الاقتطاعاتُ الإسرائيلية.. كيف ستؤثرُ على الفلسطينيين وما سبل المواجهة؟

محمد اشتيه
محمد اشتيه

صدر قرارٌ إسرائيليٌ جديدٌ باقتطاعِ قرابة 40 مليون دولار من أموال السلطة الفلسطينية لصالح متضرري عمليات المقاومة لمرةٍ واحدة، في ظل مواصلة الاحتلال اقتطاعات سنوية أخرى من خزينة السلطة.

اقتطاعاتٌ أثرتْ سلبًا على خزينة ونفقات السلطة، وسط تخوفاتٍ من تدهورٍ مالي جديد يطال شرائح مجتمعية جديدة، خاصة تلك الشرائح الضعيفة والمهمشة، التي تتلقى إعانات اجتماعية متقطعة.

اقتطاعاتٌ إسرائيلية

وأوضح أستاذ الاقتصاد بجامعة النجاح الوطنية بكر اشتية أن الاحتلالَ الإسرائيلي اقتطعَ نحو 40 مليون دولار لصالح متضرري العملياتِ لمرّةٍ واحدةٍ، في حين أن الاقتطاعات الأخرى قائمةٌ منذ سنواتٍ عديدة.

وحول تفصيل الاقتطاعات التي يسرقها الاحتلال الإسرائيلي من خزينة السلطة، أوضح "اشتيه" في حديثه لــ "زوايا" بأن الاحتلال يخصم شهريًا ما قيمته 15 مليون دولار بدلًا مما تنفقه السلطة على مخصصات الأسرى والشهداء، و43 مليون دولارٍ تتم عبر المعابر تحت ما يسمى (التسرب الضريبي)، إضافة إلى 3% تخصمها بشكل رسمي من خلال "المقاصة" بدل تحصيل الضرائب.

ورغم أن "اشتيه" استبعد اقتطاع الاحتلال مبلغ الـ 40 مليون دولار مرة أخرى، إلا أنه أوضح بأن الاحتلال يسرق ما يفوق المليار دولار سنويًا، عبر اقتطاعات متواصلة منذ سنواتٍ.

وتوقّع أن تستمرَ أزمة تقليص السلطة من رواتب الموظفين خلال العام الجاري، وأن يستمر ذلك لعدة أشهر، مستدركا "لكن في حال التزام المؤسسات الدولية بوعود الإقراض بناء على توصيات صندوق النقد الدولي وفتح باب الإقراض للسلطة، فإن أزمة الرواتب ستُحل نهائيًا وستفي السلطة بالتزاماتها المالية تجاه الموظفين".

السلطة عوّضت الاقتطاعات بالضرائب

وبشأنِ الضرائب التي تجنيها السلطة وقدرتها على سد العجز، قال الأستاذ الجامعي: "تعمل السلطة على تعظيم إيراداتها الضريبة بوتيرة أسرع، حيث بلغت عام 2022 حوالي 4 مليارات شيكل، في حين بلغت عام 2019م حوالي 3.8 مليار شيكل، وبناءً على تعاظم الجباية الداخلية أو "المقاصة" فإن السلطة استطاعت تعويض الاقتطاعات الإسرائيلية".

كما استبعدَ "اشتيه" تأثير الاقتطاعات الإسرائيلية الجديدة على موازنة السلطة بشكل كبيرٍ، نظرًا لتزايد حجم الاستيراد من العالم الخارجي وزيادة ضريبة المحروقات، ونجاح السلطة في ضبط المحروقات المهربة.

الفئات الاجتماعية الأكثر تضررًا

وبشأن التأثير على الفئات الاجتماعية المهمشة، رأى "اشتيه" أنها ستكون الأكثر تضررًا من الاقتطاعات الإسرائيلية، والتي لم تنل من مخصصات الشؤون الاجتماعية سوى الفتات خلال عام 2022م، إضافة إلى صندوق التقاعد الذي تضرر وتراجع ماليًا.

ومن وجهة نظر اشتية، فإن التوجه إلى المحاكم الدولية بات ضرورة وطنية، ردًا على جرائم الاحتلال، منوها إلى وجوب توزيع عبء تداعيات الاقتطاعات الإسرائيلية على الجميع، وليس على الفئات المهمشة والمسحوقة في الضفة وغزة.

وقال: "إذا ما صدقت الوعود بفتح باب الإقراض للسلطة خلال الثلاثة شهور الأولى من العام 2023م، فإن السلطة ستتمكن من الوفاء بالتزاماتها المالية".

خلل في توزيع موازنة السلطة

وعن رأيه في توزيع موازنة السلطة، أوضح "اشتيه" أن الموازنة تعاني من خلل هيكلي كبير، مشيرا إلى أن حصول الأمن على حصة الأسد من الموازنة غير مبرر، في حين تنال وزارة الزراعة أقل من 1% من الموازنة، وحصول قطاعات الصحة والتعليم على موازنة قليلة مقارنة بالعمل المنوط بها.

وأشار "اشتيه" إلى أربعة قطاعات حيوية يجب تعزيز موازناتها والتوظيف فيها، لأنها ستحقق طفرة تنموية مستقبلًا وهي الصحة والتعليم والزراعة والقضاء، وذلك على حساب "البطالة المقنعة" المنتشرة مؤسسات السلطة الأخرى، والتي يعتبر التوظيف فيها استهلاكيًا ولا يقدّم خدمات.

الخلاص من الأزمات المالية

ورأى أن صرف موازنة السلطة بحاجةٍ إلى إصلاحات جوهرية، لا سيما البنود المتعلقة بالتحويلات الطبية الخارجية، والتي تكلف خزينة السلطة أكثر من مليار شيكل سنويًا، مبينًا أن المطلوب هو رفع كفاءة المستشفيات الحكومية الفلسطينية لاستقبال المرضى الفلسطينيين وتقليل التحويلات الخارجية.

كما طالب بتطبيق خطة تقشف صارمة، وتخفيف موازنة البروتكولات والنثريات والتأثيث في مؤسسات السلطة، من أجل ضخ تلك الأموال للشرائح الاجتماعية الأكثر تضررًا من الاقتطاعات الإسرائيلية.

وحول الفساد وتأثيره على الوضع المالي، أكد "اشتيه" على أن الفساد موجود في كل العالم لكن بدرجات متفاوتة، مبينًا أن ضعف منظومة القضاء الفلسطينية وغياب المجلس التشريعي والمراقبة والمساءلة دفعت إلى المزيد من الفساد فلسطينيًا، مطالبًا بإصلاح مالي في موازنة السلطة عبر التقشف وإلغاء النفقات غير المبررة.

وللخلاصِ من الأزمات المالية التي تواجه السلطة، قال "اشتيه": "المطلوب فلسطينيًا هو الاتفاق على بعض المواقف عبر توحيد كافة الجهود، والاجتماع من أجل تثبيتها وطنيًا، ودراسة سبل الرد على الاحتلال عبر مشروعٍ وطني متكامل".

المقاصــة المورد الأكبر

الاحتلال الإسرائيلي يواصلُ نهب أموال الفلسطينيين عبر اقتطاع أموال المقاصة وسرقة عائدات "معبر الكرامة"

من جانبه، قال دكتور الاقتصاد محمد نصّار أن السلطة تعتمد على أموال المقاصة بنسبة 60%، وأنها حتمًا ستؤثر سلبًا على نفقاتِ السلطة.

وأوضح أن الاحتلال الإسرائيلي يواصلُ نهب أموال الفلسطينيين عبر اقتطاع أموال المقاصة وسرقة عائدات "معبر الكرامة"، التي تضاعفت إيراداته خلال السنوات الماضية، إلا أن هذه العائدات تذهب إلى خزينة الاحتلال.

وبيّن أنه في بعض السنواتِ وصلت المساعدات الدولية المقدمة للسلطة إلى 800 مليون دولار، لكنها في السنوات الأخيرة صارت بحدود عشرات الملايين من الدولارات، إضافة إلى أن السلطة استنفدت الاقتراض الداخلي من البنوك المحلية.

وحول إمكانية تفعيل شبكة أمان التي أقرها وزراء الخارجية العرب قبل 12 عامًا في قمة الكويت، استبعد "نصار" أن تُقر قريبًا في ظل الأزمة الطاحنة التي تعصف بميزانية السلطة.

غزة الخاسر الأكبر

وتوقع أن الإصلاحات المالية التي قامت بها السلطة وستكملها عبر تحويل الآلاف من الموظفين للتقاعد، سيكون ضررها الأكبر على موظفي قطاع غزة.

وبين أن الموظفين في الأراضي الفلسطينية ولا سيما في قطاع غزة، والذين تأقلموا على رواتب معينة فإذا ما أحيلوا للتقاعد ستحدث لديهم أزمة مالية بسبب انخفاض الراتب، إضافةً إلى تضرر بند التحويلات الطبية، الذي يستفيدُ منه أهالي قطاع غزة الأكثر فقرًا من الضفةِ.

مصلحة بقاء السلطة والفلسطينيين في قطاع غزة على قيد الحياة هي مصلحة إسرائيلية أيضًا

وحول إمكانية أن تؤدي هذه الأوضاع إلى انهيار السلطة، قال "نصار": "إن السلطة تعيش الآن مرحلة الابتزاز نظرا لبعض المواقف الوطنية"، مستبعدًا في الوقت ذاته أن "يقدم الاحتلال على حل السلطة أو انهيارها، لأنه عمل فعليًا على تحويلها من سلطة فلسطينية إلى دورٍ وظيفي في حين أن الاحتلال سيدفع ثمن انهيار السلطة أمنيا".

وبين أن الضفة أكثر انفتاحا من غزة في فرص العمل بالداخل المحتل والوضع المالي بشكلٍ عام، في حين أن قطاع غزة خياراته وموارده أكثر محدوديةً وسيكون الجانب الأكثر تضررًا.

ورأى أن مصلحة بقاء السلطة والفلسطينيين في قطاع غزة على قيد الحياة هي مصلحة إسرائيلية أيضًا، لأنه في حالةِ الانهيار الكامل فإن الشعب الفلسطيني سيكون قنبلة موقوتة في وجه الاحتلال.

ومع الاقتطاعات الإسرائيلية المتواصلة يخشى الفلسطينيون أن تؤدي إلى مزيد من الانهيار الاقتصادي، في ظل تدنّي الدعم الدولي والعربي، في حين تبقى سياسة الانتظار هي سياسة السلطة المعتمدة إزاء الجرائم الإسرائيلية، دون أي مجابهةٍ أو تشكيل ضغوطاتٍ فعليةٍ لإجبار الاحتلال على التراجع عن خطواته العقابية.

المصدر : خاص-زوايا
atyaf logo