ماذا سوف يحدث في شهر رمضان؟!

أجواء رمضان من المسجد الأقصي
أجواء رمضان من المسجد الأقصي

منذ بداية العام والمواقع العبرية تحذر من تصاعد للعنف في شهر رمضان لما له من خصوصية دينية لدى المسلمين عامة، والشعب الفلسطيني في مدينة القدس خاصة، وهذا الحوار أيضًا بات ينمو في أوساط الشارع الفلسطيني وإن بدى على استحياء فهو الآن الحوار المسيطر على جلسات الناس في المقاهي والشوارع وانتقل أخيرًا إلى الفضائيات في شكل تعقيب على ما تورده الصحافة الإسرائيلية في ضوء تصاعد عمليات "الانتقام" الفلسطينية على تغول الاحتلال في إجراءاته في الضفة الغربية ومدينة القدس.

هل فعلًا تخاف إسرائيل من أحداث قد تشتعل في مدينة القدس وتمتد منها إلى باقي المناطق والمدن الفلسطينية وصولًا إلى التصعيد على جبهة غزة؟ وما هي طبية ذلك الخوف؟ أم أن الأمر بات ضمن قرطاسية الصراع الفلسطيني الإسرائيلي باعتبار أن الحالة الفلسطينية أصبحت تدار بالتوقع والتصعيد المعروف سلفًا وبنهايته التي تعدها إسرائيل كل مرة بناء على معرفة كبيرة بطبيعة الفصائل وردود الفعل "الثأرية" من قبل المواطنين الغاضبين، التي بدأت إسرائيل بسن قوانين جديدة للتعامل مع أسر منفذي العمليات من هدم منازلهم وترحيلهم خارج البلاد.

اقرأ أيضاً: ائتلاف "أمان": هناك شكوك حول نزاهة التحقيق في الأخطاء الطبية في غزة

من واقع الخبرات السابقة التي لجأت فيها إسرائيل إلى مثل تلك التحذيرات نجد أنها في كل مرة تعمل على تطويع واستغلال أي عمل فلسطيني انتقامي لصالح تصعيد المعاناة باستخدام إجراءات أكثر تعسفًا تجاه حركة المواطنين في الضفة الغربية من خلال تسريع إعطاء التصاريح لبناء مستوطنات جديدة وتغلف ذلك في ثوب درت الفعل الانتقامية جراء وقوع قتلى في صفوف المستوطنين وهو ما يقابل بصمت فلسطيني أو بيانات من السلطة والفصائل لا تخرج عن إطار التنديد والتهديد فيما تستمر الإجراءات الاسرائيلية في المصادرة والهدم بوتيرة أسرع مما كانت عليه، مما يوقعنا في فخ كبير نعلمه جيدًا لكننا لا نملك لمواجهته أي خطة على الأرض، ليبقى السؤال الكبير: هل نحن بحاجة إلى تصعيد وقتي في شهر رمضان أو في أي مناسبة دينية أو وطنية أخرى؟!

إن وجود الاحتلال هو في حد ذاته دافع للشعب لمواجهته ومقاومته على مدار الأيام، وهذا ما كان سابقًا سواء في انتفاضة الحجارة أو بعد ذلك في انتفاضة الأقصى وتوقف فعليًا بعد الانسحاب الاسرائيلي من قطاع غزة عام 2005، إذ تغيرت بعدها استراتيجية الفصائل خاصة بعد سيطرة حركة حماس على قطاع غزة وانكفاء الفعل المقاوم اليومي لصالح عمليات اطلاق الصواريخ التي عرفت اسرائيل كيف تتعامل معها سواء بمنطق القوة والمزيد من القوة وايقاع الخسائر أو بمقايضة الهدوء بالتسهيلات الاقتصادية مع السماح لبعض عمليات الإطلاق التي لابد منها لتنفيس الفعل الغضب الشعبي جراء العمليات العسكرية في الضفة الغربية، وهذا ما اتضح جليًا بعد عملية جنين التي راح ضحيتها عشرة شهداء، إذ تجهزت اسرائيل وهيأت المجتمع الداخلي لديها بأن الصواريخ سوف تخرج من غزة في تلك الليلة، وبالفعل خرجت الصواريخ وتصدت لها القبة الحديدة، ومن ثم قصفت إسرائيل بعض المواقع الخاصة بالمقاومة وانتهى الأمر في الصباح على خبر إطلاق صواريخ من غزة كرد على عملية جنين، وهنا نتساءل هل هذا هو الرد على قتل عشرة أشخاص في جنين؟!

اقرأ أيضاً: "النخالة" أميناً عاماً بالتزكية.. كيف تُجري "الجهاد الإسلامي" انتخاباتها؟

بالطبع كان القصد من إطلاق الصواريخ هو تنفيس الغضب الشعبي، وهو ما توقعته إسرائيل وهيأت الجبهة الداخلية له، تلك الجبهة التي "تفهمت" اطلاق الصواريخ كرة فعل على قتل جيشهم لمجموعة من المقاومين، ولو أن الأمر سيستمر كذلك: يقتلون منا، ثم نطلق عليهم بضع صواريخ تتصدى لها القبة الحديدية أو تسقط في أماكن مفتوحة فلا ضير من تحملها وتكرار الفعل أكثر من مرة.

الواضح أن هذه الاستراتيجية قد أعجبت اسرائيل وتسير فيها على قدم وساق، فقد تحول الفلسطيني من حالة مقاومة مستمرة إلى ردة الفعل الثأرية، وهذا تحول خطير على حالة النضال الوطني، فتراها تعمل على جرنا في رمضان لمزيد من التصعيد لتحقيق المزيد من الإجراءات التعسفية، بعد أن باتت تعرف ردة الفعل "الفصائلية والرسمية" بأنها لن تخرج عما كان في السابق من ردود فعل لا ترتقي لتغيير المعادلة، إذن فنحن لسنا بحاجة إلى شهر رمضان كي نقاوم الاحتلال، بل بحاجة إلى استراتيجية وطنية حقيقية تعمل على استنهاض الفعل الفلسطيني بكل ما يملك من أداوت قوة تراجعت بسبب الانقسام وبسبب قيادات رأت في المهادنة والمنصب أسلوب لإدارة الصراع، فالمطلوب الآن ليس إدارة الصراع بل إطلاقه تحت خطة وطنية جامعة، وإلا لن يكون رمضان وكل أشهر السنة إلا أيام نموت فيها دون ثمن، ونثأر بعدها دون جدوى سياسية.

المصدر : خاص-زوايا
atyaf logo