فلسطين تفوز بكأس المونديال !!

فلسطين في مونديال قطر
فلسطين في مونديال قطر

(1) حضور سياسي بامتياز

تشارك فلسطين لأول مرة في التاريخ بكأس العالم دون أن يكون لها فريق رياضي منافس بين الفرق المشاركة في البطولة، هذا الحضور مميز وذو خصوصية كبيرة ونجح ان يفرض نفسه على الشعوب العربية والاسلامية والدولية.

حضور فلسطين سياسي بامتياز ودخل المونديال من ابوابه, ودخل قلوب الشعوب واحتلها وهي تهتف باسم فلسطين وترفع علمها, وفي نفس الوقت وقفت سدا منيعا امام( تسلل) الاحتلال من الولوج الى بوابات الدوحة والانخراط وسط الجماهير.

من حقنا كفلسطينيين ان نفخر بأن علمنا الفلسطيني رفرف بقوة في عالم المونديال الرياضي ووجد له مكانا وسط هذا الزحام البشري القادم من كل ارجاء العالم.

الكل يقول بفم واحد ان المونديال حقق قفزة كبيرة في الرياضة التي أثبتت انها تجمع الشعوب رغم اختلافاتها السياسية والثقافية حول الكرة الساحرة, لكنها في نفس الوقت لا تستطيع ان تتهرب من(جلدها) السياسي ولا ان تتملص من (الفطرة) التي فطرت عليها في حب الحق والعدل والكرامة للشعوب بشكل عام.

حاول الكثير من الخصوم ان يفسدوا فرصة دولة قطر في الحصول على هذا الامتياز الدولي في تنظيم مسابقة كأس العالم, ووضعوا الكثير من الالغام في طريقها ووزعوا اشاعات واختلقوا الكثير من الاوهام, غير ان قطر في نهاية الامر انتصرت ونجحت في صناعة مونديال لم يسبق له مثيل, كما قال الكثير من المحللين.

اسرائيل المنبوذة, التي تبحث دوما عن ساحات جديدة, تعرف فيها عن نفسها وتضع لها موطئ قدم لم تترك هذه الفرصة وحاولت كثيرا تشويه صورة قطر قبل عقد المونديال, واغرقت وسائل الاعلام بأن قطر ستوجه المونديال باتجاه خاطئ مخالف (للقيم الدولية), وانها ربما تستغله لأغراض سياسية, كما ان وسائل اعلام غريبة لعبت دورا واضحا في الهجوم على قطر وابرازها على انها ستفسد قيم العالم من خلال الضوابط والقيود التي وضعتها.

اقرأ أيضاً: كاتب مصري: حكومة نتنياهو القادمة لن تدخل في مواجهات مع روسيا

في نهاية المطاف نجح المونديال رياضيا , ونجحت قطر اداريا وتنظيميا, وفازت فلسطين سياسيا وخسرت اسرائيل الجولة بكل ما تعنيه الكلمة, لذلك عنونت الإعلامية الإسرائيلية ميخال أهروني مقالها بصحيفة "يسرائيل هيوم"، بجملة "الفلسطينيون كلهم في قطر، الواقع محرِج". وتحدثت فيه عن حالة من التفوق الفلسطيني خلال كأس العالم.

هذه ليست المرة الأولى التي تسجل فيها فلسطين حضورها السياسي في المونديال الكروي، حيث أهدى المنتخب الايطالي عام 1982 فوزه بلقب كأس العالم لمنظمة التحرير الفلسطينية، كنوع من التضامن مع الشعب الفلسطيني خاصة بعد الغزو الاسرائيلي لبيروت وارتكابها مجازر مهولة ضد المواطنين الابرياء.

لقد انتهى المونديال برسائل سياسية واضحة, ان فلسطين قائمة وموجودة على خارطة الشعوب وانه من المستحيل نزعها من قلوب من يحبون العدالة والحرية والكرامة, وحملت رسالة سياسية مهمة ان الشعوب – بفطرتها – ترفض الاحتلال والعنصرية وترى في اسرائيل صورة الشيطان الذي يفسد كل شيء جميل.

(2) صفعة للمطبعين

كنا نشعر بحزن والم شديد ونحن نرى علم الاحتلال يرفرف في بعض العواصم العربية , كنا نقول في انفسنا : ماذا يفعل هؤلاء القتلة المجرمون المرتكبون لكل الموبقات الانسانية ضد شعب يبحث عن حريته وكرامته؟؟ كيف يستقبل قادة العرب من ايديهم ملطخة بدماء الاطفال والنساء ؟؟ من خرقوا قوانين الانسانية والحضارة ومن رسموا معاناة شعب على مدى 75 عاما؟

كان اليأس يتملكنا ونحن نرى رئيس اركان جيش الاحتلال يبرر جرائمه في الدول العربية بأن ذلك لمصلحة السلام والقضاء على الارهاب وخلق حالة من التعايش الانساني بين اسرائيل ودول المنطقة.

غير ان الشعوب العربية والاسلامية والاحرار من دول العالم- وما اكثرهم- ايقظونا من غمرة احزاننا وربتوا على اكتافنا وقالوا لنا ( انتم هنا .. انتم وحدكم في قلوبنا .. انتم هنا وسط الشعوب التي تحب فلسطين وتقف الى جانب عدالة قضيتها, اما الاحتلال فلن تروه هنا ابدا )

لقد انتصرت الشعوب العربية والاجنبية لفلسطين ولشهدائها ومجاهديها ولقدسها واقصاها، اثنان وثلاثون دولة حاضرة بمنتخباتها جاءت مع مشجعيها, وكثير منهم حملوا راية فلسطين وكثير صدحوا باسمها, وكثير رفضوا مقابلة الاعلام الاسرائيلي والظهر على شاشاته.

الذين اعتقدوا ان اتفاقيات (ابراهام) وان الزيارات المتبادلة بين الاحتلال وبعض الدول المطبعة او ان توقيع الاتفاقيات الامنية والاقتصادية ستدشن لعصر جديد تصبح فيه دولة الاحتلال جزءا من منظومة الشرق الاوسط, وان كل ما ارتكبته من جرائم اصبح في طي النسيان, صدموا وهو يرون الشعوب العربية , وحتى شعوب الدول المطبعة رسميا- قد ابدوا رفضا حاسما لوجود دولة الاحتلال او مجرد الحديث مع اعلامها, وكانوا حين يسمعون اسم اسرائيل يردون بكل عفوية ورجولة : "لا يوجد شيء اسمه اسرائيل .. فقط توجد فلسطين." انها شعوب حية ومليئة بحب فلسطين وهي جزء من عقيدتها وتاريخها وتراثها ولا يمكن ان تضحك عليهم ثلة من الرؤساء بمسميات موهومة ومضللة مثل السلام والتعايش ونسيان الماضي.

لقد أثبت استطلاع الرأي الذي أجراه «معهد واشنطن للأبحاث» في آذار الماضي نتائج مفاجئة وصادمة للمروجين للتطبيع، وان كل محاولات الولايات المتحدة لعمل غسيل عقول للشعوب باءت بالفشل، وتبين خلال الاستطلاع أن أكثر من 99% من الشعب البحراني يعارض التطبيع، وكذلك في الإمارات العربية 76% حسب استطلاع الرأي، أما في العربية السعودية فتصل النسبة 75% .

لقد فشلت المحاولات الأميركية والاسرائيلية في عزل الشعب الفلسطيني عن محيطه العربي والاسلامي، وبل والعالمي، كما فشلت في عزل قضيته وابعادها عن اهتمام الشعوب, كما فشلت في الترويج للأنظمة المطبعة بأنها أنظمة ناجحة وتقود شعوبها نحو السلام والاستقرار والازدهار.

لقد غردت مواطنة قطرية بكلمات أجملت فيها موقف كل عربي ومسلم وحر, وعبرت عما يجيش في صدور الملايين من ابناء الامة حين قالت في تغريدتها "لست ضد التطبيع، بل كافرة به. وأضافت في تغريدة ثانية: "علّموا أولادكم أن الحب فلسطين، والأمل فلسطين، والحلم فلسطين، أخبروهم بأنها عربية من النهر إلى البحر وعاصمتها القدس، نوِّروهم فالجهل مخيف" #التطبيع_خيانة".

(3) صدمة اسرائيلية

الصحيفة العبرية الاكثر انتشارا- يديعوت احرنوت- نشرت تقريراً شاملا وصفت فيه المونديال بأنه "مونديال الكراهية"، حيث صور التقرير إسرائيل في صورة الضحية، وصوّر المواطن على أنه "حاقد وكاره". ويستند التقرير على ادعاءات عدد من الصحافيين الإسرائيليين، بعضهم من "يديعوت أحرونوت"، في إطار "مشاركة تجربتهم للجميع ليتخيلوا كيف يمكن أن يكونوا هدفاً للاشمئزاز والتهديدات من قبل مشجعي كرة القدم العرب، حتى المتحدرين من دول طبّعت علاقاتها مع إسرائيل".

وقد عبر الصحافيون الإسرائيليون عن صدمتهم من أن ينبع "العداء تجاه إسرائيل" من مشجعين عرب ينحدرون من دول لها علاقات رسمية مع دولة الاحتلال.

الصحافي الإسرائيلي، روعي شفارتس، طرح سؤال مهما على رأس مقاله: "لماذا يكرهون إسرائيل في قطر؟"، وقال كيف لا يكرهون الاسرائيليين " الذين يصرخون بالموت للعرب في مدرجات ملاعب كرة القدم، وفي المؤتمرات السياسية؟.

وانتقد، في مقاله في "هآرتس"، ما وصفه بجهل الإعلاميين الإسرائيليين، بسبب فشلهم في فهم أن احتلالاً مزدوجاً لمدة 55 عاماً مترافقاً بعدم مبالاة عامة الجمهور لا يساوي حباً بلا حدود.

لقد حاول مراسلو الصحافة الإسرائيلية الاحتكاك بالجماهير العربية والتواجد في وسطهم, وحاولوا ان يلعبوا دوريا ترويجيا لدولة الاحتلال, ومارسوا كل اشكال الخداع والتضليل لإقناع شخص ما بالحديث اليهم او الترحيب بهم ،غير ان الرفض والامتناع كان الجواب والرد القاطع.

الصحفي الاسرائيلي بن حمو الذي يتحدث العربية بطلاقة حاول في الايام ان يجري استطلاعا بين العرب الذين يشاركون في المونديال، لكن ما صدمه ان لا احد من المواطنين العرب خاصة موطني الدول المطبعة وافق ان يجري لقاء معه, وكلما عرف نفسه بانه "مراسل لقناة اسرائيلية" اعطوه ظهورهم ورفضوا الحديث معه. وفي مشهد اخر قام به مواطنون عرب قاموا برفع اعلام فلسطين حوله وصرخوا به لا يوجد "اسرائيل" بل يوجد فلسطين..، في نهاية المطاف قال بن حمو (لا احد يريدنا هنا غالبية الشعوب العربية تكرهنا).

وربما كانت دعوة سفير الاحتلال الأسبق في القاهرة إسحاق ليفانون لعقد اتفاقات سلام مع الشعوب العربية، لا مع الأنظمة، دلالة واضحة على ان اسرائيل فشلت في اختراق قلوب وثقافة الشعوب العربية.

(4) ما بعد المونديال

توجد اليوم فرصة كبيرة امامنا لتعزيز الحق الفلسطيني ومحو اثار التطبيع السوداء من خلال عمل عربي اسلامي منظم , واثبت المونديال ان الساحة والفرصة كبيرة امام نجاح هذا العمل. هناك فرصة لتضييق الخناق على الاحتلال وقطع اذرعه ومنعه من التمدد في العقل والثقافة العربية الاسلامية.

بعد المونديال سينفض الناس ويعودون الى بلدانهم واوطانهم, وربما لا تجمعهم مناسبات كبيرة مثل المونديال, لكن يجب ان نبني على ما حدث في المونديال ونركم عليه الكثير من الجهد والعمل.

يجب ان ندرك ان دولة الاحتلال لا تنام, وتعمل ليل نهار على اختراق الساحة العربية من كافة ابوابها ومن خلال الكثير من المناسبات الجمعية لتروج نفسها كدولة حضارية لها مكان تحت الشمس.

نحن امام تحد كبير والخروج من حالة المراوحة في المكان واليأس وفتح طريق جديد امام الشعب العربية لاستعادة ثقتها بنفسها وقدرتها على صناعة المستحيل.

المصدر : خاص-زوايا

مواضيع ذات صلة

atyaf logo