الحذر من اختراق حصانة المجتمع الفلسطيني

طفل فلسطيني يرفع علم فلسطين
طفل فلسطيني يرفع علم فلسطين

يمكن الحديث مطولا عن عظمة الشعب الفلسطيني وتاريخه النضالي وعدالة قضيته الوطنية التي باتت غالبية شعوب العالم تعترف بها وتؤيدها، كما يمكن الحديث بكل فخر واعتزاز عن شهداء وأسرى فلسطين، كما نفهم ونقدر أهمية الفعاليات الفردية والحزبية ومن المؤسسات الحقوقية ومؤسسات المجتمع المدني في الوطن وخارجه التي تكشف عنصرية الاحتلال وارهابه، كما لا نتجاهل أهمية ما يُكتب ويُقال عبر الفضائيات والإذاعات وعلى شبكات التواصل الاجتماعي حول نفس الموضوع ...  ولكن كل ذلك يجب ألا يعمي أبصارنا عن الواقع السيء للنظام السياسي ككل من سلطة وأحزاب ومجتمع مدني.

العمليات البطولية التي تحدث ما بين فترة وأخرى كتلك التي قام بها الأبطال: قراقع وعلقم وعدي ورعد وسامر الخ تُشعر الشعب بالفرحة وتثير حالة عاطفية انفعالية ولكنها تزول بعد أيام، وفي كثير من الحالات تكون قدرة العدو على توظيف هذه العمليات لصالحه أكثر من قدرة النظام السياسي الفلسطيني المأزوم على توظيفها لصالح القضية الوطنية. هذه العمليات وإن كنا نأمل أن تكون إرهاصات انتفاضة جديدة إلا أنها حتى الآن تعبر عن حالة بطولة فردية ولا يمكن تفسيرها وارجاعها لأن النظام السياسي بدأ يستعيد توازنه أو يزعم أي فصيل أنه صاحب الفضل في هذه العمليات.

اقرأ أيضاً: الفلسطينيون والزلزال.. نكبة مركبة تفتقر للغوث الرسمي والفصائلي

الفلسطينيون صناع التاريخ والبطولة والتضحية ومصدر الإلهام لكثير من الشعوب المناضلة من أجل الحرية واقعون تحت وطأة هموم الحياة المعيشية ويعانون من وطأة الاحتلال والحصار كما أن السلطتين والحكومتين في الضفة وغزة مأرومتان ومتعاديتان، وفوق بل وأخطر من كل ذلك تجري عمليات ممنهجة لتغيير طبيعة الصراع واختراق حصانة المجتمع مما يشكل خطرا داهما ومعيقا لكل مسعى تحرري وطني أو ديمقراطي سلمي، كما تحرف النضال الوطني من نضال شعب موحد ضد الاحتلال إلى ما يشبه الحرب الأهلية الباردة.

اختراق حصانة المجتمع من الداخل سياسة قديمة، فعندما تعجز دولة عن هزيمة خصمها من خلال المواجهة العسكرية المباشرة تلجأ للبحث عن نقاط ضعف داخلية، إما أن تكون طابورا خامسا من الجواسيس والعملاء أو تمارس استراتيجية الإلهاء وتشتيت الاهتمامات والأولويات. هذا ما يقوم به الكيان الصهيوني، فلأنه عجز طوال أكثر من مائة عام من الصراع عن هزيمة الشعب الفلسطيني وإنهاء الصراع لصالحه فقد لجأ لمحاولة تدمير الشعب الفلسطيني باختراق حصانته من الداخل بشتى الطرق.     

دون التهوين أو التقليل من تاريخ الشعب ومعاناته وصبره، ومع الأخذ بعين الاعتبار قوة الخصم الصهيوني وقوة تحالفاته الدولية والإقليمية، ومع احترامنا وتقديرنا للعمليات البطولية الفردية، إلا أن كل ذلك لم يحل دون ظهور مؤشرات على تحولات مقلقة في المجتمع في كل أماكن تواجده وخصوصا في الضفة والقطاع ومنها: 

 1- عدم الإحساس بالأمان الشخصي والعائلي 

2- انعدام الثقة بالمؤسسات القائمة الرسمية وغير الرسمية

3- انعدام الثقة بين الافراد، وبينهم وبين الأحزاب، وبين هذه الأخيرة وبعضها البعض، مما يضعف العمل الجماعي

4- الخوف من السلطة/ السلطتين ورموزها.

5- سيطرة براديغم الخضوع والطاعة للأقوى ولمن يملك المال 

6- الاستنكاف عن المشاركة في الحياة السياسية العامة وبروز نزعة (الأنا) الشخصية والحزبية وتضخمها

7- الاغتراب السياسي مما يدفع إلى هجرة الشباب والكفاءات

8- هيمنة فكر ونظرية المؤامرة 

9- تزايد التفكير الغيبي الديني والخرافي

10- اختلال المنظومات القيمية والاجتماعية وانتشار المخدرات والعنف الاجتماعي وتزايد حالات الإحباط واليأس والاتكالية

11- نظرة تشاؤمية للمستقبل

12- قوة تأثير المال السياسي وما يؤدي من تحوُّل في الولاء من الولاء للوطن إلى الولاء لمن يدفع المال والراتب وخصوصا إن كان المصدر خارجيا.

13- قوة تدخل الأجندات السياسية الخارجية باسم الدين تارة وكوكلاء عن العدو تارة أخرى أو بذريعة الحفاظ على الأمن القومي لدول الجوار، مما يضعف من القرار الوطني المستقل.

14- تزايد الحديث عن الفساد المالي والإداري وضعف المؤسسات الرقابية والقضائية، واستغلال كلا السلطتين لحالة الانقسام للتغطية على فشلهم وفسادهم.

في ظل هكذا أوضاع ينبثق سؤال: ما العمل؟ وكيف يمكن عمل اختراق إيجابي دون الوقوع في العدمية السياسية؟ 

ما يشهده المجتمع من اختراق لحصانته، وما يعتري النظام السياسي من تأزم وانغلاق أفق، يحتاج لجهود كل الشعب في الوطن والشتات، ولا يكفي مطالبة أو مناشدة السلطة/السلطتان والطبقة السياسية بوقف هذا التدهور، فهناك أمور تدخل في الاختصاصات المباشرة للسلطة/السلطتين كمحاربة الفساد وفرض سلطة القانون والالتزام بدورية الانتخابات الخ ولكن هناك أمورا تقع مسؤولية محاربتها على عاتق المجتمع من أفراد وعائلات ومجتمع مدني وأحزاب، لأن الخلل يمس كل مكونات المجتمع والنظام السياسي.

اقرأ أيضاً: دراسات متخصصة ترصد اتجاهات حكومة "نتنياهو" مع الفلسطينيين والعرب وروسيا والصين

دون تجاهل دور العدو الصهيوني وتقصير الطبقة السياسية إلا أن كثيرا من أوجه الخلل في المنظومة الاجتماعية يتحمل مسؤوليته الجمهور والمجتمع المدني، هذا الأخير الذي يشتغل بدون ضوابط أو استراتيجية عمل واحيانا ينفذ أجندة الجهات المانحة والممولة، بل يمكن القول إن حالة من التكيف المجتمعي مع هذا الواقع السيئ يمكن تلمسها من خلال غياب التحركات الشعبية الواسعة للضغط على الطبقة السياسية في موضوعات استراتيجية مثل الانتخابات وإنهاء الانقسام ومحاربة الفساد، أيضا التكيف مع المال السياسي الخارجي دون تدقيق أو بحث في مصدر هذا المال وأهداف أصحابه وعلاقته بتكريس الانقسام ومحاصرة المقاومة وإثارة الفتنة الداخلية، وعلاقته بالمخطط أو المعادلة الإسرائيلية (الاقتصاد مقابل الأمن) وهي المعادلة التي تشارك في تمريرها جهات عربية  . 

حتى لا تتوه خطانا عن الطريق وحتى لا تذهب هدرا دماء الشهداء وعذابات الأسرى لا يكفي بأن يلقي كل طرف بالمسؤولية على الآخر، ولا يكفي المطالبة بوقف التنسيق الأمني مع الاحتلال كما لا جدوى من مناشدة فصائل غزة بالرد بالصواريخ، المطلوب وقفة صادقة مع الذات ومراجعة شاملة لكل الأسس والمرتكزات التي يقوم عليها النظام السياسي والاجتماعي، المطلوب مشروع وطني جديد، وإن كان لا يقطع مع الماضي ومع المشروع التحرري الأول لمنظمة التحرير إلا أن عليه الانفتاح على كل المستجدات والمتغيرات محليا وعربيا ودوليا وأن يستوعب جيلا كاملا لم يكن مشاركا في المشروع الوطني ولا في الحياة السياسية في الثلاثين سنة الأخيرة على أقل تقدير. 

المصدر : خاص-زوايا

مواضيع ذات صلة

atyaf logo