صعوبة المنهاج الفلسطيني تثير الانتقادات.. ودعوات لإعادة تقييمه

طلاب على مقاعد الدراسة
طلاب على مقاعد الدراسة

أثارت الامتحانات النهائية للفصل الدراسي الأول في قطاع غزة استياءً كبيراً لدى أوساط مجتمعية عدة، صاحبها جدل كبير على مواقع التواصل الاجتماعي، وشكوى من صعوبة تدريس الأهالي المنهاج الفلسطيني لأبنائهم.

وتوسع التفاعل إلى مشاركة أكاديميين ومختصين في تأييد ضرورة تقييم المنهاج الدراسي، وتطويعه بما يتناسب مع قدرات الطلبة على الاستيعاب من جانب، والتسهيل على الأهالي في عملية متابعة دورس أبنائهم في البيوت من جانب آخر.

الاعتماد على الأسرة!

ومن جملة الذين كتبوا في هذا الإطار، الدكتور عادل عوض الله، رئيس الجامعة الإسلامية بغزة سابقاً، فقد عبر في مقال له، عن اعتقاده بأن "أكبر خطأ أن يتم الاعتماد على الوالدين في التدريس، فهما ليسا متخصصين، وأحيانا مشغولون ولا يعرفون (..) والمشكلة في المنهاج المفتوح على شكل أسئلة، بدلاً من أن يعطي المبادئ الأساسية واضحة مترابطة من غير فلسفة، ولا ما يسمونه استثارة التفكير"، حسب تعبيره.

006.jpeg

005.jpeg

 

004.jpeg

 

003.jpeg

 

001.jpeg

 

002.jpeg

طرق للخزان

كما طرق خزان صعوبة المنهاج الدراسي، الناشط الإعلامي حازم أبو احميد، وذلك بصفته أباً لطلاب ويرى معاناة أمهم في تدريسهم وتصعبها في إيصال المعلومة لهم، الأمر الذي انعكس سلباً على زوجته بشكل خاص والأسرة بشكل عام، لافتاً إلى أنه لمس تفاعلا كبير مع حملته بالخصوص، وتبين له أن معظم الأسر الغزاوية لديها همٌّ كبير، نتيجة صعوبة تدريس أبنائهم وانزعاجهم من قلة استيعابهم للمنهاج.

اقرأ أيضاً: الفاقد التعليمي. بين ضعف التعليم البديل وعلاج بحاجة للتكاملية والدعم

ويرى أبو احميد في حديثه لـ"زوايا" أن أهالي الطلاب يشعرون بأنهم في مدرسة أخرى في البيت من خلال التواصل مع المدرسة عبر مواقع التواصل الاجتماعي وخاصة "واتس أب"، معتبراً ذلك بمثابة اعتماد كبير على الأسرة والأم في تكملة العجز والنقص والقدرات للمدرسة أو المعلم، فضلاً عن اشغال الأم والأب في قضاء وقت كبير مع أولادهم في التدريس والشعور بتأنيب الضمير والعجز.

ولفت إلى أن ما سبق، ينتج عنه إرهاصات كبيرة لها علاقة بالعقد النفسية والانهيار العصبي والأزمات داخل الأسرة، حيث أن كثير من الأمهات صرن بحاجة إلى تفريغ نفسي من الضغوطات التي يتعرضن له يومياً، فالأم في النهاية ليس هذا دورها، ولكنها تريد أن ينجح أبناؤها في ظل عدم تأهيل بعض الأمهات للتدريس وعدم درايتهن بأساليبه، إلا أنهن يحاولن الاستعانة بقراءة الدروس والتوجه لليوتيوب أو لمجموعة الأمهات على الواتس للوصول إلى المعلومة والحصول على الإجابات الصحيحة.

وأوضح أبو احميد أن صعوبة المناهج التعليمية من أهم الموضوعات التي تعاني منها الأسرة الفلسطينية، منوها إلى أن أبرز أشكال الصعوبات هو حجم وكبر المنهاج، وتقسيم فصلي الخطة الدراسية إلى أربعة أرباع، وفي كل ربع منها يُمتحن الطالب مرتين، وهذا شاق على الطالب وأسرته التي تنهمك في عملية التدريس بشكل مستمر.

وأشار أبو احميد إلى أن هناك نوعا من الاعتماد على الأسرة في إكمال التدريس في البيت أكثر من الدور المنوط بالمدرسة، على اعتبار أن المدرس مع كِبر المنهج والفروق الفردية يُسرّع في إنجاز المنهج، ولا يستطيع اختراق وعي الطلاب، والتأسيس لطالب متمكن من دروسه.

وعبر أبو احميد عن اعتقاده، بأن استمرار ما أسماه "الحراك الداعي لتسهيل المنهاج"، يحتاج إلى تدخل جهات مختلفة مثل وسائل الإعلام، وأن يتم تناوله في خطبة الجمعة ولدى المؤسسات التي تعنى بالطفل ومجالس الآباء، منبها إلى أن فتح هذا الباب سهل ولكن الاستمرار والوصول إلى الأهداف أمر صعب ويحتاج إلى تظافر كل الجهات سالفة الذكر.

كما عبر عن أسفه بالقول: "اكتشفت أننا لسنا وحدنا المقيدون، ولكن وزارة التربية والتعليم مقيدة بقيود لها علاقة بالتمويل، وعلاقتها مع الوزارة برام الله، وأمور كثيرة أخرى، وبالتالي هذا يحتاج إلى جهد أكبر".

غياب للرؤية

ونوه أبو احميد إلى أنه توجه لوزارة التربية والتعليم بغزة والتقى عدداً من المسؤولين والمختصين هناك، ولمس تفهمهم لمواطن في المنهج بحاجة إلى إعادة النظر فيها، غير أنه اعتبر ذلك تشخيصاً من التربية والتعليم للحالة دون أن يتوفر لديهم رؤية واضحة للمعالجة.

وأضاف: "في التربية والتعليم يقولون إن منهجنا يحصل على أفضل التقييمات حين يتم عرضه على العالم"، متسائلاً "ما الفائدة والجيل لا يستطيع الفهم؟"، حيث أن هذا التقييم يكون في مجتمعات عربية وأوروبية ليست كالبيئة التي يعيش بها الطلاب في فلسطين من حيث الوضع الاقتصادي والكهرباء وأزمة كورونا وغيرها، وبالتالي أصبح هذا التقييم "غير عادل"، حسب تعبيره.

وركز أبو احميد على أن الدور المنوط بوزارة التربية والتعليم "كثير وكبير طالما لا تستطيع الاختراق نظراً للمعطيات السابقة، ولكن على الأقل تستطيع أن تخفف من المنهاج وتقسيمه بين القراءة والمقرر في الامتحان".

وشدد أبو احميد على ضرورة أن يكون هناك "اعتراف بالخلل وقرار واضح للبحث عن حل يعالج المنظومة التعليمية والمناهج"، مستدركاً بأن المعضلة ليست متعلقة في درس أو درسين، وإنما في منهاج كبير لا يراعي الفروق الفردية، وهو أكبر من قدرات الطلاب على الاستيعاب.

يجدر الإشارة، إلى أنه لم يتسن لـ"زوايا" مقابلة أيِ من المسؤولين أو المعنيين بوزارة التربية والتعليم بغزة لاستيضاح موقفهم من كل ما سبق، وذلك رغم التواصل المتكرر لأيام وعبر عدة وسائل، إلا أن جميع هذه المحاولات باءت بالفشل في الحصول على رد منهم.

اقرأ أيضاً: هل تحقق الشهادات العليا في فلسطين مجتمع المعرفة

ولاحقاً، قالت وزارة التربية والتعليم عبر مدير عام الإشراف والتأهيل التربوي فيها محمود مطر، إن مناهج التعليم الفلسطينية ستشهد عملية تطوير شاملة خلال الفترة القادمة بالتوافق مع الوزارة في رام الله، بعد توفر تمويل جيد من أجل تعديلها وتطويرها.

وأوضح مطر في تصريحات إذاعية، أن بعض الخطوات المتعلقة بتعديل وتطوير المنهاج الفلسطيني تتم على الأرض الواقع، مشيراً إلى أن أي تدخل في المنهاج يجب أن يخضع للتوافق بين وزارتي التعليم بغزة ورام الله.

وتابع مطر "نحن في قطاع غزة لا نستطيع الذهاب باتجاه خطوة أحادية الجانب في موضوع تعديل المناهج، ولدينا ملاحظات وننقلها باستمرار بعض منها يؤخذ بها ويتم التعديل عليها".

وبين أن أي عملية تعديل أو تطوير في المنهاج تحتاج لثلاثة اعتبارات، وهي أن يكون المنهاج مكتوباً ويمثل الكتب المدرسية، ومطبقاً من خلال الممارسة التعليمية للمعلمين، ومكتسباً أي ما يتحصل عليه الطالب في نهاية العملية التعليمية.

ولفت "مطر" إلى وجود ضعف تراكمي في المنهاج، مؤكداً أن المطلوب من الوزارة ليس الهبوط بمستوى المناهج في مقابلة الطلبة ضعاف التحصيل، بينما هناك طلبة متوسطين ومرتفعين المستوى.

وأكمل: "المنهاج الفلسطيني يعبر عن حالة وطنية مطبقة في مدارس الضفة والقدس وغزة، وهناك ملاحظات وتعديلات عليها إلى جانب الخطوات التي قامت بها الوزارة وستقوم بها في إطار المنهاج".

تقييم وتقويم

أما من الناحية التخصصية، فقد عبر الأكاديمي والباحث تيسير محيسن، عن تقديره بأن المنهاج الدراسي الفلسطيني ليس صعباً من ناحية فحوى الموضوعات، ولكن الصعوبة تكمن في اتساع مواد المنهاج الموضوعة.

واعتبر أن كُبر حجم المنهاج، يصنع مشكلة عند الطلبة وذويهم، خاصة في المراحل الأولى للدراسة، فضلاً عن انشغال الطلاب في مغريات التكنولوجيا العصرية، الأمر الذي يجعل أذهانهم شاردة عن التواصل والتعاطي في متابعة دروسهم.

وأشار محيسن في حديث لـ"زوايا" إلى أن أزمة التصعب من المنهاج، تظهر في فترة الامتحانات، حيث يرجع هذا إلى عدم المتابعة بشكل جيد في مدارسة موضوعات المنهاج بشكل مستمر، الأمر الذي يعمل إرباكا لدى الأسر ويخلق أزمات وينعكس بالتالي على أداء الطلاب في الامتحانات.

وكمن سبقه، يرى محيسن أن على وزارة التربية والتعليم إعادة النظر في كم المعلومات والموضوعات المتضمنة لمواد المنهاج بشكل مستمر، وتقديم وجبة من المعرفة والمعلومات تتناسب مع قدرات الطلاب ومراحلهم المختلفة، بمعنى أن تُخضع كل فترة المنهاج إلى التقييم ومن ثم التقويم للمواد الموضوعة في المنهاج.

وذكر محيسن أن هناك تباينا واضحا بين اهتمام المدرسين في المدارس، فنجد مدرسين لديهم اهتمام كبير وواضح في المتابعة مع الأهالي، وهذا يخلق نوعا من الانسجام ويحقق الهدف، في حين هناك مع الأسف بالمقابل مدرسين اهتمامهم متواضع، فقط يمرروا المنهاج على الطلاب دون العناية الكافية بمخرجات الشرح ومدى فهم الطلاب واستيعابهم.

وركز محيسن إلى أن التواصل عبر " الواتس" لا يمكن أن يكون بديلاً كاملاً عن التعليم الوجاهي والشرح المباشر من المدرسين، معتبرا تطبيق الواتس يوفر جانبا تكميليا للصعوبة التي تواجه الطلاب أو الأسر أحياناً في تدريس أبنائهم، من أجل الاستيضاح الإضافي والزيادة في الفهم لبعض الجوانب.

ويرى أن من سبل معالجة هذه الأزمة، التأهيل المستمر للكادر التعليمي حتى يصبح لدينا طاقم جميع أفراده قادرين على التعاطي مع مواد المنهاج وأن يقدموه بصورة أفضل وأجمل وأسهل وينسجموا مع الغالبية من الطلاب وقدراتهم في الاستيعاب للمنهاج.

وشدد على أنه مناط بوزارة التربية والتعليم التقييم الدوري لمواد المنهاج للطلاب، وبالتالي الوقوف على حقيقة وأهمية المواد الموضوعة في المنهاج وملائمتها لأعمار الطلاب في المراحل التدريسية المختلفة.

وركز محيسن على أن ضرورة التواصل المستمر بين المدرسين والأهالي في فترات الأزمات بشكل خاص، ولا سيما في ظل الظروف الاقتصادية والمعيشية والأزمات التي كابدها ويكابدها المواطنين في قطاع غزة، مستدلاً بأنه في فترة أزمة كورونا كان "التعليم عن بعد" ناجحاً رغم حداثته، حيث سهل ذلك ولو بشكل جزئي اجتياز معضلة انقطاع الطلاب عن المدارس، على حد تعبيره.

المصدر : خاص-زوايا
atyaf logo