المستوطنون في حكومة نتنياهو: تزايد في العدد وقوة في النفوذ السياسي

انتشار المستوطنين وابنائهم
انتشار المستوطنين وابنائهم

(1)عام المستوطنين

بعد تشكيل الحكومة اليمينية المتطرفة في اسرائيل بزعامة نتنياهو وضمها لعدد من الوزراء المتطرفين دينينا وسياسيا, ظهر ان المستوطنين سيكون لهم دور كبير في تشكيل الحياة السياسية في دولة الاحتلال , بعد ان تبوأوا اماكن مهمة وحساسة في الكنيست وكذلك في اروقة الحكومة. وكما ورد على السنة الكثير من المحللين السياسيين في إسرائيل فان العام 2023 قد يكون العام هو عام المستوطنين.

ان المشهد الإسرائيلي اختلف بالكامل مع تشكيل الحكومة الجديدة؛ فقوى "الصهيونية اليهودية" التي تقود الاستيطان خلال السنوات الماضية تتعامل مع وجودها بالحكومة على أنه وسيلة مهمة لتحقيق أهدافها بانهاء الوجود السياسي للفلسطينيين من خلال "إقامة "دولة إسرائيل الكبرى من البحر إلى النهر".

وبحسب ما اوردته الصحف العبرية فان مطالب المستوطنين باتت قريبة جدا من التحقيق, خاصة بعد تولي سموتريتش موقعا مهما في الاشراف على عمل الجيش وحركة الاستيطان في الضفة الغربية,. اضافة الى موقعه كوزير للمالية

كذلك تم تعيين أوريت ستروك، وهي الشخص الثاني في قائمة الصهيونية الدينية، وزير الاستيطان، وهو المنصب الذي سيجعل من ستروك الحاكم الفعلي للضفة الغربية. بل إن تولي ستروك لهذا المنصب قد يمنح العديد من مؤسسات ومنظمات وجمعيات اليمين الاستيطاني صلاحيات واسعة في صياغة مصير الضفة الغربية والمشروع الاستيطاني.

(2) سموتريتش .. قائد استيطاني ووزير نافذ

يُعتبر "سموتريتش"، قائدا استيطانيا من الدرجة الاولى, وقد عمل ناشطا قويا في مجلس المستوطنات، واسس العديد من الجمعيات التي تقوم على بناء وتوسيع المستوطنات في الضفة الغربية. كما انه في نظر الشاباك الإسرائيلي كان محرضا على العنف ومحرضا على المواجهة مع الفلسطينيين, وسبق أن اعتُقِل بتهمة التحريض وإغلاق الطرق في أثناء الانسحاب من قطاع غزة.

ويتبنى سموتريتش مواقف متطرفة جدا تجاه الفلسطينيين, فهو ينكر وجود "فلسطين" وينكر وجود شعب فلسطين ويرى انهم مجموعات سكانية بدون ارض ولا هوية ولذلك يصرح علنا بطردهم من ارضهم وتهجيرهم الى البلدان العربية.

اقرأ أيضا: مختصون لـ "زوايا": المجتمع الإسرائيلي يتجه لعصيان مدني وربما اغتيالات

كما ينادي بتطبيق "السيادة الإسرائيلية" الكاملة على أراضي الضفة الغربية، باعتبارها "يهودا والسامرة" ويشجع على جلب مئات الآلاف من المستوطنين للعيش فيها،ويرى ان ذلك سيقطع الطريق على أي تسوية سياسية مع الفلسطينيين ويرغمهم على الاقرار بدولة الاحتلال.

(3) احصاءات خطيرة

بالنظر الى التقارير الرسمية التي تصدر عن حكومة دولة الاحتلال او من خلال التقارير التي تنشرها منظمات اسرائيلية, يلاحظ ان هناك توقعا كبيرا أن يشهد العام الحالي طفرة كبيرة في زيادة عدد المستوطنات او توسيعها او مصادرة الاراضي الفلسطينية . هذا العام ليس منفصلا عن العام الذي سبقه خلال فترة تولي يائير لبيد رئاسة الحكومة, مما يدل على ان الاستيطان يشكل ركيزة مهمة في نشاطات الحكومات الاسرائيلية , سواء كانت مشكلة من اليمين او من غيره .

خلال العام 2022، تجاوز عدد المستوطنين في الضفة الغربية (بدون القدس) حاجز النصف مليون شخص. وفي تقرير نشره مجلس المستوطنات ("ييشع") ، تبين أن حجم المستوطنين يزداد سنويا بمقدار يتراوح ما بين 12 ألف إلى 16 ألف مستوطن. وقد ازداد عدد المستوطنين بحوالى 149 ألفاً (أي 43%) خلال العقد الأخير (2011-2021)، أي خلال فترة حكومات نتنياهو. وفي نهاية العام 2021، وصل العدد الفعلي للمستوطنين إلى 491923 مستوطنا، وإذا أضيف لهم معدل نمو سنوي بنحو 12-16 ألفاً (خلال العام 2022) فإن العدد الفعلي قد تجاوز حاجز النصف مليون.

المستوطنون من جهتهم يرون ان هذا دون طموحهم الكبير في ملء الضفة الغربية بالمستوطنات وارغام الفلسطينيين على الخروج منها, ويطالبون الحكومة باجراءات أشد في تسهيل وتسريع الحصول على تراخيص بناء المستوطنات ومنحها مكانة قوية في القانون الاسرائيلي.

ويشدد المستوطنون على ان مشروع الاستيطان يجب ان تتبناه الحكومة بكل قوة من حيث توفير الدعم السياسي والقانوني والمالي وطالبوا بسن تشريعات تمنع اخلاء أي مستوطنة مهما كان وضعها.

(4) نفوذ سياسي

المستوطنون سعوا دوما الى ايجاد موطئ قدم لهم داخل الحكومة والكنيست من خلال الاحزاب الدينية واليمينية التي تتبنى رؤيتهم في بناء وتوسيع المستوطنات. وقد نجحوا – الى حد كبير- في اختراق المنظومة السياسية الإسرائيلية والوصول الى مواقع حساسة ومهمة في دوائر صنع القرار, الامر الذي سهل عليهم تنفيذ مخططاتهم.

الائتلاف الحكومي الجديد (أحزاب الليكود، الصهيونية الدينية، يهدوت هتوراه وشاس) يمثل نحو 53% من حجم الناخبين الإسرائيليين (أي 64 مقعدا من أصل 120)، إلا أن هذا الائتلاف حظي بأصوات 81% من مستوطني الضفة الغربية: 19.1% من المستوطنين صوتوا لصالح الليكود، و31.4% صوتوا لصالح الصهيونية الدينية، و19.1 لصالح يهدوت هتوراه، و11.7% لصالح شاس.

وقد ذهب نتنياهو بعيدا حينما وافق على انشاء وزارة خاصة للاستيطان واعطاء كافة صلاحياتها الى اليهودي المتطرف سموتريتش الذي بات يسيطر بشكل رئيس على لجنة التخطيط والبناء.

حكومة نتنياهو هي حكومة استيطان بامتياز, وستفسح المجال امام المستوطنين لتنفيذ ما يريدون بدون أي مضايقة , وستعمل على شرعنة كل البؤر الاستيطانية العشوائية وصرف ميزانيات ضخمة على البني التحتية للمستوطنات بالضفة والقدس لربطها بشبكة طرق سريعة تقيد تنقل المواطنين الفلسطينيين وتحد من اتصالهم الجغرافي.

وينص الاتفاق بين الليكود والصهيونية الدينية على أن الوزير المعين في وزارة الجيش سيكون مسؤولا عن دائرة الاستيطان، "الخدمة الوطنية" الموازية للخدمة العسكرية، الكليات التحضيرية للخدمة العسكرية، وسيعمل بالتنسيق وبموافقة نتنياهو.

اقرأ أيضاً: انتخابات نقابة الصحفيين الفلسطينيين هل تتجاوز أزمة الثقة والانقسام؟

كما يتضمن الاتفاق إلغاء تسلسل اتخاذ قرار البناء الاستيطاني؛ حيث كان يُرفع طلب البناء من قبل مجلس المستوطنات للإدارة المدنية الإسرائيلية في الضفة، ومنها للحكومة للموافقة السياسية عليها. ومع الائتلاف الجديد سيكون مجلس المستوطنات هو صاحب القرار.

يتوقع أن يسعى سموتريتش الى تنفيذ مصالح المستوطنين وتوسيع المستوطنات وزيادة عدد المستوطنين، في موازاة "خنق التخطيط والبناء" في القرى والبلدات الفلسطينية في المناطق "ج"، وذلك لأن "الإدارة المدنية" هي المسؤولة فعليا عن إنفاذ قوانين الاحتلال في المناطق "ج"، ويتوقع أن ينفذ حزب الصهيونية الدينية عمليات هدم بيوت بشكل واسع جدا.

(5) سرعة في القرار وسرعة في التنفيذ

من المفاصل المهمة في تسريع وتيرة الاستيطان هي في الاجراءات التي تتم للحصول على التراخيص اللازمة, اذا ان هناك سلسلة من الاجراءات التي تحكم منح الاراضي وبناء المستوطنات عليها, وهي اجراءات اعتبرتها الاحزاب الدينية واليمينية طويلة ومعقدة وتضع العقبات امام تمدد الاستيطان.

ان عملية البناء في المستوطنات تمر بعدة مراحل، تنتهي بمصادقة وزير الحرب الإسرائيلي وهذا الامر كان ساريا حتى نهاية 2022, باعتبار أن الوزير هو المسؤول المباشر عن الإدارة المدنية) لكن الاتفاق الائتلافي ما بين نتنياهو وبين الاحزاب الصهيونية الدينية منح هذه الاحزاب صلاحيات واسعة في ملف الاستيطان تنص على اختصار الاجراءات وتقليل مدة الزمنية للحصول على القرارات اللازمة.

وبحسب تقرير لصحيفة "يديعوت أحرنوت"، فإن الاتفاق الذي انضم بموجبه سموتريتش وحزبه إلى حكومة نتنياهو القادمة ينص على ترخيص البؤر الاستيطانية "غير القانونية" -وفق القانون الإسرائيلي- في غضون 60 يومًا بعد أداء الحكومة الجديدة القسم القانوني. هذه البؤر الاستيطانية غير المرخصة تسيطر على حوالي 240 ألف دونم في الضفة الغربية، أي ما يقارب 7% من إجمالي مساحة المناطق المصنفة ج وفق اتفاق أوسلو، التي تشكل نحو 60% من مساحة الضفة الغربية.

خلاصة

من الواضح ان هذه الحكومة ستلبس ثوب الاستيطان وتدافع عنه بكل قوة وستمنحه كل مقومات التمدد والتوسع, وهذا تحد كبير امام السلطة الفلسطينية التي لا تزال تنتظر ان يتحرك ملف "السلام" وتوهم نفسها ان هناك فرصة للتعايش مع دولة كل همها تعزيز الاحتلال بكل اشكاله وصوره.

معركة مواجهة الاستيطان هي احدى المعارك الصعبة التي يقودها الشعب الفلسطيني لاثبات وجوده على ارضه ونفي كل الروايات المزعومة من قبل الاحتلال.

مع الاسف ان المجتمع الدولي الذي يعتبر الاستيطان غير قانوني, يقف صامتا امام الهجمة الاستيطانية الواسعة ولا يملك سوى اصدار التصريحات الباهتة التي لا تسمن ولا تغني من جوع.

المصدر : خاص-زوايا
atyaf logo