الدراما العربية.. بين الحمار والبردعة

الدراما المصرية قديماً
الدراما المصرية قديماً

أثناء عرض فيلم "هي فوضى" للمخرج يوسف شاهين عام 2007 على لجنة الرقابة تم منع إجازة عرض الفيلم بسبب المشاهد الكثيرة التي تطرح رؤية مخالفة لما تقوله الحكومة عن الفساد، أو بمنطق آخر إظهار الفيلم حقيقة ما يجري من تجاوزات أدت إلى حالة الانهيار ووجود فيلم تحت اسم "هي فوضى" من الأصل، حيث يسلط الفلم الضوء على تدهور النظام التعليمي وتحكم أمين شرطة بحي كامل وسياقات أخرى عديدة ناقشها الكاتب ناصر عبد الرحمن في السيناريو العميق الذي كتبه، وهنا رفض يوسف شاهدين حذف الكثير من المشاهد وهدد وهو على كرسي المرض عندما وصل حد الجدال إلى إقرار منع الفيلم بربط نفسه عاريًا في جدار مجلس الشعب اعتراضًا على منع الفيلم، فوصل التهديد إلى أروقة السياسة التي فضلت عرض الفيلم على تلافي ما قد يفعله صدى تنفيذ تهديد المخرج يوسف شاهين لما له من شهرة عالمية، وتم إجازة عرض الفيلم بحذف مقطع بسيط لا يؤثر في جوهر العرض وكان فيلمًا حقيقيًا ونموذجًا واضحًا لمن أراد مناقشة وعرض القضايا من تأصيلها الأول وليس من نتائجها كما تعرضها الكثير من الأفلام العربية حاليًا والتي تسعى بجهد جُل من يعملون فيها لأن تنال جوائز المهرجانات بغض النظر عن المادة التي يقدمونها للمشاهد.

اقرأ أيضاً: الغلاء يستنزف رواتب موظفي غزة بدون تعويض

تعاني الدراما العربية حاليًا من مأزق الواقعية الهلامي الذي وضع الجميع أنفسهم في داخله فقد ذهبوا لنقل وتجسيد الواقع على الأرض في مشاهد سينمائية تفصيلية، وهذا أمر حسن بأن يتم عرض الواقع على السينما بكل تفاصيله الحقيقية ولكن هل هذا هو الواقع الحقيقي أم تلك هي نتائج لواقع آخر يخاف المخرجين والكتاب وربما الكثير من الفنانين من الخوض فيه، ووجدوا في نقد المجتمع وظواهره الكثيرة من المخدرات والدعارة والبلطجة والملابس والكثير من الألفاظ التي أصبحت ظاهرة بفضل السينما التي عملت على توسيع نطاق تلك الألفاظ من خلال تعميمها تحت حجة عرض الواقع.

لا يوجد هدف واحد للدراما يستطيع الكل الاجماع عليه، فهناك طيف كبير من الناس والمتخصصين يقولون بقول الفن لأجل الفن، ومن يقولون بأن غاية الدراما هي امتاع المشاهد، وغيرهم ممن يحملون مبدأ ينادي بضرورة تفعيل السينما من أجل التغيير والتأثير في قطاعات عريضة من المجتمع بهدف تثويره على قضية ما أو إحداث تغيير في سلوكيات المجتمع بهدف الإصلاح وليس بهدف العرض لأجل العرض، أي أن الفن هنا له هدف سياسي اجتماعي، وهنا الفريق الذي أشبهه بالنعام وهو الفريق الذي قرر مهاجمة المجتمع بكل ظواهره الحقيقة الخاطئة مع اغفال تام ومقصود لمسببات تلك الظواهر وهي بالطبع أسباب حكومية سياسية بالدراجة الأولى، قرار أكل العنب دون مقاتلة الناطور هو الذي جلبت لنا موجة أفلام العشوائيات والحارة والبلطجة وصدرها عبر الاعلام ليقدم خدمة تامة لأنظمة الفساد التي تلقت تلك الأفلام بكل سرور وأخذتها دليل على ضرورة التشدد في القمع للجماهير وابقائهم في حالة استنزاف دائم.

اقرأ أيضاً: "المعشر": نتنياهو" يسعى لتحويل الضفة إلى سجن كبير على غرار غزة

العرض السينمائي هو نوع من العلاج النفسي، والعلاج النفسي يؤكد أن علاج المرض يتم بعلاج الأسباب أما علاج الأعراض فما هي إلا عملية تأكيد على وجود المرض، وهذا ما تفعله سينما اليوم فهي تعالج العرض فتؤكد بدورها المرض، ولا تعطي أي رؤية حقيقية بالحل والتي غالبًا ما تنهي أفلامها بعمليات القتل والقتل الانتقامي، والسؤال هنا: هل القتل هنا هو العلاج؟!

نحن بحاجة إلى سينما حقيقة تعرض الواقع برؤية سببية تناقش مواضيع الرشوة والفساد ودور أنظمة الحكم في تهريب المخدرات وترسيات العطاءات والتهرب الضريبي والتعيينات الحكومية وغياب الشفافية وتزوير الانتخابات وهذه بالمناسبة كلها أشياء واقعية فلماذا نغفلها ونذهب لنسلط الضوء على امرأة أجبرت على العمل في الدعارة بفعل الأشياء الواقعية التي ذكرناها في السطر الذي يعلو هذا السطر، أم أننا ما عدنا نقدر على الحمار ففضلنا البردعة.

المصدر : خاص-زوايا

مواضيع ذات صلة

atyaf logo