ما نسمعه من بن غفير لن نراه على الواقع

بن غفير
بن غفير

تعرف الحكومة الجديدة، التي تحمل الرقم 37 بتاريخ الحكومات الاسرائيلية، بأنها يمينة كاملة، فهذه هي المرة الأولى في اسرائيل يتشكل ائتلاف حكومي مركب من أحزاب اليمين الخالص. برئاسة حزب الليكود الآخذ في الانزياح نحو اليمين المتطرف حتى في القضايا الاجتماعية وحقوق الفرد، وتحالف الصهيونية الدينية المكون من الصهوينية الدينية الذي يتحول أيضًا إلى اليمين المتطرف مقتربًا من الفاشية، حزب القوة اليهودية مريدي الحاخام المتطرف "مائير كهانا" الداعي لطرد الفلسطينيين، حزب "نوعام" بزعامة آفي معوز الذي لم يحظَ بأضواء اعلامية بشكل جيد. إضافة إلى الأحزاب الحريدية التقليدية المتزمتة، والتي مع مرور الوقت باتت أكثر يمينةً؛ لا سيما فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية.

عند التمعن في الخطوطات الاساسية للاتفاقيات الموقعة بين الأحزاب المركبة للائتلاف نرى بأنها أولت اهتمامًا لفكرة "أرض اسرائيل"، وتعزيز المشروع الاستعماري عليها. من هذا المنطلق ينبع مبدأ فرض السيادة (ربنوت) على الضفة الغربية، أو على المناطق المصنفة (ج) وفق اتفاقية أوسلو بالحد الأدنى. مما يعني بأن ارباب اليمين الإسرائيلي ينظرون إلى الحكومة الحالة بمثابة الفرصة السانحة لفرض السيادة الاسرائيلية بكآفة اشكالها. يتقاطع ذلك مع مشاريع البنية التحتية وشق الطرق الالتفافية الخاصة بالمستوطنيين والواصلة بين التجمعات الاستيطانية؛ الرامية إلى تقطيع أوصال المناطق الفلسطينية وفصلها عن بعضها البعض؛ مما يسهل فعليًا فرض السيادة دون أدنى مقاومة أو لفت للنظر يذكر.

في ضوء ذلك، تثير مطالب ايتمار بن غفير التي اشترطها على بنيامين نتنياهو لدخول الحكومة - خصوصًا الاستحواذ على أكثر من مسؤولية فرقة حرس الحدود العاملة في الضفة الغربية من تحت يد الشرطة والجيش- التساؤلات حول الهدف الذي يسعى بن غفير لتحقيقه من خلال مطالبه التي تهدف لإدارة حياة الفلسطينيين. عدا عن محاولته الوفاء بوعوداته الانتخابية؛ من أجل توسيع قاعدته الشعبية، مما يجعله فاعلًا اساسيًا في دائرة صنع القرار الاسرائيلي بما يكفل عدم تجاوزه.

اقرأ أيضاً: هآرتس: "نتنياهو" سيهان كل يوم من قبل حلفائه في الائتلاف

في الواقع، ما نسمعه من بن غفير لن نراه على الواقع؛ لأنه على ما يبدو يحمل مشروعًا أكبر من تصريحاته كي يتقدم خطوة جديدة في مشروع الضم والسيادة على الضفة الغربية، تدون في سجله السياسي، من خلال فرض "السيادة المؤسساتية" إن صح التعبير. بمعنى أخر بمجرد أن تكون مسؤولية حرس الحدود الناشطة في الضفة الغربية ضمن صلاحيات وزارة الأمن القومي التي يتربع بن غفير على هرمها. بالتالي، فإن الضفة الغربية تتبع للسيادة الاسرائيلية دون اعلان رسمي للضم. فمن الناحية القانونية تبقى الضفة معرفة كأراضي محتلة بما لا يتعارض مع التعريف الدولي، بالتالي تضمن اسرائيل عدم وجود اعتراضات دولية، وتسحب من السلطة الفلسطينية ورقة التوجه لمحكمة الجنايات الدولية، أما من الناحية الفعلية والواقعية فتكن تحت مسؤولية الحكومة الاسرائيلية.

مما يؤكد هذا الاستناتج ما نشرته صحيفة هآرتس في 25 نوفمبر من العام الماضي، بأن ما يريده هذا الوزير المحتمل الذي من المقرر منحه مهمة إدارة حياة الفلسطينيين في الضفة الغربية، من خلال الإدارة المدنية التي ستقع ضمن اختصاصاته في حال نجاح مفاوضات تشكيل الحكومة.

في أول أختبار على ذلك، على الرغم من استطاعة بن غفير أن يخدع بعض الساسة الاسرائيليين والفلسطينيين، بعد الترويج لعدوله عن قراره باقتحام المسجد الأقصى في اعقاب طلب نتنياهو ذلك؛ خشية التصعيد. ومفاجأة الجميع صبيحة اليوم التالي باقتحامه باحات المسجد، في محاولة لإثبات أولًا وقبل كل شيء رمزية السيادة الإسرائيلية على الحرم القدسي، أكثر الأماكن حساسية وتفجرا، ثم احراجًا للفصائل الفلسطينية التي هددت بالرد في حال اقدم على الإقتحام. إلا أن توقيت وطبيعة ظروف الاقتحام والمدة الزمنية التي استغرقها، اشارت إلى مدى الخوف الكامن وراء ذلك، وهذا ما عبرت عنه مجموعة من الصحفيين الاسرائيليين.

من الجدير ذكره، أنه بتاريخ 6 من ديسمبر 2022، ابرم بينيامين نتنياهو اتفاقًا في اطار الائتلاف مع رئيس الصهيونية الدينية بتسلئيل سموترتش، وكان من ضمن الاتفاق أن يتم نقل الصلاحيات المتعلقة بادارة الشؤون المدنية للاسرائيليين والفلسطينيين على حد سواء في الضفة الغربية من وزارة الدفاع – المخولة بذلك منذ احتلال الضفة الغربية 1967- الى وزارة الاستيطان، مما اثار حفيظة المؤسسة الأمنية الاسرائيلية؛ كونها ترى أن هنالك تشابكًا بين ممارساتها على الأرض بهدف الحفاظ على الأمن والمستوطنين. بالتالي، فإن هذا البند من وجهة نظرها يؤثر سلبًا على عملها المهني.

أصبح مما لا شك فيه بأن هناك تقاطعًا بين حزب الصهيونية الدينة الذي اشترط كل ما يضمن حرية العمل الاستيطاني لدخول الحكومة، وبين حزب القوة اليهودية الذي يسعى لإدارة حياة الفلسطينيين سواء بالضفة الغربية أو في الأراضي المحتلة عام 1948. حيث يفضي هذا التقاسم بنهاية المطاف إلى السيطرة على الأرض وما يدب عليها "السكان". وهما مركزية المشروع الصهيوني.

المصدر : خاص-زوايا
atyaf logo