ما بعد "إعلان الجزائر" كما قبله

مؤتمر الجزائر
مؤتمر الجزائر

أقترح على "الوسيط الجزائري" لحل أزمة فلسطين، من على قاعدة "ما لا يدرك كله لا يترك جُلّه" عند التفكير بالتقدم بمشروع "حل وسط"، كأن يجري التأمل ملياً بتجربة إقليم كردستان بجناحيه "الوطني" و"الديمقراطي"، السليمانية وأربيل.

تسعى الجزائر في نقل الإعلان الذي حمل اسمها، وهدف إلى "لم الشمل" الفلسطيني، إلى حيز التنفيذ، وفي هذا السياق، طلبت حكومتها من طرفي الانقسام الفلسطيني الرئيسين: فتح وحماس، التقدم بتصورات مكتوبة تكفل التقدم إلى الأمام، وترجمة النوايا إلى أفعال.. فكيف جاء الردّان، وهل حملا ما يمكن أن يكون بداية لطريق طويل لإنهاء الانقسام؟.

الردّان جاءا مختصرين للغاية، أقل من صفحتين لكل واحد منهما، فلا حاجة على ما يبدو إلى "كثرة الكلام"، بيد أنهما جاءا "مفخخين"، ويعيدان إنتاج قضايا الخلاف ذاتها، وينذران بالمراوحة في مربع الانقسام المديد والمرير.

ردّ حماس انطلق من الحاجة لتشكيل "لجنة حريات" تبحث في الاعتقالات الأخيرة التي طالت كوادرها ونشطاءها في الضفة الغربية، طالبةً الإفراج الفوري عن المعتقلين، والكف عن هذه الممارسات التي "لا تليق" بمناخات المصالحة.

اقرأ أيضا: ضجة حول "الشقق المصرية" بغزة.. ما أسبابها؟

وكعادة الأطراف المصطرعة، لم تنبس حماس ببنت شفة عن أوضاع "الحريات العامة" في قطاع غزة، الذي يرزح تحت سلطتها منذ أزيد من عقد ونصف العقد من السنين.

وكما في "حوارات الجزائر"، أسقطت حماس فكرة "حكومة الوحدة" في ردّها، كما سبق لها أن أسقطتها في "إعلان لم الشمل"، مشددةً على إجراء الانتخابات العامة وفق لرزنامة "الإعلان" الزمنية، بدءاً بمجلس وطني لمنظمة التحرير، وبمشاركة الجميع.

تعيد ردود الفريقين النقاش إلى المربع الذي انتهت إليه "حوارات الجزائر"، دون التقدم بخطوة عملية واحدة للأمام.

ولأنها تعرف أن مهمة كهذه تبدو متعذرة، وبعيدة المنال، فقد تقدمت ببديل "انتقالي" يبدأ بتشكيل "لجنة تحضيرية" لاختيار (تعيين) مجلس توافقي-مؤقت من الجميع، وتفعيل آلية "الأمناء العامين" للفصائل.

أما حركة فتح، فقد آثرت البدء بمقترح تشكيل حكومة وحدة وطنية، يلتزم المشاركون بها، بل والداعمون لها (هذه جديدة) بالشرعية الدولية وقراراتها ومرجعياتها، وهو أمرٌ تعرف فتح، أن حماس (والجهاد) لن تقبلا بها، وسبق أن رفضتاه في موسكو والجزائر وغيرهما من ساحات "الحوار الوطني" وميادينه المتنقلة، حكومة تقوم بفرض سلطتها الأمنية والإدارية والقانونية على الضفة والقطاع (ترجمة جديدة لشعار سلطة واحدة، بندقية واحدة)، وتمكين "لجنة الانتخابات المركزية" من إجراء الاستعدادات لإنجاز الانتخابات العامة في الداخل والخارج، وتواكب الفصائل (بالذات أمناؤها العامون)، عمل حكومة الوحدة الوطنية وإجراءاتها.

اقرأ أيضا: عدم إعادة جثمان ناصر ابو حميد​ يعطي لمحة عن الأزمات التي تنتظر الحكومة المقبلة

المتمعن في المقترحين، لن يجد صعوبة في استنتاج أن نظرة الحركتين لعلاقة إحداهما بالأخرى، ما زالت محكومة بـ"المعادلة الصفرية-Zero-sum Game"، فما لإحداهما لها وحدها، وما للأخرى، لها ولنا...مقترح حماس يُبقي الحركة في وضع المسيطر على غزة، ويقترح مشاركتها فتح في السيطرة على المنظمة والضفة كذلك، الأولى تحت شعار إعادة بناء وتفعيل المنظمة، والثانية تحت بند "الحريات العامة".

في المقابل، تريد فتح تمديد سلطتها إلى القطاع، وأن تحول في المقابل، دون تمدد حماس إلى المنظمة (واحتفاظها بنسخة إضافية من ختم الممثل الشرعي الوحيد التي تقبع في جيب الرئيس محمود عباس وحده)، أو "شرعنة" وجودها في الضفة الغربية.

فتح تقدمت بمقترحها وهي تدرك مسبقاً أن حماس سترفضه، وبدل محاولة الالتفاف على هذه المعضلة، بادرت إلى إلزام داعمي الحكومة وليس المشاركين فيها فقط، القبول بقرارات الشرعية الدولية.

بهذا المعنى، تعيد ردود الفريقين النقاش إلى المربع الذي انتهت إليه "حوارات الجزائر"، دون التقدم بخطوة عملية واحدة للأمام، وأحسب أن السيد صالح بوشه، المسؤول عن هذا الملف في الخارجية الجزائرية، سيجد نفسه في حيص وبيص، وهو يعيد قراءة قضايا الخلاف ذاتها.

ولعلني أجازف في مختتم هذه "العجالة" باقتراح على "الوسيط الجزائري" من على قاعدة "ما لا يدرك كله لا يترك جُلّه" عند التفكير بالتقدم بمشروع "حل وسط"، كأن يجري التأمل ملياً بتجربة إقليم كردستان بجناحيه "الوطني" و"الديمقراطي"، السليمانية وأربيل، رغم أن التجربة تمر هذه الأيام بالذات، في واحدة من أسوأ مراحلها، لكنها عمّرت على الأقل أزيد من ثلاثة عقود، وما زالت فرص استنقاذها قائمة.

المصدر : إرم نيوز

مواضيع ذات صلة

atyaf logo