وقف التنسيق الامني مع الاحتلال.. هل يغير شيئا من الواقع؟

وقف التنسيق الأمني مع الاحتلال
وقف التنسيق الأمني مع الاحتلال

بعد ارتكاب قوات الاحتلال مجزرة في مخيم جنين راح ضحيتها العديد من المواطنين, اعلنت السلطة الفلسطينية عن وقف التنسيق الامني مع دولة الاحتلال , في خطوة اعتبرتها البعض نوعا من المناورة اليائسة التي تدل على فقدان كل الخيارات, والبعض الاخر اعتبرها خطوة شجاعة في الضغط على دولة الاحتلال ونوعا من الاحتجاج غير المسبوق على ممارساته ضد الشعب الفلسطيني.

وبين هذا وذاك تطرح كثير من التساؤلات حول جدية السلطة في تنفيذ القرار وما مدى انعكاس ذلك على العلاقة بين السلطة واسرائيل.

(1) التعاون الامني استعاد حيويته زمن عباس

جدير بالذكر أن اتفاقات السلطة الفلسطينية مع اسرائيل تلزمها بما يسمى ب "محاربة "الإرهاب", وذلك من خلال التعاون أمنيًّا مع الاجهزة الامنية الاسرائيلية, واستطاعت هذه الاجهزة تحقيق الكثير من الانجازات الامنية التي تمثلت في اعتقال المقاومين واجهاض عمليات فدائية ومصادرة اسلحة وغيرها.

السلطة لم تبد أي نوع من انواع الندم او التراجع على هذا التنسيق الامني, الذي اصبح يشكل الخطر الاكبر على مقاومة الاحتلال, ويمنح دولة الاحتلال القدرة على مواجهة اعدائها, بل ان الرئيس ابو مازن اعتبر ان التنسيق الامني "مقدس", فيما اعتبرت السلطة انه يحقق مصالحها في الحفاظ على الاستقرار ومنحها القوة في المسار السياسي.

الامريكان من جهتهم كانوا يضغطون بكل قوة من اجل استمرار التنسيق الامني بين السلطة واسرائيل ووفرت للاجهزة الامنية الفلسطينية الكثير من الدعم المالي واللوجستي.

ومع مرور الوقت وفشل كل المحاولات لتنشيط المسار السياسي ورفض حكومة الاحتلال كل الاتفاقيات الموقعة, بل انها ذهبت بعيدا حين تحدثت عن عدم اعترافها بحل الدولتين ورفضها استئناف المفاوضات مع السلطة, واصراراها على بناء المستوطنات ومصادرة الاراضي وغيرها من الاجراءات التي جعلت السلطة في موقف حرج امام شعبها حول استمرارها في التنسيق الامني.

حاولت السلطة القيام بمناورات مكشوفة من خلال عقد المجالس الوطنية والمركزية التي طالبت السلطة بوقف التنسيق الامني , واتخذت العديد من القرارات غير ان التنسيق استمر على حاله.

اقرأ أيضاً: موظفو غزة.. ضائقة تتفاقم ومصير مجهول بين فصيلين منقسمين

في محطات معينة تعرض التنسيق الامني الى اهتزازات عنيفة , خاصة في انتفاضة الاقصى، التي تكبدت إسرائيل في أعقابها خسائر فادحة؛ حيث قُتل 1069 جنديًّا ومستوطنًا وجُرح 4500 آخرون، إلى جانب تكبد الاقتصاد الإسرائيلي خسائر هائلة. وبعدها أدركت اسرائيل انها يجب ان تركز على قدراتها الامنية والا تعول على السلطة الفلسطينية كثيرا وانه يجب ان تعزز من وجودها ونفوذها الامني في الضفة الغربية.

في عهد الرئيس محمود عباس استعاد التعاون الأمني حضوره وحيوته، بفعل طابع المواقف والسياسات التي يتبناها الرئيس عباس، والذي يعارض بقوة كل اشكال القوة واستخدام الوسائل العسكرية ضد الاحتلال, وذلك بغية ان يعزز ذلك من قوة السلطة سياسيا مع الادارة الامريكية والدول الاوروبية وتوفير الدعم السياسي والمالي لها .

وبالرغم من ان الاجراءات الاسرائيلية الاجرامية ضد الشعب الفلسطيني وضد السلطة فاقت السنوات الماضية , كما ان حكومة الاحتلال تعاملت مع السلطة بكل استخفاف, واقتحمت المناطق(أ) التابعة لها وفرضت فيها الكثير من الاجراءات, هذا فضلا عن الاساءات التي لحقت بالرئيس عباس شخصيا من قبل الجانب الاسرائيلي واظهار العداوة له واعتباره "غير شريك", الا ان ذلك كله لم يدفع السلطة لاتخاذ موقف جاد وحاسم تجاه التنسيق الامني.

(2) دوافع السلطة

من الواضح ان السلطة التي كانت طوال السنوات الماضية ترفض بقوة وقف التنسيق الامني رضخت هذه المرة واعلنت ذلك دون مواربة.

صحيح ان ردة الفعل جاءت بعد مجزرة جنين لكن هناك الكثير من المواقف والسياسات والاجراءات التي تراكمت طوال السنوات الماضية وجعلت الكثير من القيادات والقوى السياسية تقول بوضوح ان التنسيق انما يخدم الاحتلال ولا يقدم أي خدمة للصالح الوطني, كما ان غضب الشارع الوطني جعل السلطة في وضع لا تحسد عليه, ولم تعد قادرة على تقديم مبررات مقنعة حول تمسكها بالتنسيق الامني.

والعجيب ان السلطة سبق ان اعلنت عن وقف التنسيق الأمني 63 مرة، لكنها سرعان ما كانت تعود إليه ؛ لانها كانت تتخوف من عواقب ذلك, وانه قد يدفع اسرائيل الى اتخاذ خطوات تصعيدية وفرض عقوبات على السلطة وتعطيل الكثير من المصالح والامتيازات التي كان يتمتع بها قادة السلطة، بما فيها تقديم التسهيلات وتحويل أموال المقاصة والسماح للعمال بدخول اسرائيل للعمل فيها.

المشكلة ان السلطة ارتبطت بدولة الاحتلال امنيا واقتصاديا, ولم يعد بالسهولة التخلص من هذا الارتباط الوثيق, غير ان اغلاق المسار السياسي ورفض اسرائيل التعاطي مع أي حلول او مبادرات سياسية واعلانها الرفض القاطع لحل الدولتين او اجراء أي تفاوض سياسي مع السلطة, فضلا عن الاجراءات على الارض دفع السلطة الى التهديد بوقف التنسيق الامني , كما ان الرفض الشعبي القاطع للتنسيق الامني والضغوط الكبيرة على السلطة أحرجها ودفعها لاتخاذ هذه الخطوة.

داخل اروقة السلطة هنالك الكثير من الخلاف والجدل العميق حول جدوى الاستمرار بهذا المسار, غير ان اصرار الرئيس ابو مازن على التمسك بالتنسيق الامني يسكت الكثير ويمنعهم من ابداء المعارضة.

هنالك الكثير من المؤسسات الحقوقية المحلية والدولية التي رفضت التنسيق واعتبرته مناقضا لمصالح وحقوق الشعب الفلسطيني، فمنظمة "هيومن رايتس ووتش" طالبت السلطة بـ"وقف كل أشكال التنسيق الأمني مع الاحتلال، التي تساهم في تسهيل التعذيب وغيره من الانتهاكات الجسيمة".

ان السلطة ليست لديها مشكلة في اعادة التنسيق الامني اذا توفرت لها بعض التسهيلات الجزئية التي (تبيض وجهها) امام الشعب الفلسطيني, لان السلطة لا تستطيع الاستمرار في هذه القطيعة لفترة طويلة خاصة في ظل الضغوط الامريكية والاوروبية, وكذلك تهديد اسرائيل بالمس بمصالح السلطة.

هناك من يرى أن التنسيق الأمني لم يعد ورقة بيد السلطة ، بل بيد حكومة الاحتلال واجهزتها الامنية التي فتحت الكثير من الخطوط والقنوات مع اجهزة الامنية الفلسطينية ومع ضباط وأشخاص متنفذين في السلطة، وتربطهم مصالح مع مسؤولين إسرائيليين, وانه لم يعد من السهل على السلطة الانفكاك من الارتباط الامني مع اسرائيل.

كما ان السلطة لا تزال تعول على عودة المفاوضات السياسية, رغم قناعة الكثير من قيادات فتح انه لا يمكن نفخ الروح فيها في ظل حكومات اليمين المتعاقبة في اسرائيل.

ابو مازن يعتبر ان مسار المفاوضات هو خياره الوحيد الذي لا بديل عنه, لذا فان خروجه عن هذا المسار قد يكون مستبعدا جدا, ولذلك هو يحاول ان يضايق اسرائيل من خلال اللجوء على المحكمة الدولية والى توقيع بعض الاتفاقات التي تعتبرها اسرائيل خطرا عليها . وستحاول إسرائيل من جهتها معنية جدا ان تبقى السلطة قائمة تؤدي خدماتها للفلسطينيين لكن دون ان يكون لها أي رمزية سياسية.

(3) الاحتلال ومدى التأثر بالخطوة

ليس من نافلة القول ان التنسيق الامني شكل ركيزة مهمة للاحتلال في نشاطاته الامنية في الضفة الغربية وقدم لها خدمة كبيرة في اجهاض الكثير من الاعمال الفدائية . وقد اقامت الاجهزة الامنية الإسرائيلية شبكة واسعة من التواصل مع الاجهزة الامنية الفلسطينية , بشكل جماعي وفردي, وروجت كثيرا من التنسيق الامني يسير مع السلطة بشكل ممتاز وان السلطة ساهمت في احباط الكثير من العمليات الفدائية.

ورغم ذلك فان الاحتلال لم يرهن نفسه للسلطة او الاتكال عليها بالرغم من قناعته باهمية وجود السلطة ودورها في الجانب الامني.

اسرائيل تلعب على حبلين, فهي تريد السلطة قوية من ناحية امنية حتى تخدم مصالحها لكنها في نفس الوقت تريدها معدومة سياسيا ووطنيا. يقول الصحفي الإسرائيلي افي سخاروف في مقالة له (قال رئيس الأركان كوخافي "إن جزءًا من زيادة الهجمات في الضفة الغربية ينبع من عجز أجهزة الأمن الفلسطينية؛ الأمر الذي أدى الى غياب الحكم في مناطق معينة بالضفة الغربية". لقد كان محقًا. لا شك أن ضعف السلطة الفلسطينية بشكل عام مرتبط بتزايد العنف الذي شهدناه في الأشهر الأخيرة على الأرض. لكن كوخافي فضل تجاهل سؤال أكبر بكثير: ما هي أسباب إضعاف السلطة الفلسطينية؟ إحدى الإجابات، للأسف، هي إسرائيل).

اقرأ أيضاً: الفلسطينيون والزلزال.. نكبة مركبة تفتقر للغوث الرسمي والفصائلي

اسرائيل تنظر الى الضفة الغربية على انها منطقة خطر استراتيجي يستدعي منها تركيز عملها الامني ضد المنظمات والافراد, كما يتطلب منها جهدا كبيرا في احباط الاعمال العدائية ضدها. وفي نفس ترى ان قدرات السلطة محدودة – بالرغم من انها مهمة وحيوية بالنسبة لها – وانه يجب ان تعول على اجهزتها الامنية , خاصة في الفترة السنوات الاخيرة التي تراجعت فيها قوة السلطة وتراجعت شعبيتها وسط الرأي العام الفلسطيني.

واوردت صحيفة هارتس في مقال لها" أن "إسرائيل لا تهتم دائما بالتنسيق، وهي تقتحم المدن الفلسطينية دون أن تهتم بالشركاء في آلية التنسيق، لأن قدرتها التكنولوجية تسمح لها بالقيام بخطوات واسعة دون إعلان مسبق، في حين أنهم في الجانب الفلسطيني يحتاجون إلى التنسيق في أمور صغيرة جدا مثل سفر رئيس السلطة، وهم بالتأكيد يقدرون أن إعلان السلطة وقف التنسيق لن يصمد لفترة طويلة".

دولة الاحتلال لديها قناعة قوية ان السلطة لن تستطيع الانعتاق من التنسيق الامني وانها مجبرة عليه, لذلك هو يستخدم سياسة التهديد والتضييق على السلطة لإجبارها على التراجع , مثل القرار الذي اتخذته فورا بوقف اموال المقاصة عن السلطة وفرض عقوبات على بعض قياداتها.

كما أن الاحتلال عمل على اضعاف السلطة من خلال خلق اجسام موازية مثل الادارة المدنية التي تشكل حكومة موازية في الضفة الغربية وتفتح ابوابها للمواطنين للحصول على التصاريح وخدمات اخرى، ما يعني سحب البساط من تحت أقدام السلطة، الأمر الذي يحدّ من قدرة السلطة على استخدام ورقة التنسيق الأمني كأداة تهديد للاحتلال.

بالعمومة فان امكانية تطبيق وقف التنسيق الأمني ضعيفة، نظرا للشك الكبير في مصداقية قرارات من هذا النوع كما ان ارتباط مصالح السلطة بدولة الاحتلال يجعل مسألة الانفكاك منها امرا صعبا, كما أن قرار وقف التنسيق الأمني لن يخرج عن كونه ورقة تستخدمها السلطة كورقة في وجه الاحتلال؛ لتحقيق بعض المكاسب، وامتصاص ردود الفعل.

المصدر : خاص-زوايا

مواضيع ذات صلة

atyaf logo