الأسباب والحلول..

تكدس القضايا أمام محاكم غزة يزعزع ثقة المواطنين بالقضاء

مجمع قصر العدل بغزة
مجمع قصر العدل بغزة

يدفع ازدحام القضايا وتكدسها في المحاكم الفلسطينية، إلى ضرب ثقة المواطن بالقضاء، الأمر الذي يتعين على القائمين عليه سواء في الضفة الغربية أو قطاع غزة، المسارعة للبحث في سُبل إنجاز مصالح المتخاصمين، الذين فضلوا القانون على أخذ الحق باليد أو الحل بالطريقة العشائرية.

موقع "زوايا" يفتح هذا الملف المتنامي عاماً بعد عام في قطاع غزة، لاستيضاح الأسباب الحقيقية وراء تكدس القضايا، محاولا البحث عن الحلول المثلى للتغلب على هذه المعضلة، فضلاً عن التعرف على مدى ثقة المحامين والمواطنين ورضاهم عن القضاء، والبحث في الأدوار اللازمة لإعادة هذه الثقة وتعزيزها.

وعلى مدار أسابيع، لم يتسن الحصول من الجهات القضائية في غزة على البيانات الرسمية المتعلقة بعدد القضايا الموجودة حالياً في محاكم القطاع سواء المُنجزة منها أو المُعلقة، كما لم يتم الإفادة حول خطتهم لزيادة أعداد المحاكم والقضاة ورفع كفاءة السلك القضائي.

وفي إطار السعي للحصول على معلومات رسمية، أحالت كل جهة من هذه الجهات القضائية الإفادة لجهة أخرى والنتيجة في النهاية كانت "صفرا".

إحصاءات سابقة

ومن المرجح تغير الأرقام خلال عامي 2021 و2022، إلا أن المحصلة قد تكون واحدة وفقاً لتقرير الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني لعام 2020، فقد بلغ عدد القضايا في المحاكم النظامية في الضفة الغربية غير المفصول فيها نحو 421 ألف قضية.

ويظهر تقرير الجهاز أن مجموع القضايا المدورة من السنوات السابقة والواردة للمحاكم النظامية (698,714) قضية خلال عام 2020، وتم الفصل في (27,7497) قضية منها.

أما في قطاع غزة، فقد بلغ عدد القضايا في المحاكم النظامية غير المفصول فيها في قطاع غزة، نحو 44 ألف قضية.

ويشير تقرير جهاز الإحصاء إلى أن مجموع القضايا المدورة من السنوات السابقة والواردة للمحاكم النظامية في غزة ( 111,424) قضية خلال عام 2020م، تم الفصل في (67,519) قضية منها.

ويظهر تقرير مجلس القضاء الأعلى للعام 2020م، أن عدد القضاة في الضفة بلغ 207 قضاة، أما في قطاع غزة فقد بلغ 29 قاضيا.

اقرأ أيضاً: الدفاع المدني بغزة يعاني من الترهل.. كيف؟

وبين تقرير المجلس أن عدد المحاكم في الضفة وغزة 39 محكمة، بالإضافة إلى محاكم متخصصة، حيث يوجد بالضفة الغربية محكمة جرائم الفساد ومحكمة استئناف ضريبة الدخل ومحكمتا الجمارك البدائية والاستئنافية، ويوجد محكمة استئناف ضريبة الدخل في غزة.

الثقة في القضاء

وبالنظر إلى طول أمد التقاضي وتباعد الجلسات، يرى سمير المناعمة محامي مركز الميزان لحقوق الإنسان، أنه يوجد تكدس حقيقي في أعداد القضايا في محاكم قطاع غزة، مبيناً أن كل المؤشرات والمعطيات من منظور المحامين والمتقاضين تدلل على ذلك، علماً أنهم أيضاً في المركز لا يتوفر لديهم إحصائيات رسمية بالخصوص.

واعتبر المناعمة في حديث لـ"زوايا" أنه من منظور المحامين والمتقاضين، فإن ذلك ما يُسهم في عدم معالجة القضايا، وبالتالي تكدسها أمام الهيئات القضائية، الأمر الذي يُعرقل الحق في الوصول للعدالة، مبيناً أنه لا يوجد شكاوى لديهم بالخصوص، حيث لم يرد لمركز الميزان لحقوق الإنسان شكاوى من هذا النوع.

وعلى صعيد ثقة المحامين والمواطنين بالقضاء، فقد أحال المناعمة هذا القياس إلى أخذ عينة من المحامين والمتقاضين، للتعرف على مدى ثقة المحامين، باعتبارهم الجهة الأكثر احتكاكاً في المحاكم والمتقاضين لديها.

 تفاوت كفاءة القضاة

بدوره، أرجع المحامي صافي الدحدوح، نقيب المحامين في قطاع غزة، تكدس القضايا النظامية إلى عدة أسباب منها: كثرة القضايا في ظل قلة عدد القضاة وعدم قدرتهم على تغطية هذا الكم من القضايا، حيث من القضاة من يكون لديه 50-60 قضية، وهذا الكم يشكل عبئاً على القاضي في متابعتها أو الوصول إلى قناعة محددة في كل قضية، الأمر الذي يجعل هذه الملفات دوارة.

وإضافة إلى هذه المعضلة يشير الدحدوح خلال حديثه لـ"زوايا" إلى عقبة تفاوت كفاءة القضاة، فمنهم كفاءات ضعيفة وجيدة، أما الكفاءات الممتازة فمفقود بالمطلق، حسب رأيه، لأن ذلك يتطلب أن يكون القاضي ذو كفاءة عالية وقادر على خلق سوابق قضائية فعالة، تغطي عجز التشريعات او مواكبة التطورات.

ومن وجهة نظر الدحدوح، فإن الوصول إلى العدالة الناجزة يتطلب وضع خطة استراتيجية لتعيين القضاة، وألا يتم اختيارهم من الطيف السياسي الواحد، في إشارة إلى القضاة المعينين في محاكم غزة التي تديرها حركة حماس، مشدداً على أهمية اختيار القضاة من كافة الأطياف السياسية حتى يتم دمج القضاء بالقضاة الأكفاء، ولتلبية متطلبات الجمهور، وتحقيق مصلحة المواطن بعل القضاء ناجزا.

ونوه إلى أن قطاع غزة يزخر بالكفاءات من المحامين، الذين لو أتيحت لهم الفرصة والامتيازات المادية للالتحاق بسلك القضاء، فإنهم سوف يندفعون اندفاعاً لهذا المنصب.

وبصفته النقابية، لم يخفِ الدحدودح وجود بعض المحامين الذين يلجؤون إلى إطالة أمد التقاضي، لكنه أشار بإيجابية إلى توصيات رئيس مجلس القضاء في غزة ضياء المدهون حول "سرعة الفصل" في القضايا، والتي تقضي بأن يحدد القاضي الجلسات للمدعين والمدعى عليهم.

اقرأ أيضاً: ضجة حول "الشقق المصرية" بغزة.. ما أسبابها؟

وأوضح أن الفصل في القضايا من صلاحيات القاضي، وهو الذي يُلزم المحامي، الذي يتعمد التأجيل، بأن يطلب منه تقديم البيانات والأدلة المطلوبة في جلسة واحدة أو جلستين متتاليتين، وإلا يصار في القضية باعتبار المحامي عاجزاً عن تقديم الأدلة.

وعلى صعيد ثقة المحامين والمواطنين بالقضاء، فقد عبر الدحدوح عن تقييمه بالقول: "حتى هذه اللحظة تقييمي لثقة المواطن بالقضاء بأنها ضعيفة جداً"، مضيفا "لكن نرجو أن يتحسن دور القضاء حتى يصل إلى الأفضل"، مكررا مطالبته بتوجه القضاة إلى نقابة المحامين لاستيعاب قضاة أكفاء من صفوفهم.

 الأصل إدارة الدعوة

من جانبه، ذكر المستشار أمجد الأغا مدير عام الشؤون القانونية في المجلس التشريعي، أن ما يسمى ظاهرة اختناق القضايا في المحاكم النظامية لها عدة أسباب، ولا يمكن اختزالها في سبب واحد، مبيناً أن أحد الأسباب هو "الأداء القضائي"، حيث أن "القضاة ليسوا على نفس المستوى من الفعالية والخبرة والكفاءة".

وأشار الأغا في حديثه لـ"زوايا" إلى أنه حين يتبوأ القضاة مناصبهم لدى محكمة الصلح أو محكمة البداية، فإنهم يبلون بلاءً حسناً في إدارتهم للجلسة المسماة (إدارة الدعوة)، حيث تكون إدارتهم منهجية ويستطيعون حصر نقاط الخلاف ما بين المتخاصمين والتأجيلات تكون متقاربة، وبالتالي يكون لديهم نجاح كبير للفصل بالدعوة في وقت وجيز.

لكن الأغا ينبه إلى أنه في حال نقل القاضي ومجيء من بعده، فإنه لا يملك إدارة الدعوة وتتراكم لديه القضايا، بحيث لا يمكنه في جلسة واحدة ربما تمتد لساعات سماع شهادتين أو ثلاثة، وبالتالي يتطلب ذلك أن يكون هناك دليل موحد لإدارة الدعوة، ويعمم على القضاة.

وذكر أن السبب الثاني للاختناق القضائي، هو كثرة التأجيلات الإدارية الناتجة عن عدم اكتمال النصاب في المحكمة، أو تغيب أحد المحامين بسبب التسويف والمماطلة، أو بسبب الأمور الخارجة عن الإرادة مثل المرض لأحد الأطراف، موضحا أن هذه المشكلة يمكن معالجتها بموجب نصوص قانونية واضحة "أنه في حال التغيب مرة أو مرتين أو ثلاثة يتم السير في الدعوة، وبالتالي يتم حجز الدعوة والاكتفاء بالجلسات التي عقدت".

أما السبب الثالث من أسباب الاختناق القضائي، فقد ذكر الأغا أن هناك نصوصا تشريعية التي تقف خلفها، بحسب ما وردهم من بعض المحامين والقضاة، فإن هذه النصوص تحتاج إلى تعديلات، خاصة تلك الواردة في قانون أصول المحاكمات المالية التجارية لسنة 2001، بحيث يُسرع عملية الفصل في الدعاوى بنوع من أنواع المرونة.

وفي هذا السياق، ذكر الأغا أنه في الآونة الأخيرة صدر تعميم عن رئيس مجلس القضاء الأعلى بغزة يتعلق بإطالة أمد التقاضي، مؤكداً أن هذا التعميم أحدث فارقاً على مستوى الأداء والممارسة القضائية، وساهم إلى حد كبير بالحد من التسويف والمماطلة، الذي يقوم به بعض طرفي الدعوة.

وأدى التعميم إلى التقليل من الممارسات التي يتعمد القيام بها بعض المحامين لإطالة أمد التقاضي، حيث منح التعميم القضاة صلاحيات مهمة في حسم النزاع، وتقريب المُدد التي يتم بموجبها الفصل في هذه المنازعات.

وشدد الأغا، على ضرورة التغلب على إشكالية إطالة أمد التقاضي والاختناق القضائي من خلال تدريب القضاة وتفعيل دور التفتيش القضائي بخصوص كفاءة القضاة وسرعة ونجاعة إدارتهم للدعوة، مكرراً "يجب أن يكون هناك دليل موحد وتعميمات قضائية بعدم إطالة أمد التقاضي، وإن تعذر ذلك فإنه يمكن القيام بتعديلات على مستوى قانون إجراءات أصول المحاكمات المدنية والتجارية، ليعجل من إجراءات التقاضي في المحاكم المدنية".

تعزيز الثقة بالقضاء

وعلى صعيد ثقة المحامين والمواطنين بالقضاء، فقد اعتبر الأغا أن هذه المسألة نسبية، ولا يمكن التعميم فيها، لأنها تعتمد على مدى الاستفادة والرضا عن الأداء القضائي، لافتاً إلى أن هناك مراكز قامت بعمل مسوح ولجان استقصائية ودراسات بحثية لتقييم الأداء القضائي من حيث الانتاجية والكفاءة ومن حيث الكم والكيف.

وذكر الأغا أنه من خلال الاحتكاك بالقانونيين والمحامين والحقوقيين، نجد أن هناك تطورا واضحا منذ 16 عاماً وحتى الآن، حيث أنه يوجد تطور على مستوى الأداء القضائي وهناك نسق تصاعدي على المستوى الإجرائي، وعلى إدارة الدعوة، ومستوى بنية المحاكم وإجراءات التقاضي، فضلاً عن السرعة في الكثير من القضايا والتحديثات التشريعية التي حصلت في المحاكم.

وركز الأغا على أن المعضلة الأكبر تكمن في إجراءات التنفيذ، حيث أن الأحكام القضائية عندما تستوفي درجة القطعية أو الباتة (النهائية) يكون فيها إشكالية على مستوى دوائر التنفيذ، لافتاً إلى أنه ما زال الاكتظاظ وعقم الإجراءات موجوداً، وهناك شكاوى حول عدم وجود السرعة والفاعلية والانتاجية، بسبب تعدد القضايا وطلبات التنفيذ وتراكمها.

المصدر : خاص-زوايا
atyaf logo