا ودوليا، رسميا وغير حكومي، رغم حالة الاستياء التي سادت الوسط السياسي الإسرائيلي، والترحيب المتحفظ الذي صدر عن واشنطن.

وأقر المحلل السياسي بأن مشوار استعادة العلاقات بين الجانبين وتطبيعها، ما زال طويلاً وشاقاً، وأن الأثر الإيجابي للاتفاق على الأزمات المفتوحة في المنطقة، من اليمن إلى لبنان، مروراً بسوريا والعراق، لن يحصل قريباً.

وعلّل "الرنتاوي" ذلك بالقول:" ثمة لاعبون آخرون لديهم حساباتهم ومصالحهم، وثمة أطراف محلية، بنت لنفسها منظومة من المصالح على جذع الانقسام الإقليمي، تبدو بحاجة للتفكيك وإعادة التركيب، وتلك مهمة ليست باليسيرة في أقل تقدير".

موطئ قدم

بدوره أكد "ديفيد أ. أنديلمان" المراسل الأمريكي المخضرم أن تؤتي الصفقة، ثمارها بشكل كبير للغاية، بعد أن ضمنت بكين من خلالها مكانتها كصديق مقرب وشريك موثوق لاثنين من أكبر منتجي النفط في العالم، كما تعتبر إيران أحدث دولة مسلحة نوويًا في العالم.

اقرأ أيضاً: قراءة في الاتفاق الإيراني السعودي

وكشف "أنديلمان" أن الصين لطالما رغبت في الحصول على موطئ قدم استراتيجي ثابت في منطقة الشرق الأوسط والخليج، مع تراجع النفوذ الأمريكي، مضيفا أن

الإعلان عن الصفقة شكل تحالفا بين المملكة العربية السعودية من جهة والصين وصديقتها المقربة روسيا من جهة أخرى.

ودعا الصحفي الأمريكي إلى الانتباه إلى الجهود الأمريكية لاحتواء التوسع الصيني الطموح في المنطقة، مشيرا إلى أن الوضع الجديد يحفز أيضا "إسرائيل" لكبح دوافعها التوسعية وإظهار درجة من حُسن النية تجاه الفلسطينيين.

وتابع:" الاتفاق بين الرياض وطهران أدى إلى زيادة حدة المخاطر، ويبدو أن بكين، وكذلك السعودية وإيران، عازمة على توسيع نفوذها وقوتها في مناطقها، مما يجعل سياسة الاحتواء هدفًا مناسبًا بشكل متزايد للولايات المتحدة".

المصدر : متابعة-زوايا
atyaf logo