تحضيرات وتساؤلات

انتخابات نقابة الصحفيين الفلسطينيين هل تتجاوز أزمة الثقة والانقسام؟

انتخابات نقابة الصحفيين الفلسطينيين
انتخابات نقابة الصحفيين الفلسطينيين

بعد مرور 11 سنة على آخر انتخابات أجرتها نقابة الصحافيين الفلسطينيين في الضفة الغربية وقاطعتها غزة، دعت الأمانة العامة للنقابة إلى مؤتمر استثنائي للتحضير لإجراء عملية اقتراع جديدة طال انتظارها، ولمناقشة وتعديل النظام الداخلي الذي ينظم عمل أكثر الأطر الإعلامية أهمية.

يأتي تحضير النقابة لهذه الانتخابات وسط ضغوطات كثيرة تقوم بها الكتل الصحافية المنتشرة في فلسطين لتفعيل دور النقابة، وخلق جسم يستطيع الدفاع عن المنتسبين لمهنة المتاعب، وذلك بدل الجسم القديم الذي يشكو الصحفيون من ترهله وعدم تمثيله لجميع الكتل الإعلامية.

وبحسب معلومات مؤكدة حصلت عليها "زوايا" من نقابة الصحافيين وأكدتها الكتل الإعلامية الأخرى، فإن عملية الاقتراع الجديدة ستجري في شهر يونيو (حزيران) المقبل، لاختيار نقيب جديد وأعضاء أمانة عامة جدد، ومن المقرر أن تجري في قطاع غزة والضفة الغربية والقدس، وتشارك فيها أغلب الكتل الصحافية إذا جرى التوافق على حل المشاكل التي تمر بها النقابة.

لكن عملية الاقتراع المنتظرة، أمامها الكثير من العقبات، إذ تؤكد الكتل الصحافية أن المؤتمر الاستثنائي المزمع عقده في 29 يناير (كانون الثاني) الجاري في غزة والضفة الغربية على حد سواء، جاء بشكل مفاجئ ودون تشاور معهم، في وقت يطالبون بضرورة وجود الديمقراطية والتشاركية في اتخاذ القرارات داخل النقابة.

اقرأ أيضاً: فلسطين تعاني من غياب الرؤية.. و"إسرائيل" ستسرع في الحسم

وتعرض "زوايا" في هذا التقرير واقع نقابة الصحافيين الفلسطينيين في قطاع غزة، والمشاكل التي تعاني منها ونقاط اختلاف العاملين في المجال مع جسمهم المهني، ومدى إمكانية مشاركة الكتل الصحافية في الانتخابات المقبلة.

1.jpg

الظروف السياسية وراء ضعف النقابة

أُجريت آخر انتخابات لنقابة الصحافيين عام 2012، وسط ظروف سياسية معقدة خلفها الانقسام الفلسطيني بين حركتي حماس وفتح، واقتصرت عملية الاقتراع حينها على الصحفيين في الضفة الغربية، إذ قاطع الصحافيون في قطاع غزة العملية الديمقراطية بعدما أصدرت محكمة العدل العليا في القطاع قراراً بوقف إجراء انتخابات النقابة.

الإعلام يرتبط بالحسابات السياسية، كحال بقية المجالات الأخرى في فلسطين

وأفرزت الانتخابات آنذاك مجلسا نقابيا معظم أعضائه محسوبون على حركة فتح، ومنذ ذلك الوقت بقي البيت الصحافي مسيسا، وفق ما يؤكده صحفيون تحدثوا لـ "زوايا" وهذا ما جعل الإعلام يرتبط بالحسابات السياسية، كحال بقية المجالات الأخرى في فلسطين.

يقول منسق لجنة دعم الصحافيين الفلسطينيين صالح المصري إن "الظروف السياسية في غزة والضفة الغربية على حد سواء خلقت جسما ضعيفا لنقابة الصحافيين غير قادر على حماية حقوق العاملين، ولا يوفر دعما وإسنادا للمؤسسات الإعلامية، وهذا أدى لظهور كتل صحافية أخرى بديلاً عنها، ما يستوجب إصلاح النقابة، فهي جسم مهم مرتبط مع دول العالم".

النقابة الجسم الجامع للصحفيين

جميعا متفقون على أن نقابة الصحافيين هي أهم جسم إعلامي، ويجب الانتماء له وإصلاحه بعيداً عن السياسة

تظهر أهمية نقابة الصحفيين كجسم جامع للإعلاميين وسط واقع سياسي ألقى بظلاله على العمل الصحفي برمته، ففي قطاع غزة توجد أكثر من عشرة أطر صحافية، وجميعهم يسجلون الإعلاميين في قاعدة بياناتهم، لكنهم يعملون وفق أطر سياسية متعددة، فمثلاً حركة حماس شكلت كتلة الصحافي الفلسطيني، بينما الجهاد الإسلامي لها التجمع الإعلامي، فيما التجمع الإعلامي الديمقراطي للجبهة الشعبية، وأيضاً لحركة فتح المكتب الحركي للصحافيين، وحتى النساء جمعتهن مؤسسة فلسطينيات.

ورغم وجود الكثير من الأطر الصحافية، لكنهم جميعا متفقون على أن نقابة الصحافيين هي أهم جسم إعلامي، ويجب الانتماء له وإصلاحه بعيداً عن السياسة التي تتدخل في جميع جوانب حياة الفلسطينيين. بحسب حديث المصري.

يضيف المصري: "النقابات في العموم أجسام مهمة من أجل حماية حقوق العاملين، وهذا يجب أن يكون في جسمنا الصحافي، حتى نعزز الرؤية الفلسطينية ونضفي حماية فعلية للإعلام".

مشكلة نقابة الصحافيين

اختلاف الصحافيين مع نقابتهم بسبب تغليب الجانب السياسي، ما أدى إلى عدم المهنية

تتلخص مشكلة نقابة الصحافيين، كما يشرحها مدير المركز الفلسطيني للاتصال والتنمية فتحي صباح بخمس نقاط، إذا تم تجاوزها فإن الجسم الإعلامي الفلسطيني سيكون في أفضل حالاته.

يقول صباح لـ "زاويا" إن "اختلاف الصحافيين مع نقابتهم بسبب تغليب الجانب السياسي، ما أدى إلى عدم المهنية، بالإضافة إلى الركود وضعف التصدي للانتهاكات التي يتعرض لها العاملون، وإغلاق باب الانتساب فيها أمام عدد كبير من الزملاء على الرغم من مطابقتهم لشروط العضوية، وإلى جانب ذلك فإن النقابة لا تنشر أسماء أعضائها في قطاع غزة لأسباب مجهولة، ولا حتى نظامها الداخلي، وأخيراً عدم إجراء انتخابات بصورة دورية وبدعوة جميع الصحفيين لها من كل الفئات والأحزاب".

تعالت أصوات الصحافيين المطالبين بضرورة إجراء الانتخابات النقابية هدفها خلق جسم إعلامي قوي

وكانت نقابة الصحافيين الفلسطينيين التي تتبع لمنظمة التحرير، قد أجرت ثلاث انتخابات لها منذ قدوم السلطة الفلسطينية، كانت الأخيرة عام 2012م، والتي قبلها في عام 2010، فيما الأولى كانت سنة 1999، وحسب اللوائح والأنظمة يجب إجراء انتخابات نزيهة كل ثلاث سنوات.

وعلى مدار السنوات الماضية تعالت أصوات الصحافيين المطالبين بضرورة إجراء الانتخابات النقابية هدفها خلق جسم إعلامي قوي، وكثرت كذلك مبادرات إنهاء الانقسام السياسي الصحافي، وكانت نقابة الصحافيين مع كل مرة تحدد موعداً للاقتراع دون الذهاب للصناديق، فقد خصصت في عام 2021م وحده ثلاث مواقيت للعملية الديمقراطية وكانت في شهر مارس (آذار)، وفي يونيو (حزيران)، والأخيرة في ديسمبر (كانون الأول).

"النقابة ليست بيتاً سياسياً

عازمون بشكل فعلي على إجراء انتخابات نزيهة وشفافة بمشاركة جميع الأطر الإعلامية

كانت الخلافات السياسية ولا زالت هي السبب في إرجاء الانتخابات، إلى أن قادت مؤسسة "فلسطينيات" وهي شبكة نسوية إعلامية، حوارات مع الأطر الصحفية، خلصت فيها إلى ضرورة عقد مؤتمر استثنائي لنقاش وتعديل النظام الداخلي لانتخابات نقابة الصحافيين الفلسطينيين قبل بدء الانتخابات الجديدة، وهذا شأنه أن يفتح الباب لجميع الكتل العاملة للمشاركة في الاقتراع، بحسب وفاء عبد الرحمن مديرة المؤسسة.

تتشكل النقابة من ثلاث هيئات، أدناها الهيئة العامة وتشمل الأعضاء المنتسبين الذين يملكون حق الانتخاب والترشح، ويليها المجلس الإداري المنتخب المكون من 65 عضواً، الذين يشكلون لاحقاً الأمانة العامة للنقابة وعددهم 24 عضواً.

اقرأ أيضاً: "السلع المزدوجة".. هاجس إسرائيلي يحرم غزة من الانتعاش الاقتصادي

يقول نائب نقيب الصحافيين الفلسطينيين تحسين الأسطل إنهم "فتحوا باب الانتساب أمام جميع العاملين في المجال، وعازمون بشكل فعلي على إجراء انتخابات نزيهة وشفافة بمشاركة جميع الأطر الإعلامية، ومن أجل ذلك يعملون على تعديل النظام الداخلي للنقابة".

ويضيف في حديثه مع "زوايا" : "لا يوجد مكان للسياسة في نقابة الصحافيين، إنها جسم إعلامي مهني وطني، وكل من يروج عكس ذلك غير صحيح، فنحن نستقبل جميع العاملين دون حزبية، وعلى الأطر العمل معنا من أجل إنجاح الدورة الانتخابية المقبلة بمشاركتهم".

ويتساءل الأسطل "هناك أصوات تنادي بإصلاح النقابة لكنهم غير مشاركين فيها كيف يمكن ذلك؟"، مشيراً إلى أن هؤلاء الصحافيين وافقوا على المشاركة في الانتخابات بعد سلسلة لقاءات أجراها المجلس الإداري للنقابة معهم.

وعن الانتخابات المقبلة، يؤكد الأسطل أن هذا الاستحقاق غير مرتبط بأي أحداث سياسية، وقريباً ستعلن أسماء الأعضاء ويفتح باب الطعون عليها، ثم نذهب إلى جدول العملية الانتخابية، بمشاركة الأطر الصحفية، موضحاً أن النقابة وجهت دعوة للانتخابات عام 2019، لكن حركتا حماس والجهاد الإسلامي قررتا التأجيل.

ووفقاً لبيانات نقابة الصحافيين فإن نحو خمسة آلاف عامل في المجال منتسبون إليها، وهذا العدد يشمل أعضاء الكتل الإعلامية المؤطرة سياسياً، وجميعهم يحق لهم الاقتراع في العملية الديمقراطية المقبلة، والتي ستفرز جسما مهنيا قويا وقادرا على العمل في غزة والضفة، ويستطيع تقديم دعم جيد للعاملين والمؤسسات الصحفية.

تشاؤم الكتل والأطر الصحافية

في ظل هذا التحضير، بدى التشاؤم واضحا على الأطر الصحافية الحزبية، يقول مسؤول التجمع الإعلامي علاء سلامة إن "نقابة الصحافيين لا زالت تنفرد في القرارات دون مشاورتنا رغم أننا أعضاء فيها، وجلسنا مع النقيب وطلبنا أن يكون التحضير للانتخابات بالاتفاق لكن ذلك لم يحدث".

المطلوب ليس انتخابات فحسب، بل إعادة ولادة جسم نقابي صحفي ولادة طبيعية، ليأخذ شرعية من الزملاء أنفسهم

ويضيف في حديثه لـ "زاويا" نشعر كأننا ذاهبون لكمين انتخابي، إذ على حين غرة فتحت النقابة باب الانتساب وتجديد البطاقات وأغلقته فجأة، ثم طالبنا بمعرفة أعضاء النقابة فرفضوا، تخيل أننا لا نعرف الأعضاء، وتأكدنا من وجود أعضاء خارج الحقل الصحافي، هذه العوامل تدفعنا للشك بأن النقابة تسجل أعضاء من الكتل الصحافية من أجل شرعنة انتخابات معروفة النتائج بشكل مسبق".

يؤكد سلامة أنه ليس لديهم أي مشكلة في المشاركة في الانتخابات والترشح، ولا يوجد أطماع في ذلك، لافتاً إلى أن ما يرغبون فيه أن يكون المولود الجديد لنقابة الصحافيين غير مشوه، وقادر على العمل.

من جهة المكتب الحركي للصحافيين يقول سامح الجدي لـ "زوايا" : "إن المطلوب ليس انتخابات فحسب، بل إعادة ولادة جسم نقابي صحفي ولادة طبيعية، ليأخذ شرعية من الزملاء أنفسهم، حتى تستطيع حماية حقوقهم، وتكون قادرة على جبر الضرر الذي قد يصيب الصحفيين في مؤسساتهم وأثناء التغطية الإعلامية، وتوفر لهم التأمين الصحي ووسائل حماية مثل الستر الواقية، وتعزز لديهم مفهوم العمل الإعلامي بعيداً عن الرؤى السياسية".

أما كتلة الصحفي الفلسطيني، وهي أكثر جسم له اعتراضات على عمل نقابة الصحافيين، يقول مديرها عماد زقوت إن "الثقة مهزوزة في النقابة التي لا نجدها سوى في المناكفات السياسية، وهذا يؤكد أن أجهزة أمنية تسيطر عليها"، على حد تعبيره.

ويضيف في تصريحات خاصة لـ "زوايا" رغم أن النقابة مسيسة، إلا أننا دفعنا أعضاءنا للانتساب لها، ولم نتمكن من إدراج عدد بسيط بسبب إغلاق باب العضوية، وهذا لن يتيح المنافسة بشكل جيد مع حركة فتح".

ويتابع "من المقرر أن نجري تعديلات على النظام الانتخابي في النقابة، لكن هذا لن يكون سوى في ساعات، وقد لا ننجح في الأمر، لذلك سندرس إمكانية مشاركتنا في الانتخابات من عدمها".

ووسط هذه الشكوك لا تزال التساؤلات مشرعة حول إمكانية ولادة جسم نقابي يجمع الصحفيين، ويوحد جهودهم في سبيل خدمة القضية الفلسطينية، التي هي بحاجة ماسة لجهد إعلامي مشترك يصلح الأوضاع الداخلية، ويفضح جرائم الاحتلال بحق الشعب الفلسطيني.

3.jpg

 

2.jpg

 

المصدر : خاص-زوايا

مواضيع ذات صلة

atyaf logo