وبعد أن غدا نتنياهو أمراً واقعاً

نتنياهو
نتنياهو

والآن، وبعد أن غدا بنيامين نتنياهو، رئيس الحكومة المنتخب في إسرائيل ودخل مكتبه وبدأ العمل، أصبح على كل اللاعبين من حوله وما حول حوله، أن يدركوا الأمر الواقع ويعملوا على أساسه..

وفي مقدمة اللاعبين، الفلسطينيون، المنغرسون داخل الوطن أو المشتتون خارجه، وكذلك العرب، الذين يقيمون علاقات مع إسرائيل أو الذين لا يقيمون علاقات كهذه.

في الماضي الإسرائيلي تجارب عديدة، يتضح منها أن حكومات اليمين بالذات هي التي تحدث انعطافات كبيرة في السياسة. أبرز هذه التجارب حصلت في زمن حكومة مناحيم بيغن في سنة 1977.

أسهل وأبسط الطرق هي توصيف الحالة على أنها أكثر حكومة يمينية متطرفة، وبالتالي محاربتها وشتمها من على كل المنابر. وهي حكومة سيئة فعلا، توفر لهؤلاء كل أسباب الغضب والانفجار، وبسبب الشخصيات المتطرفة إلى حد الهوس والاتفاقيات الائتلافية التي تحاول تكريس الاحتلال وتوسيع وتعميق الاستيطان، وتنطوي على روح الغطرسة على الشعب الفلسطيني والعرب أجمعين، وسيكون مغريا مهاجمتها وتأجيج العداء لها.

لكن الأفضل والأكثر فائدة ونجاعة وشجاعة، هو أن تتم مجابهة هذه الحكومة بطريقة أخرى، مهنية، ذكية، حكيمة، مبنية على دراسة علمية استراتيجية، ترسم السيناريوهات المتوقعة، تدرس الظروف المحيطة وتتعمق أكثر في وضع إسرائيل، وتضع خطة عمل ذات وزن عملي.

سيقول كثيرون: ولكنها يمينية متطرفة جدا واستفزازية وعنصرية، وما من جدوى تخرج منها. أجل، هذا صحيح. ولكن، في السياسة هذا هو التحدي، أن تبتدع الفرص.

ففي الماضي الإسرائيلي تجارب عديدة، يتضح منها أن حكومات اليمين بالذات هي التي تحدث انعطافات كبيرة في السياسة. أبرز هذه التجارب حصلت في زمن حكومة مناحيم بيغن في سنة 1977.

اقرأ أيضاً: هآرتس: "نتنياهو" سيهان كل يوم من قبل حلفائه في الائتلاف

يومها انتصر اليمين لأول مرة في تاريخ إسرائيل، وفي حينه ساد الفزع من إخطار الحكومة الجديدة، لكن الرئيس المصري أنور السادات فاجأها وفاجأ العالم بزيارة إسرائيل وقاد مسارا مذهلا، هز إسرائيل وانتهى باتفاقيات سلام أفضت إلى انتهاء الاحتلال الإسرائيلي والانسحاب من آخر شبر من سيناء.

وفي اتفاقيات كامب ديفيد، التي وقعت في سنة 1978، سجل أول اعتراف إسرائيلي بحق تقرير المصير للشعب الفلسطيني. وفي سنة 1993، انتخب لرئاسة الحكومة إسحق رابين، الذي تباهى بتهشيم عظام الفلسطينيين. وما فتئ أن اعترف بمنظمة التحرير الفلسطينية ووقع مع ياسر عرفات اتفاقيات أوسلو، المفترض أن تفضي إلى قيام دولة فلسطينية إلى جانب إسرائيل على أساس حدود 1967.

على السؤال إن كان هناك من أمل في هذه الحكومة، نجيب فوراً: لا. وإن كانت هناك فسحة أمل منها فهي ضيقة جداً.

وفي سنة 2001، جاء إلى الحكم جنرال البطش والمذابح، أرئيل شارون. وبعد عملية اجتياح دموية للأراضي الفلسطينية، توصل إلى قناعة بأن لا بد من إنهاء الاحتلال وإقامة دولة فلسطينية وبدأ بالانسحاب من قطاع غزة وشمالي الضفة الغربية.

سيقال: لكن هذه العمليات أحدثت شرخا في صفوف العرب ودفعت إلى حلول انفرادية. أجل صحيح. ولكن هذه التجارب كانت تحتاج إلى دراسة، والقوى العربية التي رفضتها تحتاج لمراجعة للذات، إذ إن معارضة تلك الحلول لم تثبت أنها جاءت بما هو أفضل.

اقرأ أيضاً: ما حقيقة توقف دعم إيران للفصائل الفلسطينية.. وما تداعياته؟

وسيقال إن نتنياهو وبن غفير وسموترتش هم ليسوا بيغن ورابين وشارون. نعم صحيح، وأكيد. ولكن نتنياهو، الضعيف والفاسد والمخادع، هو أقوى الشخصيات الإسرائيلية، ويقود حكومة سيئة ومتطرفة، لكنها قوية.

ومن الناحية الفلسطينية، كانت حكومة نفتالي بنيت وحكومة يائير لبيد أيضا سيئة. في زمنهما شهدت المناطق الفلسطينية المحتلة حملات عدوانية شرسة وتضاعف عدد القتلى والجرحى والمعتقلين واتسع الاستيطان وزاد هدم البيوت العربية.

والأهم، لا يجري الحديث عن حكومة أفضل من الأخرى، بل عن كيفية مجابهة هذه الحكومة من الطرف العربي. والأهم من الأهم، هو الإنسان الفلسطيني الذي يعاني تحت وطأة الحكم الإسرائيلي. وينبغي أن تنصب كل جهود القادة على إدارة سياسة استراتيجية تغير وضعه وتقلب كل حجر لأجل تقصير أجل معاناته وفتح باب الأمل له وللأجيال الشابة.

وعلى السؤال إن كان هناك من أمل في هذه الحكومة، نجيب فورا: لا. وإن كانت هناك فسحة أمل منها فهي ضيقة جدا. ولكن يوجد أمل كبير في أن تدفع هذه الحكومة إلى وضع تضطر فيه إلى التعاطي مع هذا الملف بشكل مختلف.

هذه الحكومة تصطدم بمعارضة واسعة في إسرائيل نفسها، من الدولة العميقة ومن المؤسسة الأكاديمية ومن الإعلام، وحتى من الجيش، وتجابه معارضة لدى يهود العالم، وفي مقدمتهم يهود الولايات المتحدة، الذين يخافون اليوم على إسرائيل من نفسها ومن قيادتها.

وهناك تصاعد في التأييد الدولي للقضية الفلسطينية، ولولا الانقسام الفلسطيني المعيب، لكان الدعم أكبر وأقوى.

وهناك نفور لدى أصدقاء إسرائيل في العالم، من هذه القيادة اليمينية والتصريحات المتطرفة التي يطلقها قادتها، وقلق شديد من ترجمة سياسة اليمين إلى خطوات عملية تحطم آمال حل الدولتين.

هذه كلها فرص، من حق السياسيين الكسالى أن يضيعوها، ومن حق المناضلين أن يواصلوا مكافحتها. ولكن من واجب القيادات الحكيمة أن تفكر بعقل غير محكوم بالقوالب الجاهزة، وتبدع وتتفنن في البحث عن وسائل أكثر جدوى ونجاعة؛ فالإنسان الفلسطيني والعربي يستحق ذلك.

المصدر : إرم نيوز
atyaf logo